فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب التستر في الغسل عند الناس

بَابُ
التستر في الغسل عند الناس
خرج فيهِ حديثين:
أحدهما:
[ قــ :276 ... غــ :280 ]
- من رواية: مالك، عَن أبي النضر مولى عمر بنِ عبيد الله، أن أبا مرة مولى أم هانىء أخبره، أنَّهُ سمع أم هانىء تقول: ذهبت إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة تستره، فقال: ( ( من هَذهِ؟) ) فقلت: أنا أم هانىء.

هَذا الحديث يستدل بهِ لَما بوب عليهِ، وَهوَ: التستر عند الناس؛ لأن ابنة الرجل وغيرها من محارمه لا تنظر إلى العورة، فهي كالرجل معَ الرجل، وقد كانَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحياناً يستره رجل فيغتسل، وقد روي أن أبا ذر ستره لما اغتسل، وأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام فستر أبا ذر لما اغتسل.

خرجه الإمام أحمد.

وروي - أيضاً - عَن حذيفة مثله.

خرجه ابن أبي عاصم في ( ( كِتابِ الصيام) ) .

وخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أبي السمح، قالَ: كنت أخدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان إذا أراد أن يغتسل قالَ: ( ( ولني) ) .
فأوليه قفاي، وأنشر الثوب فأستره بهِ.

وإسناده حسن.




[ قــ :77 ... غــ :81 ]
- حديث: ميمونة، قالت: سترت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهوَ يغتسل من الجنابة، فغسل يديه، ثُمَّ صب بيمينه على شماله فغسل فرجه وما أصابه، ثُمَّ مسح بيده على الحائط أو الأرض، ثُمَّ توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه، ثُمَّ افاض على جسده الماء، ثُمَّ تنحى فغسل قدميه.

خرجه من طريق ابن المبارك، عَن سفيان، عَن الأعمش، بإسناده المتقدم.

ثُمَّ قالَ:
تابعه: أبو عوانة وابن فضيل في الستر.

يعني: عَن الأعمش، فَقد خرجه فيما مضى من طريق أبي حمزة السكري، عَن الأعمش، وخرج - أيضاً - حديث أبي عوانة فيما مضى.

وخرج مسلم من حديث زائدة، عَن الأعمش، بهذا الإسناد، عَن ميمونة، قالت: وضعت للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماء وسترته، فاغتسل.

فهذا الحديث مما يستدل بهِ على التستر في الاغتسال في الخلوة؛ لأن اغتسال الرجل معَ زوجته كاغتساله خالياً.

ويدل على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يستتر عند اغتساله معَ أهله: ما خرجه الإمام أحمد وابن ماجه من حديث عائشة، قالت: ما رأيت فرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قط.

لكن؛ في إسناده من لا يعرف.

وخرج البزاز من حديث مسلم الملائي، عَن مجاهد، عَن ابن عباس قالَ: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغتسل من وراء الحجرات، وما رئي عورته قط ومسلم الملائي، فيهِ ضعف.

وخرج الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي من حديث يعلى بنِ أمية عَن النبي
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنَّهُ رأى رجلاً يغتسل بالبراز، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليهِ، فقالَ: ( ( إن الله حيي ستير، فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوار بشيء) ) .

وقد قيل: إن في إسناده انقطاعاً، ووصله بعض الثقات، وأنكر وصله أحمد وأبو زرعة.

وخرج أبو داود في ( ( مراسيله) ) من حديث الزهري، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: ( ( لا تغتسلوا في الصحراء، إلا أن تجدوا متوارى؟، فإن لَم تجدوا متوارى فليخط أحدكم خطاً كالدار، ثُمَّ يسمي الله، ويغتسل فيها) ) .
وخرجه الطبراني متصلاً عَن الزهري، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة ولا يصح وصله.

ولا يصح وصله.

وفي الباب أحاديث أخر.

فالمغتسل في الخلوة إن كانَ معه من يباح لَهُ النظر إلى عورته كزوجته أو أمته، فقالَ أصحابنا وغيرهم: لا يجب عليهِ التستر؛ لحديث بهز بنِ حكيم المذكور في الباب الماضي، والأفضل التستر؛ لحديث ميمونة.

وهذا مبني على القول بجواز نظر أحد الزوجين إلى فرج الآخر، وفيه اختلاف مشهور.

ومن أصحاب من جزم بكراهته كصاحب ( ( المغني) ) ، وحكى أبو الحسن الآمدي رواية عَن أحمد بتحريمه.

وبكل حال؛ فالاستتار أولى، وعليه يدل حديث ميمونة، وحديث عائشة: ما نظرت إلى فرجه قط.

وأكثر العلماء على أنَّهُ غير محرم، منهُم: مجاهد، ومكحول، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق وغيرهم.

وروى بقية بنِ الوليد: حدثني عتبة بنِ أبي حكيم: حدثني سليمان بنِ موسى، وسألته عَن الرجل ينظر إلى فرج امرأته، فقالَ سليمان: سألت عطاء عَن ذَلِكَ، فقالَ: حدثتني عائشة زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هَذا البيت، وبيننا وبينها حجاب، قالت: كنت أنا وحبي نغتسل من إناء واحد، تختلف فيهِ أكفنا.
قالَ: وأشارت إلى إناء في البيت، قدر الفرق، ستة أقساط.

خرجه حرب الكرماني وابن عدي.

وخرجه بقي بن مخلد من طريق صدقة بنِ خالد: نا عتبة بنِ أبي حكيم - فذكره بنحوه.

وسليمان بنِ موسى، مختلف في أمره.

وإن لَم يكن معه أحد، فحكى أكثر أصحابنا في كراهته روايتين عَن أحمد؛ لأنه كشف لغرض صحيح، فَهوَ كالكشف للتخلي ونحوه.

ومنهم: من حكى في جواز كشف العورة خالياً روايتين عَن أحمد.

وقالوا: ظاهر كلام أحمد تحريمه؛ فإن الكشف وإن جاز للحاجة، فإنه يتقدر بقدرها، ولا حاجة إلى التكشف للغسل معَ إمكان الاستتار، ولا إلى القيام عرياناً معَ إمكان القعود والتضام.

وروي عَن أبي موسى الأشعري، قالَ: إني لأغتسل في البيت المظلم، فأحني ظهري إذا أخذت ثوبي حياء من ربي عز وجل.

وعنه، قالَ: ما أقمت صلبي في غسل منذ أسلمت.

خرجهما ابن أبي شيبة وغيره.

وظاهر كلام ابن بطة من أصحابنا يدل على وجوب التستر في الغسل في الخلوة، فإن لَم يجد ما يتستر بهِ، وجب أن يتضام ما استطاع.

ونقل حرب عَن أحمد، في الرجل يدخل الماء بغير إزار، فكرهه كراهية شديدة.

قيل لَهُ: كل المياه؟ قالَ: نعم قيل لَهُ: فإذا دخل الماء يحل إزاره؟ قالَ: لا.
وممن كانَ لا يدخل الماء إلا بمئزر: ابن عمر، والحسن، والحسين، وقالا: إن للماء سكاناً.
وكذلك قالَ ابن أبي ليلى.

وقال عمرو بنِ ميمون: لا يدخل أحد الفرات إلا بإزار، ولا الحمام إلا بإزار، إلا تستحيون مما استحى منهُ أبوكم آدم؟
وقد روي مرفوعاً من رواية حماد بنِ شعيب، عَن أبي الزبير، عَن جابر: نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يدخل الماء إلا بمئزر.

خرجه العقيلي وغيره.

وأنكره الإمام أحمد؛ لأجل حماد بنِ شعيب.

وقد تابعه عليهِ الحسن بن بشر، فرواه عَن زهير، عَن أبي الزبير - أيضاً.

خرجه ابن خزيمة في ( ( صحيحه) ) .

والحسن، مختلف فيهِ، وقد خرج لَهُ البخاري في ( ( صحيحه) ) .

وقال أحمد: روى عَن زهير مناكير.