فهرس الكتاب

صاعنا أصغر الصيعان

وأخرج عبد الرزاق عن ابن الزبير ، قال : زكاة الفطر مُدَّان من قمح ، أو صاع من تمر ، أو شعير ، وأخرج نحوه عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر بن عبد اللّه ، وروى أيضاً أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن عن أبي هريرة ، قال : زكاة الفطر على كل حر وعبد ، ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير ، فقير أو غني صاع من تمر ، أو نصف صاع من قمح ، قال معمر : وبلغني أن الزهري كان يرفعه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، انتهى . قال الشيخ في الإِمام : وهذا الخبر الوقف فيه متحقق ، وأما الرفع فإنه بلاغ ، لم يبين معمر من حدثه به ، فهو منقطع ، انتهى . وأخرج أيضاً عن مجاهد ، قال : كل شيء سوى الحنطة ، ففيه صاع ، والحنطة نصف صاع ، وأخرج نحوه عن طاوس ، وابن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وسعيد بن جبير ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن . وأخرجه الطحاوي عن جماعة كثيرة ، ثم قال : وما علمنا أحداً من الصحابة ، والتابعين روى عنه خلاف ذلك ، وقال البيهقي رحمه اللّه : وقد وردت أخبار عن النبي عليه السلام في صاع من بر ، ووردت أخبار في نصف صاع ، ولا يصح شيء من ذلك ، وقد بينا علة كل واحد منهما في في الخلافيات . انتهى . الحديث السادس : قال عليه السلام : صاعنا أصغر الصيعان ، قلت : غريب ،

روى ابن حبان في صحيحه في النوع التاسع والعشرين ، من القسم الرابع عن ابن خزيمة بسنده عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قيل له : يا رسول اللّه ، صاعنا أصغر الصيعان ، ومُدنا أكبر الأمداد ، فقال : اللّهم بارك لنا في صاعنا ، وبارك لنا في قليلنا وكثيرنا ، واجعل لنا مع البركة بركتين ، انتهى . قال ابن حبان : وفي ترك المصطفى عليه السلام الإِنكار عليهم ، حيث قالوا : صاعنا أصغر الصيعان ، بيان واضح أن صاع المدينة أصغر الصيعان ، ولم نجد بين أهل العلم إلى يومنا هذا خلافاً في قدر الصاع ، إلا ما قاله الحجازيون ، والعراقيون ، فزعم الحجازيون أن الصاع خمسة أرطال وثلث ، وقال العراقيون : ثمانية أرطال ، فصح أن صاع النبي عليه السلام كان خمسة أرطال وثلث ، إذ هو أصغر الصيعان ، وبطل قول من زعم : أن الصاع ثمانية أرطال من غير دليل ثبت على صحته ، انتهى . وأخرج الدارقطني في سننه : عن عمران بن موسى الطائي ثنا إسماعيل بن سعيد الخراساني ثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، قال : قلت لمالك بن أنس : يا أبا عبد اللّه ، كم وزن صاع النبي عليه السلام ؟ قال : خمسة أرطال وثلث بالعراقي ، أنا حزرته . قلت : يا أبا عبد اللّه خالفت شيخ القوم ، قال : من هو ؟ قلت : أبو حنيفة رضي اللّه عنه ، يقول : ثمانية أرطال ، فغضب غضباً شديداً ، وقال : قاتله اللّه ، ما أجرأه على اللّه ، ثم قال لبعض جلسائه : يا فلان ، هات صاع جدك ، ويا فلان ، هات صاع عمك ، ويا فلان ، هات صاع جدتك ، فاجتمعت أصوع ، فقال مالك : تحفظون في هذه ؟ فقال أحدهم : حدثني أبي عن أبيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقال الآخر : حدثني أبي عن أخيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال مالك : أنا حزرت هذه ، فوجدتها خمسة أرطال وثلثاً ، قلت : يا أبا عبد اللّه أحدثك بأعجب من هذا عنه : إنه يزعم أن صدقة الفطر نصف صاع ، والصاع ثمانية أرطال ، فقال : هذه أعجب من الأولى ، بل صاع تام عن كل إنسان ، هكذا أدركنا علماءنا ببلدنا هذا ، انتهى . قال صاحب التنقيح : إسناده مظلم ، وبعض رجاله غير مشهورين ، والمشهور ما أخرجه البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي ، وهو ثقة ، قال : قدم علينا أبو يوسف رحمه اللّه من الحج ، فقال : إني أريد أن أفتح عليكم باباً من العلم أهمني ، ففحصت عنه ، فقدمت المدينة ، فسألت عن الصاع فقال : صاعنا هذا صاع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قلت لهم : ما حجتكم في ذلك ؟ فقالوا : نأتيك بالحجة غداً ، فلما أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخاً من أبناء المهاجرين والأنصار ، مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه ، كل رجل منهم يخبر عن أبيه ، وأهل بيته ، أن هذا صاع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فنظرت فإِذا هي سواء ، قال : فعَيّرته ، فإِذا هو خمسة أرطال وثلث ، بنقصان يسير ، فرأيت أمراً قوياً ، فتركت قول أبي حنيفة رضي اللّه عنه في الصاع ، وأخذت بقول أهل المدينة ، هذا هو المشهور من قول أبي يوسف رحمه اللّه ، وقد روى أن مالكاً ناظره ، واستدل عليه بالصيعان التي جاء بها أولئك الرهط ، فرجع أبو يوسف إلى قوله . وقال عثمان بن سعيد الدارمي : سمعت علي بن المديني يقول : عيرت صاع النبي عليه السلام ، فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل بالتمر ، انتهى كلامه .

وأخرج الحاكم في المستدرك عن هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي اللّه عنهما أنها حدثته أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل المدينة ، أو الصاع الذي يقتاتون به ، يفعل ذلك أهل المدينة كلهم ، انتهى . وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وهو الحجة لمناظرة مالك ، وأبي يوسف رحمهما اللّه تعالى ، انتهى . واستدل ابن الجوزي في التحقيق للشافعي ، وأحمد في أن الصاع خمسة أرطال وثلث ، بحديث كعب بن عجرة في الفدية أن النبي عليه السلام ، قال له : صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين : لكل مسكين نصف صاع ،