فهرس الكتاب

صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم الهلال

أخرجه مسلم عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين ، قالت : دخل عليَّ النبي عليه السلام ذات يوم ، فقال : هل عندكم شيء ؟ فقلنا : لا ، فقال : إني إذاً صائم ، ثم أتانا يوماً آخر ، فقلنا : يا رسول اللّه أهدى لنا حيس ، فقال : أدنيه ، فلقد أصبحت صائماً ، فأكل ، انتهى . الحديث الرابع : قال عليه السلام : صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم الهلال فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ، قلت :

أخرجه البخاري ، ومسلم عن أبي هريرة ، واللفظ للبخاري ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه ، فأفطروا ، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ، انتهى . وفي لفظ لهما : فعدوا ثلاثين ، وفي لفظ : فأكملوا العدة ، وفي لفظ : فصوموا ثلاثين يوماً ، والمصنف رحمه اللّه احتج بهذا الحديث على أن اليوم الثلاثين من شعبان يوم شك إذا غم هلال رمضان ، وأنه لا يجوز صومه إلا تطوعاً ، قال ابن الجوزي في التحقيق : وأصح الروايتين عن أحمد رضي اللّه عنه ، أنه يجب صومه بنية من رمضان ، ولا يسمى يوم شك ، قال : ويوم الشك فسره أحمد بأن يتقاعد الناس عن طلب الهلال ، أو يشهد برؤيته من يرد الحاكم شهادته ، ونقل هذا القول عن جماعة من الصحابة ، والتابعين رضي اللّه عنهم ، واستدل لأصحابنا ، ومن قال بقولهم ، بأربعة أحاديث : أحدها : حديث البخاري المتقدم : فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ، ثم أجاب عنه بأن الإِسماعيلي قال في صحيحه الذي خرجه على البخاري : تفرد به البخاري عن آدم عن شعبة ، فقال فيه : فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ، وقد رويناه عن غندر ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وابن علية ، وعيسى بن يونس ، وشبابة ، وعاصم بن علي ، والنضر بن شميل ، ويزيد بن هارون ، كلهم عن شعبة ، لم يذكر أحداً # منهم : فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ، وإنما قالوا فيه : فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ، قال الإِسماعيلي : فيجوز أن يكون آدم رواه على التفسير من عنده ، وإلا فليس لانفراد البخاري عنه بهذا اللفظ من بين من رواه عنه وجه ، قال ابن الجوزي رحمه اللّه : فعلى هذا يكون المعنى : فإن غم عليكم رمضان فعدوا ثلاثين ، ولا يصير لهم فيه حجة ، على أن أصحابنا يؤوّلون ما انفرد به البخاري من ذكر شعبان ، فقالوا : نحمله على ما إذا غم هلال رمضان ، وهلال شوال ، فإِنا نحتاج إلى إكمال شعبان ثلاثين ، احتياطاً للصوم ، فإِنا وإن كنا قد صمنا يوم الثلاثين من شعبان ، فلسنا نقطع بأنه من رمضان ، ولكنا صمناه حكماً ، قال : ويدل على ما قلناه شيئان : أحدهما : عود الضمير على أقرب مذكور ، وهو قوله : وأفطروا لرؤيته . الثاني : أن مسلماً رواه مفسراً : إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوماً ، انتهى كلامه . قال صاحب التنقيح : وما ذكره الإِسماعيلي من أن آدم بن أبي إياس يجوز أن يكون رواه على التفسير من عنده للخبر ، فغير قادح في صحة الحديث ، لأن النبي عليه السلام إما أن يكون قال اللفظين ، وهو ظاهر اللفظ ، وإما أن يكون قال أحدهما ، وذكر الراوي اللفظ الآخر بالمعنى ، فإن اللام في قوله : فأكملوا العدة للعهد - أي عدة الشهر - والنبي عليه السلام لم يخص بالإِكمال شهراً دون شهر ، إذا غم ، فلا فرق بين شعبان وغيره ، إذ لو كان شعبان غير مراد من هذا الإِكمال لبيّنه ، لأن ذكر الإِكمال عقيب قوله : صوموا وأفطروا ، فشعبان وغيره مراد من قوله : فأكملوا العدة ، فلا تكون رواية : فأكملوا عدة شعبان مخالفة لرواية : فأكملوا العدة ، بل مبينة لها . أحدهما : أطلق لفظاً يقتضي العموم في الشهر ، والثاني : ذكر فرداً من الأفراد ، قال : ويشهد له حديث

أخرجه أبو داود ، والترمذي عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً : لا تصوموا قبل رمضان ، صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن حال بينكم وبينه سحاب ، فكملوا العدة ثلاثين ، ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

ورواه ابن خزيمة ، وابن حبان في صحيحيهما ، ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده حدثنا أبو عوانة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس : صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن حال بينكم وبينه غمامة أو ضبابة ، فأكملوا شهر شعبان ثلاثين ، ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان . قال : وبالجملة فهذا الحديث نص في المسألة ، وهو صحيح كما قال الترمذي ، وسماك ، وثقه أبو حاتم ، وابن معين ، وروى له مسلم في صحيحه قال : والذي دلت عليه الأحاديث في هذه المسألة ، وهو مقتضى القواعد : أن كل شهر غم أكمل ثلاثين ، سواء في ذلك شعبان ، ورمضان ، وغيرهما ، وعلى هذا يكون قوله : فإن غم عليكم ، فأكملوا العدة راجعاً إلى الجملتين ، وهما قوله : صوموا لرؤيته ، وافطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ، أي غم عليكم في صومكم ، أو فطركم ، هذا هو الظاهر من اللفظ ، وباقي الأحاديث تدل على ذلك ، كقوله : فإن غم عليكم ، فأقدروا له ، انتهى . الحديث الثاني :

أخرجه أبو داود ، والنسائي عن جرير عن منصور عن ربعي عن حذيفة ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال ، أو تكملوا العدة قبله ، انتهى . ورواه ابن حبان في صحيحه ؛ وأخرجه النسائي أيضاً عن سفيان عن منصور عن ربعي عن بعض أصحاب النبي عليه السلام ، فذكره أيضاً ، وأخرجه أيضاً عن الحجاج بن أرطاة عن منصور عن ربعي ، فذكره عن النبي عليه السلام مرسلاً ، وقال : لا أعلم أحداً من أصحاب منصور قال فيه : عن حذيفة غير جرير ، انتهى . قال ابن الجوزي : وحديث حذيفة هذا ضعفه أحمد ، ثم هو محمول على حال الصحو ، لأنه لم يذكر فيه الغيم ، أو على ما إذا غم هلال رمضان ، وهلال شوال ، كما سبق ، قال في التنقيح : وهذا وهم منه ، فإن أحمد إنما أراد أن الصحيح قول من قال : عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام ، وإن تسمية حذيفة ، وهم من جرير ، فظن ابن الجوزي أن هذا تضعيف من أحمد للحديث ، وأنه مرسل ، وليس هو بمرسل ، بل متصل ، إما عن حذيفة ، وإما عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام ، وجهالة الصحابة غير قادحة في صحة الحديث ، قال : وبالجملة فالحديث صحيح ، ورواته ثقات ، محتج بهم في الصحيح ، انتهى . الحديث الثالث :

أخرجه أبو داود عن معاوية بن صالح عن عبد اللّه بن أبي قيس عن عائشة ، قالت : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان مالا يتحفظ من غيره ، ثم يصوم رمضان لرؤيته ، فإن غم عليه عدّ ثلاثين يوماً ثم صام ، انتهى . ورواه الدارقطني وقال : إسناده صحيح ، قال ابن الجوزي : وهذه عصبية من الدارقطني ، كان يحيى بن سعيد لا يرضى معاوية بن صالح ، وقال أبو حاتم : لا يحتج به ، قال في التنقيح : ليست العصبية من الدارقطني ، وإنما العصبية منه ، فإن معاوية بن صالح ثقة صدوق ، وثقه أحمد بن حنبل ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وأبو زرعة . وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه ، فقال : حسن الحديث ، صالح الحديث . واحتج به مسلم في صحيحه ، ولم يرو شيئاً خالف فيه الثقات ، وكون يحيى بن سعيد كان لا يرضاه ، غير قادح فيه ، فإن يحيى شرطه شديد في الرجال ، ولذلك قال : لو لم أرو إلا عمن أرضى ، ما رويت إلا عن خمسة . وقول أبي حاتم : لا يحتج به ، غير قادح أيضاً ، فإنه لم يذكر السبب ، وقد تكررت هذه اللفظة منه في رجال كثيرين من أصحاب الثقات الأثبات من غير بيان السبب ، كخالد الحذاء ، وغيره ، واللّه أعلم . الحديث الرابع :