فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة

( بابُُ الإمامِ تَعْرِضُ لَهُ الحاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ الإِمَام تعرض ... إِلَى آخِره، و: تعرض، بِكَسْر الرَّاء: أَي، تظهر، وَبعده مُقَدّر، تَقْدِيره: هَل يُبَاح لَهُ التشاغل بِالْحَاجةِ قبل الدُّخُول فِي الصَّلَاة أم لَا؟ وَالْحَاصِل: أَنه يجوز.
وَقيد بقوله: ( بعد الْإِقَامَة) ، لِأَن قبل الْإِقَامَة الْجَوَاز بِالطَّرِيقِ الأولى


[ قــ :624 ... غــ :642 ]
- حدَّثنا أبُو مَعْمَرِ عَبْدُ الله بنُ عَمْرٍ.

     وَقَالَ  حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ ابنُ صُهَيْبٍ عَنْ أنَسٍ قَالَ أقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنَاجِي رَجُلاً فِي جانِبِ المَسْجِدِ فَما قامَ إلَى الصَّلاَةِ حَتَّى نَامَ القَوْمُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناجى ذَلِك الرجل وَالصَّلَاة قد أُقِيمَت، وَأطَال الْمُنَاجَاة فَهَذَا هُوَ عرُوض الْحَاجة لَهُ، فَلذَلِك قيد فِي التَّرْجَمَة بِالْإِمَامِ.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير: خص الإِمَام بِالذكر يَعْنِي فِي التَّرْجَمَة مَعَ أَن الحكم عَام.
قلت: إِنَّمَا قيدها بِالْإِمَامِ لتَعلق هَذَا الحكم بِهِ، لِأَن الْمَأْمُوم إِذا عرضت لَهُ حَاجَة لَا يتَقَيَّد بِهِ غَيره من الْقَوْم، بِخِلَاف الإِمَام، فَإِنَّهُ إِذا عرضت لَهُ حَاجَة يتَقَيَّد بِهِ الْقَوْم جَمِيعًا، وَمَعَ هَذَا فقد أَشَارَ إِلَى بَيَان عُمُوم الحكم بِالْبابُُِ الَّذِي بعده، على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة قد ذكرُوا، وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين، وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون.
قَوْله: ( عَن أنس) وَفِي رِوَايَة لمُسلم: ( سمع أنسا) .

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن شَيبَان بن فروخ، وَأَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أُقِيمَت الصَّلَاة) ، وَكَانَت صَلَاة الْعشَاء، بَينه حَمَّاد بن ثَابت عَن أنس عَن مُسلم، ودلت الْقَرِينَة أَيْضا أَنَّهَا كَانَت صَلَاة الْعشَاء، وَهِي قَوْله: ( حَتَّى نَام الْقَوْم) قَوْله ( وَالنَّبِيّ) ، مُبْتَدأ وَخَبره، قَوْله: ( يُنَاجِي) ، وَالْجُمْلَة حَال، وَالْمعْنَى: يُنَاجِي رجلا يحادثه.
وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: ( وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلمنجي فِي جَانب الْمَسْجِد) ، يَعْنِي: مناج، كنديم، بِمَعْنى: منادم، ووزير بِمَعْنى موازر، وَإِنَّمَا ذكر من بابُُ المفاعلة ليدل على أَن الرجل أَيْضا يُشَارِكهُ فِي الحَدِيث.
قيل: لم يعرف اسْم الرجل مَا هُوَ؟ وَقيل: كَانَ كَبِيرا فِي قومه فَأَرَادَ أَن يتألفه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الْإِسْلَام، وَلَيْسَ لهَذَا دَلِيل.
قلت: لَا يبعد أَن يكون هَذَا ملكا، وَأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَآهُ فِي صُورَة رجل.
قَوْله: ( حَتَّى نَام الْقَوْم) ، وَزَاد شُعْبَة عَن عبد الْعَزِيز: ( ثمَّ قَامَ فصلى) ، وَهَذِه الزِّيَادَة عِنْد البُخَارِيّ فِي الاسْتِئْذَان، وَلمُسلم أَيْضا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ونام الْقَوْم، أَي: نعس بعض الْقَوْم.
قلت: الظَّاهِر أَنه فسر هَذَا هَكَذَا من عِنْده، وَلكنه وَقع هَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن حبَان من وَجه آخر: عَن أنس، وَوَقع فِي مُسْند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: عَن ابْن علية عَن عبد الْعَزِيز فِيهِ: حَتَّى نعس بعض الْقَوْم، وَلَو كَانَ وَقت الْكرْمَانِي على هَذَا لَكَانَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِوَجْه مَا.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز مُنَاجَاة الِاثْنَيْنِ بِحُضُور الْجَمَاعَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَفِي الحَدِيث جَوَاز مُنَاجَاة الْوَاحِد بِحَضْرَة الْجَمَاعَة.
قلت: بابُُ المفاعلة لَا يسند إِلَى الْوَاحِد، وَلَو كَانَ هَذَا الْقَائِل وقف على مَعَاني الْأَفْعَال لقَالَ مثل مَا قُلْنَا.
وَفِيه: جَوَاز الْفَصْل بَين الْإِقَامَة وَالْإِحْرَام للضَّرُورَة،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) وَفِيه: جَوَاز الْكَلَام بعد الْإِقَامَة، وَإِن كَانَ إِبْرَاهِيم وَالزهْرِيّ وتبعهما الحنفيون: كَرهُوا ذَلِك، حَتَّى قَالَ بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة: إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: قد قَامَت الصَّلَاة وَجب على الإِمَام التَّكْبِير.
.

     وَقَالَ  مَالك: إِذا بَعدت الْإِقَامَة رَأَيْت أَن تُعَاد الْإِقَامَة اسْتِحْبابُُا.
قلت: إِنَّمَا كره الْحَنَفِيَّة الْكَلَام بَين الْإِقَامَة وَالْإِحْرَام إِذا كَانَ لغير ضَرُورَة، وَأما إِذا كَانَ لأمر من أُمُور الدّين فَلَا يكره.
وَفِيه: جَوَاز تَأْخِير الصَّلَاة عَن أول وَقتهَا.