فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: المتيمم هل ينفخ فيهما؟

باب
هل ينفخ فيهما؟
[ قــ :335 ... غــ :338 ]
- حدثنا آدم: ثنا شعبة: ثنا الحكم، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمان بن أبزى، عن أبيه، قَالَ: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، فقال: إني أجنبت، فلم أجد الماء؟ فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت فصليت، فذكرت ذلك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
( ( إنما كان يكفيك هكذا) ) ، فضرب بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه.

وقد خرجه فيما بعد من وجه أخر، وفيه: ( ( ثم نفضها) ) بدل ( ( نفخ فيهما) ) .

وفي رواية لمسلم في ( ( صحيحه) ) أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعمار: ( ( إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك) ) .

واستدل بهذا بعض من ذهب إلى أنه لا يشرط في المتيمم به أن يكون له غبار يعلق باليد، كما هو قول مالك وأبي حنيفة والثوري وغيرهم؛ لان نفخ التراب من اليدين ونفضهما منه قد يزيل ما علق باليد منه أو يخففه حتّى لا يبقى منه ما يعم الوجه والكفين غباره، فلو كان المسح بالغبار شرطا لكان ترك النفخ أولى.

وأجاب عن ذلك بعض من يرى اشتراط الغبار الممسوح به، كأصحاب الشافعي وأحمد: بأن النفخ يدل على أنه علق باليد من التراب ما يخفف منه بالنفخ، وقد قال لعمار: ( ( إنما يكفيك هكذا) ) ، فدل على أنه لا بد في التيمم من تراب يعلق باليد.

وأجاب بعضهم: بأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما ذكر النفخ لعمار لا لكون النفخ سنة، بل ليبين له أن المبالغة في التيمم بالتمعك الذي فعله بالتراب ليس بسنة، وأنه يكفي من ذلك أدنى ما يمكن أن يمسح به الوجه والكفان من غباره.

وقد اختلف العلماء في نفخ اليدين من الغبار في التيمم: فمنهم من استحبه، ومنهم من كرهه.

وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أنه كان إذا تيمم ضرب بيديه ضربة، فمسح بهما وجهه، ثم ضرب بيديه ضربة أخرى، ثم مسح بهما يديه إلى المرفقين، ولا ينفض يديه من التراب.

وكره النفض حماد وغيره، واستحبه الحسن ويحيى ابن أبي كثير.

واختلفت الرواية عن أحمد في ذَلكَ: فروي عنه أنه لم يذهب إلى النفخ.
وروي عنه أنه قَالَ: أن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل.

ونقل عنه الميموني قَالَ: لا ينفخهما.
ثم قَالَ: ومن الناس من ينفضهما، ولست أنفضهما، وكأني للنفخ أكره.

ونقل عنه حنبل أنه ذكر حديث عمار هذا، وقال: اذهب إليه.
قيل له: ينفخ فيهما؟ قَالَ: ينفخ فيهما ويمسحهما.

قال الخلال: العمل من مذهبه: على أنه يجوز فعل ذلك كله: النفخ والنفض، ويجوز تركه.

وقال غيره من أصحابنا: أن كان التراب خفيفا كره النفخ؛ لأنه ينقص به كمال التعميم بالطهور، وإن كان كثيرا ففي كراهته روايتان، والصحيح: لا يكره؛ لأنه تخفيف لا يكره ابتداء، فكذلك دواما.

وللشافعي في تخفيف التراب بالنفخ ونحوه قولان: أحدهما: يستحب.
والثاني: لا.
وقيل: أن القديم استحبابه والجديد عدم استحبابه.

واختلف أصحابه في ذلك على طريقين: فمنهم من قال: له قولان مطلقا.
ومنهم من قال: هما منزلان على حالين، فإن كان التراب كثيرا نفخ، وألا لم ينفخ.

ونقل حرب، عن إسحاق، قال: أن لزق بالكفين تراب كثير نفخهما، وان لم يلزق بهما تراب كثير أجزاه أن لا ينفخ.

قال حرب: ووصف لنا إسحاق التيمم، فضرب بيديه، ثم نفخهما فمسح بهما وجهه، ثم ضرب بيديه الثانية ولم ينفخهما، ثم مسح ظهور الكفين: اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى.

وروى بإسناده، عن عمار، أنه غمس باطن كفيه بالتراب ثم نفخ يده، ثم مسح وجهه ويديه إلى المفصل.
وقال عمار: هذا التيمم.

وبإسناده: عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، أنه وصف التيمم فمسح ظهر يديه وذراعيه من لدن أصابعه إلى مرفقيه، ثم من بطن اليدين من لدن مرفقه إلى أصابعه مرتين ينفضهما.

ورواية الزهري، عن سالم، عن ابن عمر المتقدمة أصح من هذه.

وذكر بعض المالكية: أن جواز نفض اليدين من التراب في التيمم قول مالك والشافعي دون استقصاء لما فيهما، لكن لخشية ما يضر به من ذلك من تلويث وجهه، أو شيء يؤذيه.

وقال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما ضرب بيديه الأرض للتيمم نفخ فيهما.
واختلفوا في ذلك، فكان الشعبي يقول: ينفضهما.
وقال مالك: نفضا خفيفا.
وقال الشافعي: لا باس أن ينفض إذا بقي في يده غبار.
وقال إسحاق نحوا من قول الشافعي.
وقال أحمد: لا يضره فعل أو لم يفعل.
وقال أصحاب الرأي: ينفضهما.
وكان ابن عمر لا ينفض يديه.

قال ابن المنذر: قول أحمد حسن.