فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب القراءة في المغرب

باب
القراءة في المغرب
فيهِ حديثان:
الأول:
[ قــ :742 ... غــ :763 ]
- حدثنا عبد الله بن يوسف: أنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، أنه قالَ: إن أم الفضل سمعته وهو يقرأ:
{ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} ، فقالَت: يابني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ بها في المغرب.

وخرجه مسلم من طريق مالك وسفيان ومعمر وصالح بن كيسان، كلهم عن الزهري بنحوه.

وزاد صالح في حديثه: ثم ما صلى بعد حتى قبضه الله.

والمراد - والله أعلم - ما صلى بعدها إماماً بالناس.

وخرجه الترمذي من حديث ابن إسحاق، عن الزهري، ولفظه: قالَ: خرج إلينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عاصب رأسه في مرضه، فصلى المغرب، ثم قراً بالمرسلات، فما صلى بها بعد حتى لقي الله.
وخرجه الطبراني من رواية أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أبي رشدين - وهو: كريب -، عن أم الفضل، أنها كانت إذا سمعت أحداً يقرأ بالمرسلات قالت: صلى لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قرأ في المغرب بالمرسلات، ثم يصل لنا عشاء حتى قبضه الله.

وهذا يبين أن المعنى أنه لم يصل لهم بعدها صلاة المغرب إماماً ولكن قوله: ( ( عن كريب) ) في هذا الإسناد وهم، إنما هوَ: عبد الله ابن عباس.

وخرج النسائي من حديث موسى بن داود، عن عبد العزيز الماجشون، عن حميد، عن أنس، عن أم الفضل، قالت: صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بيته المغرب، فقرأ بالمرسلات، ما صلى بعدها صلاة حتى قبض الله روحه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وهذا الإسناد كلهم ثقات، إلا أنه معلول، فإن الماجشون روى، عن حميد، عن أنس أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في ثوب واحد، ثم قالَ الماجشون عقب ذَلِكَ: وذكر لي عن أم الفضل - فذكر هذا الحديث، فوهم فيهِ موسى بن دواد، فساقه كله عن حميد، عن أنس -: ذكر ذَلِكَ أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان.

الحديث الثاني.



[ قــ :743 ... غــ :764 ]
- حدثنا أبو عصام، عن ابن جريح، عن ابن أبي مليكة، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم، قالَ: قالَ لي زيد بن ثابت: مَا لكَ تقرأ في المغرب بقصار المفصل، وقد سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ بطولي الطوليين؟!
طولى: وزنه فعلى، والطوليين: تثنية الطولى.

ويقال: إنه هاهنا أراد الأعراف: فإنها أطول من صاحبتها الأنعام _: ذكره الخطابي.

وخرج أبو داود هدا الحديث من طريق ابن جريح - أيضاً -، وعنده ( ( بقصار المفصل) ) ، وزاد فيهِ: قالَ: قلت: وما طولى الطوليين؟ قالَ: الأعراف قالَ: فسألت ابن أبي ملكية، فقالَ لي من قبل نفسه المائدة والأعراف.

وخرجه النسائي - أيضاً -، وعنده: بقصار السور، وعنده: بأطول الطوليين، قلت: يا أبا عبد الله، ما أطول الطوليين؟ قالَ: الأعراف.

وهذا يدل على أن المسئول والمخبر هوَ عروة.

ثم خرجه من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ في صلاة المغرب الأعراف، فرقها في ركعتين.

وخرجه - أيضاً - من طريق أبي الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يحدث، عن زيد بن ثابت، قالَ لمروان: أتقرأ في المغرب بـ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ
الْكَوْثَرَ}
؟ قالَ: نعم.
قالَ: فمحلوفة، لقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ فيها بأطول الطوليين { الَمَصَ} .

فهذا ثلاثة أنواع من الاختلاف في إسناده:
أحدها: عروة، عن مروان، وهي رواية ابن أبي مليكة عنه.

وهذا أصح الروايات عندَ البخاري، وكذلك خرجه في ( ( صحيحه) ) ونقل عنه ذَلِكَ الترمذي في ( ( علله) ) صريحاً، ووافقه الدارقطني في ( ( العلل) ) .

عروة، عن عائشة، وهي رواية شعيب بن أبي حمزة، عن هشام، عن أبيه.

وقد قال أبو حاتم الرازي: إنه خطأ.

والثالث: عروة، عن زيد - من غير واسطة، وهي رواية أبي الأسود، عن عروة.

وكذلك رواه جماعة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زيد، منهم: يحيى القطان والليث بن سعد وحماد بن سلمة وغيرهم.

وصحح ذلك ابن حبان، ورجحه الدارقطني في جزء له مفرد علقه على أحاديث عللها من " صحيح البخاري ".

وقد اختلف في إسناده عن هشام بن عروة.

فقيل: عنه، عن أبيه، عن عائشة.

وقيل: عنه، عن أبيه، عن زيد بن ثابت.
وقيل: عنه، عن أبيه، عن أبي أيوب وزيد معا.

وقيل: عنه، عن أبيه، عن أبي أيوب - أو زيد - بالشك في ذلك
وهو الصحيح عن هشام -: قاله البخاري، حكاه الترمذي عنه في ( ( علله) ) ، وقاله - أيضاً - الدارقطني في ( ( علله) ) وقالا: كانَ هشام يشك في إسناده.

وقال ابن أبي الزناد: عن هشام، عن أبيه، عن مروان، عن زيد.

خرجه الإمام أحمد من طريقه.

وهذا موافق لقول ابن أبي مليكة، عن عروة.

وروي عن هشام، عن أبيه - مرسلاً.

وفي رواية: عن هشام: سورة الأنفال، بدل: الأعراف.

ولعل مسلماً أعرض عن تخريج هذا الحديث لاضطراب إسناده؛ ولأن الصحيح عنده إدخال ( ( مروان) ) في إسناده، وهو لا يخرج لهُ استقلالاً، ولا يحتج بروايته.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم.

وسيأتي حديث جبير بن مطعم في قراءة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المغرب بالطور، في الباب الذي يلي هذا - إن شاء الله - سبحانه وتعالى -.

وقد اختلف في القراءة في المغرب:
فذهبت طائفة من السلف إلى تطويلها، وقد سبق عن زيد بن ثابت أنه أنكر على مروان القراءة فيها بقصار المفصل.

وروي عن ابن عمر، أنه كانَ يقرأ فيها بـ { يسَ} .

وروى عنه مرفوعاً.

والموقوف أصح -: ذكره الدارقطني في ( ( علله) ) .

وخرج العقيلي المرفوع، وقال: هوَ غير محفوظ.

وخرج الدارقطني في ( ( علله) ) - أيضاً - من رواية عامر بن مدرك: ثنا
سفيان، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن عائشة، قالت: كانت صلاة
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين ركعتين، إلا المغرب؛ فإنها كانت وتراً، فلما رجع إلى المدينة صلى مع كل ركعتين ركعتين، إلا المغرب والفجر؛ لأنه كانَ يطيل فيهما القراءة.

وهذا لفظ غريب.

وقد سبق في أول ( ( المواقيت) ) بلفظ آخر: إلا المغرب؛ لأنها وتر، والفجر؛ لأنه كانَ يطيل فيها القراءة.

وهذا اللفظ أصح.

وذهب أكثر العلماء إلى استحباب تقصير الصلاة في المغرب.
روى مالك في
( ( الموطإ) ) بإسناده عن الصنابحي، أنه قدم المدينة في خلافة أبي بكر الصديق، فصلى وراء أبي بكر الصديق المغرب، فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل، ثم قام في الركعة الثالثة، فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه، فسمعته قرأ بأم القرآن، وبهذه الآية { رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] الآية.

وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري، أن يقرأ في صلاة المغرب بقصار المفصل.

ذكره الترمذي - تعليقاً - وخرجه وكيع.

وروى وكيع في ( ( كتابه) ) عن سيفان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن
ميمون، قالَ: سمعت عمر يقرأ في المغرب في الركعة الأولى بالتين والزيتون، وفي الثانية { أَلَمْ تَرَ} و { لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} .

وعن الربيع، [عن الحسن] ، أنه كانَ يقرأ في المغرب { إِذَا زُلْزِلَتِ}
{ وَالْعَادِيَاتِ} لا يدعهما، قالَ الربيع: وحدثني الثقة عن ابن عمر، أنه كانَ لا يدعهما في المغرب.

وخرج أبو داود في ( ( سننه) ) عن ابن مسعود، أنه قرأ في المغرب: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .

وعن هشام بن عروة، أن أباه كانَ يقرأ في المغرب بنحو ما تقرءون
{ وَالْعَادِيَاتِ} ونحوها من السور.

وهذا مما يعلل به حديثه عن مروان، عن زيد بن ثابت، كما تقدم وكان النخعي يقرأ في المغرب { أَلَمْ تَر} أو { لإيلافِ قُرَيْشٍ} .

وذكر الترمذي: أن العمل عندَ أهل العلم على القراءة في المغرب بقصار المفصل.
وهذا يشعر بحكاية الإجماع عليهِ.

وممن استحب ذَلِكَ ابن مبارك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال: كانوا يستحبون ذَلِكَ.

وقد دل على استحباب ذَلِكَ: ماروى الضحاك بن عثمان، عن بكير بن
الأشج، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة، قالَ: ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فلان.

قالَ سليمان: يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل.

خرجه الإمام أحمد والنسائي.

وخرج ابن ماجه بعضه.

وفي رواية للنسائي: ويقرأ في العشاء بالشمس وضحاها، وأشباهها، ويقرأ في الصبح سورتين طويلتين.

وفي رواية للإمام أحمد: قالَ الضحاك: وحدثني من سمع أنس بن مالك يقول: ما رأيت أحداً أشبه صلاة بصلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من هذا الفتى.
قالَ الضحاك: فصليت خلف عمر بن عبد العزيز، فكان يصنع مثلما قالَ سليمان بن يسار.

وخرج ابن سعد وغيره حديث أنس، عن ابن أبي فديك، عن الضحاك، قالَ: حدثني يحيى بن سعيد - أو شريك بن أبي نمر، لا ندري أيهما حدثه - عن أنس - فذكر الحديث.

والفتى: هوَ عمر بن عبد العزيز، كذا قالَ ابن أبي فديك، عن الضحاك بالشك.

ورواه الواقدي، عن الضحاك، عن شريك - من غير شك.

فهذا حديث صحيح عن أبي هريرة وأنس، ويدل على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يقرأ في المغرب بقصار المفصل.

ويشهد لهُ - أيضاً -: ما خرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب، عن
أبيه، عن جده، قالَ: ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا قد سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤم بها الناس في الصلاة المكتوبة.

فهذا يدل على إكثار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قراءة سور المفصل في الصلوات الجهريات الثلاث.
قصارها، وطوالها، ومتوسطها، فإن كانَ يقرأ في الصبح بطول المفصل وفي المغرب بقصاره وفي العشاء بأوساطه؛ فهوَ موافق لحديث أبي هريرة وأنس، وهذا هوَ الظاهر، وإن يقرأ بقصار سور المفصل في العشاء أو في الصبح، فقراءتها في المغرب أولى.
وخرج النسائي من رواية سيفان، عن محارب بن دثار، عن جابر، قالَ: مر رجل من الأنصار بناضحين على معاذ، وهو يصلى المغرب، فافتتح سورة البقرة، فصلى الرجل، ثم ذهب، فبلغ ذَلِكَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالَ: ( ( أفتان يا معاذ؟ أفتان يا معاذ؟ ألا قرأت { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ونحوهما) ) .

ورواه مسعر، عن محارب بن دثار، قالَ في حديثه: ( ( إنما يكفيك أن تقرأ في المغرب بالشمس وضحاها وذواتها) ) .

وروه أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروق، عن محارب، وقال في حديثه:
( ( ألا يقرأ أحدكم في المغرب { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ) ) .

وخرج ابن ماجه: حدثنا أحمد بن بديل: ثنا حفص بن غياث، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قالَ: كانَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في المغرب { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .

ابن بديل، قالَ النسائي ليس به بأس، وقال ابن أبي حاتم: محله الصدق، وقال ابن عدي: حدث بأحاديث أنكرت عليهِ، ويكتب حديثه مع ضعفه.

وقد أنكر عليهِ هذا الحديث بخصوصه أبو زرعة الرازي وغيره.
قالَ الدارقطني: لم يتابع عليهِ.

قلت: وقد تابعه عبد الله بن كرز على إسناده، فرواه عن نافع، عن ابن عمر، وخالفه في متنه، فقالَ: إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يقرأ في المغرب بالمعوذتين.

ولم يتابع عليهِ، قالَ الدار القطني: ليس بمحفوظ، وابن كرز ضعيف.

وروى سعيد بن سماك بن حرب: ثنا أبي، ولا أعلمه إلا عن جابر ابن سمرة، قالَ: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة: { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}
و { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة: سورة الجمعة والمنافقين.

خرجه الحاكم والبيهقي.

وروي عن أبي عثمان الصابوني أنه صححه، وكان يعمل به حضراً وسفراً، وعن ابن حبان أنه ذكر في ( ( ثقاته) ) : أن المحفوظ عن سماك مرسلا.

وسعيد بن سماك بن حرب، قالَ أبو حاتم الرازي: متروك الحديث.

قالَ علي بن سعيد: قلت لأحمد: ما يروى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة المغرب بالطور والأعراف والمرسلات؟ قالَ: قد روي عنه ذَلِكَ، حديث معاذ.

وأشار أبو داود إلى نسخ القراءة بالأعراف، واستدل لهُ بعمل عروة بن الزبير بخلافه، وهو روايه.

وقد قالَ طائفة من السلف: إذا اختلفت الأحاديث فانظروا ما كانَ عليهِ أبو بكر وعمر.

يعني: أن ما عملا به فهوَ الذي استقر عليهِ أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد تقدم عنهما القراءة في المغرب بقصار المفصل، وعضد ذَلِكَ - أيضاً - حديث عثمان بن أبي العاص، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عهد إليه أن يخفف، ووقت لهُ أن يقرأ بـ { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وأشباهها من السور.

وعثمان بن أبي العاص قدم مع وفد ثقيف بعد فتح مكة، وذلك في آخر حياة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فإن قرأ في المغرب بهذه السور الطوال ففي كراهته قولان: أحدهما: يكره، وهو قول مالك.
لا يكره، بل يستحب، وهو قول الشافعي؛ لصحة الحديث بذلك، حكى ذَلِكَ الترمذي في ( ( جامعه) ) ، وكذلك نص أحمد على أنه لا بأس به ولكن أن كانَ ذَلِكَ يشق على المأمومين، فإنه يكره أن يشق عليهم، كما سبق ذكره.

وهذا على قول من يقول بامتداد وقت المغرب إلى مغيب الشفق ظاهر، فأما على قول من يقول: إن وقتها وقت واحد مضيق فمشكل.

وكذلك كرهه مالك.

وأما أصحاب الشافعي، فاختلوا فيمن دخل فيها في أول وقتها: هل لهُ أن يطيلها ويمدها إلى مغيب الشفق، أم لا؟ على وجهين.

ورجح كثير منهم جوازه؛ لحديث زيد بن ثابت، فأجازوا ذَلِكَ في الاستدامة دون الابتداء، والله أعلم.