فهرس الكتاب

أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قتل مسلمًا بذمي ،

- الحديث الثاني : روي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قتل مسلمًا بذمي ، قلت : روي مسندًا ومرسلًا . فالمسند :

أخرجه الدارقطني في سننه عن عمار بن مطر ثنا إبراهيم بن محمد الأسلمي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن البيلماني عن ابن عمر أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم قتل مسلمًا بمعاهد ، وقال : أنا أكرم من وفى بذمته ، انتهى . قال الدارقطني : لم يسنده غير إبراهيم بن أبي يحيى ، وهو متروك الحديث ، والصواب عن ربيعة عن ابن البيلماني ، مرسل ، وابن البيلماني ضعيف ، لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث ، فكيف بما يرسله ! ثم أخرجه من طريق عبد الرزاق ثنا الثوري عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن البيلماني أن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، مرسل ، ورواه البيهقي وقال : حديث عمار بن مطر هذا خطأ من وجهين : أحدهما : وصله ، بذكر ابن عمر فيه ، وإنما هو عن ابن البيلماني عن النبي ، مرسل ، والآخر رواية عن إبراهيم عن ربيعة ، وإنما يرويه عن ابن المنكدر ، والحمل فيه على عمار بن مطر الرهاوي ، فإنه كان يقلب الأسانيد ، ويسرق الأحاديث حتى كثر ذلك في رواياته ، وسقط عن حد الاحتجاج به ، ثم أخرجه عن يحيى بن آدم ثنا إبراهيم بن أبي يحيى عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البيلماني عن النبي صلى اللّه عليه وسلم مرسلًا ، وقال : هذا هو الأصل في الباب ، وهو منقطع ، وراويه غير ثقة ، انتهى . وأما المرسل : فعن عبد الرحمن بن البيلماني ، وعن عبد اللّه بن عبد العزيز الحضرمي ، فمرسل عبد الرحمن

رواه أبو داود في المراسيل من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن البيلماني أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم أُتي برجل من المسلمين قتل معاهدا من أهل الذمة ، فقدمه رسول الله صلى اللّه عليه وسلم ، فضرب عنقه ، وقال : أنا أولى من أوفى بذمته ، انتهى . ورواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا الثوري عن ربيعة به ، ورواه الشافعي في مسنده أخبرنا محمد بن الحسن أنبأنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البيلماني ، فذكره ، ورواه الدارقطني في غرائب مالك من حديث حبيب كاتب مالك عن مالك عن ربيعة به ، قال الدارقطني : وحبيب هذا ضعيف ، ولا يصح ، انتهى . قال في التنقيح : وعبد الرحمن بن البيلماني وثقه بعضهم ، وضعفه بعضهم ، وإنما اتفقوا على ضعف ابنه محمد انتهى . وأما مرسل الحضرمي :

فأخرجه أبو داود في المراسيل أيضًا من طريق ابن وهب عن عبد اللّه بن يعقوب عن عبد اللّه بن عبد العزيز بن صالح الحضرمي ، قال : قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين مسلمًا بكافر ، قتله غيلة ، وقال : أنا أولى ، أو أحق من أوفى بذمته ، انتهى . وقال ابن القطان : في كتابه وعبد اللّه بن يعقوب ، وعبد اللّه بن عبد العزيز هذان مجهولان ، ولم أجد لهما ذكرا ، انتهى . ونقل الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ عن الشافعي أنه قال : حديث ابن البيلماني على تقدير ثبوته منسوخ بقوله عليه السلام في زمن الفتح : لا يقتل مسلم بكافر

ثم ساق بسنده عن الواقدي حدثني عمرو بن عثمان عن خرينق بنت الحصين عن عمران بن الحصين ، قال : قتل خراش بن أمية بعدما نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عن القتل ، فقال : لو كنت قاتلًا مؤمنًا بكافر لقتلت خراشًا بالهذلي - يعني لما قتل خراش رجلًا من هذيل يوم فتح مكة - قال : وهذا الإسناد ، وإن كان واهيًا ، ولكنه أمثل من حديث ابن البيلماني ، قال : هو طرف من حديث الفتح ، قال : وحديثنا متصل ، وحديث ابن البيلماني منقطع ، لا تقوم به حجة ، انتهى . وقال البيهقي في المعرفة نقلًا عن الشافعي : قال : بلغني أن عبد الرحمن بن البيلماني روى أن عمرو بن أمية الضمري قتل كافرًا ، كان له عهد إلى مدة ، وكان المقتول رسولًا ، فقتله النبي صلى اللّه عليه وسلم به ، قال : وهذا خطأ ، فإن عمرو بن أمية الضمري عاش بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم دهرًا ، وعمرو بن أمية قتل رجلين وداهما النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقال له : قتلت رجلين لهما مني عهد لأدينهما ، انتهى . - الآثار :

روى الشافعي في مسنده أخبرنا محمد بن الحسن ثنا قيس بن الربيع الأسدي عن أبان بن تغلب عن الحسين بن ميمون عن عبد اللّه بن عبد اللّه مولى بني هاشم عن أبي الجنوب الأسدي قال : أُتي علي بن أبي طالب برجل من المسلمين ، قتل رجلًا من أهل الذمة قال : فقامت عليه البينة ، فأمر بقتله ، فجاء أخوه ، فقال : قد عفوت ، فقال : لعلهم فزعوك ، أو هددوك ؟ قال : لا ، ولكن قتله ، لا يرد على أخي ، وعوضوني ، قال : أنت أعرف ، من كان له ذمتنا ، فدمه كدمنا ، وديته كديتنا انتهى . قال في التنقيح : وحسين بن ميمون هو الخندقي ، قال ابن المديني : ليس بمعروف ، قل من روى عنه ، وقال أبو حاتم : ليس بالقوي في الحديث ، يكتب حديثه ، وذكره البخاري في الضعفاء ، وابن حبان في الثقات ، وقال : ربما يخطئ ، قال : ونحمله على أن معناه : ودمه محرم كتحريم دمائنا ، قال البيهقي : قال الشافعي : وفي حديث أبي جحيفة عن علي لا يقتل مسلم بكافر دليل على أن عليًا لا يروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم شيئًا يقول بخلافه ، انتهى . - أثر آخر : رواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا الثوري عن حماد عن إبراهيم أن رجلًا مسلمًا قتل رجلًا من أهل الكتاب من أهل الحيرة ، فأقاد منه عمر ، انتهى . ورواه البيهقي في المعرفة من طريق الشافعي أنبأ محمد بن الحسن ثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن رجلًا من بكر بن وائل قتل رجلًا من أهل الحيرة ، فكتب فيه عمر بن الخطاب أن يدفع إلى أولياء المقتول ، فإن شاءوا قتلوا ، وإن شاءوا عفوا ، فدفع الرجل إلى ولي المقتول رجل يقال له : حنين من أهل الحيرة ، فقتله ، فكتب عمر بعد ذلك : إن كان الرجل لم يقتل ، فلا تقتلوه ، فرأوا أن عمر أراد أن يرضيهم من الدية ، انتهى . - أثر آخر : رواه عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عمرو بن ميمون بن مهران ، قال : شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز قدم إلى أمير الحيرة ، أو قال أمير الجزيرة في رجل مسلم قتل رجلًا من أهل الذمة : أن ادفعه إلى وليه ، فإن شاء قتله ، وإن 0شاء عفا عنه ، قال : فدفعه إليه ، فضرب عنقه ، وأنا أنظر ، انتهى . - أثر آخر :

رواه الطحاوي في شرح الآثار حدثنا إبراهيم بن أبي داود ثنا عبد اللّه بن صالح حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، قال : مررت بالبقيع قبل أن يقتل عمر ، فوجدت أبا لؤلؤة ، والهرمزان ، وجفينة يتناجون ، فلما رأوني ثاروا ، فسقط منهم خنجر له رأسان ، ونصابه وسطه ، فلما قتل عمر رآه عبيد اللّه بن عمر ، فإذا هو الخنجر الذي وصفه له عبد الرحمن ، فانطلق عبيد اللّه ، ومعه السيف ، فقتل الهرمزان ، ولما وجد مس السيف ، قال : لا إله إلا اللّه ، وعدا على جفينة ، وكان من نصارى الحيرة ، فقتله ، وانطلق عبيد اللّه إلى ابنة أبي لؤلؤة - صغيرة تدعي الإسلام - فقتلها ، وأراد أن لا يترك من السبي يومئذ أحدًا إلا قتله ، فاجتمع عليه المهاجرون ، فزجروه ، وعظموا عليه ما فعل ، ولم يزل عمرو بن العاص يتلطف به حتى أخذ منه السيف ، فلما استخلف عثمان دعا المهاجرين والأنصار ، وقال لهم : أشيروا عليّ في هذا الرجل الذي فتق في الدين ما فتق ، فأشار عليه علي ، وبعض الصحابة بقتل عبيد اللّه ، وقال جل الناس : أبعد اللّه جفينة ، والهرمزان ، أتريدون أن تتبعوا عبيد اللّه أباه ، إن هذا لرأي سوء ، وقال له عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين إن هذا قد كان قبل أن يكون لك على الناس سلطان ، فتفرق الناس على كلام عمرو بن العاص ، وودي الرجلين ، والجارية ، فلما ولى علي بن أبي طالب ، أراد قتله ، فهرب منه إلى معاوية ، فقتل أيام صفين ، انتهى . وكذلك رواه ابن سعد في الطبقات قال الطحاوي : ففي هذا الحديث أن المهاجرين أشاروا على عثمان بقتل عبيد اللّه بن عمر ، وقد قتل الهرمزان ، وجفينة ، وهما ذميان ، فإن قيل : إنما أشاروا عليه لقتله ابنة أبي لؤلؤة - صغيرة تدعي الإسلام - لا لقتله الهرمزان ، وجفينة ، قلنا : قولهم له : أبعد اللّه جفينة ، والهرمزان ، يدل على أنه أراد قتله بهما ، والله أعلم ، انتهى . قال البيهقي في المعرفة : واستدل الطحاوي لمذهبه بخبر الهرمزان ، وجفينة ، وأن عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب قتلهما ، فأشار المهاجرون على عثمان بن عفان - وفيهم علي بن أبي طالب - بقتله بهما ، وكانا ذميين ، والجواب عن ذلك أنه قتل ابنة صغيرة لأبي لؤلؤة ، تدعي الإسلام ، فوجب عليه القصاص ، وأيضًا فلا نسلم أن الهرمزان كان يومئذ كافرًا ، بل كان أسلم قبل ذلك ، يدل عليه ما أخبرنا ، وأسند عن الشافعي ثنا عبد الوهاب الثقفي عن حميد عن أنس ، قال : حاصرنا تستر ، فنزل الهرمزان على حكم عمر ، فذكر الحديث في قدومه على عمر ، وأمانه له ، قال أنس ، فأسلم الهرمزان ، وفرض له عمر ، ثم أسند عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : فرض عمر للهرمزان - دهقان الأهواز - ألفين حين أسلم ، وكونه قال : لا إله إلا اللّه حين مسه السيف ، كان إما تعجبًا ، أو نفيًا لما اتهمه به عبيد اللّه بن عمر ، قال : وأما أن عليًا ممن أشار بقتله ، فغير صحيح ، لا يثبت ، انتهى .