فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله

( بابُُ الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ والعِلَّةِ أنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الرُّخْصَة عِنْد نزُول الْمَطَر وَعند حُدُوث عِلّة من الْعِلَل الْمَانِعَة من حُضُور الْجَمَاعَة، مثل: الرّيح الشَّديد والظلمة الشَّدِيدَة وَالْخَوْف فِي الطَّرِيق من الْبشر أَو الْحَيَوَان وَنَحْو ذَلِك، وَعطف الْعلَّة على الْمَطَر من عطف الْعَام على الْخَاص.
قَوْله: ( أَن يُصَلِّي) كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة و: اللَّام، فِيهِ مقدرَة أَي: للصَّلَاة فِي رَحْله، وَهُوَ منزله ومأواه.



[ قــ :646 ... غــ :666 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نَافِعٍ أنَّ ابنَ عُمَرَ أذَّنَ بِالصَّلاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتَ بَرْدٍ وَرِيحٍ ثمَّ قَالَ إلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ثُمَّ قَالَ إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَأمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ ومَطَرٍ يَقُولُ ألاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ.
( انْظُر الحَدِيث 632) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِسْنَاده بِعَيْنِه مر غير مرّة، والْحَدِيث قد مر فِي: بابُُ الْأَذَان للْمُسَافِر: عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن عبيد الله بن عمر بن نَافِع، الحَدِيث.



[ قــ :647 ... غــ :667 ]
- حدَّثنا إسماعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٌ عنْ مَحْمُودِ بنِ الرَّبِيعِ الأَنصَارِيِّ أنَّ عِتْبَانَ بنَ مالِكٍ كانَ يَؤُمُّ قَومَهُ وهُوَ أعْمَى وأنَّهُ قَالَ لِرسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا رسولَ الله إنَّها تكُونُ الظلمَةُ والسَّيْلُ وَأَنا رَجُلٌ ضَرِيرُ البَصَرِ فَصَلِّ يَا رسولَ الله فِي بَيْتِي مَكانا أتَّخِذُهُ مُصَلى فَجَاءَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أيْنَ تُحِبُّ أنْ أُصَلِّيَ فأشَارَ إلَى مَكانٍ مِنَ البَيْتِ فَصَلَّى فِيهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.


مطابقته أَيْضا للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا الحَدِيث قد مر مطولا فِي: بابُُ الْمَسَاجِد فِي الْبيُوت: عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن مَحْمُود بن الرّبيع الْأنْصَارِيّ ... الحَدِيث، وَإِسْمَاعِيل شيخ البُخَارِيّ هُنَا هُوَ ابْن أبي أُويس.

قَوْله: (مَحْمُود بن الرّبيع، بِفَتْح الرَّاء، وعتبان، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالباء الْمُوَحدَة.
قَوْله: (إِنَّهَا) ، أَي: أَن الْقِصَّة، أَو: أَن الْحَالة.
قَوْله: (تكون) تَامَّة لَا تحْتَاج إِلَى الْخَبَر.
قَوْله: (والسيل) سيل المَاء.
قَوْله: (اتَّخذهُ) بِالرَّفْع والحزم.
قَوْله: (مصلى) ، بِضَم الْمِيم أَي: موضعا للصَّلَاة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الظلمَة هَل لَهَا دخل فِي الرُّخْصَة أم السَّيْل وَحده يَكْفِي فِيهَا؟ فَأجَاب: بِأَنَّهُ لَا دخل لَهَا وَكَذَا ضرارة الْبَصَر، بل كل وَاحِد من الثَّلَاثَة عذر كَاف فِي ترك الْجَمَاعَة، لَكِن عتْبَان جمع بَين الثَّلَاثَة بَيَانا لتَعَدد أعذاره ليعلم أَنه شَدِيد الْحِرْص على الْجَمَاعَة لَا يَتْرُكهَا إلاَّ عِنْد كَثْرَة الْمَوَانِع.

وَفِيه من الْفَوَائِد: جَوَاز إِمَامَة الْأَعْمَى وَترك الْجَمَاعَة للْعُذْر.
والتماس دُخُول الأكابر منزل الأصاغر.
واتخاذ مَوضِع معِين من الْبَيْت مَسْجِدا وَغَيره.

قَوْله فِي حَدِيث ابْن عمر: ثمَّ قَالَ هَذَا مشْعر بِأَنَّهُ قَالَه بعد الْأَذَان، وَتقدم فِي بابُُ الْكَلَام فِي الْأَذَان أَنه كَانَ فِي اثناء الْأَذَان، فَعلم مِنْهُ جَوَاز الْأَمريْنِ.
وَقَوله: (إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمر الْمُؤَذّن) مُحْتَمل لَهما لَا تَخْصِيص لَهُ بِأَحَدِهِمَا.
قَوْله: (ذَات برد) بِسُكُون الرَّاء، وَكَذَلِكَ حكمه: فِي لَيْلَة ذَات برد، بِفَتْح الرَّاء.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ابْن عمر أذن عِنْد الرّيح وَالْبرد، وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عِنْد الْمَطَر وَالْبرد، فَمَا وَجه استدلاله؟ فَأجَاب: بِأَنَّهُ قَاس الرّيح على الْمَطَر بِجَامِع الْمَشَقَّة، ثمَّ قَالَ: هَل يَكْفِي الْمَطَر فَقَط أَو الرّيح أَو الْبرد فِي رخصَة ترك الْجَمَاعَة أم يحْتَاج إِلَى ضم أحد الْأَمريْنِ بالمطر؟ فَأجَاب: بِأَن كل وَاحِد مِنْهَا عذر مُسْتَقل فِي ترك الْحُضُور إِلَى الْجَمَاعَة نظرا إِلَى الْعلَّة، وَهِي الْمَشَقَّة، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.