فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: حد المريض أن يشهد الجماعة

(بابُُ حَدِّ المَرِيضِ أنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حد الْمَرِيض، لِأَن يشْهد الْجَمَاعَة، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير: لشهود الْجَمَاعَة، وَحَاصِل الْمَعْنى: بابُُ فِي بَيَان مَا يحد للْمَرِيض أَن يشْهد الْجَمَاعَة، حَتَّى إِذا جَاوز ذَلِك الْحَد لم يسْتَحبّ لَهُ شهودها، وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْن رشيد، وَقد تكلّف الشُّرَّاح فِيهِ بِالتَّصَرُّفِ العسف مِنْهُم ابْن بطال، فَقَالَ: معنى الْحَد هُنَا: الحدة، كَمَا قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كنت أداري مِنْهُ بعض الْحَد، أَي: الحدة.
وَتَبعهُ على ذَلِك ابْن التِّين، وَالْمعْنَى على هَذَا: الحض على شُهُود الْجَمَاعَة،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين أَيْضا: وَيصِح أَن يُقَال أَيْضا: فِي بابُُ جد الْمَرِيض، بِالْجِيم الْمَكْسُورَة، بِمَعْنى: بابُُ اجْتِهَاد الْمَرِيض لشهود الْجَمَاعَة.
ثمَّ قَالَ: لَكِن لم أسمع أحدا رَوَاهُ بِالْجِيم.
قلت: روى ابْن قرقول رِوَايَة الْجِيم وَعَزاهَا للقابسي.



[ قــ :644 ... غــ :664 ]
- حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ قَالَ حدَّثني أبي قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ عنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ الأَسْوَدُ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَذَكَرْنَا المُوَاظَبَةَ عَلى الصَّلاَةِ والتَّعْظِيمَ لَهَا قالَتْ لمَّا مَرضَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرَضَهُ الَّذِي ماتَ فِيهِ فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فأذَّنَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقِيلَ لَهُ إنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أسِيفٌ إذَا قامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يُصَلِّي بالنَّاسِ وَأَعَادَ فَأعَادُوا لَهُ فَأعَادَ الثَّالِثَةَ فقالَ إنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ فَخَرَجَ أبُو بَكْرٍ فَصَلَّى فَوَجَدَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وسلممِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأنِّي أنْظُرُ رجْلَيْهِ تَخُطَّانِ الأَرْضَ مِنَ الوَجَعِ فأرَادَ أبُو بَكْرٍ أنْ يَتأخَّرَ فَأوْمَأ إلَيْهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ مَكَانَكَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إلَى جَنْبِه قيلَ لِلأعْمَشِ وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وأبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَتِهِ والنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ أبي بَكْرٍ فَقَالَ بِرَأسِهِ نَعَمْ.
.


مناسبته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى الْجَمَاعَة وَهُوَ مَرِيض يهادي بَين اثْنَيْنِ، فَكَانَ هَذَا الْمِقْدَار هُوَ الْحَد لحضور الْجَمَاعَة، حَتَّى لَو زَاد على ذَلِك أَو لم يجد من يحملهُ إِلَيْهَا لَا يسْتَحبّ لَهُ الْحُضُور، فَلَمَّا تحامل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك وَخرج بَين اثْنَيْنِ دلّ على تَعْظِيم أَمر الْجَمَاعَة، وَدلّ على فضل الشدَّة على الرُّخْصَة، وَفِيه ترغيب لأمته فِي شُهُود الْجَمَاعَة لما لَهُم فِيهِ من عَظِيم الْأجر، وَلِئَلَّا يعْذر أحد مِنْهُم نَفسه فِي التَّخَلُّف عَن الْجَمَاعَة مَا أمكنه وَقدر عَلَيْهَا.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة كلهم قد ذكرُوا غير مرّة، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَالْأسود بن يزِيد النَّخعِيّ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع بِصِيغَة الْجمع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كوفيون.
وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب.
وَفِيه: التَّصْرِيح باسم الْجد.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: ة أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن أبي مُعَاوِيَة وَعَن مُسَدّد عَن عبد الله بن دَاوُد.
وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن يحيى بن يحيى وَعَن منْجَاب ابْن الْحَارِث وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أبي كريب عَن أبي مُعَاوِيَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن عَليّ بن مُحَمَّد.

ذكر اخْتِلَاف الرِّوَايَات فِي هَذِه الْقِصَّة: عِنْد مُسلم فِي لفظ: (أول مَا اشْتَكَى، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي بَيت مَيْمُونَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَاسْتَأْذَنَ أَزوَاجه أَن يمرض فِي بَيْتِي فأذنَّ لَهُ.
قَالَت: فَخرج وَيَده على الْفضل بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَالْأُخْرَى على رجل آخر، وَهُوَ يخط برجليه فِي الأَرْض.
قَالَت: فَلَمَّا اشْتَدَّ بِهِ وَجَعه قَالَ: أهريقوا عَليّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعَلي أَعهد إِلَى النَّاس، فأجلسناه فِي مخضب لحفصة، ثمَّ طفقنا نصب عَلَيْهِ من تِلْكَ الْقرب حَتَّى طفق يُشِير إِلَيْنَا أَن قد فعلتن.
ثمَّ خرج إِلَى النَّاس فصلى بهم وخطبهم) (قَالَت عَائِشَة: إِن أَبَا بكر إِذا قَامَ مقامك لم يُسمع النَّاس من الْبكاء، فَمر عمر فليصلِّ بِالنَّاسِ.
فَفعلت حَفْصَة، فَقَالَ: مَه، إنكن لأنتن صَوَاحِب يُوسُف، مروا أَبَا بكر فليصلِّ بِالنَّاسِ.
فَقَالَت لعَائِشَة: مَا كنت لأصيب مِنْك خيرا) وَفِي (فَضَائِل الصَّحَابَة) لأسد بن مُوسَى: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة فِي حَدِيث طَوِيل فِي مرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَرَأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نَفسه خفَّة، فَانْطَلق يهادي بَين رجلَيْنِ، فَذهب أَبُو بكر يسْتَأْخر فَأَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ: مَكَانك، فَاسْتَفْتَحَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَيْثُ انْتهى أَبُو بكر من الْقِرَاءَة) ، وَفِي حَدِيثه عَن الْمُبَارك بن فضَالة عَن الْحسن مُرْسلا: (فَلَمَّا دخل الْمَسْجِد ذهب أَبُو بكر يجلس، فَأَوْمأ إِلَيْهِ، أَن: كَمَا كنت، فصلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلف أبي بكر لِيُرِيَهُمْ أَنه صَاحب صلَاتهم من بعده، وَتُوفِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يَوْمه ذَلِك يَوْم الِاثْنَيْنِ) .
وَعند ابْن حبَان: (فأجلسناه فِي مخضب لحفصة من نُحَاس، ثمَّ خرج فَحَمدَ الله تَعَالَى وَأثْنى عَلَيْهِ واستغفر للشهداء الَّذين قتلوا يَوْم أحد) ، وعنها: (رَجَعَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جَنَازَة بِالبَقِيعِ وَأَنا أجد صداعا فِي رَأْسِي، وَأَنا أَقُول: وَا رأساه، فَقَالَ: بل أَنا يَا عَائِشَة وارأساه.
ثمَّ قَالَ: وَمَا ضرك لَو مت قبلي فغسلتك وكفنتك وَصليت عَلَيْك ثمَّ دفنتك؟ فَقلت: لكَأَنِّي بك لَو فعلت ذَلِك رجعت إِلَى بَيْتِي فأعرست فِيهِ بِبَعْض نِسَائِك، فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ بدا فِي وَجَعه الَّذِي مَاتَ فِيهِ) .
وعنها: (أُغمي عَلَيْهِ وَرَأسه فِي حجري، فَجعلت أمسحه وأدعو لَهُ بالشفاء، فَلَمَّا أَفَاق قَالَ: لَا، بل اسْأَل الله الرفيق الْأَعْلَى مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل عَلَيْهِم السَّلَام) .
وَفِي لفظ: (سمعته، وَأَنا مسندته إِلَى صَدْرِي يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الْأَعْلَى) .
وَفِي لفظ: (إِن أَبَا بكر صلى بِالنَّاسِ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّفّ خَلفه) .
وَلَفظه: عِنْد التِّرْمِذِيّ: (صلى خلف أبي بكر فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَاعِدا) .
.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح غَرِيب، وَعِنْده من حَدِيث أنس: (صلى فِي مَرضه خلف أبي بكر قَاعِدا فِي ثوب متوشحا بِهِ) .
.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح.
زَاد النَّسَائِيّ: وَهِي آخر صَلَاة صلاهَا مَعَ الْقَوْم.
قَالَ ابْن حبَان: خَالف شُعْبَة زَائِدَة بن قدامَة فِي متن هَذَا الْخَبَر عَن مُوسَى، فَجعل شُعْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَأْمُوما حَيْثُ صلى قَاعِدا، وَالْقَوْم قيام، وَجعله زَائِدَة إِمَامًا حَيْثُ صلى قَاعِدا وَالْقَوْم قيام، وهما متقنان حَافِظَانِ وَلَيْسَ بَين حديثيهما تضَاد وَلَا تهاتر وَلَا نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ، بل مُجمل مُفَسّر.
وَإِذا ضم بَعْضهَا إِلَى بعض بَطل التضاد بَينهمَا، وَاسْتعْمل كل خبر فِي مَوْضِعه.
بَيَان ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي علته صَلَاتَيْنِ فِي الْمَسْجِد جمَاعَة لَا صَلَاة وَاحِدَة، فِي إِحْدَاهمَا: كَانَ إِمَامًا، وَفِي الْأُخْرَى كَانَ مَأْمُوما، وَالدَّلِيل على أَن ذَلِك فِي خبر عبد الله بن جريج: بَين رجلَيْنِ أَحدهمَا الْعَبَّاس وَالْآخر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَفِي خبر مَسْرُوق: خرج بَين بَرِيرَة ونوبة، فَهَذَا يدلك على أَنَّهَا كَانَت صَلَاتَيْنِ لَا صَلَاة وَاحِدَة، وَكَذَلِكَ التَّوْفِيق بَين كَلَام نعيم بن أبي هِنْد، وَبَين كَلَام عَاصِم بن أبي النجُود فِي متن خبر أبي وَائِل، فَإِن فِيهِ: (وَجِيء بِنَبِي لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوضع بحذاء أبي بكر فِي الصَّفّ) قَالَ أَبُو حَاتِم: فِي هَذِه الصَّلَاة كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَأْمُوما وَصلى قَاعِدا خلف أبي بكر، فَإِن عَاصِمًا جعل أَبَا بكر مَأْمُوما وَجعل نعيم أَبَا بكر إِمَامًا، وهما ثقتان حَافِظَانِ متقنان.
وَذكر أَبُو حَاتِم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج بَين الجاريتين إِلَى الْبابُُ، وَمن الْبابُُ أَخذه الْعَبَّاس وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، حَتَّى دخلا بِهِ الْمَسْجِد، وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) : (خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهادي بَين الرجلَيْن: أُسَامَة وَالْفضل، حَتَّى صلى خلف أبي بكر) ، فِيمَا ذكره السُّهيْلي، وَزعم بعض النَّاس أَن طَرِيق الْجمع أَنهم كَانُوا يتناوبون الْأَخْذ بِيَدِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ الْعَبَّاس ألزمهم بِيَدِهِ، وَأُولَئِكَ يتناوبونها، فَذكرت عَائِشَة أَكْثَرهم مُلَازمَة ليده وَهُوَ: الْعَبَّاس، وعبرت عَن أحد المتناوبين بِرَجُل آخر.
فَإِن قلت: لَيْسَ بَين الْمَسْجِد وبيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَسَافَة تَقْتَضِي التناوب.
قلت: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك لزِيَادَة فِي إكرامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو لالتماس الْبركَة من يَده وَفِي حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا (إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ وجعا، فَأمر أَبَا بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَوجدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خفَّة فجَاء فَقعدَ إِلَى جنب أبي بكر، فَأم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر وَهُوَ قَاعد، وَأم أَبُو بكر النَّاس وَهُوَ قَائِم) .
وَفِي حَدِيث قيس عَن عبد الله ابْن أبي السّفر عَن الأرقم بن شُرَحْبِيل عَن ابْن عَبَّاس عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي مَرضه: مروا أَبَا بكر فليصلِّ بِالنَّاسِ، وَوجد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي نَفسه خفَّة، فَخرج يهادي بَين رجلَيْنِ، فَتَأَخر أَبُو بكر فَجَلَسَ إِلَى جنب أبي بكر، فَقَرَأَ من الْمَكَان الَّذِي انْتهى إِلَيْهِ أَبُو بكر من السُّورَة) ، وَفِي حَدِيث ابْن خُزَيْمَة أخرجه عَن سَالم بن عبيد قَالَ: (مرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثمَّ أَفَاق فَقَالَ: أحضرت الصَّلَاة؟ قُلْنَ: نعم.
قَالَ: مروا بِلَالًا فليؤذن، ومروا أَبَا بكر فليصلِّ بِالنَّاسِ، ثمَّ أُغمي عَلَيْهِ) .
فَذكر الحَدِيث.
وَفِيه: (أُقِيمَت الصَّلَاة؟) قُلْنَ: نعم.
قَالَ: جيئوني بِإِنْسَان فأعتمد عَلَيْهِ، فجاؤا ببريرة وَرجل آخر فاعتمد عَلَيْهِمَا.
ثمَّ خرج إِلَى الصَّلَاة، فأجلس إِلَى جنب أبي بكر فَذهب أَبُو بكر يتَنَحَّى، فأمسكه حَتَّى فرغ من الصَّلَاة) .
وَفِي كتاب عبد الرَّزَّاق: أَخْبرنِي ابْن جريج، أَخْبرنِي عَطاء قَالَ: (اشْتَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر أَبَا بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فصلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنَّاس يَوْمًا قَاعِدا وَجعل أَبَا بكر وَرَاءه بَينه وَبَين النَّاس، قَالَ: فصلى النَّاس وَرَاءه قيَاما، وَإِن صلى قَاعِدا فصلوا قعُودا) .
وَعند أبي دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن زَمعَة، لما قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مروا أَبَا بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ) ، خرج عبد الله ابْن زَمعَة، فَإِذا عمر فِي النَّاس، وَكَانَ أَبُو بكر غَائِبا، فَقَالَ: قُم يَا عمر فصلِّ بِالنَّاسِ، فَتقدم، فَلَمَّا سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوته قَالَ: أَيْن أَبُو بكر؟ يَأْبَى الله ذَلِك والمسلمون.
فَبعث إِلَى أبي بكر فجَاء بعد أَن صلي عمر تِلْكَ الصَّلَاة، فصلى أَبُو بكر بِالنَّاسِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (والتعظيم لَهَا) ، بِالنّصب عطفا على: الْمُوَاظبَة، قَوْله: (مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ) ، قد بيَّن الزُّهْرِيّ فِي رِوَايَته كَمَا فِي الحَدِيث الثَّانِي من هَذَا الْبابُُ، أَن ذَلِك كَانَ بعد أَن اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض وَاسْتقر فِي بَيت عَائِشَة.
قَوْله: (فَأذن) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، من: التأذين.
وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: وَأذن بِالْوَاو،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَهُوَ أوجه قلت: لم يبين مَا وَجه الأوجهية، بل الْفَاء أوجه على مَا لَا يخفى.
قَوْله: (وَإِذن) أَي: بِالصَّلَاةِ كَمَا فِي رِوَايَة أُخْرَى جَاءَ كَذَلِك، وَفِي أُخْرَى: وَجَاء بِلَال يُؤذنهُ بِالصَّلَاةِ، وَفِي أُخْرَى: إِن هَذِه الصَّلَاة صَلَاة الظّهْر.
وَفِي مُسلم: خرج لصَلَاة الْعَصْر.
قَوْله: (مروا) أَصله: أؤمروا، لِأَنَّهُ من: أَمر، فحذفت الْهمزَة للاستثقال، واستغني عَن الْألف فحذفت، فَبَقيَ: مروا، على وزن: علو، لِأَن الْمَحْذُوف فَاء الْفِعْل.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَهَذَا أَمر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر، وَلَفظ: مروا، يدل على أَنهم الأمرون لَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ أجَاب بقوله: الْأَصَح عِنْد الأصولي أَن الْمَأْمُور بِالْأَمر بالشَّيْء لَيْسَ أمرا بِهِ، سِيمَا وَقد صرح النَّبِي بقوله هَهُنَا بِلَفْظ الْأَمر، حَيْثُ قَالَ: فَليصل.
انْتهى.
هَذِه مَسْأَلَة مَعْرُوفَة فِي الْأُصُول، وفيهَا خلاف.
قَالَ بَعضهم: إِن الْأَمر بِالْأَمر بالشَّيْء يكون أمرا بِهِ، وَمِنْهُم من منع ذَلِك، وَقَالُوا: مَعْنَاهُ: بلغُوا فلَانا أَنِّي أَمرته.
قَوْله: (فَليصل بِالنَّاسِ) الْفَاء فِيهِ للْعَطْف، تَقْدِيره: فَقولُوا لَهُ قولي: فَليصل.
قَوْله: (فَقيل لَهُ) ، قَائِل ذَلِك عَائِشَة، كَمَا جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات.
قَوْله: (أسيف) على وزن: فعيل، بِمَعْنى: فَاعل، من الأسف وَهُوَ شدَّة الْحزن، وَالْمرَاد: أَنه رَقِيق الْقلب سريع الْبكاء وَلَا يَسْتَطِيع لغَلَبَة الْبكاء وَشدَّة الْحزن، والأسف عِنْد الْعَرَب شدَّة الْحزن والندم.
يُقَال مِنْهُ: أَسف فلَان على كَذَا يأسف، إِذا اشْتَدَّ حزنه، وَهُوَ رجل أسيف وأسوف، وَمِنْه قَول يَعْقُوب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: { يَا أسفي على يُوسُف} (يُوسُف: 84) يَعْنِي: واحزناه واجزعاه تأسفا وتوجعا لفقده.
وَقيل: الأسيف: الضَّعِيف من الرِّجَال فِي بطشه.
وَأما الأسف فَهُوَ: الغضبان المتلهف.
قَالَ تَعَالَى: { فَرجع مُوسَى إِلَى قومه غَضْبَان أسفا} (الْأَعْرَاف: 150) .
وَسَيَأْتِي بعد سِتَّة أَبْوَاب من حَدِيث ابْن عمر فِي هَذِه الْقِصَّة، (فَقَالَت لَهُ عَائِشَة: إِنَّه رجل رَقِيق الْقلب إِذا قَرَأَ غَلبه الْبكاء) .
وَمن رِوَايَة مَالك عَن هِشَام عَن أَبِيه عَنْهَا، بِلَفْظ، قَالَت عَائِشَة: (قلت: إِن أَبَا بكر إِذا قَامَ فِي مقامك لم يسمع النَّاس من الْبكاء، فَمر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) ، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
قَوْله: (وَأعَاد) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مقَالَته فِي أبي بكر بِالصَّلَاةِ.
قَوْله: (فَأَعَادُوا لَهُ) أَي: من كَانَ فِي الْبَيْت، يَعْنِي: الْحَاضِرُونَ لَهُ مقالتهم فِي كَون أبي بكر أسيفا.
فَإِن قلت: الْخطاب لعَائِشَة كَمَا ترى، فَمَا وَجه الْجمع؟ قلت: جمع لأَنهم كَانُوا فِي مقَام الموافقين لَهَا على ذَلِك، وَوَقع فِي حَدِيث أبي مُوسَى بِالْإِفْرَادِ، وَلَفظه: فَعَادَت، وَفِي رِوَايَة ابْن عمر: فعاودته.
قَوْله: (فَأَعَادَ الثَّالِثَة) ، أَي: فَأَعَادَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمرة الثَّالِثَة فِي مقَالَته تِلْكَ.
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: (فراجعته مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا) .

وَفِي اجْتِهَاد عَائِشَة فِي أَن لَا يتَقَدَّم والدها وَجْهَان: أَحدهمَا: مَا هُوَ مَذْكُور فِي بعض طرقه.
(قَالَت) (وَمَا حَملَنِي على كَثْرَة مُرَاجعَته إلاَّ أَنه لم يَقع فِي قلبِي أَن يحب النَّاس من بعده رجلا قَامَ مقَامه أبدا، وَكنت أرى أَنه لن يقوم أحد مقَامه إلاَّ تشاءم النَّاس بِهِ، فَأَرَدْت أَن يعدل ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أبي بكر) .
الْوَجْه الثَّانِي: أَنَّهَا علمت أَن النَّاس علمُوا أَن أَبَاهَا يصلح للخلافة، فَإِذا رَأَوْهُ استشعروا بِمَوْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخِلَاف غَيره.

قَوْله: (إنكن صَوَاحِب يُوسُف) أَي: مثل صواحبه فِي التظاهر على مَا يردن من كَثْرَة الإلحاح فِيمَا يُمكن إِلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَن عَائِشَة وَحَفْصَة بالغتا فِي المعاودة إِلَيْهِ فِي كَونه أسيفا لَا يَسْتَطِيع ذَلِك.
والصواحب جمع: صَاحِبَة، على خلاف الْقيَاس، وَهُوَ شَاذ.
وَقيل: يُرَاد بهَا امْرَأَة الْعَزِيز وَحدهَا، وَإِنَّمَا جمعهَا كَمَا يُقَال: فلَان يمِيل إِلَى النِّسَاء وَإِن كَانَ مَال إِلَى وَاحِدَة، وَعَن هَذَا قيل: إِن المُرَاد بِهَذَا الْخطاب عَائِشَة وَحدهَا، كَمَا أَن المُرَاد زليخا وَحدهَا فِي قصَّة يُوسُف.
قَوْله: (فَليصل بِالنَّاسِ) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (للنَّاس) .
قَوْله: (فَخرج أَبُو بكر يُصَلِّي) فَإِن قلت: كَيفَ تتَصَوَّر الصَّلَاة وَقت الْخُرُوج؟ قلت: لفط: يُصَلِّي، وَقع حَالا من الْأَحْوَال المنتظرة.
وَفِي رِوَايَة: فصلى، بفاء الْعَطف، وَهِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي، وَرِوَايَة غَيرهمَا: يُصَلِّي، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف.
وَظَاهره أَنه شرع فِي الصَّلَاة، وَيحْتَمل أَنه تهَيَّأ لَهَا، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة الْأَكْثَرين لِأَنَّهُ حَال، فَفِي حَالَة الْخُرُوج كَانَ متهيأ للصَّلَاة وَلم يكن مُصَليا.
فَإِن قلت: فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش: فَلَمَّا دخل فِي الصَّلَاة.
قلت: يحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: فَلَمَّا أَرَادَ الدُّخُول فِي الصَّلَاة، أَو: فَلَمَّا دخل فِي مَكَان الصَّلَاة، وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن أبي عَائِشَة: فَأَتَاهُ الرَّسُول، أَي: بِلَال لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أعلم بِحُضُور الصَّلَاة.
وَفِي رِوَايَة: فَقَالَ لَهُ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرك أَن تصلي بِالنَّاسِ.
فَقَالَ أَبُو بكر، وَكَانَ رجلا رَقِيقا، يَا عمر! صل بِالنَّاسِ.
فَقَالَ لَهُ عمر: أَنْت أَحَق بذلك) .
وَقَول أبي بكر هَذَا لم يرد بِهِ مَا أَرَادَت عَائِشَة.
قَالَ النَّوَوِيّ: تَأَوَّلَه بَعضهم على أَنه قَالَه تواضعا وَلَيْسَ كَذَلِك، بل قَالَه للْعُذْر الْمَذْكُور، وَهُوَ أَنه رَقِيق الْقلب كثير الْبكاء، فخشي أَن لَا يسمع النَّاس.
وَقيل: يحْتَمل أَن يكون، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فهم من الْإِمَامَة الصُّغْرَى الْإِمَامَة الْكُبْرَى، وَعلم مَا فِي تحملهَا من الْخطر، وَعلم قُوَّة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على ذَلِك فاختاره.
وَيُؤَيِّدهُ أَنه عِنْد الْبيعَة أَشَارَ عَلَيْهِم أَن يبايعوه أَو يبايعوا أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح.
قَوْله: (فَوجدَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نَفسه خفَّة) ظَاهره: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجدهَا فِي تِلْكَ الصَّلَاة بِعَينهَا، وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك بعْدهَا.
وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن أبي عَائِشَة: فصلى أَبُو بكر تِلْكَ الْأَيَّام، ثمَّ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجد من نَفسه خفَّة، فعلى هَذَا لَا يتَعَيَّن أَن تكون الصَّلَاة الْمَذْكُورَة هِيَ الْعشَاء، قَوْله: (يهادي بَين رجلَيْنِ) ، بِلَفْظ: الْمَجْهُول من المفاعلة، يُقَال: جَاءَ فلَان يهادي بَين اثْنَيْنِ، إِذا كَانَ يمشي بَينهمَا مُعْتَمدًا عَلَيْهِمَا من ضعفه، متمايلاً، إِلَيْهِمَا فِي مَشْيه من شدَّة الضعْف، وَالرجلَانِ هما: الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَعلي بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، على مَا يَأْتِي فِي الحَدِيث الثَّانِي من حَدِيثي الْبابُُ، وَقد مر فِي بَيَان اخْتِلَاف الرِّوَايَات: فَخرج بَين بَرِيرَة ونوبة، بِضَم النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة؛ وَكَانَ عبدا أسود، وَيدل عَلَيْهِ حَدِيث سَالم بن عبيد فِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة بِلَفْظ: فَخرج بَين بَرِيرَة وَرجل آخر،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَذكره بَعضهم فِي النِّسَاء الصحابيات، وَهُوَ وهم، قلت: أَرَادَ بِالْبَعْضِ الذَّهَبِيّ، فَإِنَّهُ ذكر: نوبَة، فِي بابُُ النُّون فِي الصحابيات،.

     وَقَالَ : خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي مَرضه بَين بَرِيرَة ونوبة، وَإِسْنَاده جيد، وَقد علمت أَن الذَّهَبِيّ من جهابذة الْمُتَأَخِّرين لَا يجاري فِي فنه.
قَوْله: (يخطان الأَرْض) أَي: لم يكن يقدر على رفعهما من الأَرْض.
قَوْله: (أَن مَكَانك) ، كلمة: أَن، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون، ومكانك، مَنْصُوب على معنى: إلزم مَكَانك، وَفِي رِوَايَة عَاصِم: أَن اثْبتْ مَكَانك، وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن أبي عَائِشَة.
فَأَوْمأ إِلَيْهِ بِأَن لَا يتَأَخَّر.
قَوْله: (ثمَّ أُتِي بِهِ) بِضَم الْهمزَة أَي: أُتِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى جلس إِلَى جنبه، وَبَين ذَلِك فِي رِوَايَة الْأَعْمَش: حَتَّى جلس عَن يسَار أبي بكر، على مَا سَيَأْتِي فِي: بابُُ مَكَان الْجُلُوس.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ فِي (شرح مُسلم) : لم يَقع فِي الصَّحِيح بَيَان جُلُوسه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل كَانَ عَن يَمِين أبي بكر أَو عَن يسَاره؟ قلت: هَذَا غَفلَة مِنْهُ، وَقد بيّن ذَلِك فِي (الصَّحِيح) كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
قَوْله: (فَقيل للأعمش) ، هُوَ سُلَيْمَان، ويروى: قيل، بِدُونِ الْفَاء، وَظَاهر هَذَا أَنه مُنْقَطع لِأَن الْأَعْمَش لم يسْندهُ، لَكِن فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة عَنهُ ذكر ذَلِك مُتَّصِلا بِالْحَدِيثِ، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُوسَى بن أبي عَائِشَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد من هَذِه الْقِصَّة: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: فِيهِ الْإِشَارَة إِلَى تَعْظِيم الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة.
الثَّانِي: فِيهِ تَقْدِيم أبي بكر وترجيحه على جَمِيع الصَّحَابَة.
الثَّالِث: فِيهِ فَضِيلَة عمر بن الْخطاب بعده.
الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز الثَّنَاء فِي الْوَجْه لمن أَمن عَلَيْهِ الْإِعْجَاب.
الْخَامِس: فِيهِ ملاطفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأزواجه وخصوصا لعَائِشَة.
السَّادِس: فِي هَذِه الْقِصَّة وجوب الْقسم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ فِيهَا: فأذنِّ لَهُ، أَي: فَأَذنت لَهُ نساؤه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالتمريض فِي بَيت عَائِشَة، على مَا سَيَأْتِي.
السَّابِع: فِيهِ جَوَاز مُرَاجعَة الصَّغِير للكبير.
الثَّامِن: فِيهِ الْمُشَاورَة فِي الْأَمر الْعَام.
التَّاسِع: فِيهِ الْأَدَب مَعَ الْكَبِير حَيْثُ أَرَادَ أَبُو بكر التَّأَخُّر عَن الصَّفّ.
الْعَاشِر: الْبكاء فِي الصَّلَاة لَا يُبْطِلهَا وَإِن كثر، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم حَال أبي بكر فِي رقة الْقلب وَكَثْرَة الْبكاء وَلم يعدل عَنهُ، وَلَا نَهَاهُ عَن الْبكاء.
وَأما فِي هَذَا الزَّمَان فقد قَالَ أَصْحَابنَا: إِذا بَكَى فِي الصَّلَاة فارتفع بكاؤه، فَإِن كَانَ من ذكر الْجنَّة أَو النَّار لم يقطع صلَاته، وَإِن كَانَ من وجع فِي بدنه أَو مُصِيبَة فِي مَاله أَو أَهله قطعهَا، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: الْبكاء والأنين والتأوه يبطل الصَّلَاة إِذا كَانَت حرفين، سَوَاء بَكَى للدنيا أَو للآخرة.
الْحَادِي عشر: أَن الْإِيمَاء يقوم مقَام النُّطْق، لَكِن يحْتَمل أَن اقْتِصَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْإِشَارَة أَن يكون لضعف صَوته، وَيحْتَمل أَن يكون للإعلام، بِأَن مُخَاطبَة من يكون فِي الصَّلَاة بِالْإِيمَاءِ أولى من النُّطْق.
الثَّانِي عشر: فِيهِ تَأْكِيد أَمر الْجَمَاعَة وَالْأَخْذ فِيهَا بالأشد، وَإِن كَانَ الْمَرَض يرخص فِي تَركهَا، وَيحْتَمل أَن يكون فعل ذَلِك لبَيَان جَوَاز الْأَخْذ بالأمثل، وَإِن كَانَت الرُّخْصَة أولى.
الثَّالِث عشر: اسْتدلَّ بِهِ الشّعبِيّ على جَوَاز ائتمام بعض الْمَأْمُومين بِبَعْض، وَهُوَ مُخْتَار الطَّبَرِيّ أَيْضا، وَأَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيّ كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى، ورد بِأَن أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ مبلغا، وعَلى هَذَا فَمَعْنَى الِاقْتِدَاء اقْتِدَاؤُهُ بِصَوْتِهِ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ جَالِسا، وَأَبُو بكر كَانَ قَائِما، فَكَانَت بعض أَفعاله تخفى على بعض الْمَأْمُومين، فلأجل ذَلِك كَانَ أَبُو بكر كَالْإِمَامِ فِي حَقهم.
الرَّابِع عشر: اسْتدلَّ بِهِ الْبَعْض على جَوَاز اسْتِخْلَاف الإِمَام لغير ضَرُورَة، لصنيع أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
الْخَامِس عشر: اسْتدلَّ بِهِ الْبَعْض على جَوَاز مُخَالفَة موقف الإِمَام للضَّرُورَة، كمن قصد أَن يبلغ عَنهُ، ويلتحق بِهِ من زحم عَن الصَّفّ.
السَّادِس عشر: فِيهِ إتباع صَوت المكبر وَصِحَّة صَلَاة المستمع وَالسَّامِع، وَمِنْهُم من شَرط فِي صِحَّته تقدم إِذن الإِمَام.
السَّابِع عشر: اسْتدلَّ بِهِ الطَّبَرِيّ على أَن للْإِمَام أَن يقطع الِاقْتِدَاء بِهِ، ويقتدي هُوَ بِغَيْرِهِ من غير أَن يقطع الصَّلَاة.
الثَّامِن عشر: فِيهِ جَوَاز إنْشَاء الْقدْوَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة.
التَّاسِع عشر: اسْتدلَّ بِهِ الْبَعْض على جَوَاز تقدم إِحْرَام الْمَأْمُوم على الإِمَام، بِنَاء على أَن أَبَا بكر كَانَ دخل فِي الصَّلَاة ثمَّ قطع الْقدْوَة وائتم برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَرقم بن شُرَحْبِيل عَن ابْن عَبَّاس: فابتدأ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقِرَاءَة من حَيْثُ انْتهى أَبُو بكر، كَمَا قدمْنَاهُ.
الْعشْرُونَ: اسْتدلَّ بِهِ على صِحَة صَلَاة الْقَادِر على الْقيام قَائِما خلف الْقَاعِد، خلافًا للمالكية وَأحمد حَيْثُ أوجب الْقعُود على من يُصَلِّي خلف الْقَاعِد.
قلت: يُصَلِّي الْقَائِم خلف الْقَاعِد عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك فِي رِوَايَة.
.

     وَقَالَ  أَحْمد وَالْأَوْزَاعِيّ: يصلونَ خَلفه قعُودا، وَبِه قَالَ حَمَّاد بن زيد وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر، وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن أَرْبَعَة من الصَّحَابَة وهم: جَابر بن عبد الله، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَأسيد ابْن حضير، وَقيس بن فَهد حَتَّى لَو صلوا قيَاما لَا يجزيهم، وَعند مُحَمَّد بن الْحسن: لَا تجوز صَلَاة الْقَائِم خلف الْقَاعِد، وَبِه قَالَ مَالك فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَنهُ وَزفر.
الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: اسْتدلَّ لَهُ ابْن الْمسيب على أَن مقَام الْمَأْمُوم يكون عَن يسَار الإِمَام، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جلس على يسَار أبي بكر، وَالْجَمَاعَة على خِلَافه، ويتمشى قَوْله على أَن الإِمَام هُوَ أَبُو بكر، وَأما من قَالَ: الإِمَام هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يتمشى.
قَوْله: قلت: اخْتلفت الرِّوَايَات: هَل كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الإِمَام أَو أَبُو بكر الصّديق؟ فجماعة قَالُوا: الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث عَائِشَة صَرِيح فِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ الإِمَام إِذا جلس عَن يسَار أبي بكر، وَلقَوْله: (فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسا وَأَبُو بكر قَائِما يَقْتَدِي بِهِ) ، وَكَانَ أَبُو بكر مبلغا لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون للنَّاس إمامان.
وَجَمَاعَة قَالُوا: كَانَ أَبُو بكر هُوَ الإِمَام، لما رَوَاهُ شُعْبَة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى خلف أبي بكر) وَفِي رِوَايَة مَسْرُوق عَنْهَا: (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى خلف أبي بكر جَالِسا فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ، وَرُوِيَ حَدِيث عَائِشَة بطرق كَثِيرَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا، وَفِيه اضْطِرَاب غير قَادِح.
.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: لَا تعَارض فِي أحاديثها، فَإِن الصَّلَاة الَّتِي كَانَ فِيهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِمَامًا هِيَ صَلَاة الظّهْر يَوْم السبت أَو يَوْم الْأَحَد، وَالَّتِي كَانَ فِيهَا مَأْمُوما هِيَ صَلَاة الصُّبْح من يَوْم الْإِثْنَيْنِ.
وَهِي آخر صَلَاة صلاهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى خرج من الدُّنْيَا.
.

     وَقَالَ  نعيم بن أبي هِنْد: الْأَخْبَار الَّتِي وَردت فِي هَذِه الْقِصَّة كلهَا صَحِيحَة، وَلَيْسَ فِيهَا تعَارض، فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ صَلَاتَيْنِ فِي الْمَسْجِد، فِي إِحْدَاهمَا كَانَ إِمَامًا، وَفِي الْأُخْرَى كَانَ مَأْمُوما.
.

     وَقَالَ  الضياء الْمَقْدِسِي وَابْن نَاصِر: صَحَّ وَثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى خَلفه مقتديا بِهِ فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ ثَلَاث مَرَّات، وَلَا يُنكر ذَلِك إلاَّ جَاهِل لَا علم لَهُ بالرواية.
وَقيل: إِن ذَلِك كَانَ مرَّتَيْنِ جمعا بَين الْأَحَادِيث، وَبِه جزم ابْن حبَان.
.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: الْآثَار الصِّحَاح على أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الإِمَام.
الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: فِيهِ تَقْدِيم الأفقه الأقرأ، وَقد جمع الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بَين الْفِقْه وَالْقُرْآن فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَمَا ذكره أَبُو بكر بن الطّيب وَأَبُو عَمْرو الدواني.
الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: فِيهِ جَوَاز تَشْبِيه أحد بِأحد فِي وصف مَشْهُور بَين النَّاس.
الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: فِيهِ أَن للمستخلف أَن يسْتَخْلف فِي الصَّلَاة وَلَا يتَوَقَّف على أذن خَاص لَهُ بذلك.

رواهُ أبُو داوُدَ عنْ شُعْبَةَ عنِ الأعْمَشِ بعْضَهُ
أَي: رُوِيَ الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو دَاوُد وَسليمَان الطَّيَالِسِيّ.
قَوْله: (بعضه) ، بِالنّصب بدل: من الضَّمِير الَّذِي فِي: رَوَاهُ، وَرِوَايَته هَذِه وَصلهَا الْبَزَّار، قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا أَبُو دَاوُد بِهِ.
وَلَفظه: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُقدم بَين يَدي أبي بكر) ، هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصرا، يَعْنِي: يَوْم صلى بِالنَّاسِ وَأَبُو بكر إِلَى جنبه.

وَزَادَ أبُو مُعَاوِيَةَ جَلَسَ عنْ يَسَارِ أبِي بَكرٍ فَكانَ أبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِما
يَعْنِي: زَاد أَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن حَازِم الضَّرِير فِي رِوَايَته عَن الْأَعْمَش بِإِسْنَادِهِ، وَهَذِه الزِّيَادَة أسندها البُخَارِيّ فِي: بابُُ الرجل يأتم بِالْإِمَامِ ويأتم النَّاس بالمأموم، عَن قُتَيْبَة عَنهُ، على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَرَوَاهُ ابْن حبَان عَن الْحسن بن شعْبَان عَن ابْن نمير عَنهُ، بِلَفْظ: (فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَاعِدا وَأَبُو بكر قَائِما) .





[ قــ :645 ... غــ :665 ]
- حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى قَالَ أخبرنَا هِشَامُ بنُ يُوسُفَ عنْ مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله قَالَ قالَتْ عائِشَةُ لَمَّا ثَقُلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واشْتَدَّ وجَعُهُ اسْتَأذَنَ أزْوَاجَهُ أنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذَنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ الأرْضِ وكانَ بَيْنَ العَبَّاسِ ورَجلٍ آخَرَ.
قَالَ عُبَيْدُ الله بنُ عبْدِ الله فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لابنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عائِشَةُ فقالَ لِي وهَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ.

قُلْتُ لاَ قَالَ هُوَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ.


مناسبته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد بن زَاذَان التَّمِيمِي الْفراء، أَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ، يعرف بالصغير، روى عَنهُ مُسلم أَيْضا.
الثَّانِي: هِشَام بن يُوسُف أَبُو عبد الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ قاضيها، مَاتَ سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة.
الثَّالِث: معمر، بِفَتْح الميمين وَسُكُون الْعين: ابْن رَاشد الْبَصْرِيّ.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: عبيد الله بن عبد الله بتصغير الأول ابْن عتبَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
السَّادِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: هِشَام بن يُوسُف من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين رازي ويماني وبصري ومدني.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّهَارَة فِي: بابُُ الْغسْل وَالْوُضُوء فِي المخضب والقدح والخشب وَالْحِجَارَة عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره مطولا، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ أَنه أخرجه أَيْضا فِي الْمَغَازِي وَفِي الطِّبّ وَفِي الصَّلَاة وَفِي الْهِبَة وَفِي الْخمس وَفِي ذكر اسْتِئْذَان أَزوَاجه.
وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا وَذكرنَا أَيْضا هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء، وَنَذْكُر بعض شَيْء.

فقولها: ( ثقل) بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبضم الْقَاف: من الثّقل وَهُوَ عبارَة عَن اشتداد الْمَرَض وتناهي الضعْف وركود الْأَعْضَاء عَن خفَّة الحركات.
قَوْله: ( اسْتَأْذن) من الاسْتِئْذَان، وَهُوَ طلب الْإِذْن.
قَوْله: ( فَأذن) ، بتَشْديد نون جمَاعَة النِّسَاء.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ( فَأذن) بِلَفْظ الْمَجْهُول قلت: يَعْنِي بِصِيغَة الْإِفْرَاد، ثمَّ قَالَ: وَفِي بَعْضهَا بِلَفْظ الْمَعْرُوف بِصِيغَة جمع الْمُؤَنَّث، وَجعلهَا رِوَايَة.
قَوْله: ( لم تسم) ، قَالَ الْكرْمَانِي: لم مَا سمته ثمَّ قَالَ: مَا سمته تحقيرا أَو عَدَاوَة، حاشاها من ذَلِك.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: ثَبت أَيْضا أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جَاءَ بَين رجلَيْنِ أَحدهمَا أُسَامَة وَأَيْضًا أَن الْفضل بن عَبَّاس كَانَ آخِذا بِيَدِهِ الْكَرِيمَة فوجهه أَن يُقَال: إِن الثَّلَاثَة كَانُوا يتناوبون فِي الْأَخْذ بِيَدِهِ الْكَرِيمَة، وَكَانَ الْعَبَّاس يلازم الْأَخْذ بِالْيَدِ الْأُخْرَى، وأكرموا الْعَبَّاس باختصاصه بِيَدِهِ واستمرارها لَهُ لما لَهُ من السن والعمومة وَغَيرهمَا، فَلذَلِك ذكرته عَائِشَة مُسَمّى صَرِيحًا وأبهمت الرجل الآخر، إِذْ لم يكن أحدهم ملازما فِي جَمِيع الطَّرِيق وَلَا معظمه، بِخِلَاف الْعَبَّاس.
انْتهى.
قلت: وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن معمر: وَلَكِن عَائِشَة لَا تطيب نفسا لَهُ بِخَير، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فِي ( الْمَغَازِي) : عَن الزُّهْرِيّ: وَلكنهَا لَا تقدر على أَن تذكره بِخَير،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَفِي هَذَا رد على من زعم أَنَّهَا أبهمت الثَّانِي لكَونه لم يتَعَيَّن فِي جَمِيع الْمسَافَة وَلَا معظمها.
قلت: أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الرَّد على النَّوَوِيّ، وَلكنه مَا صرح باسمه لاعتنائه بِهِ ومحاماته لَهُ.