فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: إقامة الصف من تمام الصلاة

( بابٌُ إقامةُ الصَّف مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان إِقَامَة الصَّفّ، وَهِي تسويته من تَمام الصَّلَاة، وَسَنذكر مَا المُرَاد من: تَمام الصَّلَاة.



[ قــ :701 ... غــ :722 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاق قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَن أبِي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَالَ إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذا رَكَعَ فارْكَعُوا وإذَا قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ وإذَا سجَدَ فاسْجُدُوا وإذَا صَلَّى جَالِسا فَصَلُّوا جُلُوسا أجْمَعُونَ وأقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصلاةِ فإنَّ إقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصلاةِ ( الحَدِيث 722 طرفه فِي: 734) .


ذكر البُخَارِيّ فِي التَّرْجَمَة: من تَمام الصَّلَاة، وَفِي الحَدِيث: ( من حسن الصَّلَاة) وَفِي حَدِيث أنس فِي الْبابُُ: ( فَإِن تَسْوِيَة الصُّفُوف من إِقَامَة الصَّلَاة) .
وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ وَسليمَان بن حَرْب، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( سووا صفوفكم فَإِن تَسْوِيَة الصَّفّ من تَمام الصَّلَاة) .
وَكَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي خَليفَة وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عُثْمَان الدَّارمِيّ، كِلَاهُمَا عَنهُ، وَكَذَا مُسلم وَغَيره من طَرِيق جمَاعَة عَن شُعْبَة، ثمَّ تَوْجِيه الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وحديثي الْبابُُ من حَيْثُ إِن المُرَاد من الْحسن هُوَ الْكَمَال، لِأَن حسن الشَّيْء زَائِد على حَقِيقَته، فَتعين تَقْدِير هَذَا اللَّفْظ فِي التَّرْجَمَة هَكَذَا بابُُ: إِقَامَة الصَّفّ من كَمَال تَمام الصَّلَاة أَو من حسن تَمام الصَّلَاة، وَلَا خَفَاء أَن تَسْوِيَة الصَّفّ لَيست من حَقِيقَة الصَّلَاة، وَإِنَّمَا هِيَ من حسنها وكمالها، وَإِن كَانَت هِيَ فِي نَفسهَا سنة أَو وَاجِبَة أَو مُسْتَحبَّة على اخْتِلَاف الْأَقْوَال.
وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي حَدِيث أنس: فَإِن تَسْوِيَة الصُّفُوف لَيست من إِقَامَة الصَّلَاة؟ لِأَن الصَّلَاة تُقَام بغَيْرهَا، وَالتَّقْدِير: فَإِن تَسْوِيَة الصُّفُوف من كَمَال إِقَامَة الصَّلَاة، وَقد تكلّف بعض الشُّرَّاح هَهُنَا بِكَلَام لَا طائل تَحْتَهُ.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر البُخَارِيّ الْجعْفِيّ المسندي، مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: عبد الرَّزَّاق بن همام أَبُو بكر الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ.
الثَّالِث: معمر، بِفَتْح الميمين: ابْن رَاشد الْبَصْرِيّ.
الرَّابِع: همام بن مُنَبّه الْيَمَانِيّ.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف أسناده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بخاري وبصري ويمانيين.

وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رَافع.
وَقد مضى فِي: بابُُ إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ نَحْو حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا فِي موضِعين: أَحدهمَا: عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، لَكِن أَوله: ( صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيته وَهُوَ شاكٍ فصلى وَهُوَ قَاعد وَصلى وَرَاءه قوم قيَاما، فَأَشَارَ عَلَيْهِم أَن اجلسوا، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، فَإِذا ركع فاركعوا، وَإِذا رفع فارفعوا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: رَبنَا وَلَك الْحَمد، وَإِذا صلى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ) .
انْتهى.
وَالْآخر: حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وأوله: ( أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركب فرسا فصرع عَنهُ، فجحش عَن شقَّه الْأَيْمن، فصلى صَلَاة من الصَّلَوَات وَهُوَ قَاعد فصلينا وَرَاءه قعُودا، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ) ، إِلَى قَوْله: ( أَجْمَعُونَ) .
نَحوه مَعَ بعض تفَاوت فِي الْمَتْن يظْهر ذَلِك عِنْد الْمُقَابلَة.
قَوْله: ( أقِيمُوا الصَّفّ) أَي: سووا وأعدلوا.





[ قــ :70 ... غــ :73 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فإنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلاَةِ

وَجه مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة قد ذَكرْنَاهُ.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْوَلِيد هُوَ: هِشَام بن عبد الْملك.

وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، وَكِلَاهُمَا عَن غنْدر.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد، وَفِيه: عَن أبي الْوَلِيد وَسليمَان بن حَرْب.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن بنْدَار عَن يحيى وَعَن نصر بن عَليّ عَن أَبِيه وَبشر بن عمر.

قَوْله: ( فَإِن تَسْوِيَة الصُّفُوف) وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: ( الصَّفّ) بِالْإِفْرَادِ.
قَوْله: ( من إِقَامَة الصَّلَاة) ، كَذَا ذكره البُخَارِيّ عَن أبي الْوَلِيد، وَذكره غَيره عَنهُ بِلَفْظ: ( من تَمام الصَّلَاة) ، وَتمسك ابْن بطال بِظَاهِر لفظ حَدِيث أبي هُرَيْرَة، فاستدل بِهِ على أَن تَسْوِيَة الصَّفّ سنة.
قَالَ: لِأَن حسن الشَّيْء زِيَادَة على تَمَامه، وَأورد عَلَيْهِ رِوَايَة: من تَمام الصَّلَاة، وَأجَاب ابْن دَقِيق الْعِيد، قَالَ: قد يُؤْخَذ من قَوْله: ( تَمام الصَّلَاة) ، الِاسْتِحْبابُُ.
لِأَن تَمام الشَّيْء فِي الْعرف أَمر زَائِد على حَقِيقَته الَّتِي لَا يتَحَقَّق إلاَّ بهَا، وَإِن كَانَ يُطلق بِحَسب الْوَضع على بعض مَا لَا تتمّ الْحَقِيقَة إلاَّ بِهِ.
قلت: وَفِيه: نظر، لِأَن أَلْفَاظ الشَّرْع لَا تسْتَعْمل بِحَسب الْعرف، بل الَّذِي يدل على الِاسْتِحْبابُُ مَا ذَكرْنَاهُ، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال، وَهُوَ متصف بِصفة الْكَمَال.