فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: الأذان مثنى مثنى

باب
الأذان مثنى مثنى
[ قــ :589 ... غــ :605 ]
- ثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد بن زيد، عن سماك بن عطية، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: أمر بلال ان يشفع الأذان، ويوتر الإقامة، إلا الإقامة.



[ قــ :590 ... غــ :606 ]
- حدثني محمد - هو: ابن سلام -، قال: حدثني عبد الوهاب الثقفي: ثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك، قال: لما كثر الناس، قال: ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا ناراً، أو يضربوا ناقوساً، فأمر بلال ان يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة.

سماك بن عطية، قال: حماد: كان من جلساء أيوب، ومات قبل أيوب.

وقد تقدم أن عبد الوهاب الثقفي روى عنه هذا الحديث بالتصريح برفعه، وذكر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وكذا روي، عن ابن إسحاق، عن أيوب.

وكذا رواه خارجة بن مصعب، عن أيوب.

وروي مثله، عن الثوري، عن أيوب.
وعن الثوري عن خالد الحذاء.
والصحيح عن الثوري - كقول الجماعة -: " أمر بلال".

وقد تقدم أنه لا يشك في أن الآمر له هو النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ومعنى قوله: " يشفع الأذان" أن يجعله شفعاً: مثنى مثنى.

ومعنى: "يوتر الإقامة" أن يجعلها وتراً، أي: فرداً فرداً.

والشفع ضد الوتر: فالوتر: الفرد، والشفع الزوج.

ولهذا فسر " الشفع" في الآية بالخلق؛ لأن الخلق كله زوج؛ قال تعالى: { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات:49] ، وقال: { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} [يس: 36] .

وفسر" الوتر" بالله عز وجل؛ لأنه وتر يحب الوتر.

والمقصود بهذا الباب: أن كلمات الأذان شفع.

لكن اختلف في التكبير في اوله: هل هو تكبيرتان، أو أربع؟
وقد اختلفت في ذلك روايات عبد الله بن زيد في قصة المنام، وحديث أبي محذورة حيث علمه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأذان مرجعه من حنين، وأمره أن يؤذن لأهل مكة.

وقد خرج مسلم في " صحيحه" حديث أبي محذورة، وفي اوله: التكبير مرتين.

وخرج أبو داود وغيره حديث عبد الله بن زيد بالوجهين.

وخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث أبي محذورة: ان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة.

وإنما يكون الأذان تسع عشرة كلمة إلا إذا كان التكبير في أوله اربعاً.

وخرج الإمام أحمد وأبو داود حديث عبد الله بن زيد، وفي أوله: أربع تكبيرات.

وأشار أبو داود إلى الاختلاف في ذلك، وخرج من حديث ابن أبي ليلى، عن معاذ التكبير في أوله مرتين.

وكذلك الشهادتان، ففي حديث عبد الله بن زيد: ان الشهادتين في الأذان أربع، وفي حديث أبي محذورة: أن الشهادتين ثمان مرات، يعيدها مرتين، وسمي الترجيع، وقد خرجه مسلم كذلك.

ولا اختلاف فيما بقي من الأذان بين أذان أبي محذورة وعبد الله بن زيد الذي ألقاه على بلال في الروايات المشهورة في " السنن" و" المسانيد"، وليس في الأذان كلمة إلا شفع غير كلمة التهليل في آخر [الأذان] .

وقد روي أن أبا محذورة كان يقدم التهليل على التكبير في آخر أذانه من وجه منقطع.

قال أبو نعيم في " كتاب الصلاة": ثنا عيسى بن المسيب، عن إبراهيم، قال: كان أبو محذورة يقول: " لا إله إلا الله، والله وأكبر"، وكان بلال يقول: " الله أكبر، الله اكبر، لا إله إلا الله"، بلال في السفر وأبو محذورة في الحضر.
وهذا غريب، وعيسى فيه ضعف.

وقد ثبت عن أبي محذورة من وجهة عكس هذا، وأنه كان يختم أذانه بقوله: " الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله ".

وقد خرجه مسلم في " صحيحه".

وروي - أيضا - تأخير التكبير عن بلال من وجه فيه ضعف.

قال أبو نعيم في " كتاب الصلاة": ثنا زهير، عن عمران بن مسلم، قال: أرسلني سويد بن غفلة إلى مؤذنا، فقال: قل له يختم أذانه بـ " لا إله إلا الله والله أكبر"؛ فإنه أذان بلال.

وروى أبو نعيم بإسناد ضعيف مثل ذلك عن ابن عمر، وعن مؤذن علي بن أبي طالب، وعن أبي جعفر محمد بن علي.

وروي عن أبي يوسف، أن الأذان على أذان بلال المعروف، وأنه يزاد في آخره
: " والله أكبر"، يختم بذلك.

والأحاديث الصحيحة تدل على أن آخر الأذان: " الله أكبر، لا إله إلا الله"، وبه يقول جمهور العلماء من المتقدمين والمتأخرين.

وخرج النسائي من رواية الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن بلال، قال: آخر الأذان: " الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".

وفي رواية: " كان آخر أذان بلال" –مثل ذلك.

وكذا رواه منصور وغيره، عن إبراهيم.
ورواه حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، أن بلالاً كان يبدأ بالتكبير ويختم بالتكبير.

وهذا وهم.

وروى محارب بن دثار، قال: حدثني الأسود بن يزيد، عن أبي محذورة، حدثه أن آخر الأذان: " لا إله إلا الله".

خرجه النسائي.

واختلفوا في عدد التكبير في أوله:
فقالت طائفة: أربع، وهو قول أبي حنيفة والثوري والحسن بن صالح وعبيد الله بن الحسن والشافعي وأحمد وإسحاق.

وقالت طائفة: التكبير في أوله تكبيرتان، وهو قول مالك والليث من سعد، ورواية عن أبي يوسف.
وقيل: إنه رجع عنها.

واختلفوا في الترجيع - وهو تكرير الشهاداتين -:
فذهب إليه مالك والشافعي وأصحابهما.

واختلف أصحاب الشافعي: هل هو ركن في الأذان فلا يصح بدونه، أو سنة فيصح؟ والصحيح عندهم انه سنة.
ونقل عن نص الشافعي خلافه.

وذهب الكوفيون إلى ترك الترجيع، وهو قول الأوزاعي.

وقال أحمد وإسحاق وأبو بكر بن أبي شيبة وداود وابن خزيمة وغيرهم: يجوز الأمران؛ لصحة الأحاديث بهما.

والأفضل عندهم ترك الترجيع؛ لأنه أذان بلال.

قيل لأحمد: أليس أذان أبي محذورة بعده؟ قال: بلى، ولكن لما رجع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة أقر بلالاً على أذانه.

ووافقه إسحاق على ذلك.

وقال الجوزجاني: الترجيع افضل؛ لأنه آخر الأمرين:
وروي عن أهل البصرة في صفة الأذان غير ما تقدم.

روى حجاج بن منهال: ثنا يزيد بن إبراهيم، أنه سمع الحسن وابن سيرين يصفان الأذان: " الله اكبر الله اكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد ان لا إلا إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح"، يسمع بذلك من حوله، ثم يرجع فيمد صوته، ويجعل إصبعيه في أذنيه، فيقول: " اشهد أن لا إله إلا الله - مرتين - أشهد أن محمداً رسول الله – مرتين - حي على الصلاة - مرتين - حي على الفلاح - مرتين - الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".

خرجه ابن عبد البر.

روي عنهما على وجه آخر:
خرجه ابن أبي شيبة في " كتابه"، فقال: ثنا إبن عليه، عن يونس، قال: كان الحسن يقول: " الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح" ثم يرجع فيقول: " الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الفلاح - مرتين - الله اكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".

قال: وحدثنا ابن عليه، عن ابن عون، عن محمد - يعني: ابن سيرين -، قال: كان الأذان أن يقول: الله أكبر الله أكبر، اشهد ان لا إله إلا الله، أشهد أن لا اله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، اشهد ان محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر".

قال: وحدثنا ابن عليه: ثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان أذان ابن عمر: " الله أكبر الله أكبر، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن لا إله إلا الله
– ثلاثاً - شهدت أن محمداً رسول الله، شهدت أن محمداً رسول الله، شهدت أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة - ثلاثاً -، حي على الفلاح - ثلاثاً - الله اكبر - أحسبه قال: لا إله إلا الله.

قال: وثنا عبدة: ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يجعل آخر أذانه: " الله اكبر الله اكبر، لا إله إلا الله ".
قال: وثنا يزيد بن هارون: أبنا سليمان التيمي، عن حبيب بن قيس، عن ابن أبي محذورة، عن أبيه، أنه كان يؤذن فيخفض صوته بالأذان - مرة مرة -، حتى إذا انتهى إلى قوله: " أشهد أن محمداً رسول الله " رجع إلى قوله: " أشهد أن لا إله إلا الله "، فرفع بها صوته - مرتين مرتين - حتى إذا انتهى إلى: " حي على الصلاة"قال: " الصلاة خير من النوم"، في الأذان الأول من الفجر.

وهذه الصفة تخالف [ما رواه] الحجازيون من أذان أبي محذورة، ورواياتهم عنه أولى.

وعلى هذا – والذي قبله -؛ فيكون الأذان وتراً لا شفعاً.

وروى وكيع في " كتابه" عن أبي المعتمر، عن ابن سيرين، عن ابن عمر، أنه مر على مؤذن، فقال له: أوتر أذانك.

وعن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: لا بأس إذا بلغ " حي على الصلاة، حي على الفلاح" أن يقولها مرة.

ولعل هذا في الاقامة.
وكذلك خرجها وكيع في " باب: من افرد الإقامة".

قال ابن أبي شيبة: وثنا أبو أسامة: ثنا عبيد الله، عن نافع، قال: كان ابن عمر ربما زاد في اذانه: " حي على خير العمل".
وثنا أبو خالد، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر، انه كان يقول في أذانه: " الصلاة خير من النوم".
وربما قال: " حي على خير العمل".

ثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، عن أبيه ومسلم بن أبي مريم، أن علي ابن حسين كان يؤذن، فإذا بلغ " حي على الفلاح" قال: " حي على خير العمل"، ويقول: هو الأذان الأول.

وقال البيهقي: روي ذلك عن أبي أمامة.

ثم خرج بإسناده من حديث أولاد سعد القرظ، عن آبائهم، عن بلال، أنه كان ينادي بالصبح، فيقول: " حي على خير العمل"، فأمره النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجعل مكانها: " الصلاة خير من النوم"، ويترك" حي على خير العمل".

ثم قال: هذه اللفظة لم تثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيا علم بلالا وابا محذورة، ونحن نكره الزيادة فيه.
وبالله التوفيق.