فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي

بَاب
مَنْ أَخَفَّ الصَّلاَةَ عندَ بُكاءِ الصَّبيِّ
فِيهِ ثَلاَثَة أحاديث:
الحَدِيْث الأول:
[ قــ :686 ... غــ :707 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْم بن موسى – هُوَ الفراء -: ثنا الوليد: ثنا الأوزعي، عَن يَحْيَى بن أَبِي كثير، عَن عَبْد الله بن أَبِي قتادة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( إني لأقوم فِي الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز فِي صلاتي، كراهية أن أشق عَلَى أمة) ) .

تابعه: بشر بن بَكْر وبقية وابن المبارك، عَن الأوزاعي.

قَدْ خرجه البخاري فيما بعد من طريق بشر.

وخرجه أبو داود وابن ماجه من رِوَايَة بشر بن بَكْر وعمر بن عَبْد الواحد.

وخرجه النسائي من رِوَايَة ابن المبارك، كلهم عَن الأوزاعي، بِهِ.

وخرجه الإسماعيلي فِي ( ( صحيحه) ) من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَبْد الله بن سماعة، عَن الأوزاعي.

وكذا رواه عَن الأوزاعي: عقبة بن علقمة وأيوب بن سويد.

ورواه أبو المغيرة، عَن الأوزاعي، عَن يَحْيَى، عَن عَبْد الله بن أَبِي قتادة مرسلاً.

خرجه ابن جوصا فِي ( ( مسند الأوزاعي من جمعه) ) من هذه الطرق.

وإنما ذكر البخاري متابعة الوليد بن مُسْلِم عَلَى وصله، ليبين أن الصحيح وصله؛ لكثرة من وصله عَن الأوزاعي، ولا يضر إرسال من أرسله.

ولعل مسلماً ترك تخريجه للاختلاف فِي وصله وإرساله.
والله أعلم.

وفي الحَدِيْث: دليل عَلَى أن من دَخَلَ الصلاة بنية إطالتها فله تخفيفها لمصلحة، وأنه لا تلزم الإطالة بمجرد النية.

واستدل بِهِ بعضهم عَلَى أن من دَخَلَ فِي تطوع ينوي أن يصلي أربعاً، فله أن يقتصر عَلَى ركعتين، قَالَ ذَلِكَ سُفْيَان الثوري، مَعَ قوله بلزوم النوافل بالشروع، فلا إشكال عنده فِي جواز ذَلِكَ.

وكذلك لأصحاب مَالِك قولان فيمن افتتح الصلاة النافلة قائماً، فهل يجلس فِي أثنائها، أم لا؟
فاستدل بعض من قَالَ: لَهُ أن يجلس بهذا الحَدِيْث.
وقد يستدل بِهِ عَلَى أن من نذر أن يصلي صلاة، ونوى فِي نفسه أكثر من ركعتين، فهل يلزمه مَا نوى، أم لا؟
وقد نَصَّ أحمد عَلَى أَنَّهُ يلزمه مَا نوى، ورجحه طائفة من أصحابنا، وبناء عَلَى أن من أصل أحمد الرجوع فِي الأيمان والنذور إلى المقاصد والنيات.

وقد نَصَّ أحمد فيمن نذر الصدقة بمال، ونوى فِي نفسه ألفاً، أَنَّهُ يخرج مَا شاء مِمَّا يسمى مالاً، ولا يلزمه الألف -: نقله عَنْهُ أبو داود.

وهذا يخالف نصه فِي الصوم والصلاة، أَنَّهُ يلزمه مَا نواه.

فتخرج المسألتان عَلَى روايتين.

ووجه شبه هذه المسائل بنية الإطالة للصلاة المكتوبة عِنْدَ الدخول فيها: أن الصلاة المكتوبة إنما يلزم فيها قدرالإجزاء، والزائد عَلَى ذَلِكَ إذا فعل، فهل يوصف بالوجوب، أو بالنفل؟ فِيهِ قولان معروفان لأصحابنا وغيرهم من الفقهاء.

وقد تبين بهذا الحَدِيْث: أن ذَلِكَ لا يلزم بمجرد النية، سواء وصف بالوجوب، أو لا.

وأما قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( ( أريد أن أطول فيها) ) ، فالمعنى: أَنَّهُ يريد إتمامها وإكمالها عَلَى الوجه المعتاد، وليس المراد: الإطالة الَّتِيْ نهى عَنْهَا الأئمة.

واستدل الخطابي وغيره بهذا الحَدِيْث عَلَى جواز انتظار الإمام للداخل فِي الركوع قدراً لا يشق عَلَى بقية المأمومين؛ لأنه مراعاة لحال أحد المأمومين.

وفيه نظر؛ فإن الداخل لَمْ يدخل بعد فِي الائتمام بالإمام، وفي الانتظار تطويل عَلَى المأمومين لمراعاة من ليس بمؤتم، فهذا لا يشبه تخفيف الصلاة لأجل أم الصبي، بل هُوَ عكسه فِي المعنى.

الحَدِيْث الثاني:


[ قــ :687 ... غــ :708 ]
- حَدَّثَنَا خَالِد بن مخلد: ثنا سُلَيْمَان بن بلال: ثنا شريك بن عَبْد الله، قَالَ: سَمِعْت أَنَس بن مَالِك يَقُول: مَا صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإن كَانَ ليسمع بكاء الصبي فيخفف، مخافة أن تفتن أمه.

( ( شريك) ) هَذَا، هُوَ: ابن أَبِي نمر المدني.

وقد رَوَى هَذَا الحَدِيْث عَنْهُ أبو ضمره أَنَس بن عياض – أَيْضاً.

ورواه جماعة عَنْهُ، ولم يذكروا آخره.

وكذلك خرجه مُسْلِم بدون آخره من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر، عَن شريك.

وقد ذكرنا 0 فيما تقدم – معنى الافتتان هاهنا.

الحَدِيْث الثالث:


[ قــ :688 ... غــ :709 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيّ بن عَبْد الله: ثنا يزيد بن زريع: ثنا سَعِيد، قَالَ: ثنا قتادة، أن أَنَس بن مَالِك حدث، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( ( إني لأدخل فِي الصلاة، وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز فِي صلاتي، مِمَّا أعلم من شدة وجد أمه من بكائه) ) .



[ قــ :689 ... غــ :710 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن بشار: ثنا ابن أَبِي عدي، عَن سَعِيد، عَن قتادة، عَن أَنَس بن مَالِك، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( إني لأدخل فِي الصلاة، فأريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز لما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه) ) .

وَقَالَ موسى: ثنا أبان: ثنا قتادة: ثنا أَنَس، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وهذا بمعنى حَدِيْث أَبِي قتادة المتقدم.

وقد ساقه عَن سَعِيد بن أَبِي عروبة، عَن قتادة، عَن أَنَس من طريقين، ليس فيهما تصريح قتادة بالسماع لَهُ من أَنَس، وكان قتادة مدلساً، فلذلك ذكر أن موسى – وَهُوَ: ابن إِسْمَاعِيل – رواه عَن أبان - وَهُوَ: العطار -، عَن قتادة، فصرح بسماعة من أَنَس.

وخرجه الإسماعيلي فِي ( ( صحيحه) ) من طرق، عَن سَعِيد، عَن قتادة، وفي سياق حدثيه: أن أَنَس بن مَالِك حدثه، ولم يبين لفظ من هُوَ من الرواة، ويبعد أن يكون لفظ جميعهم.

والتخفيف الَّذِي كَانَ يفعله، تارة كَانَ يأتي بِهِ فِي الصلاة كلها، وتارة فِي بعض ركعاتها، بحسب مَا يسمع بكاء الصبي.

فالأول، دل عَلِيهِ مَا خرجه أبو بَكْر بن أَبِي داود فِي ( ( كِتَاب الصلاة) ) : حَدَّثَنَا أحمد بن يَحْيَى بن مَالِك: ثنا عَبْد الوهاب، عَن شعبة، عَن عدي بن ثابت، عَن البراء بن عازب، قَالَ: صلى بنا رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الصبح، فقرأ بأقصر سورتين فِي القرآن، فلما فرغ أقبل علينا بوجهه،.

     وَقَالَ : ( ( إنما عجلت لتفرغ أم الصبي إلى صبيها) ) .
وهذا إسناد غريب جداً.

وقد روي معناه من حَدِيْث أنس وأبي سَعِيد بأسانيد ضعيفة.

وأما الثاني، فروى أبو نعيم فِي ( ( كِتَاب الصلاة) ) ، عَن سُفْيَان، عَن أَبِي السوداء النهدي، عَن ابن سابط، قَالَ: قرأ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الفجر فِي أول ركعة بستين
آية، فلما قام فِي الثانية سَمِعَ صوت صبي، فقرأ ثلاث آيات.

وهذا مرسل.
66 –