فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب الجمعة في القرى والمدن

باب
الجمعة في القرى والمدن
فيه حديثان:
أحدهما:
قال:

[ قــ :866 ... غــ :892 ]
- نا محمد بن المثنى: نا أبو عامرالعقدي: نا إبراهيم بن طهمان، عن أبي جمرة الضبعي، عن ابن عباسٍ، قال: أن أول جمعة جمعت في الأسلام –بعد جمعة في مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين.

قد ذكرنا هذا الحديث في أول ( ( كتاب الجمعة) ) ، وذكرنا بعض الأختلاف في إسناده ومتنه، وأن معناه: أنه لم يجمع في الأسلام بعد التجميع بالمدينة إلا في مسجد عبد القيس بالبحرين، فكأن أول بلدٍ أقيمت الجمعة فيه المدينة، ثم بعدها قرية جوثاء بالبحرين.

وهذا يدل على أن عبد القيس أسلموا قبل فتح مكة، وجمعوا في مسجدهم، ثم فتحت مكة بعد ذلك، وجمع فيها.

والمقصود: أنهم جمعوا في عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قرية جواثاء، وإنما وقع ذلك منهم باذن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمره لهم؛ فإن وفد عبد القيس أسلموا طائعين، وقدموا راغبين في إلاسلام، وسألوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مهمات الدين، وبين لهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قواعد إلايمان وأصوله، وقد سبق ذكر حديثهم في ( ( كتاب الإيمان) ) .

فيدل ذلك على جواز إقامة الجمعة بالقرى، وأنه لا يشترط لإقامة الجمعة المصر الجامع، كما قاله طائفة من العلماء.

وممن ذهب إلى جواز إقامة الجمعة في القرى: عمر بن عبد العزيز وعطاءٌ ومكحولٌ وعكرمة والأوزاعي ومالك والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق.

وروى القناد، عن سفيان نحوه.

وكان ابن عمر يمر بالمياه بين مكة والمدينة، فيرى أهلها يجمعون، قلا يعيب عليهم.

ذكره عبد الرزاق، عن العمري، عن نافعٍ، عنه.

وروى ابن المبارك، عن أسامة بن زيدٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر: لا جمعة في سفر، ولا جمعة إلا في مصر جامع.

وهذا –مع الذي قبله – يدل على أنه أراد بالمصر القرى.

وروى الأثرم بإسناده، عن أبي ذر، أنه كان يجمع بالربذة مع الناس.

وقالت طائفة: لا جمعة إلا في مصرٍ جامعٍ، روي ذلك عن علي، وبه قال النخعي والثوري – في المشهور عنه – وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن.

وقال الحسن وابن سيرين: لا جمعة إلا في مصرٍ.

وقد روي عن علي خلاف ذلك، روى وكيعٌ، عن قيس بن الربيع، عن طالب بن السميدع، عن أبيه، أن علياً جمع بالمدائن.

وعن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، أن حذيفة جمع بالمدائن.

وعن شعبة، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أبي رافعٍ، عن أبي هريرة، قال: كتبت إلى عمر بن الخطاب أسأله عن الجمعة بالبحرين، فكتب الي: أن اجمعوا حيثما كنتم.

قال الإمام أحمد: هذا إسنادٌ جيدٌ.

وروى وكيعٌ باسناده، عن النخعي، أنه جمع بحلوان.
وهذا كله يدل على أن من قال: لا جمعة إلا في مصرٍ جامعٍ، فإنه أراد بذلك القرى التي فيها والٍ من جهة الإمام، فيكون مراده: أنه لا جمعة إلا بإذن الإمام في مكان له فيه نائب يقيم الجمعة بإذنه.

وبذلك فسره أحمد في روايةٍ عنه.

وكذلك روى عن محمد بن الحسن –صاحب أبي حنيفة - تفسير المصر: أن الإمام إذا بعث إلى قرية نائبا له لإقامة الحدود، فهو مصرٌ، فلو عزله ألحق بالقرى.

وروي نحوه عن أبي يوسف، وعن أبي حنيفة –أيضاً.

قال أحمد: المصر إذا كان به الحاكم، ولا يقال للقرى: مصرٌ.

وقال إسحاق: كل قرية فيها أربعون رجلاً يقال لها: مصرٌ.

وهذا بعيدٌ جداً.

وعن سفيان روايتان في تفسير المصر:
إحدهما: أنه كل مصرٍ فيه جماعةً وإمامٌ.

والثانية - نقلها عنه ابن المبارك -: أن المصر الجامع ما عرفه الناس أنه جامعٌ.

وقال عمرو بن دينارٍ: سمعنا: أن لا جمعة إلا في قريةٍ جامعةٍ.

وعنه، قال: إذا كان المسجد تجمع فيه الصلوات فلتصل فيه الجمعة.

وقد تقدم حديث كعب بن مالك، أن أول جمعةٍ جمعت بالمدينة في نقيع الخضمات في هزم من حرة بني بياضة، وأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع أول ما قدم المدينة في مسجد بني سالم.

وهذه كلها في حكم القرى خارج المدينة.





[ قــ :867 ... غــ :893 ]
- نا بشر بن محمد: أنا عبد الله بن المبارك: أنا يونس، عن الزهري، قال: أخبرني سالمٌ، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( ( كلكم راع) ) .

وزاد الليث: قال يونس: كتب رزيق بن حكيم الىابن شهابٍ، وأنا معه يومئذ بوادي القرى: هل ترى أن أجمع؟ ورزيقٌ عاملٌ على أرض يعملها، وفيها جماعةً من السودان وغيرهم، ورزيقٌ يومئذ عاملٌ على أيلة، فكتب ابن شهاب - وأنا اسمع - يامره أن يجمع، يخبره أن سألما حدثه، أن عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( ( كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته، الإمام راع ومسول عن رعيته) ) –وذكر بقية الحديث.

والمقصود منه: أن الزهري استدل بهذا الحديث –في رواية الليث، عن يونس، عنه، التي ذكرها البخاري تعليقاً – على أن الأمير في البلدان والقرى – وإن لم يكن من الأمصار الجامعة – أن يقيم الجمعة لأهلها، لأنه راع عليهم، ومسئول عنهم، ومما يجب عليه رعايته: أمر دين رعيته، واهمه الصَّلاة.

وقال الخطابي: فيه دليلٌ على جواز إقامة الجمعة بغير سلطانٍ.

وفيما قاله نظر؛ وابن شهابٍ إنما استدل به على أن نائب السلطان يقيم الجمعة لأهل بلدته وقريته، وان لم يكن مصراً جامعاً، ولا يتم إلاستدلال بذلك حتَّى يقوم دليل على جواز اقأمة الجمعة في غير الأمصار الجامعة، وإلا فاذا اعتقد الإمام أو نائبة أنه لا جمعة إلا في مصر جامع، ولم يقم الجمعة في قريته وبلدته الصغيرة؛ فإنه لا يلام على
ذلك، ولا يأثم أهل قريته وبلدته بترك الجمعة في هذه الحال.

قال أحمد - في الإمام إذا لم يول عليهم من يصلي بهم الجمعة -: ليس عليهم في ذلك إثمٌ.

وروى حجاج بن أرطاة، عن الزهري، قال: كتب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ناس من أهل المياه، بين مكة والمدينة، أن يصلوا الفطر والأضحى، وأن يجمعوا.

خرَّجه حربٌ الكرماني وغيره.

وهو مرسلٌ ضعيفٌ، وحجاجٌ مدلسٌ، ولم يسمع من الزهري.

* * *