فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب الكلام إذا أقيمت الصلاة

باب
الكلام إذا أقيمت الصلاة
[ قــ :625 ... غــ :643 ]
- حدثنا عياش بن الوليد: حدثنا عبد الأعلى: حدثنا حميد، قال: سألت ثابتاً البناني عن الرجل يتكلم بعدما تقام الصلاة، فحدثني عن أنس بن مالك، قال: أقيمت الصلاة، فعرض للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل، فحبسه بعدما أقيمت الصلاة.

خرجه مسلم في ( ( صحيحه) ) من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: أقيمت صلاة العشاء، فقال رجل: لي حاجة، فقام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يناجيه حتى نام القوم - أو بعض القوم -، ثم صلوا.

وخرجه الترمذي من حديث معمر، عن ثابت، عن أنس، قال: لقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدما تقام الصلاة يكلمه الرجل، يقوم بينه وبين القبلة، فما يزال يكلمه، ولقد رايت بعضهم ينعس من طول قيام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فهذا الحديث: دليل على جواز ابتداء الكلام للإمام وغيره بعد إقامة الصلاة، بخلاف حديث عبد العزيز بن صهيب المخرج في الباب الماضي؛ فإنه إنما يدل على جواز استدامة الكلام إذا شرع فيه قبل الإقامة.

ورواية معمر، عن ثابت، عن أنس صريحة بأن مدة الكلام طالت، ورواية حماد بن سلمة تشعر بذلك؛ لقوله: ( ( حتى نام القوم أو بعض القوم) ) ، وليس فيه ذكر إعادة إقامة الصلاة.

وظاهر الحال: يدل على أنه لم يعد الإقامة، ولو وقع ذلك لنقل، ولم يهمل؛ فإنه مما يهتم به.

وقد روى حديث ثابت جرير بن حازم، فخالف أصحاب ثابت في لفظه، رواه عن ثابت، عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتكلم بالحاجة إذا نزل عن المنبر.

خرجه من طريقه كذلك الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي.

وقال: لا نعرفه إلا من حديث جرير بن حازم، وسمعت محمداً –يعني: البخاري - يقول: وهم جرير بن حازم في هذا الحديث، والصحيح ما روي عن ثابت، عن أنس، قال: أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فما زال يكلمه حتى نعس بعض القوم.
قال محمد: والحديث هو هذا، وجرير بن حازم ربما يهم في بعض الشيء، وهو صدوق.
وقال ابن أبي خيثمة في ( ( تاريخه) ) : سئل يحيى بن معين عن حديث جرير بن حازم هذا، فقال: خطأ.

وروى وكيع، عن جرير بن حازم، عن ثابت، عن أنس، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينزل من المنبر يوم الجمعة، فيكلمه الرجل في الحاجة فيكلمه، ثم يتقدم إلى المصلى فيصلي.

وروى وكيع عن سفيان، عن معمر، عن الزهري، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحو حديث جرير، عن ثابت - مرسلاً.

وقد اختلف في كراهية الكلام بين الخطبة والصلاة، فكرهه طاوس - في رواية – والحكم وأبو حنيفة، ورخص فيه الأكثرون.

قال ابن المنذر: كان طاوس وعطاء والزهري وبكر بن عبد الله والنخعي وحماد ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور ويعقوب ومحمد يرخصون فيه، وروينا ذلك عن ابن عمر، وحكي كراهته عن الحكم.

وأماالكلام بين إقامة الصلاة والصلاة في غير الجمعة فلا أعلم أحداً كرهه، وإنما كره من كره ذلك يوم الجمعة تبعاً لكراهة الكلام في وقت الخطبة، فاستصحبوا الكراهة إلى انقضاء الصلاة، وهذا المعنى غير موجود في سائر الصلوات.
وحكى ابن عبد البر عن العراقيين كراهته بني الإقامة والصلاة مطالقاً.

فإن كان الكلام بينهما لمصلحة كتسوية الصفوف ونحوها كان مستحباً، وقد دلت الأحاديث الكثيرة على ذلك، ووردت احاديث وآثار في الدعاء قبل الدخول في الصلاة.

* * *