فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس؟

(بابٌُ هِلْ يَأخُذُ الإمَامُ إذَا شَكَّ بِقَوْلِ الناسِ)

أَي: هَذَا بابُُ تَرْجَمته: هَل يَأْخُذ الإِمَام ... إِلَى آخِره، وَفِي بعض النّسخ: هَل يَأْخُذ الإِمَام بقول النَّاس إِذا شكّ، يَعْنِي فِي الصَّلَاة، وَإِنَّمَا لم يذكر الْجَواب لِأَنَّهُ مَشى على عَادَته أَن الحكم فِيهِ إِذا كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ لَا يذكرهُ بِالْجَزْمِ.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي أَن الإِمَام إِذا شكّ فِي صلَاته فَأخْبرهُ الْمَأْمُوم بترك رَكْعَة مثلا، هَل يرجع إِلَى قَوْله أم لَا؟ وَاخْتلف عَن مَالك فِي ذَلِك فَقَالَ مرّة: يرجع إِلَى قَوْلهم: وَهُوَ قَول أبي حنيفَة:.

     وَقَالَ  مرّة: يعْمل عمل يقينه وَلَا يرجع إِلَى قَوْلهم، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، وَالصَّحِيح عِنْد أَصْحَابه.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شكّ بِإِخْبَار ذِي الْيَدَيْنِ، فَسَأَلَهُمْ إِرَادَة تَيَقّن أحد الْأَمريْنِ، فَلَمَّا صدقُوا ذَا الْيَدَيْنِ علم صِحَة قَوْله.
قَالَ: وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ البُخَارِيّ بتبويبه.


[ قــ :693 ... غــ :714 ]
- (حَدثنَا عبد الله بن مسلمة عَن مَالك بن أنس عَن أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة السّخْتِيَانِيّ) عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انْصَرف من اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أقصرت الصَّلَاة أم نسيت يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أصدق ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ النَّاس نعم فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ كبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شكّ فِيمَا قَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ فَرجع فِيهِ إِلَى قَول النَّاس وَهُوَ السَّبَب الظَّاهِر فِي ذَلِك وَإِن كَانَ يحْتَمل تذكره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْأَمر من تِلْقَاء نَفسه فَبنى عَلَيْهِ لَا على إِخْبَار النَّاس لِأَن هَذَا سَبَب خَفِي وَالشَّيْء إِذا كَانَ لَهُ سببان ظَاهر وخفي فيسند إِلَى السَّبَب الظَّاهِر دون الْخَفي.
(ذكر رِجَاله) قد ذكرُوا غير مرّة.
وَفِيه التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد والعنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه ذكر مَالك بنسبته إِلَى أَبِيه وَكَذَلِكَ أَيُّوب ذكر مَعَ نسبته إِلَى حرفته وَاسم أبي تَمِيمَة كيسَان وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين مدنِي وبصري وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ وَقد ذكرنَا مبَاحث هَذَا الحَدِيث وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من كل شَيْء فِي بابُُ تشبيك الْأَصَابِع فِي الْمَسْجِد وَفِي بابُُ التَّوَجُّه نَحْو الْقبْلَة قَوْله " انْصَرف من اثْنَتَيْنِ " أَي رَكْعَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ من الصَّلَاة الرّبَاعِيّة وَكَانَت إِحْدَى صَلَاتي الْعشَاء على مَا جَاءَ فِي لفظ البُخَارِيّ " صلى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِحْدَى صَلَاتي الْعشَاء " قَالَ ابْن سِيرِين سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَة وَلَكِن نسيت أَنا.
وَفِي رِوَايَة أَيُّوب عَن مُحَمَّد أكبر ظَنِّي أَنَّهَا الظّهْر وَكَذَا ذكره البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَفِي الْمُوَطَّأ الْعَصْر قَوْله " أصدق ذُو الْيَدَيْنِ " واسْمه الْخِرْبَاق بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة والهمزة فِي " أقصرت " للاستفهام عَن سَبَب تَغْيِير وضع الصَّلَاة وَنقص ركعاتها قَوْله " مثل سُجُوده " ظَاهره أَنه سَجْدَة وَاحِدَة وَلَكِن لفظ السُّجُود مصدر يتَنَاوَل السَّجْدَة والسجدتين والْحَدِيث الَّذِي يَأْتِي بعده يبين أَن المُرَاد سَجْدَتَانِ -



[ قــ :694 ... غــ :715 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أبي سَلَمَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ صَلَّى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ فَقَيلَ صلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ.


هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن أبي الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن سعد ابْن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن عَمه أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن عبد الله ابْن معَاذ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُلَيْمَان بن عبيد الله عَن بهز عَن شُعْبَة بِهِ،.

     وَقَالَ : لَا أعلم أحدا ذكر فِي هَذَا الحَدِيث: ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ، غير سعد بن إِبْرَاهِيم فَإِن قلت: روى ابْن عدي فِي ( الْكَامِل) : أخبرنَا أَبُو يعلى حَدثنَا ابْن معِين حَدثنَا شُعَيْب بن أبي مَرْيَم حَدثنَا لَيْث وَابْن وهب عَن عبد الله الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم يسْجد يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ سَجْدَتي السَّهْو، قَالَ: وَكَانَ ابْن شهَاب يَقُول: إِذا عرف الرجل مَا نسي من صلَاته فأتمها فَلَيْسَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو، لهَذَا الحَدِيث قلت: قَالَ مُسلم فِي التَّمْيِيز: قَول ابْن شهَاب، إِنَّه لم يسْجد يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ، خطأ وَغلط، وَقد ثَبت أَنه سجد سَجْدَتي السَّهْو من رِوَايَة الثِّقَات ابْن سِيرِين وَغَيره.

<