فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب يسلم حين يسلم الإمام وكان ابن عمر رضي الله عنهما: «يستحب إذا سلم الإمام أن يسلم من خلفه»

باب
يسلم حين يسلم الإمام
وكان ابن عمر يستحب إذا سلم الإمام أن يسلم من خلفه.

روى وكيع بإسناده، عن مجاهد، قال: سألت ابن عمر، يسلم الإمام وقد بقي شيءٌ من الدعاء، أدعو أو أسلم؟ قال: لا، بل سلم.

وقد نص الإمام أحمد على هذه المسالة، وأن يسلم مع الإمام ويدع الدعاء، إلا أن يكون قد بقي عليه منه شيءٌ يسيرٌ، فيتمه ثم يسلم.

ومذهب سفيان - فيما نقله عنه أصحابه -: إذا سلم الإمام سلم من خلفه، وإن كان بقي عليه شيءٌ من التشهد قطعه.

ولعل مراده: الدعاء بعد التشهد.

ولكن نقل حسان بن إبراهيم، عن سفيان: أنه قال: إن كان بقي عليه شيءٌ من التشهد فليسلم، فإنه أحب إلي.

واستحب أحمد وإسحاق سلام المأموم عقب سلام الإمام، وجعله أحمد من جملة الائتمام به، وعدم الاختلاف عليه.

والأولى للمأموم أن يسلم عقب فراغ الإمام من التسليمتين، فان سلم بعد تسليمته الأولى جاز عند من يقول: إن الثانية غير واجبةٍ؛ لأنه يرى أن الإمام قد خرج من الصلاة بتسليمته الأولى، ولم يجز عند من يرى أن الثانية واجبةٌ، لا يخرج من الصلاة بدونها.
واختلف أصحاب الشافعي: هل الأفضل أن يسلم المأموم بعد تسليمة الإمام
الأولى، أو بعد تسليمته الثانية؟ على وجهين.

وقال الشافعي – في ( ( البويطي) ) -: من كان خلف إمامٍ، فإذا فرغ الإمام من سلامه سلم عن يمينه وعن شماله.

وهذا يدل على أنه لا يسلم إلا بعد فراغ الإمام من التسليمتين، ويدل –أيضاً -، على أنه لا يستحب للمأموم التخلف عن سلام الإمام، بل يسلم عقب سلامه.

وهذا على قول من قال من أصحابه –كالمتولي -: إنه يستحب للمأموم أن يسلم بعد فراغ الإمام من التسليمة الأولى –أظهر.

وقال القاضي أبو الطيب الطبري منهم: المأموم بالخيار، إن شاء سلم بعده، وإن شاء استدام الجلوس للتعوذ والدعاء وأطال لك، وعلل: أنه قد انقطعت قدوته بالإمام بسلامه.

وهذا مخالفة لنص الشافعي، وعامة أصحابه، وللمأثور عن الصحابة.

ولو سلم المأموم مع تسلم إمامه، ففي بطلان صلاته لأصحابنا وأصحاب الشافعي وجهان، سبق ذكرهما عند ذكر متابعة المأموم للإمام.

والأصح عندنا وعندهم: أنه لا تبطل صلاته، كما لو قارنه في سائر الأركان، سوى تكبيرة الإحرام.

ومذهب مالك: البطلان.

وقد استحب طائفة من السلف التسليم مع الإمام.
وروى وكيع في ( ( كتابه) ) عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يسلم مع تسليم الإمام.

وبإسناده، عن إبراهيم، قال: إن شئت سلمت معه، وإن شئت سلمت بعده.

وعن عطاءٍ، أنه كان ربما سلم تسليمه، وربما سلم بعده.

وقد يحتمل أن يكون مراد هؤلاء السلف بالسلام معه: السلام عقبيه، من غير مهلةٍ، وبالسلام بعده: التأخر عنه.
والله أعلم.

وقد وقع في كلام المتقدمين في إسلام الزوجين معاً ما يدل على أن مرادهم به: اجتماعهما في الإسلام في مجلسٍ واحدٍ، أو يومٍ واحدٍ، وفيه حديثٌ مرفوعٌ يشهد
بذلك.

وإن سلم المأموم قبل سلام إمامه لم يجز، وبطلت صلاته إن تعمد ذلك ولم ينو مفارقته على وجه يجوز معه المفارقة، إلا عند من يرى أن السلام ليس من الصلاة، ويخرج منها بإنهاء التشهد، أو بدون التشهد عند من يرى أن التشهد الأخير سنة.

لكن من قال منهم: لا يخرج من الصلاة إلا بالإتيان بالمنافي، فإنه لا يجيز للمأموم أن يخرج من الصلاة قبل خروج إمامه بذلك.

وظاهر ما روي عن ابن مسعودٍ يدل على جوازه، وأنه يخرج من الصلاة بإنهاء التشهد، وقد تقدم قوله: فإذا قلت ذلك، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد.
وروي ذلك عن علي صريحاً، فروى عبد الرزاق في ( ( كتابه) ) ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: إذا تشهد الرجل وخاف أن يحدث قبل أن يسلم الإمام فليسلم، فقد تمت صلاته.

وقد رواه الحكم، عن عاصمٍ، عن علي، ولفظه: إذا جلس مقدار التشهد، ثم أحدث فقد تمت صلاته.

فيكون أمره بالمبادرة بالسلام على وجه الاستحباب، فإنه لو أحدث لم تبطل صلاته عنده.

وقد حكي مذهب أبي حنيفة مثل ذلك.
والله أعلم.

قال البخاري:

[ قــ :815 ... غــ :838 ]
- ثنا حبان بن موسى: ثنا عبد الله – هو: ابن المبارك -: أنا معمر، عن الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عتبان، قال صلينا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسلمنا حين سلم.

هذا مختصر من حديث عتبان الطويل في إنكاره بصره، وطلبه من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأتي إلى بيته فيصلي فيه في مكان يتخذه مسجدا، وقد خَّرجه بتمامه في الباب الذي يلي هذا عن عبدان، عن ابن المبارك.

وقد خَّرجه فيما مضى من طريق عقيل ومالك وإبراهيم بن سعدٍ، عن الزهري – مختصراً ومطولاً -، وليس في رواياتهم: ( ( فسلمنا حين سلم) ) ، إنما هذه في رواية معمرٍ المخَّرجة في هذا الباب.

وقوله: ( ( سلَّمنا حين سلم) ) ظاهرة يقتضي أنهم سَّلموا مع سلامه؛ لأن
( ( الحين) ) معناه الوقت، فظاهر اللفظ يقتضي أن سلامهم كانَ في وقت سلامه مقارناً لهُ، وليس هذا هوَ المراد –والله أعلم – وإنما المراد: أنهم سلمو اعقيب سلامه من غير تأخر عنه، وعبر عن ذَلِكَ باتحاد الوقت، والحيز؛ فإن التعاقب شبيه بالتقارب وهو – أيضاً –المراد –والله اعلم.
من المروري عن ابن عمر وغيره من السلف في السلام مع
الإمام، وأنهم أرادوا بالمعية: التعاقب، دون التقارن.

* * *