فهرس الكتاب

ندب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الاكتحال يوم عاشوراء

وذكره البخاري في صحيحه تعليقاً ، فقال : وقال ابن عباس ، وعكرمة : الصوم مما دخل وليس مما خرج ، انتهى . الحديث السادس عشر : وقد ندب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الاكتحال يوم عاشوراء ، وإلى الصوم فيه . قلت : أما الصوم ،

فأخرجاه في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع ، قال : بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلاً من أسلم يوم عاشوراء ، فأمره أن يؤذن في الناس : من كان لم يصم فليصم بقية يومه ، ومن لم يكن أكل فليصم ، فإن اليوم يوم عاشوراء ، انتهى . حديث آخر :

أخرجاه أيضاً عن الربيع بنت معوذ بن عفراء ، قالت : أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة : من كان أصبح صائماً فليتم صومه ، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه ، فكنا بعد ذلك نصومه ، ونصوم صبياننا الصغار ، فنجعل لهم اللعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم ، انتهى . حديث آخر :

أخرجاه أيضاً عن ابن عباس ، قال : قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة ، فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء ، فقال لهم : ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ قالوا : هذا يوم عظيم أنجى اللّه فيه موسى وقومه ، وأغرق فرعون وقومه ، فصامه موسى شكراً ، فنحن نصومه ، فقال عليه السلام : نحن أحق بموسى منكم وصامه عليه السلام ، وأمر بصيامه انتهى ، وأخرجا عن عائشة قالت كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض شهر رمضان ، قال : من شاء صامه ومن شاء تركه ، انتهى . وأخرجاه من حديث ابن عمر نحوه ،

وأخرجاه عن معاوية : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : هذا يوم عاشوراء لم يكتب اللّه عليكم صيامه ، وأنا صائم ، فمن أحب منكم أن يصومه فليصم ، ومن أحب أن يفطر فليفطر ، انتهى .

ولمسلم عن جابر بن سمرة ، قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ، ويتعاهدنا عنده ، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ، ولم ينهنا عنه ، ولم يتعاهدنا عنده ، انتهى .

ولمسلم عن الحكم بن الأعرج ، قال : قلت لابن عباس : أخبرني عن صوم يوم عاشوراء ، قال : إذا رأيت هلال المحرم ، فاعدد ، وأصبح يوم التاسع صائماً ، قلت : هكذا كان محمد صلى اللّه عليه وسلم يصومه ؟ قال : نعم ، انتهى .

وأخرج عن أبي غطفان عن ابن عباس ، قال : حين صام عليه السلام يوم عاشوراء ، قالوا : يا رسول اللّه إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ، فقال عليه السلام : فإذا كان العام المقبل إن شاء اللّه صمنا اليوم التاسع ، فلم يأت العام المقبل حتى توفي عليه السلام .

وأخرج مسلم عن أبي قتادة ، قال : سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن صوم الدهر ، فقال : لا صام ولا أفطر ، فسئل عن صيام يومين وإفطار يوم ، قال : ومن يطيق ذلك ، فسئل عن صوم يوم وإفطار يومين ، فقال : ليت أن اللّه تعالى قوانا لذلك ، وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم ، فقال : ذاك صوم أخي داود عليه السلام ، وسئل عن صوم يوم الإِثنين ، فقال : ذاك يومٌ ولدت فيه ويومٌ بعثت ، أو أنزل عليّ فيه ، قال : فقال : صوم ثلاثة أيام من كل شهر ، ورمضان إلى رمضان صوم الدهر ، وسئل عن صوم يوم عرفة ، فقال : يكفر السنة الماضية والباقية ، وسئل عن صوم عاشوراء ، فقال : يكفر السنة الماضية ، قال مسلم وفيه من رواية شعبة ، وسئل عن صوم يوم الإِثنين والخميس ، فسكتنا عن ذكر الخميس ، لما نراه وهماً ، انتهى . وأما الاكتحال :

فروى البيهقي في شعب الإِيمان ، في الباب الثالث والعشرين : أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ أخبرني عبد الغني بن محمد بن إسحاق الوراق ثنا علي بن محمد الوراق ثنا الحسن بن بشر ثنا محمد بن الصلت ثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : من اكتحل بالأثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً ، انتهى . قال : البيهقي : إسناده ضعيف بمرة ، فجويبر ضعيف ، والضحاك لم يلق ابن عباس ، انتهى . ومن طريق البيهقي رواه ابن الجوزي في الموضوعات ، ونقل عن الحاكم أنه قال فيه : حديث موضوع ، وضعه قتلة ، الحسين رضي اللّه عنه ، انتهى . وجويبر ، قال فيه ابن معين : ليس بشيء ، وقال أحمد : متروك ، وأما إن الضحاك لم يلق ابن عباس فروى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا أبو داود عن شعبة ، قال : أخبرني مشاش ، قال : سألت الضحاك ، هل رأيت ابن عباس ؟ فقال : لا ، انتهى . حدثنا أبو داود عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة ، قال : لم يلق الضحاك بن # عباس إنما لقي سعيد بن جبير ، فأخذ عنه التفسير ، انتهى . وله طريق آخر :

أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات عن أبي طالب محمد بن علي بن الفتح العشاري ثنا أبو بكر أحمد بن منصور النوشري ثنا أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد ثنا إبراهيم الحربي ثنا سريج بن النعمان ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : من اكتحل يوم عاشوراء لم ترمد عينه تلك السنة كلها ، انتهى . وقال : في رجاله من ينسب إلى تغفيل ، فدسّ عليه في أحاديث الثقات ، انتهى كلامه . أحاديث الباب :

أخرج الترمذي عن أبي عاتكة عن أنس بن مالك ، قال : جاء رجل إلى النبي عليه السلام ، فقال : اشتكت عيني ، أفأكتحل وأنا صائم ؟ قال : نعم ، انتهى . قال الترمذي : إسناده ليس بالقوي ، ولا يصح عن النبي عليه السلام في هذا الباب شيء ، وأبو عاتكة ضعيف ، انتهى . قال في التنقيح : حديث واهٍ جداً ، وأبو عاتكة مجمع على ضعفه ، واسمه : طريف بن سلمان ، ويقال : سلمان بن طريف قال البخاري : منكر الحديث ، وقال النسائي : ليس بثقة ، وقال الرازي : ذاهب الحديث ، انتهى . حديث آخر :

أخرجه ابن ماجه عن بقية ثنا الزبيدي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللّه عنها ، قالت : اكتحل النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو صائم ، انتهى . وأخرجه البيهقي في سننه عن بقية عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي عن هشام به ، وظن بعض العلماء أن الزبيدي في سند ابن ماجه هو محمد بن الوليد ، الثقة الثبت ، وذلك وهم ، وإنما هو سعيد بن أبي سعيد الزبيدي ، كما هو مصرح به عند البيهقي ، ولكن الراوي دلسه ، قال في التنقيح : وليس هو بمجهول ، كما قاله ابن عدي ، والبيهقي ، بل هو سعيد بن عبد الجبار الزبيدي الحمصي ، وهو مشهور ، ولكنه مجمع على ضعفه ، وابن عدي في كتابه فرق بين سعيد بن أبي سعيد ، وسعيد بن عبد الجبار ، وهما واحد ، انتهى . حديث آخر :

أخرجه البيهقي عن محمد بن عبيد اللّه بن أبي رافع ، قال : وليس بالقوي عن أبيه عن جده أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يكتحل وهو صائم انتهى . حديث آخر موقوف :

أخرجه أبو داود في سننه عن عتبة أبي معاذ عن عبيد اللّه بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك أنه كان يكتحل وهو صائم ، انتهى . قال في التنقيح : إسناده مقارب ، قال أبو حاتم : عتبة بن حميد الضبي أبو معاذ البصري صالح الحديث ، انتهى . أحاديث الخصوم : واحتج المانعون من اكتحال الصائم بما أخرجه أبو داود في سننه عن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه عن جده عن النبي عليه السلام أنه أمره بالأثمد عند النوم ، وقال : ليتقه الصائم ، قال أبو داود : قال لي يحيى بن معين : هذا حديث منكر ، انتهى . قال صاحب التنقيح : ومعبد ، وابنه النعمان كالمجهولين ، وعبد الرحمن بن النعمان ، قال ابن معين : ضعيف ، وقال أبو حاتم : صدوق ، انتهى . قوله : ولا يفعل لتطويل اللحية - يعني الدهن - إذا كانت بقدر المسنون ، وهو القبضة ، قلت : وفيه أثران : أحدهما : عن ابن عمر . والآخر : عن أبي هريرة . فحديث ابن عمر رضي اللّه عنهما :

أخرجه أبو داود ، والنسائي في كتاب الصوم عن علي بن الحسن بن شقيق عن الحسين بن واقد عن مروان بن سالم المقفع ، قال : رأيت ابن عمر يقبض على لحيته ، فيقطع ما زاد على الكف ، وقال : كان النبي عليه السلام إذا أفطر ، قال : ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء اللّه ، انتهى . وذكره البخاري تعليقاً فقال : وكان ابن عمر إذا حج ، أو اعتمر قبض على لحيته ، فما فضل أخذه ، انتهى . وجهل من قال رواه البخاري ، وإنما يقال في مثل هذا : ذكره ، ولا يقال : رواه ، وينظر ، فإن عبد الحق ذكره في الطهارة - في الموصول . طريق آخر :

رواه ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا علي بن هاشم ، ووكيع عن ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقبض على لحيته ، ثم يأخذ ما جاوز القبضة ، انتهى . ورواه ابن سعد في الطبقات - في ترجمة ابن عمر أخبرنا عبيد اللّه بن موسى أخبرنا ابن أبي ليلى به . طريق آخر :

رواه محمد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا أبو حنيفة عن الهيثم بن أبي الهيثم عن ابن عمر أنه كان يقبض على لحيته ، ثم يقصّ ما تحت القبضة ، انتهى . وأما حديث أبي هريرة :

فرواه ابن أبي شيبة أيضاً حدثنا أبو أسامة عن شعبة عن عمرو بن أيوب ، من ولد جرير عن أبي زرعة ، قال : كان أبو هريرة يقبض على لحيته ، فيأخذ ما فضل عن القبضة ، انتهى . ويشكل على هذه الآثار حديث : واعفوا اللحى ، وهو