فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الكلام في الأذان

( بابُُ الكَلاَمِ فِي الأذَانِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الْكَلَام فِي أثْنَاء الْأَذَان بِغَيْر أَلْفَاظه، وَلكنه مَا صرح بالحكم كَيفَ هُوَ أجائز أم غير جَائِز؟ لَكِن إِيرَاده الأثرين الْمَذْكُورين فِيهِ، وإيراده حَدِيث ابْن عَبَّاس يُشِير إِلَى أَنه اخْتَار الْجَوَاز، كَمَا ذهبت إِلَيْهِ طَائِفَة، على مَا نذكرهُ عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَتَكَلّمَ سُلَيْمَانُ بنُ صْرَدٍ فِي أذَانِهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وصرد، بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَفِي آخِره دَال مُهْملَة: وَهُوَ سُلَيْمَان بن صرد بن أبي الجون الْخُزَاعِيّ الصَّحَابِيّ، وَكَانَ اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة: يسارا فَسَماهُ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سُلَيْمَان، وكنيته أَبُو الطّرف، وَكَانَ خيّرا عابدا، نزل الْكُوفَة،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: قتل بالجزيرة بِعَين الوردة فِي شهر ربيع الآخر سنة خمس وَسِتِّينَ، وَكَانَ أَمِيرا على البوابين، أَرْبَعَة آلَاف يطْلبُونَ بِدَم الْحُسَيْن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وعلق البُخَارِيّ مَا روى عَنهُ، وَأخرجه ابْن أبي شيبَة من حَدِيث مُوسَى بن عبد الله بن يزِيد بن سُلَيْمَان بن صرد، وَكَانَت لَهُ صُحْبَة، كَانَ يُؤذن فِي الْعَسْكَر وَكَانَ يَأْمر غُلَامه بِالْحَاجةِ فِي أَذَانه، وَوَصله أَبُو نعيم شيخ البُخَارِيّ فِي كتاب الصَّلَاة لَهُ، وَأخرجه البُخَارِيّ عَنهُ فِي ( التَّارِيخ) بِإِسْنَاد صَحِيح، وَلَفظه مثل لفظ ابْن أبي شيبَة.

وَقَالَ الحَسَنُ لَا بَأسَ أَن يَضْحَكَ وهْوَ يُؤَذِّنُ أوْ يُقِيمُ
الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَهَذَا الْأَثر الْمُعَلق غير مُطَابق للتَّرْجَمَة لِأَنَّهَا فِي الْكَلَام فِي الْأَذَان، والضحك لَيْسَ بِكَلَام، لِأَنَّهُ صَوت يسمعهُ نفس الضاحك، وَلَا يسمع غَيره، وَلَو علق عَنهُ مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه: حَدثنَا ابْن علية، قَالَ: سَأَلت يُونُس عَن الْكَلَام فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة، فَقَالَ: حَدثنِي عبيد الله بن غلاب عَن الْحسن أَنه لم يكن يرى بذلك بَأْسا، لَكَانَ أولى وأوفق للمطابقة.



[ قــ :599 ... غــ :616 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا حَمَادٌ عنْ أيُّوبَ وعَبْدِ الحَمِيدَ صاحِبِ الزِّيادِي وعَاصِمٍ الأَحْوَلِ عنْ عَبْد الله بنِ الحارِثِ قَالَ خَطَبَنا ابنُ عَبَّاسِ فِي يَوْمِ رَدْغٍ فَلَمَّا بَلَغَ المُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ فَأمَرَهُ أنْ يُنَادِيَ الصَّلاَةَ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ القَوْمُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَقَالَ فَعَلَ هَذا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَإنَّهَا عَزْمَةٌ.
هَذَا الحَدِيث غير مُطَابق للتَّرْجَمَة على مَا زَعمه الدَّاودِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا حجَّة فِيهِ على جَوَاز الْكَلَام فِي الْأَذَان، بل القَوْل الْمَذْكُور مَشْرُوع من جملَة الْأَذَان فِي ذَلِك الْمحل.
قلت: سلمنَا أَنه مَشْرُوع فِي مثل هَذَا الْموضع، ولكننا لَا نسلم أَنه من جملَة أَلْفَاظ الْأَذَان الْمَعْهُودَة، بل يحْتَمل أَن يكون هَذَا حجَّة لمن يجوز الْكَلَام فِي الْأَذَان من السَّامع عِنْد ظُهُور مصلحَة، وَإِن كَانَت الْإِجَابَة وَاجِبَة فعلى هَذَا أَمر ابْن عَبَّاس للمؤذن بِهَذَا الْكَلَام يدل على أَنه لم ير بَأْسا بالْكلَام فِي الْأَذَان، فَمن هَذَا الْوَجْه يحصل التطابق بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث.
فَافْهَم.

ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: مُسَدّد بن مسرهد.
الثَّانِي: خماد هُوَ ابْن زيد.
الثَّالِث: أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ.
الرَّابِع: عبد الحميد هُوَ ابْن دِينَار صَاحب الزيَادي.
الْخَامِس: عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول.
السَّادِس: عبد الله ابْن الْحَارِث ابْن عَم مُحَمَّد بن سِيرِين وَزوج ابْنَته.
السَّابِع: عبد الله بن عَبَّاس.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين وَرِجَال الْإِسْنَاد كلهم بصريون.
وَفِيه: رِوَايَة أَيُّوب عَن ثَلَاثَة أنفس.
وَفِيه: عبد الله بن الْحَارِث تَابِعِيّ صَغِير، وَرِوَايَة الثَّلَاثَة عَنهُ من رِوَايَة الأقران، لِأَن الثَّلَاثَة من صغَار التَّابِعين، فَيكون فِيهِ أَرْبَعَة أنفس من التَّابِعين، وهم أَيُّوب فَإِنَّهُ رأى أنس بن مَالك، وَعبد الحميد.
سمع أنس بن مَالك، وَكَذَلِكَ عَاصِم بن سُلَيْمَان سمع أنس بن مَالك.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب الحَجبي، فرقهما، كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب، وَفِي الْجُمُعَة عَن مُسَدّد عَن إِسْمَاعِيل بن علية عَن عبد الحميد بِهِ.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عَليّ بن حجر عَن إِسْمَاعِيل بِهِ، وَأخرجه عَن أبي كَامِل الجحدري عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي عَن حَمَّاد وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن النَّضر بن شُمَيْل عَن شُعْبَة عَن عبد الحميد بِهِ، وَعَن عبد بن حميد عَن سعيد بن عَامر عَن شُعْبَة، وَعَن عبد بن حميد عَن أَحْمد بن إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ عَن وهب عَن أَيُّوب، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد عَن أسماعيل بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ عَن عباد بن عباد المهلبي عَن عَاصِم بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( فِي يَوْم ردغ) ، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وبالغين الْمُعْجَمَة: وَهَذِه رِوَايَة ابْن السكن والكشميهني وَأبي الْوَقْت.
وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: ( رزغ) ، بالزاي مَوضِع الدَّال.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: وَالْأول أشهر.
.

     وَقَالَ  أَيْضا: وَالصَّوَاب الْفَتْح، يَعْنِي فتح الدَّال، فَإِنَّهُ اسْم، وبالسكون مصدر.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : الردغ، بدال مُهْملَة سَاكِنة وغين مُعْجمَة، رَوَاهُ العذري، وَبَعض رُوَاة مُسلم، وَكَذَا لِابْنِ السكن والقابسي إلاَّ أَنَّهُمَا فتحا الدَّال: وَهِي روايتنا من طَرِيق أبي الْوَقْت، وَرِوَايَة الْأصيلِيّ والسمرقندي: رزغ، بزاي مَفْتُوحَة بعْدهَا غين مُعْجمَة.
.

     وَقَالَ  السفاقسي: روينَاهُ بِفَتْح الزَّاي وَهُوَ فِي اللُّغَة بسكونها.
قَالَ الدَّاودِيّ: الرزغ: الْغَيْم الْبَارِد وَفِي ( الْمُحكم) : الرزغ المَاء الْقَلِيل فِي الثماد، والرزغة أقل من الردغة، والرزغة بِالْفَتْح: الطين الرَّقِيق.
وَفِي ( الصِّحَاح) : الرزغة، بِالتَّحْرِيكِ: الوحل، وَكَذَلِكَ: الردغة بِالتَّحْرِيكِ، وَفِي كتاب ابي مُوسَى: الردغة، بِسُكُون الدَّال وَفتحهَا: طين ووحل كثير، وَالْجمع: رداغ، وَقد يُقَال: ارتدع، بِالْعينِ الْمُهْملَة تلطخ، وَالصَّحِيح الأول.
وَقَوله: ( فِي يَوْم ردغ) بِالْإِضَافَة، وَفِي رِوَايَة: ( فِي يَوْم ذِي ردغ) ، وَفِي رِوَايَة ابْن علية: ( فِي يَوْم مطير) ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْيَوْم أهوَ بِالْإِضَافَة إِلَى الردغ أَو بِالتَّنْوِينِ على أَنه مَوْصُوف؟ قلت: الْإِضَافَة ظَاهِرَة، وَيحْتَمل الْوَصْف بِأَن يكون أَصله يَوْم ذِي ردغ قلت: لم يقف على الرِّوَايَة الَّتِي ذَكرنَاهَا حَتَّى تصرف بذلك.
قَوْله: ( فَأمره) أَي: أَمر ابْن عَبَّاس الْمُؤَذّن، وَهَذَا عطف على مُقَدّر، وَهُوَ جَوَاب لما تَقْدِيره: لما بلغ الْمُؤَذّن إِلَى أَن يَقُول: حَيّ على الصَّلَاة، أَرَادَ أَن يَقُولهَا فَأمره ابْن عَبَّاس إِن ( يُنَادي: الصَّلَاة فِي الرّحال) ويوضح ذَلِك فِي رِوَايَة ابْن علية: ( إِذا قلت: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَلَا تقل: حَيّ على الصَّلَاة) ، وَابْن علية هُوَ إِسْمَاعِيل، روى أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد عَن إِسْمَاعِيل أَخْبرنِي عبد الحميد صَاحب الزيَادي، حَدثنَا عبد الله بن الْحَارِث ابْن عَم مُحَمَّد بن سِيرِين: ( أَن ابْن عَبَّاس قَالَ لمؤذنه فِي يَوْم مطير: إِذا قلت: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَلَا تقل: حَيّ على الصَّلَاة، قل: صلوا فِي بُيُوتكُمْ، قَالَ: فَكَأَن النَّاس استنكروا ذَلِك، فَقَالَ: قد فعل ذَا من هُوَ خير مني، إِن الْجُمُعَة عَزمَة، وَإِنِّي كرهت أَن أحرجكم فتمشون فِي الطين والمطر) .
وَقَوله: ( الصَّلَاة) ، مَنْصُوب بعامل مَحْذُوف تَقْدِيره: صلوا الصَّلَاة وأدوها فِي الرّحال، وَهُوَ جمع: رَحل، وَهُوَ مسكن الرجل وَمَا يستصحبه من الأناث.
أَي: صلوها فِي مَنَازِلكُمْ.
قَوْله: ( فَنظر الْقَوْم) أَي: نظر إِنْكَار على تَغْيِير وضع الْأَذَان وتبديل الحيعلة بذلك، وَفِي رِوَايَة الحَجبي: كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِك، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: ( استنكروا ذَلِك) ، على مَا ذَكرنَاهَا آنِفا.
قَوْله: ( فَقَالَ) أَي: ابْن عَبَّاس، فعل هَذَا أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا أَمر الْمُؤَذّن أَن يَقُول: الصَّلَاة فِي الرّحال، مَوضِع: حَيّ على الصَّلَاة.
قَوْله: ( من هُوَ خير مِنْهُ) كلمة: من، فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ فَاعل قَوْله: ( فعل) ، وَالضَّمِير فِي: مِنْهُ، يرجع إِلَى ابْن عَبَّاس، وَمَعْنَاهُ: أَمر بِهِ من هُوَ خير من ابْن عَبَّاس.
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مِنْهُم، وَوَجهه أَن يرجع الضَّمِير فِيهِ إِلَى الْمُؤَذّن وَالْقَوْم جَمِيعًا.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَأما رِوَايَة الْكشميهني فَفِيهَا نظر، وَلَعَلَّ من أذن كَانُوا جمَاعَة، أَو أَرَادَ جنس المؤذنين.
قلت: فِي نظره نظر، وتأويله بِالْوَجْهَيْنِ غير صَحِيح.
أما الأول: فَلم يثبت أَن من أذن كَانُوا جمَاعَة، وَهَذَا احْتِمَال بعيد، لِأَن الْأَذَان بِالْجَمَاعَة مُحدث.
وَأما الثَّانِي، فَلِأَن الْألف وَاللَّام فِي: الْمُؤَذّن، للْعهد، فَكيف يجوز أَن يُرَاد الْجِنْس وَفِي رِوَايَة الحَجبي: ( من هُوَ خير مني) ، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم وَأبي دَاوُد.
قَوْله: ( وَإِنَّهَا عَزمَة) أَي: إِن الْجُمُعَة عَزمَة، بِسُكُون الزَّاي، أَي: وَاجِبَة متحتمة، وَجَاء فِي بعض طرقه: إِن الْجُمُعَة عَزمَة.
فَإِن قلت: لَمْ يسْبق ذكر الْجُمُعَة فَكيف يُعِيدهُ إِلَيْهَا؟ قلت: قَوْله: ( خَطَبنَا) ، يدل على أَنهم كَانُوا فِي الْجُمُعَة، وَقد صرح بذلك فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، حَيْثُ قَالَ: ( إِن الْجُمُعَة عَزمَة) ، قَوْله فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: ( أَن أحرجكم) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: كرهت أَن أشق عَلَيْكُم بإلزامكم السَّعْي إِلَى الْجُمُعَة فِي الطين والمطر، ويروى: ( أَن أخرجكم) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة من الْإِخْرَاج، ويروى: ( كرهت أَن أؤثمكم) أَي: أكون سَببا لاكتسابكم الْإِثْم عِنْد ضيق صدوركم.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ التَّيْمِيّ: رخص الْكَلَام فِي الْأَذَان جمَاعَة مستدلين بِهَذَا الحَدِيث مِنْهُم: أَحْمد بن حَنْبَل.
وَحكى ابْن الْمُنْذر الْجَوَاز مُطلقًا عَن عُرْوَة وَعَطَاء وَالْحسن وَقَتَادَة، وَعَن النَّخعِيّ وَابْن سِيرِين وَالْأَوْزَاعِيّ الْكَرَاهَة، وَعَن الثَّوْريّ الْمَنْع، وَعَن أبي حنيفَة وصاحبيه خلاف الأولى، وَعَلِيهِ يدل كَلَام الشَّافِعِي وَمَالك.
وَعَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: يكره إلاَّ أَن كَانَ يتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ، وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر وَفِيه: دلَالَة على فَرضِيَّة الْجُمُعَة، وَأبْعد بعض الْمَالِكِيَّة حَيْثُ قَالَ: إِن الْجُمُعَة لَيست بِفَرْض، وَإِنَّمَا الْفَرْض الظّهْر أَو مَا يَنُوب مَنَابه، وَالْجَمَاعَة على خِلَافه،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَحكى ابْن أبي صفرَة عَن ( موطأ ابْن وهب) عَن مَالك: إِن الْجُمُعَة سنة.
قَالَ: وَلَعَلَّه يُرِيد فِي السّفر، وَلَا يحْتَج بِهِ.
وَفِيه: تَخْفيف أَمر الْجَمَاعَة فِي الْمَطَر وَنَحْوه من الْأَعْذَار وَإِنَّهَا متأكدة إِذا لم يكن عذر،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِيه: أَن يُقَال: هَذِه الْكَلِمَة يَعْنِي: الصَّلَاة فِي الرّحال.
فِي نفس الْأَذَان.
قلت: أَخذه من كَلَام النَّوَوِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: هَذِه الْكَلِمَة تقال فِي نفس الْأَذَان، وَيرد عَلَيْهِ حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، الْآتِي فِي بابُُ الْأَذَان للْمُسَافِر: إِنَّهَا تقال بعده، وَنَصّ الشَّافِعِي على أَن الْأَمريْنِ جائزان، وَلَكِن بعده أحسن لِئَلَّا ينخرم نظم الْأَذَان.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ: لَا يَقُول إلاَّ بعد الْفَرَاغ.
قَالَ: وَهُوَ ضَعِيف مُخَالف لصريح حَدِيث ابْن عَبَّاس.
قلت: الْأَمْرَانِ جائزان، وَبعد الْفَرَاغ أحسن كَمَا ذكرنَا، وَكَلَام النَّوَوِيّ يدل على أَنَّهَا تزاد مُطلقًا إِمَّا فِي أَثْنَائِهِ وَإِمَّا بعده، لَا أَنَّهَا بدل من الحيعلة.
قلت: حَدِيث ابْن عَبَّاس لم يسْلك مَسْلَك الْأَذَان، أَلا ترى أَنه قَالَ: فَلَا تقل: حَيّ على الصَّلَاة، قل: صلوا فِي بُيُوتكُمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ إِشْعَار النَّاس بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُم للْعُذْر، كَمَا فعل فِي التثويب لِلْأُمَرَاءِ وَأَصْحَاب الولايات، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ورد فِي حَدِيث ابْن عمر: أخرجه البُخَارِيّ، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه ابْن عدي فِي ( الْكَامِل) أَنه إِنَّمَا يُقَال بعد فرَاغ الْأَذَان.