فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الأذان للمسافر، إذا كانوا جماعة، والإقامة، وكذلك بعرفة وجمع، وقول المؤذن: الصلاة في الرحال، في الليلة الباردة أو المطيرة


[ قــ :611 ... غــ :629 ]
- حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ المُهَاجِرِ بنِ أبي الحَسَنِ عنْ زَيْدِ بنِ وَهَبٍ عنْ أبي ذرٍّ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ المُؤَذِّنُ أنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لهُ أبْرِدْ ثمَّ أَرَادَ إِن يَأْذَن فَقَالَ لَهُ أبردحَتَّى ساوَى الظِّلُّ التُّلُولُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمُؤَذّن أَرَادَ أَن يُؤذن فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالإبراد ثَلَاث مَرَّات، وَلم يتَعَرَّض إِلَى ترك الْأَذَان، فَدلَّ على أَنه أذن بعد الْإِبْرَاد الْمَوْصُوف، وَأقَام، وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ الصَّحَابَة كَانُوا فِي سفر، فطابق الحَدِيث التَّرْجَمَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة.
فَإِن قلت: لَا دلَالَة هُنَا على الْإِقَامَة، والترجمة مُشْتَمِلَة على الْأَذَان وَالْإِقَامَة مَعًا؟ قلت: الْمَقْصُود هُوَ الدّلَالَة فِي الْجُمْلَة، وَلَا يلْزم الدّلَالَة صَرِيحًا على كل جُزْء من التَّرْجَمَة، وَمن لَا يتْرك الْأَذَان فِي السّفر مَعَ كَونه مَظَنَّة التَّخْفِيف لَا يتْرك الْإِقَامَة الَّتِي هِيَ أخف من الْأَذَان، وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه وَلَفظه قد مر فِي: بابُُ الْإِبْرَاد بِالظّهْرِ فِي شدَّة الْحر، وَفِي الْبابُُ الَّذِي يَلِيهِ: بابُُ الْإِبْرَاد مَعَ الظّهْر فِي السّفر، مَعَ اخْتِلَاف يسير فِي الروَاة والمتن، فَإِنَّهُ فِي الْكل عَن شُعْبَة ... إِلَى آخِره، غير أَن شَيْخه فِي الأول: عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة، وَفِي الثَّانِي: عَن آدم عَن شُعْبَة وَهَهُنَا، كَمَا رَأَيْت: عَن مُسلم ابْن ابراهيم عَن شُعْبَة، وَمُسلم الْأَزْدِيّ الفراهيدي القصاب الْبَصْرِيّ من أَفْرَاد البُخَارِيّ.

قَوْله: ( سَاوَى) ، أَي: صَار الظل مُسَاوِيا التل.
أَي: مثله.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: فَحِينَئِذٍ يكون أول وَقت الْعَصْر عِنْد الشَّافِعِيَّة، وَلَا يجوز تَأْخِير االظهر إِلَيْهِ؟ قلت: لَا نسلم، إِذْ لَيْسَ وَقت الظّهْر مُجَرّد كَون الظل مثله، بل هُوَ بعد الْفَيْء وظل الْمثل كليهمَا.
قلت: أول وَقت الْعَصْر عِنْد صيرورة ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ، وَبَين مُسَاوَاة الظل الْمثل، وَكَون ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ آنات عديدة.





[ قــ :61 ... غــ :630 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ خالِدٍ الحَذَّاءِ عنْ أبي قِلاَبَةَ عَنْ مالِكِ بنِ الحُوَيْرِثِ قَالَ أتَى رَجُلاَنِ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدانِ السَّفَرَ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أنْتُمَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا ثُمَّ أقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمُّكُمَا أكْبَرُكُمَا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
فَإِن قلت: التَّرْجَمَة لجمع الْمُسَافِرين، والْحَدِيث للتثنية؟ قلت: للتثنية حكم الْجمع، وَفِيه الْأَذَان وَالْإِقَامَة صريحان، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الْبابُُ السَّابِق، وَمُحَمّد بن يُوسُف هُوَ الْفرْيَابِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ.
فَإِن قلت: قد روى البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، فَمن أَيْن إِن سُفْيَان هُنَا هُوَ الثَّوْريّ؟ قلت: لِأَن الَّذِي يروي عَن ابْن عُيَيْنَة هُوَ مُحَمَّد بن يُوسُف البيكندي، وَلَيْسَت لَهُ رِوَايَة عَن الثَّوْريّ.
فَإِن قلت: الْفرْيَابِيّ يروي أَيْضا عَن ابْن عُيَيْنَة؟ قلت: نعم، وَلَكِن إِذا أطلق سُفْيَان فَالْمُرَاد بِهِ الثَّوْريّ، وَأما إِذا روى عَن ابْن عُيَيْنَة فَإِنَّهُ يُبينهُ.

قَوْله: ( رجلَانِ) ، هما: مَالك بن الْحُوَيْرِث ورفيقه، وَلَفظ البُخَارِيّ فِي: بابُُ سفر الْإِثْنَيْنِ من كتاب الْجِهَاد: ( انصرفت من عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنا وَصَاحب لي) .
قَوْله: ( فأذنا) ، قد قُلْنَا فِي الْبابُُ الْمَاضِي: إِن المُرَاد بِهِ أَحدهمَا، لِأَن الْوَاحِد قد يُخَاطب بِصِيغَة التَّثْنِيَة، كَمَا ذكرنَا هُنَاكَ، وَيدل على هَذَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن خَالِد الْحذاء فِي هَذَا الحَدِيث: ( إِذا كنت مَعَ صَاحبك فَأذن وأقم وليؤمكما أكبركما) .
.

     وَقَالَ  ابْن الْقصار: أَرَادَ بِهِ الْفضل، وإلاَّ فأذان الْوَاحِد يجزىء.
قلت: نظر هُوَ إِلَى ظَاهر اللَّفْظ، وَلَيْسَ ظَاهر اللَّفْظ بِمُرَاد، لِأَن الْمَنْقُول عَن السّلف خلاف ذَلِك، وَأَن اراد أَن يُؤذن كل وَاحِد، فَلَيْسَ كَذَلِك أيضافإن أَذَان الْوَاحِد يَكْفِي الْجَمَاعَة.
قَوْله: ( ثمَّ ليؤمكما أكبركما) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: يدل على تساويهما فِي شُرُوط الْإِقَامَة، وَرجح أَحدهمَا بِالسِّنِّ،.

     وَقَالَ  ابْن بزيزة: يجوز أَن يكون أَشَارَ إِلَى كبر الْفضل وَالْعلم.





[ قــ :613 ... غــ :631 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عَنْ أبي قِلاَبَةَ قَالَ حدَّثنا مالِكٌ قَالَ أتَيْنَا إِلَى النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْما وَلَيْلَةً وكانَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَحِيمَا رَفِيقا فلَمَّا ظَنَّ أنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أهْلَنَا أوْ قَدِ اشْتقْنَا سألَنا عَمنْ تَركْنَا بَعْدَنَا فأَخْبَرْنَاهُ قَالَ ارْجِعُوا إلَى أهْلِيكمْ فأقِيمُوا فِيهِمْ وعَلِّمُوهُمْ ومُرُوهُمْ وذَكَرَ أشْيَاءَ أحْفَظُها أَو لَا أحْفَظُهَا وَصَلُّوا كمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فإذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أحَدُكُمْ ولْيُؤُمَّكُمْ أكْبَرُكُمْ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَالْكَلَام فِي أَكثر الحَدِيث قد مضى فِي الْبابُُ السَّابِق، وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الْبَصْرِيّ وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة عبد الله بن زيد، وَمَالك هُوَ: ابْن الْحُوَيْرِث.
قَوْله: ( شببة) ، على وزن: فعلة بتحريك الْعين وَهُوَ جمع: شَاب، ( ومتقاربون) ، صفته أَي: فِي السن.
قَوْله: ( سَأَلنَا) بِفَتْح اللَّام، قَوْله: ( أَو قد اشتقنا) شكّ من الرَّاوِي، ويروى ( وَقد اشتقنا) بواو الْعَطف بِغَيْر شكّ.
قَوْله: ( إِلَى أهليكم) ، ويروى: ( إِلَى أهاليكم) .
قَوْله: ( أَو لَا أحفظها) شكّ من الرَّاوِي.





[ قــ :614 ... غــ :63 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ أخبرنَا يَحْيى عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ قَالَ حدَّثني نافِعٌ قَالَ أذَّنَ ابنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بارِدَةٍ بِضَجْنَانَ ثُمَّ قَالَ صَلوا فِي رِحَالِكُمْ فَأخْبَرَنا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَأمُرُ مُؤَذِّنا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ على إثْرِهِ ألاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ أوِ المَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ ( الحَدِيث 63 طرفه فِي: 666) .


مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ: ( وَقَول الْمُؤَذّن الصَّلَاة فِي الرّحال) إِلَى آخِره، ظَاهِرَة، لِأَن ابْن عمر هَذَا هُوَ الَّذِي أذن، ثمَّ قَالَ: صلوا فِي رحالكُمْ.
قَوْله: ( حَدثنَا يحيى) هُوَ الْقطَّان.
قَوْله: ( بضجنان) ، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْجِيم وَبعدهَا نون وَبعد الْألف نون أُخْرَى: وَهُوَ جبل على بريد من مَكَّة،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: بَينه وَبَين مَكَّة خَمْسَة وَعِشْرُونَ ميلًا، وَبَينه وَبَين مر تِسْعَة أَمْيَال.
.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: ويدلك أَن بَين ضجنَان وقديد لَيْلَة، قَول معبد الْخُزَاعِيّ:
( قد نفرت من رفقتي مُحَمَّد ... تهوي على دين أَبِيهَا الأتلد)

( قد جعلت مَاء قديد موعدي ... وَمَاء ضجنَان لنا ضحى الْغَد.
)


وَهُوَ على وزن: فعلان، غير منصرف.
قَوْله: ( وَأخْبرنَا) عطف على قَوْله: أذن، قَوْله: ( ثمَّ يَقُول) عطف على قَوْله: ( يُؤذن) .
قَوْله: ( على إثره) ، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتحهَا: مَا بَقِي من رسم الشَّيْء.
قَوْله: ( فِي اللَّيْلَة الْبَارِدَة) ، ظرف لقَوْله: ( كَانَ يَأْمر) وَقَوله: ( ثمَّ يَقُول) يشْعر بِأَن القَوْل بِهِ كَانَ بعد الْأَذَان.
فَإِن قلت: قد تقدم فِي بابُُ الْكَلَام فِي الْأَذَان أَنه كَانَ فِي أثْنَاء الْأَذَان؟ قلت: يجوز كِلَاهُمَا، وَهُوَ نَص الشَّافِعِي أَيْضا فِي ( الْأُم) .
وَلَكِن الأولى أَن يُقَال: بعد الْأَذَان.
وَقَوله: ( أَلاَ) كلمة تَنْبِيه وتحضيض، وَقد مر تَفْسِير ( الْمَطِيرَة) وَكلمَة: أَو، فِيهِ للتنويع لَا للشَّكّ.
وَفِي ( صَحِيح أبي عوَانَة) : لَيْلَة بَارِدَة أَو ذَات مطر أَو ذَات ريح.
وَهَذَا يدل على أَن كل وَاحِد من هَذِه الثَّلَاثَة عذر فِي التَّأَخُّر عَن الْجَمَاعَة.
وَنقل ابْن بطال فِيهِ الْإِجْمَاع، لَكِن الْمَعْرُوف عِنْد الشَّافِعِيَّة أَن الرّيح عذر فِي اللَّيْل فَقَط.
وَظَاهر الحَدِيث اخْتِصَاص الثَّلَاثَة بِاللَّيْلِ، وَلَكِن جَاءَ فِي ( السّنَن) من طَرِيق ابْن إِسْحَاق عَن نَافِع فِي هَذَا الحَدِيث: ( فِي اللَّيْلَة الْمَطِيرَة والغداة القرة) .





[ قــ :615 ... غــ :633 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ قَالَ أخبرنَا جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ قَالَ حدَّثنا أبْو العُمَيْسِ عنْ عوْن ابنِ أبي جُحَيْفَةَ عَنْ أبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالأبْطَحِ فَجَاءَهُ بِلاَلٌ فآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ ثُمَّ خَرَجَ بِلالٌ بِالْعَنَزَةِ حَتَّى رَكَزَهَا بَيْنَ يَدَيْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالأبْطَحِ وأقَامَ الصَّلاَةَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَصْحَابه فِي السّفر.
والْحَدِيث قد مر فِي: بابُُ ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ أَنه أخرجه فِي مَوَاضِع من كتاب الطَّهَارَة وَكتاب الصَّلَاة.
قَوْله: ( إِسْحَاق) وَقع فِي رِوَايَة أبي الْوَقْت أَنه إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَبِذَلِك جزم خلف فِي الْأَطْهَار، وَتردد الكلاباذي: هَل هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم أَو ابْن مَنْصُور؟ وَرجح الجياني أَنه ابْن مَنْصُور، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَن مُسلما أخرج هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور.
قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى، وَأَبُو العميس، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة، وَأَبُو جُحَيْفَة، بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْفَاء، واسْمه: وهب بن عبد الله السوَائِي.
قَوْله: ( بِالْأَبْطح) وَهُوَ مَوضِع مَعْرُوف خَارج مَكَّة، ( والعنزة) ، بِفَتْح النُّون أطول من الْعَصَا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ وَفِي غَيره مُسْتَوفى.