فهرس الكتاب

قيل له : الحج في كل عام ، أم مرة واحدة

روي أنه عليه السلام قيل له : الحج في كل عام ، أم مرة واحدة ؟ فقال : لا بل مرة ، فما زاد فهو تطوع . قلت : رواه أبو داود ، وابن ماجه في سننهما عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي سنان يزيد بن أمية عن ابن عباس أن الأقرع بن حابس سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : يا رسول اللّه الحج في كل سنة ، أو مرة واحدة ؟ قال : لا ، بل مرة واحدة ، فمن زاد فهو تطوع ، انتهى . ورواه الحاكم في المستدرك ، وقال : حديث صحيح الإِسناد ، إلا أنهما لم يخرجا لسفيان بن حسين ، وهو من الثقات الذين يجمع حديثهم ، انتهى . وسفيان بن حسين تكلم فيه بعضهم في روايته عن الزهري ، قال ابن حبان في كتاب الضعفاء : سفيان بن حسين الواسطي يروي عن الزهري المقلوبات ، وإذا روى عن غيره أشبه حديث الأثبات ، وذلك أن صحيفة الزهري اختلطت عليه ، وكان يأتي بها على التوهم ، والإنصاف في أمره تنكب ما روى عن الزهري ، والاحتجاج بما روى عن غيره ، انتهى كلامه . قلت : قد تابعه عليه عبد الجليل بن حميد ، وسليمان بن كثير ، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، ومحمد بن أبي حفصة ، فرووه عن الزهري ، كما رواه سفيان بن حسين ، ورواه يزيد بن هارون عن أبي سنان أيضاً بنحو ذلك . - أما حديث عبد الجليل بن حميد : فأخرجه النسائي في سننه عن موسى بن سلمة المصري عن عبد الجليل بن حميد عن الزهري به ، وكذلك أخرجه الدارقطني في سننه ، قال ابن القطان في كتابه : وموسى بن سلمة ، وعبد الجليل بن حميد اليحصبي مجهولا الحال ، فالحديث من أجلهما لا يصح ، انتهى . وحديث سليمان بن كثير :

أخرجه أحمد في مسنده ، والدارقطني في سننه ، والحاكم في المستدرك ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، ولفظه : قال : خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : يا أيها الناس إن اللّه كتب عليكم الحج ، فقام الأقرع بن حابس ، فقال : أفي كل عام يا رسول اللّه ؟ قال : لو قلتها لوجبت ، ولم تستطيعوا أن تعملوا بها ، الحج مرة ، فمن زاد فتطوع ، انتهى . - وأما حديث عبد الرحمن : فأخرجه الحاكم في المستدرك عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري به ، سواء ، وقال : حديث صحيح على شرط البخاري ، ولم يخرجاه ، انتهى . - وأما حديث محمد بن أبي حفصة : فأخرجه الدارقطني في سننه عن محمد بن أبي حفصة عن الزهري به ، باللفظ الأول . - وأما حديث يزيد بن هارون : فأخرجه الحاكم أيضاً عن سهل بن عمار العتكي ثنا يزيد بن هارون - وسقط منه رجلان : سفيان ، والزهري - عن أبي سنان عن ابن عباس أيضاً باللفظ الأول ، وسكت عنه ، وله عند الدارقطني أيضاً طريقان ، إلا أنهما واهيان جداً ، فأضربنا عن ذكرهما ، وجهل من عزا حديث ابن عباس لمسلم ، وإنما أخرج مسلم نحوه من حديث أبي هريرة ، وسنذكره في أحاديث الباب ، وقلده شيخنا علاء الدين ، فالمقِّلد ذهل ، والمقِّلد جهل ، واللّه أعلم بالصواب . أحاديث الباب :

روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ، قال : خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج ، فحجوا ، فقال رجل : أكل عام يا رسول اللّه ؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لو قلت : نعم لوجبت ، ولما استطعتم ، ثم قال : ذروني ما تركتكم . فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ، انتهى . وأخرج البخاري منه : ذروني ما تركتكم ، إلى آخره . حديث آخر :

أخرجه الترمذي ، وابن ماجه عن عبد الأعلى بن عامر الثعلبي عن أبي البختري عن علي ، قال : لما نزلت هذه الآية { وللّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } قالوا : يا رسول اللّه أفي كل عام ؟ فسكت ، ثم قالوا : أفي كل عام ؟ قال : لا ، ولو قلت نعم لوجبت ، فأنزل اللّه { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء } الآية ، انتهى قال الترمذي : حديث غريب من هذا الوجه ، انتهى . قال محمد - يعني البخاري - : وأبو البختري لم يدرك علياً ، انتهى كلام الترمذي . وكذلك رواه البزار في مسنده ، وقال : أبو البختري لم يسمع من علي ، انتهى . وأخرجه الحاكم في المستدرك - في تفسير آل عمران ، وسكت عنه ، ولم يتعقبه الذهبي في مختصره بالانقطاع ، ولكن أعله بعبد الأعلى ، قال : وقد ضعفه أحمد ، انتهى . وقال الشيخ في الإمام : قال عبد اللّه بن أحمد عن أبيه عبد الأعلى الثعلبي ضعيف الحديث ، وقال ابن معين ، وأبو حاتم : ليس بالقوي ، وقال أبو زرعة : ضعيف الحديث ، ربما رفع الحديث ، وربما وقفه ، انتهى كلامه . حديث آخر :

أخرجه أبو داود في سننه عن زيد بن أسلم عن ابن أبي واقد الليثي عن أبيه ، قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لأزواجه في حجة الوداع : هذه ، ثم ظهور الحصر ، انتهى . ومعناه : أي الزَمْن ظهور الحصر ، قال ابن القطان في كتابه : وابن أبي واقد لا يعرف له اسم ولا حال ، قال الشيخ في الإمام : قد عرف اسمه من سنن سعيد بن منصور ، فقال : حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن واقد بن أبي واقد الليثي عن أبيه ، فذكره ، وذكره البخاري في تاريخه ، فقال : واقد بن أبي واقد الليثي لم يزد على ذلك ، واللّه أعلم . حديث آخر :

أخرجه ابن ماجه عن محمد بن أبي عبيدة عن أبيه عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس بن مالك ، قال : قالوا : يا رسول اللّه الحج في كل عام ، فقال : لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لم تقوموا بها ، ولو لم تقوموا بها عذبتم ، انتهى . ومحمد بن أبي عبيدة بن معن بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي خرج له مسلم عن أبيه ، واسم أبيه كنيته ، وأبو سفيان : طلحة بن نافع ، أخرج له مسلم أيضاً ، واللّه أعلم . - أحاديث الفور في الحج والتراخي : قال المصنف رحمه اللّه : ثم هو واجب على الفور عند أبي يوسف ، وعن أبي حنيفة ما يدل عليه ، وعند محمد ، والشافعي رحمهما اللّه على التراخي ، قال ابن الجوزي في التحقيق : وأحمد يقول بالفور أيضاً ، واحتج له بحديث الحجاج بن عمرو الأنصاري : من كسر أو عرج ، فقد حل ، وعليه الحج من قابِلَ . ثم قال : وحجة الآخرين ما رووا عن أبي سعيد عن النبي عليه السلام أنه قال : من أحب أن يرجع بعمرة قبل الحج ، فليفعل ، قال : - وهذا حديث لا يعرف ، وإنما الذي روى : من أحب أن يبدأ بعمرة قبل الحج فليفعل ، وهذا هو - التمتع ، قال : واحتجوا أيضاً بأن فريضة الحج نزلت في سنة خمس ، بدليل ما