فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الدعاء عند النداء

( بابُُ الدُّعاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الدُّعَاء عِنْد تَمام النداء، وَهُوَ الْأَذَان.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: إِنَّمَا لم يُقَيِّدهُ بذلك إتباعا لإِطْلَاق الحَدِيث.
قلت: لَيْسَ فِي لفظ الحَدِيث هَذِه اللَّفْظَة، وَفِي لفظ الحَدِيث أَيْضا مُقَدّر، وإلاَّ يلْزم أَن يَدْعُو وَهُوَ يسمع، وَحَالَة السماع وَقت الْإِجَابَة، وَالدُّعَاء بعد تَمام السماع.



[ قــ :597 ... غــ :614 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ قَالَ حدَّثنا شُعَيبُ ابنُ أبي حَمْزَةَ عنْ مُحَمَّدٍ بنِ المُنْكدِرِ عنْ جابِرِ بنِ عبدِ الله أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ والصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتٍ مُحَمَّدا الوَسِيلَةَ والفَضِيلَة وابْعَثْهُ مَقَاما مَحْمُودا الَّذِي وعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ.
( الحَدِيث 614 طرفه فِي: 4719) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: عَليّ بن عَيَّاش، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف شين مُعْجمَة: الْأَلْهَانِي، بِفَتْح الْهَمْز وَسُكُون اللَّام وبالنون بعد الْألف: الْحِمصِي، مَاتَ سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من كبار شُيُوخ البُخَارِيّ.
الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي حَمْزَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: الْحِمصِي، وَقد تقدم.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، بِوَزْن اسْم الْفَاعِل من الانكدار، وَقد تقدم.
الرَّابِع: جَابر بن عبد الله.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَلم يرو عَنهُ أحد من السِّتَّة غَيره، وَقد حدث عَنهُ القدماء بِهَذَا الحَدِيث، أخرجه أَحْمد فِي ( مُسْنده) عَنهُ، وَرَوَاهُ عَليّ بن الْمَدِينِيّ شيخ البُخَارِيّ مَعَ تقدمه عَن أَحْمد عَنهُ، أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيقه، وَذكر التِّرْمِذِيّ أَن شعيبا تفرد بِهِ عَن ابْن الْمُنْكَدر، فَهُوَ غَرِيب مَعَ صِحَّته، وَقد توبع ابْن الْمُنْكَدر عَلَيْهِ عَن جَابر.
أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر نَحوه، وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَخْبرنِي ابْن الْمُنْكَدر.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين حمصيين ومدنيين.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن عَيَّاش، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن أَحْمد بن حَنْبَل.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سهل بن عَسْكَر، وَإِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَمْرو بن مَنْصُور.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن يحيى وَالْعَبَّاس بن الْوَلِيد وَمُحَمّد ابْن أبي الْحُسَيْن، سبعتهم عَن عَليّ بن عَيَّاش،.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( من قَالَ حِين يسمع النداء) ، أَي: الْأَذَان، وَظَاهر الْكَلَام كَانَ يَقْتَضِي أَن يُقَال: حِين سمع، بِلَفْظ الْمَاضِي، لِأَن الدُّعَاء مسنون بعد الْفَرَاغ من الْأَذَان، لَكِن مَعْنَاهُ: حِين يفرغ من السماع أَو المُرَاد من النداء تَمَامه، إِذْ الْمُطلق مَحْمُول على الْكَامِل، وَيسمع، حَال لَا إستقبال، وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، أخرجه مُسلم بِلَفْظ: ( قُولُوا مثل مَا يَقُول، ثمَّ صلوا عَليّ ثمَّ سلوا الله لي الْوَسِيلَة) .
فَفِي هَذَا: إِن ذَلِك إِنَّمَا يُقَال عِنْد فرَاغ الْأَذَان.
قَوْله: ( اللَّهُمَّ) ، يَعْنِي: يَا ألله، وَالْمِيم عوض عَن الْيَاء، فَلذَلِك لَا يَجْتَمِعَانِ.
قَوْله: ( رب) ، مَنْصُوب على النداء، وَيجوز رَفعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: أَنْت رب هَذِه الدعْوَة، والرب: المربي المصلح للشأن.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: ربه يربه فَهُوَ رب، وَيجوز أَن يكون وَصفا بِالْمَصْدَرِ للْمُبَالَغَة، كَمَا فِي الْوَصْف بِالْعَدْلِ، وَلم يطلقوا الرب إلاَّ فِي: الله، وَحده وَفِي غَيره على التَّقْيِيد بِالْإِضَافَة، كَقَوْلِهِم: رب الدَّار، وَنَحْوه.
قَوْله: ( االدعوة) ، بِفَتْح الدَّال وَفِي ( الْمُحكم) : الدعْوَة والدعوة بِالْفَتْح وَالْكَسْر، والمدعاة: مَا دَعَوْت إِلَيْهِ، وَخص اللحياني بالمفتوحة: الدُّعَاء إِلَى الْوَلِيمَة.
قلت: قَالُوا: الدعْوَة، بِالْفَتْح فِي الطَّعَام، والدعوة بِالْكَسْرِ فِي النّسَب، والدعوة بِالضَّمِّ فِي الْحَرْب، وَالْمرَاد: بالدعوة، هَهُنَا أَلْفَاظ الْأَذَان الَّتِي يدعى بهَا الشَّخْص إِلَى عبَادَة الله تَعَالَى.
وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: من طَرِيق مُحَمَّد بن عَوْف عَن عَليّ ابْن عَيَّاش: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق هَذِه الدعْوَة، وَالْمرَاد بهَا: دَعْوَة التَّوْحِيد، كَقَوْلِه تَعَالَى: { لَهُ دَعْوَة الْحق} ( الرَّعْد: 14) .
قَوْله: ( التَّامَّة) صفة للدعوة، وصفت بالتمام لِأَن الشّركَة نقص، وَقيل: مَعْنَاهَا الَّتِي لَا يدخلهَا تَغْيِير وَلَا تَبْدِيل، بل هِيَ بَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَقيل: وصفت بالتمام لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تسْتَحقّ صفة التَّمام، وَمَا سواهَا معرض الْفساد.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وصفت بالتامة لِأَن فِيهَا أتم القَوْل، وَهُوَ: لَا إِلَه إِلَّا الله.
وَقيل: التَّامَّة الْكَامِلَة، وكمالها أَن لَا يدخلهَا نقص وَلَا عيب كَمَا يدْخل فِي كَلَام النَّاس.
وَقيل: معنى التَّمام كَونهَا محمية عَن النّسخ بَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: من أَوله إِلَى قَوْله: مُحَمَّد رَسُول الله، هِيَ الدعْوَة التَّامَّة.
قَوْله: ( وَالصَّلَاة الْقَائِمَة) أَي: الدائمة الَّتِي لَا يغيرها مِلَّة وَلَا ينسخها شَرِيعَة، وَأَنَّهَا قَائِمَة مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض.
قَوْله: ( آتٍ) أَي: أعْط وَهُوَ أَمر من الإيتاء، وَهُوَ الْإِعْطَاء.
قَوْله: ( الْوَسِيلَة) وَهِي فِي اللُّغَة: مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الْغَيْر والمنزلة عِنْد الْملك، يُقَال: وسل فلَان إِلَى ربه وَسِيلَة، وتوسل إِلَيْهِ بوسيلة: إِذا تقرب بِعَمَل، وَهِي على وزن فعيلة، وَتجمع على: وَسَائِل ووسل، وفسرها فِي حَدِيث مُسلم بِأَنَّهَا: منزلَة فِي الْجنَّة، حَدثنَا مُحَمَّد بن مسلمة الْمرَادِي حَدثنَا عبد الله بن وهب عَن حَيْوَة وَسَعِيد بن أبي أَيُّوب وَغَيرهمَا عَن كَعْب بن عَلْقَمَة عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير: ( عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن فَقولُوا مثل مَا يَقُول، ثمَّ صلوا عَليّ فَإِنَّهُ من صلى عَليّ صَلَاة صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ بهَا عشرا.
ثمَّ سلوا الله لي الْوَسِيلَة، فَإِنَّهَا منزلَة فِي الْجنَّة لَا تنبغي لأحد إلاَّ لعبد من عباد الله، وَأَرْجُو أَن أكون أَنا هُوَ، فَمن سَأَلَ الله لي الْوَسِيلَة حلت لَهُ الشَّفَاعَة)
.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ إيضا وَأخرجه الطَّحَاوِيّ وَلَفظه: ( فَإِنَّهَا منزلَة فِي الْجنَّة) ، فالمنزل والمنزلة وَاحِد، وَهِي المنهل وَالدَّار.
قَوْله: ( والفضيلة) أَي: الْمرتبَة الزَّائِدَة على سَائِر الْخَلَائق، وَيحْتَمل أَن تكون الْفَضِيلَة منزلَة أُخْرَى.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: أَو تكون تَفْسِيرا للوسيلة.
قلت: لَا إِبْهَام فِي الْوَسِيلَة مَعَ أَنَّهَا بيّنت فِي الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ عَن عبد الله بن عَمْرو.
قَوْله: ( مقَاما مَحْمُودًا) انتصاب مقَاما على أَن يُلَاحظ معنى الْإِعْطَاء فِي الْبَعْث، فحينئذٍ يكون مَفْعُولا ثَانِيًا لَهُ، وَذكر الْكرْمَانِي فِيهِ وُجُوهًا أُخْرَى مَا تمشي إِلَّا بالتعسف، وَقد استبعد بَعضهم بِأَن قَالَ: نصب على الظَّرْفِيَّة، وَهُوَ مَكَان غير مُبْهَم، فَلَا يجوز أَن يقدر فِيهِ كلمة: فِي.
فَإِن قلت: مَا وَجه التنكير فِيهِ؟ قلت: ليَكُون حِكَايَة عَن لفظ الْقُرْآن.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: إِنَّمَا نكر لِأَنَّهُ أفحم وأجزل، كَأَنَّهُ قيل: مقَاما، أَي: مقَاما مَحْمُودًا بِكُل لِسَان.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: ثبتَتْ الرِّوَايَة بالتنكير.
قلت: وَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَغَيرهمَا: الْمقَام الْمَحْمُود، بِالْألف وَاللَّام.
.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: الْأَكْثَر على أَن المُرَاد يالمقام الْمَحْمُود: الشَّفَاعَة.
وَقيل: إجلاسه على الْعَرْش.
وَقيل: على الْكُرْسِيّ وَقيل: مَعْنَاهُ: الَّذِي يحمده الْقَائِم فِيهِ وكل من رَآهُ وعرفه، وَهُوَ مُطلق فِي كل مَا يجلب الْحَمد من أَنْوَاع الكرامات.
وَعَن ابْن عَبَّاس: مقَام يحمدك فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ، وتشرف فِيهِ على جَمِيع الْخَلَائق، تُسأل فتعطي، لَيْسَ أحدا إلاَّ تَحت لوائك.
وَعَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هُوَ الْمقَام الَّذِي أشفع فِيهِ لأمتي.
فَإِن قلت: قد وعده الله بالْمقَام الْمَحْمُود، وَهُوَ لَا يخلف الميعاد، فَمَا الْفَائِدَة فِي دُعَاء الْأمة بذلك؟ قلت: أما لطلب الدَّوَام والثبات، وَإِمَّا للْإِشَارَة إِلَى جَوَاز دُعَاء الشَّخْص لغيره، والاستعانة بدعائه فِي حَوَائِجه، وَلَا سِيمَا من الصَّالِحين.
قَوْله: ( الَّذِي وعدته) بدل من قَوْله: مقَاما، أَو مَرْفُوع بِتَقْدِير: هُوَ، أَو مَنْصُوب على الْمَدْح.
فَإِن قلت: هَل يجوز أَن يكون صفة للمقام؟ قلت: أَن قُلْنَا: الْمقَام الْمَحْمُود، صَار علما لذَلِك الْمقَام يجوز أَن يكون صفة، وإلاَّ لَا يجوز لِأَنَّهُ نكرَة.
وَأما على رِوَايَة النَّسَائِيّ: الْمقَام الْمَحْمُود، فَيجوز بِلَا نزاع، وَالْمرَاد بالوعد، مَا قَالَه تَعَالَى: { عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} ( الْإِسْرَاء: 79) .
وَأطلق عَلَيْهِ: الْوَعْد، لِأَن عَسى من الله وَاقع، وَلَيْسَ على بابُُه فِي حق الله تَعَالَى، وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: ( الَّذِي وعدته إِنَّك لَا تخلف الميعاد) .
قَوْله: ( حلت شَفَاعَتِي) ، جَوَاب: من.
وَمعنى: حلت أَي: اسْتحقَّت، وَيكون من الْحَلَال لِأَنَّهُ من كَانَ الشَّيْء حَلَاله كَانَ مُسْتَحقّا لذَلِك، وَبِالْعَكْسِ، وَيجوز أَن يكون من الْحُلُول بِمَعْنى النُّزُول، وَتَكون اللَّام بِمَعْنى: على، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة مُسلم: ( حلت عَلَيْهِ) ، وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود: ( وَجَبت لَهُ) ، وَلَا يجوز أَن يكون من الْحل خلاف الْحُرْمَة، لِأَنَّهَا لم تكن قبل ذَلِك مُحرمَة.
فَإِن قيل: كَيفَ جعل ذَلِك ثَوابًا بالقائل ذَلِك مَعَ أَنه ثَبت أَن الشَّفَاعَة للمذنبين؟ وَأجِيب: بِأَن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شفاعات مُتعَدِّدَة: كإدخال الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب، وَرفع الدَّرَجَات، فَيشفع لكل أحد بِمَا يُنَاسب حَاله.
وَنقل القَاضِي عِيَاض عَن بعض شُيُوخه: أَنه كَانَ يرى تَخْصِيص ذَلِك بِمن قَالَ مخلصا مستحضرا لجلال الله تَعَالَى، لَا بِمن قصد بذلك مُجَرّد الثَّوَاب وَنَحْو ذَلِك، وَهَذَا مُجَرّد تحكم، فَلَيْسَ بمناسب.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَلَو كَانَ أخرج من ذَلِك الغافل اللاهي لَكَانَ أشبه، وَفِيه نظر أَيْضا على مَا لَا يخفى.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الحض على الدُّعَاء فِي أَوْقَات الصَّلَاة حِين تفتح أَبْوَاب السَّمَاء للرحمة، وَقد جَاءَ: ( ساعتان لَا يرد فيهمَا الدُّعَاء: حَضْرَة النداء بِالصَّلَاةِ، وحضرة الصَّفّ فِي سَبِيل الله) .
فدلهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَوْقَات الْإِجَابَة.
فَإِن قلت: هَل الْإِتْيَان بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة سَببا لاسْتِحْقَاق الشَّفَاعَة، أَو غَيرهَا يقوم مقَامهَا؟ قلت: روى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( مَا من مُسلم يَقُول، إِذا سمع النداء، فيكبر الْمُنَادِي فيكبر، ثمَّ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَيشْهد على ذَلِك ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ أعْط مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة واجعله فِي الأعلين دَرَجَته، وَفِي المصطفين محبته، وَفِي المقربين ذكره إلاَّ وَجَبت لَهُ شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة) .
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا.
قَوْله: ( واجعله) أَي: وَاجعَل لَهُ دَرَجَة فِي الأعلين، وَهُوَ جمع أَعلَى، وَهُوَ صفة من يعقل هَهُنَا لِأَن المُرَاد مِنْهُم الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلذَلِك جمع بِالْوَاو وَالنُّون، فإعرابه بِالْوَاو حَالَة الرّفْع وبالياء حالتي النصب والجر، وَهَذَا مَقْصُور، والضمة والكسرة فِيهِ مقدرتان فِي حالتي النصب والجر.
قَوْله: ( المصطفين) ، بِفَتْح الْفَاء جمع: مصطفى، وَهُوَ أَيْضا كَذَلِك بِالْوَاو وبالياء حالتي النصب والجر، والمصطفى: الْمُخْتَار من الصفوة، وَأَصله مصتفى، بِالتَّاءِ، فقلبت طاء كَمَا عرف فِي مَوْضِعه.
وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث أم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَت: ( عَلمنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ : يَا أم سَلمَة إِذا كَانَ عِنْد أَذَان الْمغرب فَقولِي: اللَّهُمَّ عِنْد اسْتِقْبَال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات دعائك، وَحُضُور صلواتك، إغفر لي)
وَأخرجه أَبُو دَاوُد، وَلَفظه: ( اللَّهُمَّ هَذَا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعائك فَاغْفِر لي) .
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْكَبِير) وَفِي آخِره: وَكَانَت إِذا تعارت من اللَّيْل تَقول: رب إغفر وَارْحَمْ، واهد السَّبِيل الأقوم، وروى أَبُو الشَّيْخ من حَدِيث ابْن عَبَّاس يرفعهُ: ( من سمع النداء فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، أبلغه الدرجَة والوسيلة عنْدك، واجعلنا فِي شَفَاعَته يَوْم الْقِيَامَة، إلاَّ وَجَبت لَهُ الشَّفَاعَة) وَفِيه: إِثْبَات الشَّفَاعَة للْأمة صَالحا وطالحا لزِيَادَة الثَّوَاب أَو إِسْقَاط الْعقَاب، لِأَن لَفْظَة: من، عَامَّة، فَهُوَ حجَّة على الْمُعْتَزلَة حَيْثُ خصصوها بالمطيع لزِيَادَة درجاته فَقَط.