فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب فضل صلاة الجماعة وكان الأسود: «إذا فاتته الجماعة ذهب إلى مسجد آخر» وجاء أنس بن مالك: «إلى مسجد قد صلي فيه، فأذن وأقام وصلى جماعة»

( بابُُ فَضْلِ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة، وَفِي بعض النّسخ: بابُُ فضل صَلَاة الْجَمَاعَة، لَا يُقَال: إِن بَين هَذِه التَّرْجَمَة وَبَين الْبابُُ الَّذِي قبله مُنَافَاة، لِأَن هَذِه فِي بَيَان الْفَضِيلَة وَتلك فِي بَيَان الْوُجُوب، لأَنا نقُول: كَون الشَّيْء متصفا بِالْوُجُوب لَا يُنَافِي اتصافه بالفضيلة.

وكانَ الأَسْوَدُ إذَا فاتَتْهُ الجَمَاعَةُ ذَهَبَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِي أَن الْأسود بن يزِيد، التَّابِعِيّ الْكَبِير، كَانَ إِذا تفوته الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة فِي مَسْجِد يذهب إِلَى مَسْجِد آخر ليُصَلِّي فِيهِ بِالْجَمَاعَة، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق أَبُو بكر بن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح، وَلَفظه: ( إِذا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَة فِي مَسْجِد قومه ذهب إِلَى مَسْجِد آخر) .
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : وَقد رُوِيَ ذَلِك عَن حُذَيْفَة وَسَعِيد بن جُبَير، وَذكر الطَّحَاوِيّ عَن الْكُوفِيّين وَمَالك إِن شَاءَ صلى فِي مَسْجده وَحده، وَإِن شَاءَ أَتَى مَسْجِدا آخر تطلب فِيهِ الْجَمَاعَة، إلاَّ أَن مَالِكًا قَالَ: إلاَّ أَن يكون فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أَو فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يخرج مِنْهُ وَيُصلي فِيهِ وَحده، لِأَن الصَّلَاة فِي هذَيْن المسجدين أعظم أجرا مِمَّن صلى فِي جمَاعَة.
.

     وَقَالَ  الْحسن الْبَصْرِيّ: مَا رَأينَا الْمُهَاجِرين يَبْتَغُونَ الْمَسَاجِد.
وَفِي ( مُخْتَصر ابْن شعْبَان) عَن مَالك: من صلى فِي جمَاعَة فَلَا يُعِيد فِي جمَاعَة إلاَّ فِي مَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة.

وجاءَ أنَسٌ إلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَأَذَّنَ وأقَامَ وصَلَّى جَمَاعةً
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة كَالَّتِي قبلهَا، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن ابْن علية عَن الْجَعْد أبي عُثْمَان عَنهُ وَعَن هشيم أخبرنَا يُونُس بن عبيد حَدثنِي أَبُو عُثْمَان فَذكره، وَوَصله أَيْضا أَبُو يعلى فِي مُسْنده من طَرِيق الْجَعْد، قَالَ: مر بِنَا أنس بن مَالك ... فَذكر نَحوه، وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي عبد الصَّمد الْعمي نَحوه،.

     وَقَالَ : مَسْجِد بني رِفَاعَة.
.

     وَقَالَ : فجَاء أنس فِي نَحْو عشْرين من فتيانه.
انْتهى.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْجَمَاعَة بعد الْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد، فَروِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه صلى بعلقمة وَالْأسود فِي مَسْجِد قد جمع فِيهِ، وَهُوَ قَول عَطاء وَالْحسن فِي رِوَايَة، وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَشْهَب عملا بِظَاهِر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( صَلَاة الْجَمَاعَة تفضل على صَلَاة الْفَذ) الحَدِيث.
.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: لَا يجمع فِي مَسْجِد جمع فِيهِ مرَّتَيْنِ، وَرُوِيَ ذَلِك عَن سَالم وَالقَاسِم وَأبي قلَابَة، وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث وَابْن الْمُبَارك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: إِنَّمَا كره ذَلِك خشيَة افْتِرَاق الْكَلِمَة وَأَن أهل الْبدع يتطرقون إِلَى مُخَالفَة الْجَمَاعَة.
.

     وَقَالَ  مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِذا كَانَ الْمَسْجِد على طَرِيق الإِمَام لَهُ أَن يجمع فِيهِ قوم بعد قوم، وَحَاصِل مَذْهَب الشَّافِعِي أَنه: لَا يكره فِي الْمَسْجِد المطروق، وَكَذَا غَيره إِن بعد مَكَان الإِمَام وَلم يخف فِيهِ.



[ قــ :627 ... غــ :645 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صَلاَةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وعِشْرِينَ دَرَجَةً.
( الحَدِيث 645 طرفه فِي: 649) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَفِيه: بَين مَالك وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَان.

وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة، وَلَفظ مُسلم: ( صَلَاة الرجل فِي الْجَمَاعَة تزيد على صلَاته وَحده) ، رَوَاهُ من رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن نَافِع.

قَوْله: ( صَلَاة الْفَرد) وَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة، ( صَلَاة الْفَذ) ، بِفَتْح الْفَاء وَتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة، وَمَعْنَاهُ: الْمُنْفَرد.
يُقَال: فذ الرجل من أَصْحَابه إِذا بَقِي وَحده، وَقد استقصينا الْكَلَام فِي لفظ: سبع وَعشْرين دَرَجَة، فِي: بابُُ الصَّلَاة فِي مَسْجِد السُّوق فِيمَا مضى.



[ قــ :68 ... غــ :646 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني ابنُ الهادِ عنْ عَبْدِ الله بنِ خَبَّابٍ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدَرِيِّ أنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ صَلاَةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صلاَةَ الفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: عبد الله بن يُوسُف التنيسِي، وَاللَّيْث بن سعد، وَيزِيد بن عبد الله بن أُسَامَة بن الْهَاد اللَّيْثِيّ، وَعبد الله بن خبابُ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف بَاء أُخْرَى: الْأنْصَارِيّ التَّابِعِيّ، وَلَيْسَ هُوَ بِابْن الْخَبَّاب بن الْأَرَت صَاحب رَسُول الله، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ سعد بن مَالك.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مصري ومدني، وَهَذَا الحَدِيث سَاقِط فِي بعض النّسخ ثَابت فِي الْأَطْرَاف لأبي مَسْعُود وَخلف.
قلت: هُوَ سَاقِط فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وثابت فِي رِوَايَة البَاقِينَ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَذكره أَبُو نعيم هُنَا بعد حَدِيث ابْن عمر، وَذكره الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي أول الْبابُُ الَّذِي قبله.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( تفضل صَلَاة الْفَذ) كَذَا هُوَ فِي عَامَّة نسخ البُخَارِيّ، وَعَزاهُ ابْن الْأَثِير إِلَيْهِ فِي ( شرح الْمسند) بِلَفْظ: ( على صَلَاة الْفَذ) ، ثمَّ أَولهَا: بِأَن تفضل لما كَانَت بِمَعْنى: تزيد، وَهِي تتعدى: بعلى، أَعْطَاهَا مَعْنَاهَا فعداها بهَا، وإلاَّ فَهِيَ متعدية بِنَفسِهَا.
قَالَ: وَأما الَّذِي فِي مُسلم: أفضل من صَلَاة الْفَذ، فجَاء بهَا بِلَفْظ: أفعل، الَّتِي هِيَ للتفضيل، والتكثير فِي الْمَعْنى الْمُشْتَرك، وَهِي أبلغ من: تفضل، على مَا لَا يخفى.
وَقد ذكرنَا أَن: الْفَذ، هُوَ: الْمُنْفَرد، ولغة عبد الْقَيْس: الفنذ، بالنُّون وَهِي: غنة، لَا نون حَقِيقَة.
قَوْله: ( بِخمْس وَعشْرين) ، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: ( خمْسا وَعشْرين) ، زَاد ابْن حبَان وَأَبُو دَاوُد من وَجه آخر عَن أبي سعيد: ( فَإِذا صلاهَا فِي فلاة فَأَتمَّ ركوعها وسجودها بلغت خمسين صَلَاة) .
أَي: بلغت صلَاته خمسين صَلَاة.
وَالْمعْنَى: يحصل لَهُ أجر خمسين صَلَاة، وَذَلِكَ يحصل لَهُ فِي الصَّلَاة مَعَ الْجَمَاعَة، لِأَن الْجَمَاعَة لَا تتأكد فِي حق الْمُسَافِر لوُجُود الْمَشَقَّة، فَإِذا صلاهَا مُنْفَردا لَا يحصل لَهُ هَذَا التَّضْعِيف، وَإِنَّمَا يحصل لَهُ إِذا صلاهَا مَعَ الْجَمَاعَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ لأجل أَنه صلاهَا مَعَ الْجَمَاعَة، وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ أُخْرَى للَّتِي هِيَ ضعف تِلْكَ لأجل أَنه أتم رُكُوع صلَاته وسجودها، وَهُوَ فِي السّفر الَّذِي هُوَ مَظَنَّة التَّخْفِيف، فَمن أمعن نظره فِيهِ علم أَن الْإِشْكَال الَّذِي أوردهُ بَعضهم فِيهِ من لُزُوم زِيَادَة ثَوَاب الْمَنْدُوب على الْوَاجِب غير وَارِد.





[ قــ :69 ... غــ :647 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الواحِدِ قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صالِحٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يقولُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الجَماعَةِ تُضَعِّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسا وعِشْرِينَ ضَعْفا وذَلِكَ أنَّهُ إذَا تَوَضَّأ فأحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إلَى المَسْجِدِ لاَ يُخْرِجُهُ إلاَّ الصَّلاَةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلاَّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةَ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فإذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دامَ فِي مُصَلاَّهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلاَ يَزَالُ أحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ.


هَذَا الحَدِيث عَن أبي مَسْعُود، مضى فِي بابُُ الصَّلَاة فِي مَسْجِد السُّوق، غير أَن هُنَاكَ أخرجه: عَن مُسَدّد عَن أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره، وَهَهُنَا: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري التَّبُوذَكِي عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد الْعَبْدي عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي صَالح ذكْوَان، وَاللَّفْظ: هُنَاكَ: ( صَلَاة الْجمع تزيد على صلَاته فِي بَيته وَصلَاته فِي سوقه خمْسا وَعشْرين دَرَجَة، فَإِن أحدكُم إِذا تَوَضَّأ فَأحْسن وأتى الْمَسْجِد لَا يُرِيد إِلَّا الصَّلَاة لم يخط خطْوَة إلاَّ رَفعه الله بهَا دَرَجَة، أَو حط عَنهُ بهَا خَطِيئَة حَتَّى دخل الْمَسْجِد، وَإِذا دخل الْمَسْجِد كَانَ فِي صَلَاة مَا كَانَت الصَّلَاة تحبسه، وَتصلي الْمَلَائِكَة عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مَجْلِسه الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ؛ اللَّهُمَّ ارحمه مَا لم يؤذ يحدث فِيهِ) .
وَقد ذكرنَا هُنَاكَ من أخرجه غَيره، وَمَعْنَاهُ وَمَا يُسْتَفَاد مِنْهُ مستقصىً، وَذكرنَا أَيْضا اخْتِلَاف الرِّوَايَات فِيهِ، والتوفيق بَينهَا، فَلَا يحْتَاج إِلَى الْإِعَادَة إلاَّ فِي بعض الْمَوَاضِع، كَمَا نذكرهُ الأن.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: السماع فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي سِتَّة مَوَاضِع، وَقَوله: يَقُول: فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي مَحل النصب على الْحَال.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي ومدني.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( فِي الْجَمَاعَة) وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ والكشميهني: ( فِي جمَاعَة) ، بِدُونِ الْألف وَاللَّام.
قَوْله: ( تضعف) أَي: تزداد، والتضعيف أَن يُزَاد على أصل الشَّيْء فَيجْعَل بمثلين أَو أَكثر، والضعف بِالْكَسْرِ الْمثل قَوْله: ( خَمْسَة وَعشْرين ضعفا) ، كَذَا فِي أَكثر الرِّوَايَات، ويروى ( خمْسا وَعشْرين) ، ووجهها أَن يؤول الضعْف بالدرجة أَو بِالصَّلَاةِ، تَوْضِيحه أَن: ضعفا، مُمَيّز مُذَكّر فَتجب التَّاء فَقيل بالتأويل الْمَذْكُور، وَالْأَحْسَن أَن يَقُول: إِن وجوب التَّاء فِيمَا إِذا كَانَ الْمُمَيز مَذْكُورا، وَإِذا لم يكن مَذْكُورا يَسْتَوِي فِيهِ التَّاء وَعدمهَا، وَهَهُنَا مُمَيّز الْخمس غير مَذْكُور فَجَاز الْأَمْرَانِ فَإِن قلت: يَقْتَضِي قَوْله: ( فِي بَيته وَفِي سوقه) أَن الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد جمَاعَة تزيد على الصَّلَاة فِي الْبَيْت، وَفِي السُّوق، سَوَاء كَانَت جمَاعَة أَو فُرَادَى، وَلَيْسَ كَذَلِك.
قلت: هَذَا خَارج مخرج الْغَالِب، لِأَن من لم يحضر الْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد يُصَلِّي مُنْفَردا فِي بَيته أَو سوقه، وَأما الَّذِي يُصَلِّي فِي بَيته جمَاعَة فَلهُ الْفضل فِيهَا على صلَاته مُنْفَردا بِلَا نزاع.
قَوْله: ( وَذَلِكَ) ، إِشَارَة إِلَى التَّضْعِيف الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: ( تضعف) : يَعْنِي: التَّضْعِيف الْمَذْكُور سَببه أَنه إِذا تَوَضَّأ ... إِلَى آخِره.
قَوْله: ( لَا يُخرجهُ) من الْإِخْرَاج.
قَوْله: ( إلاَّ الصَّلَاة) أَي: قصد الصَّلَاة فِي جمَاعَة.
قَوْله: ( لم يخط) ، بِفَتْح الْيَاء وَضم الطَّاء.
قَوْله: ( خطْوَة) ، يجوز فِيهِ ضم الْخَاء وَفتحهَا، وَجزم الْيَعْمرِي بِأَنَّهَا هَهُنَا بِالْفَتْح.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: إِنَّهَا فِي رِوَايَات مُسلم بِالضَّمِّ.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الخطوة، بِالضَّمِّ: مَا بَين الْقَدَمَيْنِ.
وبالفتح: الْمرة الْوَاحِدَة.
قَوْله: ( فَإِذا صلى) المُرَاد بِهِ: فَإِذا صلى الصَّلَاة التَّامَّة ليستحق هَذِه الْفَضَائِل.
قَوْله: ( مُصَلَّاهُ) ، بِضَم الْمِيم: الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ.
وَهَذَا خرج مخرج الْغَالِب، وإلاَّ فَلَو قَامَ فِي بقْعَة أُخْرَى من الْمَسْجِد مستمرا على نِيَّة انْتِظَار الصَّلَاة كَانَ كَذَلِك.
قَوْله: ( اللَّهُمَّ ارحمه) ، أَي: لم تزل الْمَلَائِكَة يصلونَ عَلَيْهِ حَال كَونهم قائلين: يَا الله إرحمه.
وَزَاد ابْن مَاجَه: ( اللَّهُمَّ تب عَلَيْهِ) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ من ذَلِك: الدّلَالَة على أَفضَلِيَّة الصَّلَاة على غَيرهَا من الْأَعْمَال، لِأَن فِيهَا صَلَاة الْمَلَائِكَة على فاعلها ودعاءهم لَهُ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَة وَالتَّوْبَة.
وَمِنْه: الدّلَالَة على تَفْضِيل صالحي النَّاس على الْمَلَائِكَة لأَنهم يكونُونَ فِي تَحْصِيل الدَّرَجَات بعبادتهم، وَالْمَلَائِكَة يشتغلون بالاستغفار وَالدُّعَاء لَهُم.
كَذَا قيل قلت: هَذَا لَيْسَ على إِطْلَاقه، فَإِن خَواص بني آدم، وهم الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، أفضل من الْمَلَائِكَة، وعوامهم أفضل من عوام الْمَلَائِكَة، وخواص الْمَلَائِكَة أفضل من عوام بني آدم.
وَفِيه: الدّلَالَة على أَن الْجَمَاعَة لَيست شرطا لصِحَّة الصَّلَاة، لِأَن قَوْله على صلَاته وَحده، يدل على صِحَة صلَاته مُنْفَردا لاقْتِضَاء صِيغَة: أفعل التَّفْضِيل، الِاشْتِرَاك فِي أصل التَّفَاضُل، فَذَلِك يَقْتَضِي وجود الْفَضِيلَة فِي صَلَاة الْمُنْفَرد، لِأَن مَا لَا يَصح من الصَّلَاة لَا فَضِيلَة فِيهِ.
وَفِيه: رد على دَاوُد وَمن تبعه فِي اشتراطهم الْجَمَاعَة فِي صِحَة الصَّلَاة.