فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد

باب
من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد
[ قــ :957 ... غــ :986 ]
- حدثنا محمد: ثنا أبو تميلة يحيى بن واضح، عن فليح بن سلمان، عن سعيد بن الحارث، عن جابر بن عبد الله، قال: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان يوم عيد خالف الطريق.

تابعه: يونس بن محمد، عن فليح، عن سعيد، عن أبي هريرة.

وحديث جابر أصح.

كذا في بعض النسخ: ( ( تابعه: يونس، عن فليح، عن سعيد، عن أبي
هريرة)
)
وهي رواية ابن السكن.

ويقال: إن ذلك من إصلاحه.

وفي أكثر النسخ: ( ( تابعه: يونس بن محمد، عن فليح، وحديث جابر
أصح)
)
.

وذكر أبو مسعود الدمشقي: أن البخاري قالَ: ( ( تابعه يونس بن محمد، عن فليح.
قال: وقال: محمد بن الصلت: عن فليح، عن سعيد، عن أبي هريرة، وحديث جابر أصح)
)
.

ثم ذكر أن ذلك وهم منه - يعني: متابعة يونس لأبي تميلة -، وإنما رواه يونس ومحمد بن الصلت، كلاهما عن فليح، عن سعيد، عن أبي هريرة.

وكذا رواه الهيثم بن جميل، عن فليح، وأن البخاري أراد أن يونس قال فيهِ: ( ( عن جابر) ) .

وفيه: إشارة إلى أن غيرهما خالف في ذكر جابر، وإن ذكره أصح، وما ذكره أبو مسعود تصريح بذلك.

وقوله: ( ( وحديث جابر) ) يدل عليه، والله أعلم.

وحاصل الأمر: أنه اختلف في إسناده على فليح:
فرواه، عنه الأ كثرون، منهم: محمد بن الصلت والهيثم بن جميل وسريج، فقالوا: عن سعيد بن الحارث، عن أبي هريرة.

وخالفهم أبو تميلة يحيى بن واضح، فرواه عن سعيد بن الحارث، عن جابر.

وعند البخاري، أن هذا أصح.

وأما يونس بن محمد، فرواه عن فليح، واختلف عنه:
فذكر البخاري والترمذي في ( ( جامعه) ) : أنه رواه عن فليح عن سعيد، عن
جابر، متابعة لأبي تميلة.

وكذا رواه ابن خزيمة وابن حبان في ( ( صحيحيهما) ) .

وكذلك خرجه البيهقي من رواية محمد بن عبيد الله المنادي، عن يونس.

وقد قال مهنا: قلت لأحمد: هل سمع سعيد بن الحارث من أبي هريرة؟ فلم يقل شيئاً.

وقد ذكر البيهقي: أن أبا تميلة روي عنه، عن فليح، عن سعيد، عن أبي هريرة –أيضاً.

ثم خرجه من طريق أحمد بن عمرو الحرشي، عن أبي تميلة كذلك.

فتبين بهذا: أن ابا تميلة ويونس اختلف عليهما في ذكر: ( ( أبي هريرة وجابر) ) ، وأن اكثر الرواة قال فيه: ( ( عن أبي هريرة) ) ، ومنهم من اختلف عليه في ذكر ( ( أبي هريرة وجابر) ) .

وقد ذكر الإمام أحمد، أنه حديث أبي هريرة، وهذا يدل على أن المحفوظ قول من قالَ: ( ( عن أبي هريرة) ) ، كما قاله أبو مسعود، خلاف ما قاله البخاري.

وفي الباب: أحاديث أخر، ليست على شرط البخاري.

ومن أجودها: حديث عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ يوم العيد في طريق، ثم رجع من طريق آخر.

خرجه أبو داود.

وخرجه ابن ماجه، وعنده: أن ابن عمر كان يخرج إلى العيد في طريق، ويرجع في أخرى، ويزعم أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعله.

وقد استغربه الإمام أحمد، وقال: لم أسمع هذا قط.

وقال –أيضاً -: العمري يرفعه، ومالك وابن عيينة لا يرفعانه.

يعني: يقفانه على ابن عمر من فعله.

قيل له: قد رواه عبيد الله –يعني: أخا العمري، عن نافع، عن ابن عمر؟
فأنكره، وقال: من رواه؟ قيل لهُ: عبد العزيز بن محمد – يعني: الدراوردي.

- قالَ: عبد العزيز يروي مناكير.
وقال البرقاني: سألت الدارقطني: هل رواه عن نافع غير العمري؟ قَالَ: من وجه يثبت، لا.
ثُمَّ قالَ: روي عن مالك، عن نافع، ولكن لايثبت.
انتهى.

والصحيح عن مالك وغيره: وقفه دون رفعه.

وكذا رواه وكيع عن العمري - موقوفا.

وقد استحب كثير من أهل العلم للإمام وغيره إذا ذهبوا في طريق إلى العيد أن يرجعوا في غيره، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد.

وألحق الجمعة بالعيد في ذلك.

ولو رجع من الطريق الذي خرج منه لم يكره.

وفي ( ( سنن أبي داود) ) حديث، فيه: أن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا يفعلون ذلك في زمانه..
وتكلم الناس في المعنى الذي لأجله يسحب مخالفة الطريق، وكثر قولهم في ذلك، وأكثره ليس بقوي.

وقد روي في حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغدو من طريق ويرجع من اخر؛ ليتسع الناس في الطريق.

وعبد الرحمن هذا، ضعيف جداً.
ومعنى الاتساع في الطريق: أنه يخشى كثرة الزحام في الطريق الأول.

وهذا أحد ما قيل في معناه.

وقيل: ليشهد به الطريقان.

وقيل: ليتصدق على من كان فيهما من السؤال.

وقيل: ليكثر التقاء المسلمين بعضهم ببعض للسلام والتودد.

وقيل: للتفاؤل بتغير الحال إلى الرضى والمغفرة؛ فإنه يرجى لمن شهد العيد أن يرجع مغفوراً لهُ.

وقيل: كان يغدو في أطول الطريقين ويرجع في أقصرهما؛ لتكثر خطاه في المشي إلى الصَّلاة.

وهذا هو الذي رجحه كثير من الشافعية.

وقد روي في حديث عكس هذا:
فرواه سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وعثمان إذا خرجوا إلى العيد من طريق رجعوا في طريق آخر أبعد منه.

وسليمان بن أرقم، متروك.

ولا أصل لحديثه هذا بهذا الإسناد.

وعلى تقدير أن يكون له أصل، فيمكن توجيهه بأن القاصد لصلاة العيد ينبغي له قصدها من أقرب الطرق؛ لأنه إن كانَ أماماً فلئلا يطول انتظاره، وان كانَ مأموماً فخشية أن يسبق بالصلاة أو بعضها، أو أن يتمكن من صلاتها في مكان يمكنه الاقتداء فيهِ بالإمام؛ ولهذا شرع له التبكير؛ ليقرب من الإمام.

والراجع من الصَّلاة قد أمن ذَلِكَ كله، فيمشي حيث شاء، ويسلك أبعد الطرق، ويقف فيها لحاجته وللقاء الناس والسلام عليهم والدعاء لهم، وغير ذَلِكَ من المصالح.

وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين، أنهم كانوا يتلاقون يوم العيد، ويدعو بعضهم لبعض بالقبول.

ورخص فيه الإمام أحمد، وقال: لا أبتدئ به أحداً، فإن قاله لي، رددت عليه.

وقال - مرة -: ما أحسنه، إلا أن يخاف الشهرة.

كأنه يشير إلى أنه يخشى أن يشتهر المعروف بالدين والعلم بذلك، فيقصد لدعائه، فيكره لما فيه من الشهرة.

وقد خرج الإمام أحمد من حديث المنكدر بن محمد، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي، قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائماً في السوق يوم العيد، ينظر والناس
يمرون.

ورواه الشافعي، عن إبراهيم بن محمد: حدثني معاذ بن عبد الرحمن التيمي، عن أبيه، عن جده، أنه رأى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجع من المصلى في يوم عيد، فسلك على التمارين أسفل السوق، حتى إذا كان عند موضع البركة التي بالسوق قام فاستقبل فج
أسلم، فدعا ثم انصرف.

قال الشافعي: فأحب أن يصنع الإمام مثل هذا، وأن يقف في موضع يدعو الله - عز وجل -، مستقبل القبلة.