فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: متى يقوم الناس، إذا رأوا الإمام عند الإقامة

(بابٌُ مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إذَا رَأوُا الإِمامَ عِنْدَ الإِقَامَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ مَتى تقوم الْجَمَاعَة إِذا رَأَوْا الإِمَام عِنْد إِقَامَة الصَّلَاة، وَحَدِيث الْبابُُ يبين ذَلِك.



[ قــ :619 ... غــ :637 ]
- حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ قَالَ كَتَبَ إلَيَّ يَحْيَى عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي قَتَادَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أُقِيمَتِ االصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي ي: 638، 909) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن معنى الحَدِيث أَن الْجَمَاعَة لَا يقومُونَ عِنْد الْإِقَامَة إلاَّ حِين يرَوْنَ أَن الإِمَام قَامَ، وَقد بَين ذَلِك معنى التَّرْجَمَة الَّتِي فِيهَا الِاسْتِفْهَام عَن وَقت قيام النَّاس إِلَى الصَّلَاة، وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي وَقت قيام النَّاس إِلَى الصَّلَاة على مَا نبينه عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة، قد ذكرُوا.
و: هِشَام هُوَ الدستوَائي، وَأَبُو قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: الْكِتَابَة وَهِي طَرِيق من طرق الحَدِيث، وَهُوَ أَن يكْتب مسموعه لغَائِب أَو حَاضر إِمَّا أَن تكون مقرونة بِالْإِجَازَةِ أَو لَا، وَذَلِكَ عِنْدهم مَعْدُود فِي الْمسند الْمَوْصُول، وَظَاهر قَوْله: (كتب إِلَيّ يحيى) أَنه لم يسمعهُ مِنْهُ، وَقد رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق هشيم عَن هِشَام وحجاج الصَّواف، وَكِلَاهُمَا عَن يحيى، وَهُوَ من تَدْلِيس الصِّيَغ، وَصرح أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من وَجه آخر: عَن هِشَام أَن يحيى كتب إِلَيْهِ أَن عبد الله بن أبي قَتَادَة حَدثهُ، فأمن من تَدْلِيس يحيى.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن أبي نعيم عَن شَيبَان عَن يحيى بِهِ، وَعَن عَمْرو بن عَليّ عَن أبي قُتَيْبَة.
وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن ابْن أبي شيبَة عَن إِسْمَاعِيل بن علية وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعبيد الله بن سعيد.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَعَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى وَعَن أَحْمد بن صَالح.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن مُحَمَّد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الْحُسَيْن ابْن حُرَيْث وَعَن عَليّ بن حجر.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَوْله: (أُقِيمَت الصَّلَاة) أَي: ذكرت أَلْفَاظ الْإِقَامَة وَنُودِيَ بهَا.
قَوْله: (حَتَّى تروني) أَي: تبصروني خرجت، وَبِه صرح ابْن حبَان من طَرِيق عبد الرَّزَّاق وَحده: (حَتَّى تروني خرجت) ، وَلَا بُد فِيهِ من التَّقْدِير، تَقْدِيره: لَا تقوموا حَتَّى تروني خرجت فَإِذا رَأَيْتُمُونِي خرجت فَقومُوا.
وَقد اخْتلف السّلف مَتى يقوم النَّاس إِلَى الصَّلَاة؟ فَذهب مَالك وَجُمْهُور الْعلمَاء إِلَى أَنه لَيْسَ لقيامهم حد، وَلَكِن اسْتحبَّ عامتهم الْقيام إِذا أَخذ الْمُؤَذّن فِي الْإِقَامَة، وَكَانَ أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يقوم إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: قد قَامَت الصَّلَاة وَكبر الإِمَام، وَحَكَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن سُوَيْد بن غَفلَة، وَكَذَا قيس بن أبي حَازِم وَحَمَّاد، وَعَن سعيد بن الْمسيب وَعمر بن عبد الْعَزِيز: إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: الله إكبر، وَجب الْقيام، وَإِذا قَالَ: حَيّ على الصَّلَاة، اعتدلت الصُّفُوف، وَإِذا قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، كبر الإِمَام.
وَذَهَبت عَامَّة الْعلمَاء إِلَى أَنه: لَا يكبر حَتَّى يفرغ الْمُؤَذّن من الْإِقَامَة.
وَفِي (المُصَنّف) : كره هِشَام يَعْنِي ابْن عُرْوَة أَن يقوم حَتَّى يَقُول الْمُؤَذّن: قد قَامَت الصَّلَاة، وَعَن يحيى بن وثاب: إِذا فرغ الْمُؤَذّن كبر، وَكَانَ إِبْرَاهِيم يَقُول: إِذا قَامَت الصَّلَاة كبر، وَمذهب الشَّافِعِي وَطَائِفَة أَنه يسْتَحبّ أَن لَا يقوم حَتَّى يفرغ الْمُؤَذّن من الْإِقَامَة، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف، وَعَن مَالك رَحمَه الله تَعَالَى: السّنة فِي الشُّرُوع فِي الصَّلَاة بعد الْإِقَامَة وبداية اسْتِوَاء الصَّفّ.
.

     وَقَالَ  أَحْمد: إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: قد قَامَت الصَّلَاة، يقوم.
.

     وَقَالَ  زفر: إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: قد قَامَت الصَّلَاة، مرّة قَامُوا، وَإِذا قَالَ ثَانِيًا افتتحوا.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد: يقومُونَ فِي الصَّفّ إِذا قَالَ: حَيّ على الصَّلَاة، فَإِذا قَالَ: قد قَامَت الصَّلَاة كبر الإِمَام، لِأَنَّهُ أَمِين الشَّرْع، وَقد أخبر بقيامها فَيجب تَصْدِيقه وَإِذا لم يكن الإِمَام فِي الْمَسْجِد فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنهم لَا يقومُونَ حَتَّى يروه.
فَإِن قلت: روى مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (أُقِيمَت الصَّلَاة فقمنا فعدلنا الصُّفُوف قبل أَن يخرج إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
وَفِي رِوَايَة: (إِن الصَّلَاة كَانَت تُقَام لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيَأْخُذ النَّاس مَصَافهمْ قبل أَن يقوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقَامه) .
وَفِي رِوَايَة جَابر بن سَمُرَة: (كَانَ بِلَال يُؤذن، إِذا دحضت الشَّمْس، فَلَا يُقيم حَتَّى يخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا خرج الإِمَام أَقَامَ الصَّلَاة حِين يرَاهُ) وَبَين هَذِه الرِّوَايَات مُعَارضَة.
قلت: وَجه الْجمع بَينهمَا: أَن بِلَالًا كَانَ يراقب خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَيْثُ لَا يرَاهُ غَيره، أَو إلاَّ الْقَلِيل، فَعِنْدَ أول خُرُوجه يُقيم، وَلَا يقوم النَّاس حَتَّى يروه، ثمَّ لَا يقوم مقَامه حَتَّى بِعدْل الصُّفُوف.
وَقَوله فِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة: (فَيَأْخُذ النَّاس مَصَافهمْ قبل خُرُوجه) ، لَعَلَّه كَانَ مرّة أَو مرَّتَيْنِ أَو نَحْوهمَا، لبَيَان الْجَوَاز؛ أَو لعذر.
وَلَعَلَّ قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَلَا تقوموا حَتَّى تروني) كَانَ بعد ذَلِك.
قَالَ الْعلمَاء: وَالنَّهْي عَن الْقيام قبل أَن يروه لِئَلَّا يطول عَلَيْهِم الْقيام، لِأَنَّهُ قد يعرض لَهُ عَارض فَيتَأَخَّر بِسَبَبِهِ.