فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

( بابُُ وَضْعِ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى فِي الصَّلاَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان وضع الْمُصَلِّي يَده الْيُمْنَى على الْيَد الْيُسْرَى فِي حَال الْقيام فِي الصَّلَاة.


[ قــ :719 ... غــ :740 ]
- ( حَدثنَا عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ كَانَ النَّاس يؤمرون أَن يضع الرجل الْيَد الْيُمْنَى على ذراعه الْيُسْرَى فِي الصَّلَاة قَالَ أَبُو حَازِم لَا أعلمهُ إِلَّا ينمي ذَلِك إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
( ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة عبد الله بن مسلمة القعْنبِي وَمَالك بن أنس وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة سَلمَة ابْن دِينَار الْأَعْرَج وَسَهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ وَفِيه التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع والعنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ قَوْله " كَانَ النَّاس يؤمرون " هَذَا حكمه الرّفْع لِأَنَّهُ مَحْمُول على أَن الْآمِر لَهُم بذلك هُوَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " أَن يضع " أَي بِأَن يضع لِأَن الْأَمر يسْتَعْمل بِالْبَاء وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال يضعون لَكِن وضع الْمظهر مَوضِع الْمُضمر قَوْله " لَا أعلمهُ إِلَّا ينمي ذَلِك " أَي لَا أعلم الْأَمر إِلَّا أَن سهلا ينمي ذَلِك إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " ينمي " بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون النُّون وَكسر الْمِيم قَالَ الْجَوْهَرِي يُقَال نميت الْأَمر أَو الحَدِيث إِلَى غَيْرِي إِذا أسندته ورفعته.

     وَقَالَ  ابْن وهب ينمي يرفع وَمن اصْطِلَاح أهل الحَدِيث إِذا قَالَ الرَّاوِي ينميه فمراده يرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَو لم يُقيد قَوْله " على ذراعه الْيُسْرَى " لم يبين مَوْضِعه من الذِّرَاع وَفِي حَدِيث وَائِل عِنْد أبي دَاوُد النَّسَائِيّ " ثمَّ وضع يَده الْيُمْنَى على ظهر كَفه الْيُسْرَى والرسغ من الساعد " وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَغَيره والرسغ بِضَم الرَّاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره عين مُعْجمَة هُوَ الْمفصل بَين الساعد والكف.
ثمَّ اعْلَم أَن الْكَلَام فِي وضع الْيَد على الْيَد فِي الصَّلَاة على وُجُوه ( الْوَجْه الأول) فِي أصل الْوَضع فعندنا يضع وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد واسحق وَعَامة أهل الْعلم وَهُوَ قَول عَليّ وَأبي هُرَيْرَة وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن مَالك وَفِي التَّوْضِيح وَهُوَ قَول سعيد بن جُبَير وَأبي مجلز وَأبي ثَوْر وَأبي عبيد وَابْن جرير وَدَاوُد وَهُوَ قَول أبي بكر وَعَائِشَة وَجُمْهُور الْعلمَاء قَالَ التِّرْمِذِيّ وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن الزبير وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَابْن سِيرِين أَنه يرسلهما وَكَذَلِكَ عِنْد مَالك فِي الْمَشْهُور يرسلهما وَإِن طَال ذَلِك عَلَيْهِ وضع الْيُمْنَى على الْيُسْرَى للاستراحة قَالَه اللَّيْث بن سعد.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ هُوَ مُخَيّر بَين الْوَضع والإرسال.
وَمن جملَة مَا احتججنا بِهِ فِي الْوَضع حَدِيث رَوَاهُ ابْن ماجة من حَدِيث الْأَحْوَص عَن سماك بن حَرْب عَن قبيصَة بن الْمُهلب عَن أَبِيه قَالَ " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يؤمنا فَيَأْخُذ شِمَاله بِيَمِينِهِ " وَحَدِيث آخر أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه عَن وَائِل بن حجر " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رفع يَدَيْهِ " الحَدِيث وَفِيه " ثمَّ وضع يَده الْيُمْنَى على الْيُسْرَى " وَحَدِيث آخر أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة من حَدِيث الْحجَّاج بن أبي زَيْنَب سَمِعت أَبَا عُثْمَان يحدث عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه كَانَ يُصَلِّي فَوضع يَده الْيُسْرَى على الْيُمْنَى فَرَآهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَوضع يَده الْيُمْنَى على الْيُسْرَى وَحَدِيث آخر أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِنَّا معشر الْأَنْبِيَاء أمرنَا بِأَن نمسك بأيماننا على شمالنا فِي الصَّلَاة " وَفِي إِسْنَاد طَلْحَة بن عَمْرو مَتْرُوك وَعَن ابْن معِين لَيْسَ بِشَيْء وَحَدِيث آخر أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا نَحْو حَدِيث ابْن عَبَّاس وَفِي إِسْنَاده النَّضر بن إِسْمَاعِيل قَالَ ابْن معِين لَيْسَ بِشَيْء ضَعِيف ( الْوَجْه الثَّانِي) فِي صفة الْوَضع وَهِي أَن يضع بطن كَفه الْيُمْنَى على رسغه الْيُسْرَى فَيكون الرسغ وسط الْكَفّ.

     وَقَالَ  الاسبيجابي عِنْد أبي يُوسُف يقبض بِيَدِهِ الْيُمْنَى رسغ يَده الْيُسْرَى.

     وَقَالَ  مُحَمَّد يَضَعهَا كَذَلِك وَيكون الرسغ وسط الْكَفّ وَفِي الْمُفِيد وَيَأْخُذ رسغها بالخنصر والإبهام وَهُوَ الْمُخْتَار وَفِي الدِّرَايَة يَأْخُذ كوعه الْأَيْسَر بكفه الْأَيْمن وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي رِوَايَة يضع بَاطِن أَصَابِعه على الرسغ طولا وَلَا يقبض وَاسْتحْسن كثير من مَشَايِخنَا الْجمع بَينهمَا بِأَن يضع بَاطِن كَفه الْيُمْنَى على كَفه الْيُسْرَى ويحلق بالخنصر والإبهام على الرسغ ( الْوَجْه الثَّالِث) فِي مَكَان الْوَضع فعندنا تَحت السُّرَّة وَعند الشَّافِعِي على الصَّدْر ذكره فِي الْحَاوِي وَفِي الْوَسِيط تَحت صَدره وَاحْتج الشَّافِعِي بِحَدِيث وَائِل بن حجر أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه قَالَ " صليت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَوضع يَده الْيُمْنَى على يَده الْيُسْرَى على صَدره " وَلم يذكر النَّوَوِيّ غَيره فِي الْخُلَاصَة وَكَذَلِكَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الإِمَام وَاحْتج صَاحب الْهِدَايَة لِأَصْحَابِنَا فِي ذَلِك بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِن من السّنة وضع الْيُمْنَى على الشمَال تَحت السُّرَّة ( قلت) هَذَا قَول عَليّ بن أبي طَالب وَإِسْنَاده إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غير صَحِيح وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَالدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من جِهَته فِي سنَنَيْهِمَا من حَدِيث أبي جُحَيْفَة عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ إِن من السّنة وضع الْكَفّ على الْكَفّ تَحت السُّرَّة وَقَول عَليّ أَن من السّنة هَذَا اللَّفْظ يدْخل فِي الْمَرْفُوع عِنْدهم.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر فِي التفصي وَاعْلَم أَن الصَّحَابِيّ إِذا أطلق اسْم السّنة فَالْمُرَاد بِهِ سنة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَذَلِكَ إِذا أطلقها غَيره مَا لم تضف إِلَى صَاحبهَا كَقَوْلِهِم سنة العمرين وَمَا أشبه ذَلِك ( فَإِن قلت) سلمنَا هَذَا وَلَكِن الَّذِي رُوِيَ عَن عَليّ فِيهِ مقَال لِأَن فِي سَنَده عبد الرَّحْمَن بن اسحق الْكُوفِي قَالَ أَحْمد لَيْسَ بِشَيْء مُنكر الحَدِيث ( قلت) روى أَبُو دَاوُد وَسكت عَلَيْهِ ويعضده مَا رَوَاهُ ابْن حزم من حَدِيث أنس من أَخْلَاق النُّبُوَّة وضع الْيَمين على الشمَال تَحت السُّرَّة.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ الْعَمَل عِنْد أهل الْعلم من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ وضع الْيَمين على الشمَال فِي الصَّلَاة وَرَأى بَعضهم أَن يَضَعهَا فَوق السُّرَّة وَرَأى بَعضهم أَن يَضَعهَا تَحت السُّرَّة وكل ذَلِك وَاسع ( الْوَجْه الرَّابِع) وَقت وضع الْيَدَيْنِ وَالْأَصْل فِيهِ أَن كل قيام فِيهِ ذكر مسنون يعْتَمد فِيهِ أَعنِي اعْتِمَاد يَده الْيُمْنَى على الْيُسْرَى وَمَا لَا فَلَا فيعتمد فِي حَالَة الْقُنُوت وَصَلَاة الْجِنَازَة وَلَا يعْتَمد فِي القومة عَن الرُّكُوع وَبَين تَكْبِيرَات الْعِيدَيْنِ الزَّوَائِد وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَعند أبي عَليّ النَّسَفِيّ وَالْإِمَام أبي عبد الله وَغَيرهمَا يعْتَمد فِي كل قيام سَوَاء كَانَ فِيهِ ذكر مسنون أَو لَا.
( الْوَجْه الْخَامِس) فِي الْحِكْمَة فِي الْوَضع على الصَّدْر أَو السُّرَّة فَقيل الْوَضع على الصَّدْر أبلغ فِي الْخُشُوع وَفِيه حفظ نور الْإِيمَان فِي الصَّلَاة فَكَانَ أولى من إِشَارَته إِلَى الْعَوْرَة بِالْوَضْعِ تَحت السُّرَّة وَهَذَا قَول من ذهب إِلَى أَن السّنة الْوَضع على الصَّدْر وَنحن نقُول الْوَضع تَحت السُّرَّة أقرب إِلَى التَّعْظِيم وَأبْعد من التَّشَبُّه بِأَهْل الْكتاب وَأقرب إِلَى ستر الْعَوْرَة وَحفظ الْإِزَار عَن السُّقُوط وَذَلِكَ كَمَا يفعل بَين يَدي الْمُلُوك وَفِي الْوَضع على الصَّدْر تشبه بِالنسَاء فَلَا يسن
( قَالَ إِسْمَاعِيل ينمى ذَلِك وَلم يقل ينمي) قَالَ صَاحب التَّلْوِيح إِسْمَاعِيل هَذَا يشبه أَن يكون إِسْمَاعِيل بن اسحق الرَّاوِي عَن القعْنبِي هَذَا الحَدِيث فِي سنَن الْبَيْهَقِيّ.

     وَقَالَ  بَعضهم إِسْمَاعِيل هَذَا هُوَ إِسْمَاعِيل ابْن أبي أويس شيخ البُخَارِيّ كَمَا جزم بِهِ الْحميدِي فِي الْجمع وَأنكر على صَاحب التَّلْوِيح فِيمَا قَالَه فَقَالَ ظن أَنه المُرَاد وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن اسحق مُوَافقَة لرِوَايَة البُخَارِيّ وَلم يذكر أحد أَن البُخَارِيّ روى عَنهُ وَهُوَ أحدث سنا من البُخَارِيّ وأحدث سَمَاعا ( قلت) لَا يتَوَجَّه الرَّد على صَاحب التَّلْوِيح لِأَنَّهُ لم يجْزم بِمَا قَالَه وَلَا يلْزم من كَون إِسْمَاعِيل بن اسحق الْمَذْكُور أحدث سنا من البُخَارِيّ وأحدث سَمَاعا نفى رِوَايَة البُخَارِيّ عَنهُ قَوْله " ينمى " بِضَم الْيَاء وَفتح الْمِيم على صِيغَة الْمَجْهُول وَلم يقل ينمي بِفَتْح الْيَاء على صِيغَة الْمَعْلُوم فعلى صِيغَة الْمَجْهُول يكون الحَدِيث مُرْسلا لِأَن أَبَا حَازِم لم يعين من إنماء لَهُ وعَلى صِيغَة الْمَعْلُوم يكون الحَدِيث مُتَّصِلا لِأَن الضَّمِير فِيهِ يكون لسهل بن سعد لِأَن أَبَا حَازِم حِينَئِذٍ قد يتَعَيَّن لَهُ الْمسند وَهُوَ سهل بن سعد.

     وَقَالَ  بَعضهم فعلى الأول الْهَاء ضمير الشَّأْن فَيكون مُرْسلا ( قلت) أَرَادَ بِالْأولِ صِيغَة الْمَجْهُول وَأَرَادَ بضمير الشَّأْن الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي لَا أعلمهُ وَلَيْسَ هَذَا بضمير الشَّأْن وَإِنَّمَا هُوَ يرجع إِلَى مَا ذكر من الحَدِيث -