فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إمامة العبد والمولى

(بابُُ إمامَةِ العَبْدِ والمَوْلَى)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم إِمَامَة العَبْد وَالْمولى، وَأَرَادَ بِهِ الْمولى الْأَسْفَل، وَهُوَ المعتوق، وللفظ الْمولى معانٍ مُتعَدِّدَة، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا: المعتوق، قيل: لم يفصح بِالْجَوَازِ،، لَكِن لوح بِهِ لإيراده أدلته.

وكانَتْ عَائِشَةُ يِؤُمُّهِا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنَ المُصْحَفِ
إِيرَاد هَذَا الْأَثر يدل على أَن مُرَاده من التَّرْجَمَة الْجَوَاز، وَإِن كَانَت التَّرْجَمَة مُطلقَة، وَوصل هَذَا ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن هِشَام ابْن عُرْوَة عَن أبي بكر بن أبي مليكَة: أَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أعتقت غُلَاما عَن دبر، فَكَانَ يؤمها فِي رَمَضَان فِي الْمُصحف.
وروى أَيْضا عَن ابْن علية: عَن أَيُّوب سَمِعت الْقَاسِم يَقُول: كَانَ يؤم عَائِشَة عبد يقْرَأ فِي الْمُصحف، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن عبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز عَن ابْن جريج: أَخْبرنِي عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة أَنهم كَانُوا يأْتونَ عَائِشَة بِأَعْلَى الْوَادي هُوَ وَعبيد بن عُمَيْر والمسور بن مخرمَة وناس كثير، فيؤمهم أَبُو عمر وَمولى عَائِشَة، وَهُوَ يَوْمئِذٍ غُلَام لم يعْتق.
وَكَانَ إِمَام بني مُحَمَّد بن أبي بكر وَعُرْوَة.
وَعند الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي عتبَة أَحْمد بن الْفرج الْحِمصِي: حَدثنَا مُحَمَّد بن حمير حَدثنَا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن هِشَام عَن أَبِيه أَن أَبَا عَمْرو ذكْوَان كَانَ عبدا لعَائِشَة، فأعتقته وَكَانَ يقوم بهَا شهر رَمَضَان يؤمها، وَهُوَ عبد.
وروى ابْن أبي دَاوُد فِي (كتاب الْمَصَاحِف) من طَرِيق أَيُّوب عَن ابْن أبي مليكَة: أَن عَائِشَة كَانَ يؤمها غلامها ذكْوَان فِي الْمُصحف.
وذكوان: بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وكنيته أَبُو عَمْرو، مَاتَ فِي أَيَّام الْحرَّة أَو قتل بهَا.
قَوْله: (وَهُوَ يَوْمئِذٍ غُلَام) ، الْغُلَام هُوَ الَّذِي لم يَحْتَلِم، وَلَكِن الظَّاهِر أَن المُرَاد مِنْهُ الْمُرَاهق، وَهُوَ كَالْبَالِغِ.
قَوْله: (من الْمُصحف) ، ظَاهره يدل على جَوَاز الْقِرَاءَة من الْمُصحف فِي الصَّلَاة، وَبِه قَالَ ابْن سِيرِين وَالْحسن وَالْحكم وَعَطَاء، وَكَانَ أنس يُصَلِّي وَغُلَام خَلفه يمسك لَهُ الْمُصحف، وَإِذا تعايا فِي آيَة فتح لَهُ الْمُصحف.
وَأَجَازَهُ مَالك فِي قيام رَمَضَان، وَكَرِهَهُ النَّخعِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَالشعْبِيّ، وَهُوَ رِوَايَة عَن الْحسن.
.

     وَقَالَ : هَكَذَا يفعل النَّصَارَى، وَفِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة وَسليمَان بن حَنْظَلَة وَمُجاهد بن جُبَير وَحَمَّاد وَقَتَادَة،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: لَا تجوز الْقِرَاءَة من الْمُصحف وَلَا من غَيره لمصل إِمَامًا كَانَ أَو غَيره، فَإِن تعمد ذَلِك بطلت صلَاته، وَبِه قَالَ ابْن الْمسيب وَالْحسن وَالشعْبِيّ وَأَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَهُوَ غَرِيب لم أره عَنهُ.
قلت: الْقِرَاءَة من مصحف فِي الصَّلَاة مفْسدَة عِنْد أبي حنيفَة لِأَنَّهُ عمل كثير، وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد يجوز، لِأَن النّظر فِي الْمُصحف عبَادَة، وَلكنه يكره لما فِيهِ من التَّشَبُّه بِأَهْل الْكتاب فِي هَذِه الْحَالة، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد، وَعند مَالك وَأحمد فِي رِوَايَة.
لَا تفْسد فِي النَّفْل فَقَط.

وَأما إِمَامَة العَبْد، فقد قَالَ أَصْحَابنَا: تكره إِمَامَة العَبْد لاشتغاله بِخِدْمَة مَوْلَاهُ، وأجازها أَبُو ذَر وَحُذَيْفَة وَابْن مَسْعُود، ذكره ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح، وَعَن أبي سُفْيَان أَنه كَانَ يؤم بني عبد الْأَشْهَل وَهُوَ مكَاتب وَخَلفه صحابة مُحَمَّد بن مسلمة وَسَلَمَة بن سَلام، وَصلى سَالم خلف زِيَاد مولى ابْن الْحسن وَهُوَ عبد، وَمن التَّابِعين ابْن سِيرِين وَالْحسن وَشُرَيْح وَالنَّخَعِيّ وَالشعْبِيّ وَالْحكم، وَمن الْفُقَهَاء الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق،.

     وَقَالَ  مَالك: تصح إِمَامَته فِي غير االجمعة، وَفِي رِوَايَة: لَا يؤم إلاّ إِذا كَانَ قَارِئًا وَمن خَلفه الْأَحْرَار لَا يقرأون، وَلَا يؤم فِي جُمُعَة وَلَا عيد.
وَعَن الْأَوْزَاعِيّ: لَا يؤم إلاْ أَهله.
وَمِمَّنْ كره الصَّلَاة خَلفه: أَبُو مجلز، فِيمَا ذكره ابْن أبي شيبَة، وَالضَّحَّاك بِزِيَادَة: وَلَا يؤم من لم يحجّ قوما فيهم من قد حج.
وَفِي (الْمَبْسُوط) : إِن إِمَامَته جَائِزَة وَغَيره أحب.
قلت: وَلَا شكّ أَن الْحر أولى مِنْهُ لِأَنَّهُ منصب جليل، فالحر أليق بهَا،.

     وَقَالَ  ابْن خيران من أَصْحَاب الشَّافِعِيَّة: تكره إِمَامَته للْحرّ، وَخَالف سليم الرَّازِيّ، وَلَو اجْتمع عبد فَقِيه وحر غير فَقِيه فَثَلَاثَة أوجه: أَصَحهَا أَنَّهُمَا سَوَاء، ويترجح قَول من قَالَ: العَبْد الْفَقِيه أولى لما أَن سالما مولى أبي حُذَيْفَة كَانَ يؤم الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين فِي مَسْجِد قبَاء فيهم عمر وَغَيره، لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرهم قُرْآنًا.

وَلَدِ البَغِيِّ
عطف على قَوْله: وَالْمولى، وَلَكِن فصل بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ بأثر عَائِشَة، و: الْبَغي، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وتشديدها: وَهِي الزَّانِيَة، وَنقل ابْن التِّين أَنه رَوَاهُ بِفَتْح الْبَاء وَسُكُون الْغَيْن،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَسُكُون الْمُعْجَمَة وَالتَّخْفِيف.
قلت: قَوْله: وَالتَّخْفِيف، غلط لِأَن السّكُون يُغني عَن ذكره، وَأما إِمَامَة ولد الزِّنَا فجائزة عِنْد الْجُمْهُور، وَأَجَازَ النَّخعِيّ إِمَامَته،.

     وَقَالَ : رب عبدٍ خير من مَوْلَاهُ، وَالشعْبِيّ وَعَطَاء وَالْحسن،.

     وَقَالَ ت عَائِشَة: لَيْسَ عَلَيْهِ من وزر أَبَوَيْهِ شَيْء، ذكره ابْن أبي شيبَة، وَإِلَيْهِ ذهب الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَمُحَمّد بن عبد الحكم، وكرهها عمر بن عبد الْعَزِيز وَمُجاهد وَمَالك إِذا كَانَ راتبا.
.

     وَقَالَ  صَاحب؛ التَّوْضِيح) : وَلَا تكره إِمَامَته عندنَا خلافًا للشَّيْخ أبي حَامِد والعبدري،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: وأكره أَن أنصب من لَا يعرف أَبوهُ إِمَامًا، وَتَابعه الْبَنْدَنِيجِيّ، وَغَيره صرح بعدمها،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: الْأَعْمَى والخصي وَالْعَبْد وَولد الزِّنَا وأضدادهم، والقرشي سَوَاء، لَا تفاضل بَينهم إلاّ بِالْقِرَاءَةِ،.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: تكره إِمَامَة العَبْد وَولد الزِّنَا لِأَنَّهُ يستخف بِهِ، فَإِن تقدما جَازَت الصَّلَاة.

والأَعْرَابِيِّ
بِالْجَرِّ عطف على: ولد الْبَغي، وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة، وَقد نصب إِلَى الْجمع لِأَنَّهُ صَار علما لَهُم، فَهُوَ فِي حكم الْمُفْرد، والأعراب: سكان الْبَادِيَة من الْعَرَب.
.

     وَقَالَ  صَاحب (الْمُنْتَهى) خَاصَّة: وَالْجمع أعاريب، وَلَيْسَ الْأَعْرَاب جمعا لعرب، كَمَا أَن الأنباط جمع للنبط، وَذكر النَّضر وَغَيره أَن الْأَعْرَاب جمع عرب، مثل: غنم وأغنام، وَإِنَّمَا سموا أعرابا لأَنهم عرب تجمعت من هَهُنَا وَهَهُنَا، وَأَجَازَ أَبُو حنيفَة إِمَامَته مَعَ الْكَرَاهَة لغَلَبَة الْجَهْل عَلَيْهِ، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق، وَصلى ابْن مَسْعُود خلف أَعْرَابِي، وَلم ير بهَا بَأْسا إِبْرَاهِيم وَالْحسن وَسَالم.
وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: (لَا يتَقَدَّم الصَّفّ الأول أَعْرَابِي وَلَا عجمي وَلَا غُلَام لم يَحْتَلِم) .

والغُلاَمِ الَّذِي لَمْ يَحْتلِمْ
بِالْجَرِّ أَيْضا عطف على مَا قبله، وَظَاهره مُطلق يتَنَاوَل الْمُرَاهق وَغَيره، وَلَكِن يخرج مِنْهُ من كَانَ دون سنّ التَّمْيِيز بِدَلِيل آخر، وَيفهم أَن البُخَارِيّ يجوز إِمَامَته، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي أَيْضا، وَمذهب أبي حنيفَة: أَن الْمَكْتُوبَة لَا تصح خَلفه، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق،.

     وَقَالَ  دَاوُد: فِي النَّفْل رِوَايَتَانِ عَن أبي حنيفَة، وبالجواز فِي النَّفْل قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق،.

     وَقَالَ  دَاوُد: لَا تصح فِيمَا حَكَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ وَمُجاهد وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَعَطَاء، وَأما نَقله: ابْن الْمُنْذر عَن أبي حنيفَة وصاحبيه أَنَّهَا مَكْرُوهَة فَلَا يَصح هَذَا النَّقْل، وَعند الشَّافِعِي فِي الْجُمُعَة قَولَانِ، وَفِي غَيرهَا يجوز لحَدِيث عَمْرو بن سَلمَة الَّذِي فِيهِ: أؤمهم وَأَنا ابْن سبع أَو ثَمَان سِنِين، وَعَن الْخطابِيّ أَن أَحْمد كَانَ يضعف هَذَا الحَدِيث، وَعَن ابْن عَبَّاس: لَا يؤم الْغُلَام حَتَّى يَحْتَلِم، وَذكر الْأَثْرَم بِسَنَد لَهُ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: لَا يؤم الْغُلَام حَتَّى تجب عَلَيْهِ الْحُدُود، وَعَن إِبْرَاهِيم: لَا بَأْس أَن يؤم الْغُلَام قبل أَن يَحْتَلِم فِي رَمَضَان، وَعَن الْحسن مثله وَلم يُقَيِّدهُ.

لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَؤُمُّهُمْ أقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ الله
هَذَا تَعْلِيل لجمع مَا ذكر قبله من: العَبْد وَولد الْبَغي والأعرابي والغلام الَّذِي لم يَحْتَلِم، معنى الحَدِيث: لم يفرق بَين الْمَذْكُورين وَغَيرهم، وَلَكِن الَّذِي يظْهر من هَذَا أَن إِمَامَة أحد من هَؤُلَاءِ إِنَّمَا تجوز إِذا كَانَ أَقرَأ الْقَوْم.
ألاَ ترى أَن الْأَشْعَث بن قيس قدم غُلَاما، فعابوا ذَلِك عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا قَدمته.
وَلَكِن قدمه الْقُرْآن الْعَظِيم، وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله) ، تَعْلِيق، وَهُوَ طرف من حَدِيث أبي مَسْعُود، أخرجه مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن بِلَفْظ: (يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله تَعَالَى) ، وروى أَبُو سعيد عِنْده أَيْضا مَرْفُوعا: (أَحَق بِالْإِمَامَةِ أقرؤهم) ، وَعند أبي دَاوُد من حَدِيث ابْن مَسْعُود: (وليؤمهم أقرؤهم) .

وَلاَ يُمْنَعُ العَبْدُ مِنَ الجَمَاعَةِ بَغَيْرِ عِلَّةٍ
هَذِه الْجُمْلَة معطوفة على التَّرْجَمَة، وَهِي من كَلَام البُخَارِيّ وَلَيْسَت من الحَدِيث الْمُعَلق، وَوجه عدم مَنعه من حُضُور الْجَمَاعَة لِأَن حق الله مقدم على حق الْمولى فِي بابُُ الْعِبَادَة، وَقد ورد وَعِيد شَدِيد فِي ترك حُضُور الْجَمَاعَة بِغَيْر ضَرُورَة، أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله: بِغَيْر عِلّة، أَي: بِغَيْر ضَرُورَة.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: بِغَيْر ضَرُورَة لسَيِّده.
قلت: قيد السَّيِّد لَا طائل تَحْتَهُ، لِأَن عِنْد الضَّرُورَة الشَّرْعِيَّة لَيْسَ عَلَيْهِ الْحُضُور مُطلقًا، كَمَا فِي حق الْحر.



[ قــ :671 ... غــ :692 ]
- حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدَّثنا أنسُ بنُ عِياضٍ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ عنْ ابنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الأوَّلُونَ العُصْبَةَ مَوْضِعٌ بِقُبَاءَ قَبْلَ مَقْدَمِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَؤُمُّهُمْ سالِمٌ مَوْلَى أبي حُذَيْفَةَ وكانَ أكْثَرَهُمْ قُرْآنا (الحَدِيث 692 طرفه فِي: 7175) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ دلَالَة على جَوَاز إِمَامَة الْمولى.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر أَبُو إِسْحَاق الْحزَامِي الْمدنِي، وَقد مر غير مرّة.
الثَّانِي: أُنس بن عِيَاض، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف، مر فِي: بابُُ التبرز فِي الْبيُوت.
الثَّالِث: عبيد الله بتصغير العَبْد الْعمريّ، وَقد مر غير مرّة.
الرَّابِع: نَافِع مولى ابْن عمر.
الْخَامِس: عبد الله بن عمر.

ذكر لطائف أسناده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن القعْنبِي عَن أنس بن عِيَاض، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَزَاد: وَفِيهِمْ أَبُو بكر وَعمر وَأَبُو سَلمَة وَزيد بن حَارِثَة وعامر بن ربيعَة،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: وإمامته لأبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يحْتَمل أَن تكون بعد قدومه مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لما قدم الْمُهَاجِرُونَ) أَي: من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة، وَصرح بِهِ فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ.
قَوْله: (الْأَولونَ) ، أَي: الَّذين قدمُوا أَولا قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (الْعصبَة) ، بِالنّصب على الظَّرْفِيَّة لِأَنَّهُ اسْم مَوضِع.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي كتاب (أَسمَاء الْبلدَانِ) : الْعصبَة مَوضِع بَقَاء، قَالَ الشَّاعِر:

(بنيته بعصبة من ماليا ... أخْشَى ركيبا أَو رجيلاً عاديا)

وَفِي (التَّوْضِيح) ضَبطه شَيخنَا عَلَاء الدّين فِي (شَرحه) : بِفَتْح الْعين وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة بعْدهَا بَاء مُوَحدَة، وَضَبطه الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي: بِضَم الْعين، وَكَذَا ضَبطه الشَّيْخ قطب الدّين الْحلَبِي فِي (شَرحه).

     وَقَالَ  أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: مَوضِع بقباء.
روى البُخَارِيّ عَن ابْن عمر: لما قدم الْمُهَاجِرُونَ الْأَولونَ المعصب كَانَ يؤمهم سَالم مولى أبي حُذَيْفَة وَكَانَ أَكْثَرهم قُرْآنًا، كَذَا ثَبت فِي متن الْكتاب، وَكتب عبد الله بن إِبْرَاهِيم الْأصيلِيّ عَلَيْهِ الْعصبَة مهملاً غير مضبوط.
قَوْله: موضعا) ، يجوز فِيهِ النصب، وَالرَّفْع، أما النصب فعلى أَنه بدل من الْعصبَة، أَو بَيَان لَهُ، وَأما الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ مَوضِع.
قَوْله: (بقباء) فِي مَحل النصب على الوصفية أَي: موضعا كَائِنا بقباء، وقباء يمد وَيقصر، وَيصرف وَيمْنَع، وَيذكر وَيُؤَنث.
قَوْله: (سَالم) ، بِالرَّفْع لِأَنَّهُ اسْم: كَانَ.
(وَكَانَ) أَي: سَالم (أَكْثَرهم) ، أَي: أَكثر الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين قُرْآنًا، وَهُوَ نصب على التَّمْيِيز، وَكَانَ سَالم مولى امْرَأَة من الْأَنْصَار فاعتقته، وَإِنَّمَا قيل لَهُ مولى أبي حُذَيْفَة لِأَنَّهُ لَازم أبي حُذَيْفَة بعد أَن أعتق فَتَبَنَّاهُ، فَلَمَّا نهوا عَن ذَلِك قيل لَهُ: مَوْلَاهُ، وَاسْتشْهدَ سَالم بِالْيَمَامَةِ فِي خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَيُقَال: قتل شَهِيدا هُوَ وَأَبُو حُذَيْفَة فَوجدَ رَأس سَالم عِنْد رجل أبي حُذَيْفَة وَرَأس أبي حُذَيْفَة عِنْد رجل سَالم،.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ: سَالم مولى أبي حُذَيْفَة من كبار الْبَدْرِيِّينَ، مَشْهُور كَبِير الْقدر، يُقَال لَهُ: سَالم بن معقل، وَكَانَ من أهل فَارس من اصطخر، وَقيل: إِنَّه من الْعَجم من سبي كرمان، وَكَانَ يعد فِي قُرَيْش لتبني أبي حُذَيْفَة لَهُ، ويعد فِي الْعَجم لأصله، ويعد فِي الْمُهَاجِرين لهجرته، ويعد فِي الْأَنْصَار لِأَن معتقته أنصارية، ويعد من الْقُرَّاء، لِأَنَّهُ كَانَ أقرؤهم أَي: أَكْثَرهم قُرْآنًا، وَأَبُو حُذَيْفَة بن عتبَة ب ربيعَة بن عبد شمس بن عبد منَاف العبشمي أحد السَّابِقين.
قَوْله: (وَكَانَ أَكْثَرهم قُرْآنًا) ، إِشَارَة إِلَى سَبَب تقديمهم لَهُ مَعَ كَونه أشرف مِنْهُ وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: (لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرهم قُرْآنًا) .
وَكَانَت إِمَامَته بهم قبل أَن يعْتق لِأَن المبحث فِيهِ.





[ قــ :67 ... غــ :693 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشارٍ قَالَ حدَّثنا يَحْيى قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثني أبُو التَّيَّاحِ عنْ أنَسٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اسْمَعُوا وأطِيعُوا وإنِ اسْتُعْمِلَ حَبَشِي كأنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة للْعَبد إِذا اسْتعْمل وَلَو كَانَ عبدا حَبَشِيًّا، فأذا أَمر بِطَاعَتِهِ فقد أَمر بِالصَّلَاةِ خَلفه، أَو إِن الْمُسْتَعْمل هُوَ الَّذِي فوض إِلَيْهِ الْعَمَل، يَعْنِي: جعل أَمِيرا أَو واليا، وَالسّنة أَن يتَقَدَّم فِي الصَّلَاة الوالى.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن بشار، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة، وَقد مر غير مرّة.
الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان.
الثَّالِث: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الرَّابِع: أَبُو التياح، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف حاء مُهْملَة، واسْمه يزِيد بن حميد الضبعِي، مر فِي: بابُُ رفع الْعلم فِيمَا مضى.
الْخَامِس: ابْن مَالك.

ذكر لطائف أسناده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رواتهما بَين بَصرِي وواسطي، وَهُوَ شُعْبَة.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن أبان عَن غنْدر، وَفِي الْأَحْكَام عَن مُسَدّد عَن يحيى.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجِهَاد عَن بنْدَار وَأبي بكر بن خلف، كِلَاهُمَا عَن يحيى بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( اسمعوا وَأَطيعُوا) ، يَعْنِي: فِي الْمَعْرُوف لَا فِي الْمُنكر.
قَوْله: ( وَإِن اسْتعْمل) أَي: وَإِن جعل عَاملا، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام: عَن مُسَدّد عَن يحيى: ( وَإِن اسْتعْمل عَلَيْكُم عبد حبشِي) .
قَوْله: ( كَأَن راسه زبيبة) ، يُرِيد سوادها، وَقيل يُرِيد قصر شعرهَا واجتماع بعضه وتفرقه حَتَّى يصير كالزبيب.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: كَأَن رَأسه زبيبة أَي: حَبَّة من الْعِنَب يابسة سَوْدَاء، وَهَذَا تَمْثِيل فِي الحقارة وسماجة الصُّورَة وَعدم الِاعْتِدَاد بهَا، وَقيل: مَعْنَاهُ صَغِيرَة، وَذَلِكَ مَعْرُوف فِي الْحَبَشَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الدّلَالَة على صِحَة إِمَامَة العَبْد لِأَنَّهُ إِذا أَمر بِطَاعَتِهِ فقد أَمر بِالصَّلَاةِ خَلفه، كَمَا ذَكرْنَاهُ الأن،.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: هَذَا فِي الْأُمَرَاء والعمال لَا الْأَئِمَّة وَالْخُلَفَاء، فَإِن الْخلَافَة فِي قُرَيْش لَا مدْخل فِيهَا لغَيرهم،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ يكون العَبْد واليا وَشرط الْولَايَة الْحُرِّيَّة؟ قلت: بِأَن يوليه بعض الْأَئِمَّة أَو يتغلب على الْبِلَاد بِالشَّوْكَةِ.
وَفِيه: النَّهْي عَن الْقيام على السلاطين وَإِن جاروا، لِأَن فِيهِ تهييج فتْنَة تذْهب بهَا الْأَنْفس وَالْحرم وَالْأَمْوَال، وَقد مثله بَعضهم بِالَّذِي يَبْنِي قصرا ويهدم مصرا.
وَفِيه: دلَالَة على وجوب طَاعَة الْخَارِجِي لِأَنَّهُ قَالَ: حبشِي، والخلافة فِي قُرَيْش، فَدلَّ على أَن الحبشي إِنَّمَا يكون متغلبا، وَالْفُقَهَاء على أَنه يطاع مَا أَقَامَ الْجمع وَالْجَمَاعَات والعيد وَالْجهَاد.