فهرس الكتاب
عمدة القاري - باب ما يقول بعد التكبير
( بابُُ مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يقْرَأ الْمُصَلِّي بعد أَن يكبر للشروع.
وَقَوله: ( مَا يقْرَأ) هُوَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره: بابُُ مَا يَقُول بعد التَّكْبِير.
[ قــ :722 ... غــ :743 ]
- ( حَدثنَا حَفْص بن عمر قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أنس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا كَانُوا يفتتحون الصَّلَاة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله ذكرُوا غير مرّة.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أبي سعيد الْأَشَج وَحميد الطَّوِيل وَمُحَمّد بن نوح قَوْله " يفتتحون الصَّلَاة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين " أَي بِهَذَا اللَّفْظ وَهَذَا ظَاهر فِي عدم الْجَهْر بالبسملة وتأويله على إِرَادَة اسْم السُّورَة يتَوَقَّف على أَن السُّورَة كَانَت تسمى عِنْدهم بِهَذِهِ الْجُمْلَة فَلَا يعدل عَن حَقِيقَة اللَّفْظ وَظَاهره إِلَى مجازه إِلَّا بِدَلِيل.
وَقَالَ بَعضهم لَا يلْزم من قَوْله " كَانُوا يفتتحون " أَنهم لم يقرؤا الْبَسْمَلَة سرا ( قلت) لَا نزاع فِيهِ وَإِنَّمَا النزاع فِي جهر الْبَسْمَلَة لعدم كَونهَا آيَة من الْفَاتِحَة قَوْله " بِالْحَمْد لله " بِضَم الدَّال على سَبِيل الْحِكَايَة الْكَلَام فِي هَذَا الْبابُُ على أنوع الأول أَنَّهَا هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم قَتَادَة وَإِسْحَق بن عبد الله وَمَنْصُور بن زَاذَان وَأَيوب على اخْتِلَاف فِيهِ وَأَبُو نعَامَة قيس بن عَبَايَة الْحَنَفِيّ وعائذ بن شُرَيْح بِخِلَاف وَالْحسن وثابت الْبنانِيّ وَحميد الطَّوِيل وَمُحَمّد بن نوح أما حَدِيث قَتَادَة عَن أنس فَأخْرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ كَمَا ذكرنَا الْآن وَأما حَدِيث إِسْحَق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس فَأخْرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم عَن مُحَمَّد بن مهْرَان عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن إِسْحَق بن عبد الله عَن أنس " صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَأما حَدِيث مَنْصُور فَأخْرجهُ النَّسَائِيّ.
وَقَالَ " فَلم يسمعنا قرَاءَتهَا " وَأما حَدِيث أَيُّوب فَأخْرجهُ الشَّافِعِي وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فَقَالَ النَّسَائِيّ أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن أَيُّوب عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ " صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَعَ أبي بكر وَمَعَ عمر فافتتحوا بِالْحَمْد ".
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ اخْتلف فِيهِ عَن أَيُّوب فَقيل عَن قَتَادَة عَن أنس وَقيل عَن أبي قلَابَة عَن أنس وَقيل عَن أَيُّوب عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأما حَدِيث أبي نعَامَة فَأخْرجهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ " لَا يقرؤن " يَعْنِي لَا يجهرون بهَا وَفِي لفظ " لَا يقرؤن " فَقَط وَأما حَدِيث عَائِذ بن شرح فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ اخْتلف عَنهُ فَقيل عَنهُ عَن أنس وَقيل عَنهُ عَن ثُمَامَة عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأما حَدِيث الْحسن عَن أنس فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ " كَانَ يسر بهَا " وَأما حَدِيث ثَابت فَذكره الْبَيْهَقِيّ والطَّحَاوِي من حَدِيث شُعْبَة عَن ثَابت عَن أنس قَالَ " لم يكن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا أَبُو بكر وَلَا عمر يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَأما حَدِيث حميد عَن أنس فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن ابْن وهب عَن مَالك عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس أَنه قَالَ " قُمْت وَرَاء أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فكلهم لَا يقرؤن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِذْ افْتتح الصَّلَاة ".
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا فَهد قَالَ حَدثنَا أَبُو غَسَّان قَالَ حَدثنَا زُهَيْر عَن حميد عَن أنس أَن أَبَا بكر وَعمر ويروى حميد أَنه قد ذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ ذكر نَحوه وَأما حَدِيث مُحَمَّد بن نوح عَن أنس فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم بن منقذ عَن عبد الله بن وهب عَن أبي لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب أَن مُحَمَّد بن نوح أَخا بني سعد بن بكر حَدثهُ عَن أنس بن مَالك قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبا بكر وَعمر يستفتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين " وروى عَن قَتَادَة جمَاعَة شُعْبَة وَهِشَام وَأَبُو عوَانَة وَأَيوب وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة وَالْأَوْزَاعِيّ وشيبان.
فرواية شُعْبَة عَن قَتَادَة أخرجهَا البُخَارِيّ وَمُسلم وَرِوَايَة هِشَام عَنهُ أخرجهَا أَبُو دَاوُد حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا هِشَام عَن قَتَادَة عَن أنس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبا بكر وَعمر وَعُثْمَان كَانُوا يفتتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين " وَرِوَايَة أبي عوَانَة عَن قَتَادَة أخرجهَا التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدثنَا قُتَيْبَة قَالَ حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم يفتتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين ".
وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح.
وَقَالَ النَّسَائِيّ أخبرنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بكر وَعمر يفتتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين ".
وَقَالَ ابْن مَاجَه حَدثنَا جبارَة بن الْمُفلس حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك قَالَ فَذكره نَحْو رِوَايَة النَّسَائِيّ وَرِوَايَة أَيُّوب عَن قَتَادَة أخرجهَا النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَقد ذَكرنَاهَا الْآن وَرِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة أخرجهَا النَّسَائِيّ أخبرنَا عبد الله بن سعيد الْأَشَج أَبُو سعيد قَالَ حَدثنِي عقبَة قَالَ حَدثنَا شُعْبَة وَابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ " صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَرِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن قَتَادَة أخرجهَا مُسلم وَلَفظه " أَن قَتَادَة كتب إِلَيْهِ يُخبرهُ عَن أنس أَنه حَدثهُ قَالَ صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَكَانُوا يستفتحون بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين لَا يذكرُونَ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي أول قِرَاءَة وَلَا فِي آخرهَا وَلَيْسَ للأوزاعي عَن قَتَادَة عَن أنس فِي الصَّحِيح غير هَذَا وَرِوَايَة شَيبَان عَن قَتَادَة أخرجهَا الطَّحَاوِيّ عَن ابْن أبي عمرَان وَعلي بن عبد الرَّحْمَن كِلَاهُمَا عَن عَليّ بن الْجَعْد قَالَ أخبرنَا شَيبَان عَن قَتَادَة قَالَ " سَمِعت أنسا يَقُول صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وروى هَذَا الحَدِيث عَن شُعْبَة أَيْضا جمَاعَة مِنْهُم حَفْص بن عمر كَمَا سبق عَن البُخَارِيّ وَمِنْهُم غنْدر فِي مُسلم وَلَفظه " صليت مَعَ أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يقْرَأ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَمِنْهُم الْأَعْمَش أخرجهَا الطَّحَاوِيّ حَدثنَا أَبُو أُميَّة قَالَ حَدثنَا الْأَحْوَص بن جَوَاب قَالَ حَدثنَا عمار بن زُرَيْق عَن الْأَعْمَش عَن شُعْبَة عَن ثَابت عَن أنس قَالَ " لم يكن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا أَبُو بكر وَلَا عمر يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَمِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد أخرجهَا الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن سُلَيْمَان بن شُعَيْب الكيساني عَن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة قَالَ سَمِعت أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول " صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " النَّوْع الثَّانِي فِي اخْتِلَاف أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث فَلفظ البُخَارِيّ مَا مر وَلَفظ مُسلم " فَكَانُوا يستفتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين لَا يذكرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي أول قِرَاءَة وَلَا فِي آخرهَا " وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأحمد وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالُوا فِيهِ " فَكَانُوا لَا يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَزَاد ابْن حبَان " ويجهرون بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين " وَفِي لفظ للنسائي وَابْن حبَان أَيْضا " فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَفِي لفظ أبي يعلى فِي مُسْنده " فَكَانُوا يفتتحون الْقِرَاءَة فِيمَا يجْهر بِهِ بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين " وَفِي لفظ للطبراني فِي مُعْجَمه وَأبي نعيم فِي الْحِلْية وَابْن خُزَيْمَة فِي مُخْتَصر الْمُخْتَصر " فَكَانُوا يسرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَرِجَال هَؤُلَاءِ الرِّوَايَات كلهم ثِقَات مخرج لَهُم فِي الصَّحِيح وروى التِّرْمِذِيّ حَدثنَا أَحْمد بن منيع قَالَ حَدثنَا سعيد الجزيري عَن قيس بن عَبَايَة " عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ سمعني أبي وَأَنا فِي الصَّلَاة أَقُول بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ أَي بني مُحدث إياك وَالْحَدَث قَالَ وَلم أر أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ أبْغض إِلَيْهِ الْحَدث فِي الْإِسْلَام يَعْنِي مِنْهُ قَالَ وَقد صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَعَ أبي بكر وَمَعَ عمر وَمَعَ عُثْمَان فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يَقُولهَا فَلَا تقلها إِذا أَنْت صليت فَقل الْحَمد لله رب الْعَالمين " قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَغَيرهم من بعدهمْ من التَّابِعين وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا وَلِحَدِيث أنس طرق أُخْرَى دون مَا أخرجه أَصْحَاب الصِّحَاح فِي الصِّحَّة وكل أَلْفَاظه ترجع إِلَى معنى وَاحِد يصدق بَعْضهَا بَعْضًا وَهِي سَبْعَة أَلْفَاظ.
فَالْأول كَانُوا لَا يستفتحون الْقِرَاءَة بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَالثَّانِي فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يَقُول أَو يقْرَأ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَالثَّالِث فَلم يَكُونُوا يقرؤن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَالرَّابِع فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَالْخَامِس فَكَانُوا لَا يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَالسَّادِس فَكَانُوا يسرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَالسَّابِع فَكَانُوا يستفتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَهَذَا اللَّفْظ الَّذِي صَححهُ الْخَطِيب وَضعف مَا سواهُ لرِوَايَة الْحفاظ لَهُ عَن قَتَادَة ولمتابعة غير قَتَادَة لَهُ عَن أنس فِيهِ وَجعل اللَّفْظ الْمُحكم عَن أنس وَجعل غَيره متشابها وَحمل على الِافْتِتَاح بالسورة لَا بِالْآيَةِ وَهُوَ غير مُخَالف للألفاظ الْبَاقِيَة بِوَجْه فَكيف يَجْعَل مناقضا لَهَا فَإِن حَقِيقَة هَذَا اللَّفْظ الِافْتِتَاح بِالْآيَةِ من غير ذكر التَّسْمِيَة جَهرا أَو سرا فَكيف يجوز الْعُدُول عَنهُ بِغَيْر مُوجب وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي رِوَايَة مُسلم " لَا يذكرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " فِي أول قِرَاءَة وَلَا فِي آخرهَا ( فَإِن قلت) قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْخُلَاصَة وَقد ضعف الْحفاظ حَدِيث عبد الله بن مُغفل الَّذِي أخرجه التِّرْمِذِيّ وأنكروا على التِّرْمِذِيّ تحسينه كَابْن خُزَيْمَة وَابْن عبد الْبر والخطيب قَالُوا أَن مَدَاره على ابْن عبد الله بن مُغفل وَهُوَ مَجْهُول ( قلت) وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث أبي نعَامَة عَن ابْن عبد الله بن مُغفل قَالَ " كَانَ أَبونَا إِذا سمع أحدا منا يَقُول بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم يَقُول أَي بني صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يَقُول بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن ابْن عبد الله بن مُغفل عَن أَبِيه مثله ثمَّ أخرجه عَن أبي سُفْيَان طريف بن شهَاب عَن يزِيد بن عبد الله بن مُغفل عَن أَبِيه قَالَ " صليت خلف إِمَام فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ مَا هَذَا غيب عَنَّا هَذِه الَّتِي أَرَاك تجْهر بهَا فَإِنِّي قد صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلم يجهروا بهَا " فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَة رووا هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عبد الله بن مُغفل عَن أَبِيه وَهُوَ أَبُو نعَامَة الْحَنَفِيّ قيس بن عَبَايَة وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر هُوَ ثِقَة عِنْد جَمِيعهم.
وَقَالَ الْخَطِيب لَا أعلم أحدا رَمَاه ببدعة فِي دينه وَلَا كذب فِي رِوَايَته وَعبد الله بن بُرَيْدَة وَهُوَ أشهر من أَن يثنى عَلَيْهِ وَأَبُو سُفْيَان السَّعْدِيّ وَهُوَ وَإِن تكلم فِيهِ وَلكنه يعْتَبر بِهِ فِيمَا تَابعه عَلَيْهِ غَيره من الثِّقَات وَهُوَ الَّذِي سمى ابْن عبد الله بن مُغفل يزِيد كَمَا هُوَ عِنْد الطَّبَرَانِيّ فقد ارْتَفَعت الْجَهَالَة عَن ابْن عبد الله بن مُغفل بِرِوَايَة هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عَنهُ وَقد تقدم فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد عَن أبي نعَامَة عَن بني عبد الله بن مُغفل وَبَنوهُ الَّذين يروي عَنْهُم يزِيد وَزِيَاد وَمُحَمّد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَغَيرهمَا يحتجون بِمثل هَؤُلَاءِ مَعَ أَنهم مَشْهُورُونَ بالرواية وَلم يرو أحد مِنْهُم حَدِيثا مُنْكرا لَيْسَ لَهُ شَاهد وَلَا متابع حَتَّى يخرج بِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا رووا مَا رَوَاهُ غَيرهم من الثِّقَات فَأَما يزِيد فَهُوَ الَّذِي سمى فِي هَذَا الحَدِيث وَأما مُحَمَّد فروى لَهُ الطَّبَرَانِيّ عَنهُ عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " مَا من إِمَام يبيت غاشا لرعيته إِلَّا حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة " وَزِيَاد أَيْضا روى لَهُ الطَّبَرَانِيّ عَنهُ عَن أَبِيه مَرْفُوعا " لَا تخذفوا فَإِنَّهُ لَا يصاد بِهِ صيد وَلَا ينْكَأ الْعَدو وَلكنه يكسر السن ويفقأ الْعين " وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا حَدِيث صَرِيح فِي عدم الْجَهْر بالبسملة وَهُوَ وَإِن لم يكن من أَقسَام الصَّحِيح فَلَا ينزل عَن دَرَجَة الْحسن وَقد حسنه التِّرْمِذِيّ والْحَدِيث الْحسن يحْتَج بِهِ لَا سِيمَا إِذا تعدّدت شواهده وَكَثُرت متابعاته وَالَّذين تكلمُوا فِيهِ وَتركُوا الِاحْتِجَاج بِهِ بِجَهَالَة ابْن عبد الله بن مُغفل قد احْتَجُّوا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَا هُوَ أَضْعَف مِنْهُ بل احْتج الْخَطِيب بِمَا يعلم أَنه مَوْضُوع فَذَلِك جرْأَة عَظِيمَة لأجل تعصبه وحميته بِمَا لَا يَنْفَعهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة وَلم يحسن الْبَيْهَقِيّ فِي تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث إِذْ قَالَ بعد أَن رَوَاهُ فِي كتاب الْمعرفَة فَهَذَا حَدِيث تفرد بِهِ أَبُو نعَامَة قيس بن عَبَايَة وَابْن عبد الله بن مُغفل وَأَبُو نعَامَة وَابْن عبد الله بن مُغفل لم يحْتَج بهما صاحبا الصَّحِيح فَقَوله تفرد بِهِ أَبُو نعَامَة غير صَحِيح فقد تَابعه عبد الله بن بُرَيْدَة وَأَبُو سُفْيَان كَمَا ذَكرْنَاهُ وَقَوله وَأَبُو نعَامَة وَابْن عبد الله بن مُغفل لم يحْتَج بهما صاحبا الصَّحِيح لَيْسَ هَذَا لَازِما فِي صِحَة الْإِسْنَاد وَلَئِن سلمنَا فقد قُلْنَا أَنه حسن وَالْحسن يحْتَج بِهِ وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن ترك الْجَهْر عِنْدهم كَانَ مِيرَاثا عَن نَبِيّهم يتوارثونه خَلفهم عَن سلفهم وَهَذَا وَحده كَاف فِي الْمَسْأَلَة لِأَن الصَّلَاة الجهرية دائمة صباحا وَمَسَاء فَلَو كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجْهر بهَا دَائِما لما وَقع فِيهِ الِاخْتِلَاف وَلَا الِاشْتِبَاه ولكان مَعْلُوما بالاضطرار وَلما قَالَ أنس يجْهر بهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا خلفاؤه الراشدون وَلما قَالَ عبد الله بن مُغفل ذَلِك أَيْضا وَسَماهُ حَدثا وَلما اسْتمرّ عمل أهل الْمَدِينَة فِي محراب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومقامه على ترك الْجَهْر فيتوارثه آخِرهم عَن أَوَّلهمْ وَلَا يظنّ عَاقل أَن أكَابِر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأكْثر أهل الْعلم كَانُوا يواظبون على خلاف مَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَفْعَله وَسَيَأْتِي الْجَواب عَن أَحَادِيث الْجَهْر إِن شَاءَ الله تَعَالَى النَّوْع الثَّالِث احْتج بِهِ مَالك وَأَصْحَابه على ترك التَّسْمِيَة فِي ابْتِدَاء الْفَاتِحَة وَأَنَّهَا لَيست مِنْهَا وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ والطبري.
وَقَالَ أَصْحَابنَا الْبَسْمَلَة آيَة من الْقُرْآن أنزلت للفصل بَين السُّور وَلَيْسَت من الْفَاتِحَة وَلَا من أول كل سُورَة وَلَا يجْهر بهَا بل يَقُولهَا سرا وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأحمد وَإِسْحَاق.
وَقَالَ أَبُو عمر قَالَ مَالك لَا تقرؤا الْبَسْمَلَة فِي الْفَرْض سرا وَلَا جَهرا وَفِي النَّافِلَة إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ ترك وَهُوَ قَول الطَّبَرِيّ.
وَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَابْن أبي ليلى وَأحمد يقْرَأ مَعَ أم الْقُرْآن فِي كل رَكْعَة إِلَّا ابْن أبي ليلى فَإِنَّهُ قَالَ إِن شَاءَ جهر بهَا وَإِن شَاءَ أخفاها.
وَقَالَ الشَّافِعِي هِيَ آيَة من الْفَاتِحَة يخفيها إِذا أخْفى ويجهر بهَا إِذا جهر وَاخْتلف قَوْله هَل هِيَ آيَة من كل سُورَة أم لَا على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا نعم وَهُوَ قَول ابْن الْمُبَارك وَالثَّانِي لَا النَّوْع الرَّابِع فِي أَنَّهَا يجْهر بهَا أم لَا قَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَعِنْدنَا يسْتَحبّ الْجَهْر بهَا فِيمَا يجْهر فِيهِ وَبِه قَالَ أَكثر الْعلمَاء وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْجَهْر كَثِيرَة مُتعَدِّدَة عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة يرتقي عَددهمْ إِلَى أحد وَعشْرين صحابيا رووا ذَلِك عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهُم من صرح بذلك وَمِنْهُم من فهم من عِبَارَته وَالْحجّة قَائِمَة بالجهر وبالصحة ثمَّ ذكر من الصَّحَابَة أَبَا هُرَيْرَة وَأم سَلمَة وَابْن عَبَّاس وأنسا وَعلي بن أبي طَالب وَسمرَة بن جُنْدُب ( قلت) وَمن الَّذين عدهم عمار وَعبد الله بن عمر والنعمان بن بشير وَالْحكم بن عُمَيْر وَمُعَاوِيَة وَبُرَيْدَة بن الْحصيب وَجَابِر وَأَبُو سعيد وَطَلْحَة وَعبد الله بن أبي أوفى وَأَبُو بكر الصّديق ومجالد بن ثَوْر وَبشر بن مُعَاوِيَة وَالْحُسَيْن بن عرفطة وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَهَؤُلَاءِ أحد وَعِشْرُونَ نفسا.
أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه من حَدِيث نعيم المجمر قَالَ " صليت وَرَاء أبي هُرَيْرَة فَقَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ثمَّ قَرَأَ بِأم الْقُرْآن حَتَّى قَالَ غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين قَالَ آمين فِي آخِره فَلَمَّا سلم قَالَ إِنِّي لأشبهكم صَلَاة برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَأخرجه ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه.
وَقَالَ أَنه على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه.
وَقَالَ حَدِيث صَحِيح وَرُوَاته كلهم ثِقَات وأخره الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه.
وَقَالَ إِسْنَاده صَحِيح وَله شَوَاهِد.
وَقَالَ فِي الخلافيات رُوَاته كلهم ثِقَات مجمع على عدالتهم مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح وَالْجَوَاب عَنهُ من وُجُوه.
الأول أَنهم مَعْلُول فَإِن ذكر الْبَسْمَلَة فِيهِ مِمَّا تفرد بِهِ نعيم المجمر من بَين أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة وهم ثَمَان مائَة مَا بَين صَاحب وتابع وَلَا يثبت عَن ثِقَة من أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة أَنه حدث عَن أبي هُرَيْرَة أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يجْهر بالبسملة فِي الصَّلَاة أَلا ترى كَيفَ أعرض صَاحب الصَّحِيح عَن ذكر الْبَسْمَلَة فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَانَ يكبر فِي كل صَلَاة من الْمَكْتُوبَة وَغَيرهَا الحَدِيث ( فَإِن قلت) قد رَوَاهَا نعيم المجمر وَهُوَ ثِقَة وَالزِّيَادَة عَن الثِّقَة مَقْبُولَة ( قلت) فِي هَذَا خلاف مَشْهُور فَمنهمْ من لَا يقبلهَا.
الثَّانِي أَن قَوْله فَقَرَأَ أَو قَالَ لَيْسَ بِصَرِيح أَنه سَمعهَا مِنْهُ إِذْ يجوز أَن يكون أَبُو هُرَيْرَة أخبر نعيما بِأَنَّهُ قَرَأَهَا سرا وَيجوز أَن يكون سَمعهَا مِنْهُ فِي مخافتته لقُرْبه مِنْهُ كَمَا روى عَنهُ من أَنْوَاع الاستفتاح وألفاظ الذّكر فِي قِيَامه وقعوده وركوعه وَسُجُوده وَلم يكن مِنْهُ ذَلِك دَلِيلا على الْجَهْر.
الثَّالِث أَن التَّشْبِيه لَا يَقْتَضِي أَن يكون مثله من كل وَجه بل يَكْفِي فِي غَالب الْأَفْعَال وَذَلِكَ مُتَحَقق فِي التَّكْبِير وَغَيره دون الْبَسْمَلَة فَإِن التَّكْبِير وَغَيره من أَفعَال الصَّلَاة ثَابت صَحِيح عَن أبي هُرَيْرَة وَكَانَ مَقْصُوده الرَّد على من تَركه وَأما التَّسْمِيَة فَفِي صِحَّتهَا عَنهُ نظر فَيَنْصَرِف إِلَى الصَّحِيح الثَّابِت دون غَيره ويلزمهم على القَوْل بالتشبيه من كل وَجه أَن يَقُولُوا بالجهر بالتعوذ فَإِن الشَّافِعِي روى أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْأَسْلَمِيّ عَن ربيعَة بن عُثْمَان عَن صَالح بن أبي صَالح أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة وَهُوَ يؤم النَّاس رَافعا صَوته فِي الْمَكْتُوبَة إِذا فرغ من أم الْقُرْآن رَبنَا إِنَّا نَعُوذ بك من الشَّيْطَان الرَّجِيم فَهَلا أخذُوا بِهَذَا كَمَا أخذُوا بجهر الْبَسْمَلَة مستدلين بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ فَمَا أسمعنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أسمعناكم وَمَا أخفانا أخفيناكم وَكَيف يظنّ بِأبي هُرَيْرَة أَنه يُرِيد التَّشْبِيه فِي الْجَهْر بالبسملة وَهُوَ الرَّاوِي عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَقَالَ " يَقُول الله تَعَالَى قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ فنصفها لي وَنِصْفهَا لعبدي ولعبدي مَا سَأَلَ فَإِذا قَالَ العَبْد الْحَمد لله رب الْعَالمين قَالَ الله تَعَالَى حمدني عَبدِي " الحَدِيث أخرجه مُسلم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَهَذَا ظَاهر فِي أَن الْبَسْمَلَة لَيست من الْفَاتِحَة وَإِلَّا لابتدأ بهَا.
وَقَالَ أَبُو عمر حَدِيث الْعَلَاء هَذَا قَاطع لقلق المنازعين وَهُوَ نصر لَا يحْتَمل التَّأْوِيل وَلَا أعلم حَدِيثا فِي سُقُوط الْبَسْمَلَة أبين مِنْهُ وَاعْترض بعض الْمُتَأَخِّرين على هَذَا الحَدِيث بأمرين.
أَحدهمَا لَا يعْتَبر بِكَوْن هَذَا الحَدِيث فِي مُسلم فَإِن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن تكلم فِيهِ ابْن معِين فَقَالَ لَيْسَ حَدِيثه بِحجَّة مُضْطَرب الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن عدي وَقد انْفَرد بِهَذَا الحَدِيث فَلَا يحْتَج بِهِ.
الثَّانِي على تَقْدِير صِحَّته فقد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات عَنهُ ذكر التَّسْمِيَة كَمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الله بن زِيَاد بن سمْعَان عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة " سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي فنصفها لَهُ يَقُول عَبدِي إِذا افْتتح الصَّلَاة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فيذكرني عَبدِي ثمَّ يَقُول الْحَمد لله رب الْعَالمين فَأَقُول حمدني عَبدِي " الحَدِيث وَهَذِه الرِّوَايَة وَإِن كَانَت ضَعِيفَة وَلكنهَا مفسرة بِحَدِيث مُسلم أَنه أَرَادَ السُّورَة لَا الْآيَة ( قلت) هَذَا الْقَائِل حَملَة الْجَهْل وفرط التعصب ورداءة الرَّأْي والفكر على أَنه ترك الحَدِيث الصَّحِيح وَضَعفه لكَونه غير مُوَافق لمذهبه.
وَقَالَ لَا يعْتَبر بِكَوْنِهِ فِي مُسلم مَعَ أَنه قد رَوَاهُ عَن الْعَلَاء الْأَئِمَّة الثِّقَات الْأَثْبَات كمالك وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَابْن جريج وَشُعَيْب وَعبد الْعَزِيز الداروردي وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَمُحَمّد بن إِسْحَاق والوليد بن كثير وَغَيرهم والْعَلَاء فِي نَفسه ثِقَة صَدُوق وَهَذِه الرِّوَايَة مِمَّا انْفَرد بهَا عَنهُ ابْن سمْعَان.
وَقَالَ عمر بن عبد الْوَاحِد سَأَلت مَالِكًا عَنهُ أَي ابْن سمْعَان فَقَالَ كَانَ كذابا وَكَذَا قَالَ يحيى بن معِين.
وَقَالَ يحيى بن بكير قَالَ هِشَام بن عُرْوَة فِيهِ لقد كذب عَليّ وَحدث عني بِأَحَادِيث لم أحدثها لَهُ وَعَن أَحْمد مَتْرُوك الحَدِيث وَكَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد وَزَاد من الْكَذَّابين ( فَإِن قلت) أخرج الْخَطِيب عَن أبي أويس واسْمه عبد الله بن أويس قَالَ أَخْبرنِي الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا أم النَّاس جهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَابْن عدي فِي الْكَامِل فَقَالَا فِيهِ قَرَأَ عوض جهر وَكَأَنَّهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى ( قلت) أَبُو أويس ضعفه أَحْمد وَابْن معِين وَأَبُو حَاتِم فَلَا يحْتَج بِمَا انْفَرد بِهِ فَكيف إِذا انْفَرد بِشَيْء وَقد خَالفه فِيهِ من هُوَ أوثق مِنْهُ ( فَإِن قلت) أخرج مُسلم لأبي أويس ( قلت) صاحبا الصَّحِيح إِذا أخرجَا لمن تكلم فِيهِ إِنَّمَا يخرجَانِ بعد إنقائهما من حَدِيثه مَا توبع عَلَيْهِ وَظَهَرت شواهده وَعلم أَن لَهُ أصلا وَلَا يخرجَانِ مَا تفرد بِهِ سِيمَا إِذا خَالف الثِّقَات وَهَذِه الْعلَّة راجت على كثير مِمَّن استدرك على الصَّحِيحَيْنِ فتساهلوا فِي استدراكهم وَمن أَكْثَرهم تساهلا الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي كِتَابه الْمُسْتَدْرك فَإِنَّهُ يَقُول هَذَا على شَرط الشَّيْخَيْنِ أَو أَحدهمَا وَفِيه هَذِه الْعلَّة إِذْ لَا يلْزم من كَون الرَّاوِي محتجا بِهِ فِي الصَّحِيح أَنه إِذا وجد فِي أَي حَدِيث كَانَ يكون ذَلِك الحَدِيث على شَرطه وَلِهَذَا قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب الْعلم الْمَشْهُور وَيجب على أهل الحَدِيث أَن يتحفظوا من قَول الْحَاكِم أبي عبد الله فَإِنَّهُ كثير الْغَلَط ظَاهر السقط وَقد غفل عَن ذَلِك كثير مِمَّن جَاءَ بعده وقلده فِي ذَلِك ( فَإِن قلت) قد جَاءَ فِي طَرِيق آخر أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن خَالِد بن الياس عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " عَلمنِي جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الصَّلَاة فَقَامَ فَكبر لنا ثمَّ قَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِيمَا يجْهر بِهِ فِي كل رَكْعَة " ( قلت) هَذَا إِسْنَاد سَاقِط فَإِن خَالِد بن الياس مجمع على ضعفه وَعَن البُخَارِيّ عَن أَحْمد أَنه مُنكر الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن معِين لَيْسَ بِشَيْء وَلَا يكْتب حَدِيثه.
وَقَالَ النَّسَائِيّ مَتْرُوك الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن حبَان يروي الموضوعات عَن الثِّقَات.
وَقَالَ الْحَاكِم روى عَن المَقْبُري وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر وَهِشَام بن عُرْوَة أَحَادِيث مَوْضُوعَة ( فَإِن قلت) روى الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن جَعْفَر بن مكرم حَدثنَا أَبُو بكر الْحَنَفِيّ حَدثنَا عبد الْمجِيد عَن جَعْفَر أَخْبرنِي نوح بن أبي بِلَال عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا قَرَأْتُمْ الْحَمد فاقرؤا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِنَّهَا أم الْقُرْآن وَأم الْكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِحْدَى آياتها " ( قلت) قَالَ أَبُو بكر الْحَنَفِيّ ثمَّ لقِيت نوحًا فَحَدثني عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة مثله وَلم يرفعهُ ( فَإِن قلت) قَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه الْكُبْرَى رفع هَذَا الحَدِيث عبد الحميد بن جَعْفَر وَهُوَ ثِقَة وَثَّقَهُ ابْن معِين ( قلت) كَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ يُضعفهُ وَيحمل عَلَيْهِ وَلَئِن سلمنَا رَفعه فَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة على الْجَهْر وَلَئِن سلم فَالصَّوَاب فِيهِ الْوَقْف قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لِأَنَّهُ رَوَاهُ الْمعَافي بن عمرَان عَن عبد الحميد عَن نوح عَن المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَرَوَاهُ أُسَامَة بن زيد وَأَبُو بكر الْحَنَفِيّ عَن نوح عَن المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا ( فَإِن قلت) هَذَا مَوْقُوف فِي حكم الْمَرْفُوع إِذْ لَا يَقُول الصَّحَابِيّ أَن الْبَسْمَلَة إِحْدَى آيَات الْفَاتِحَة إِلَّا عَن تَوْقِيف أَو دَلِيل قوي ظهر لَهُ فحين إِذن يكون لَهُ حكم سَائِر آيَات الْفَاتِحَة من الْجَهْر والإسرار ( قلت) لَعَلَّ أَبَا هُرَيْرَة سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقْرَأها فظنها من الْفَاتِحَة فَقَالَ إِنَّهَا إِحْدَى آياتها وَنحن لَا ننكر أَنَّهَا من الْقُرْآن وَلَكِن النزاع فِي موضِعين.
أَحدهمَا أَنَّهَا آيَة من الْفَاتِحَة وَالثَّانِي أَن لَهَا حكم سَائِر آيَات الْفَاتِحَة جَهرا وسرا وَنحن نقُول أَنَّهَا آيَة مُسْتَقلَّة قبل السُّورَة وَلَيْسَت مِنْهَا جمعا بَين الْأَدِلَّة وَأَبُو هُرَيْرَة لم يخبر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ هِيَ إِحْدَى آياتها وقراءتها قبل الْفَاتِحَة لَا تدل على ذَلِك وَإِذا جَازَ أَن يكون مُسْتَند أبي هُرَيْرَة قِرَاءَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهَا وَقد ظهر أَن ذَلِك لَيْسَ بِدَلِيل على مَحل النزاع فَلَا تعَارض بِهِ أدلتنا الصَّحِيحَة الثَّابِتَة وَأَيْضًا فالمحفوظ الثَّابِت عَن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا الحَدِيث عدم ذكر الْبَسْمَلَة كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْحَمد لله هِيَ أم الْقُرْآن وَهِي السَّبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ.
وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح على أَن عبد الحميد بن جَعْفَر مِمَّن تكلم فِيهِ وَلَكِن وَثَّقَهُ أَكثر الْعلمَاء وَاحْتج بِهِ مُسلم فِي صَحِيحه وَلَيْسَ تَضْعِيف من ضعفه مِمَّا يُوجب رد حَدِيثه وَلَكِن الثِّقَة قد يغلط وَالظَّاهِر أَنه قد غلط فِي هَذَا الحَدِيث وَالله تَعَالَى أعلم.
وَأما حَدِيث أم سَلمَة فَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَن عمر بن هَارُون عَن جريج عَن ابْن أبي مليكَة عَن أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَرَأَ فِي الصَّلَاة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَعَدهَا آيَة الْحَمد لله رب الْعَالمين آيَتَيْنِ الرَّحْمَن الرَّحِيم ثَلَاث آيَات إِلَى آخِره " وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَالْجَوَاب عَنهُ أَن مدَار هَذِه الرِّوَايَة على عمر بن هَارُون الْبَلْخِي وَهُوَ مَجْرُوح تكلم فِيهِ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة فَعَن أَحْمد لَا أروي عَنهُ شَيْئا وَعَن يحيى لَيْسَ بِشَيْء وَعَن ابْن الْمُبَارك كَذَّاب وَعَن النَّسَائِيّ مَتْرُوك الحَدِيث وَعَن ابْن الْجَوْزِيّ عَن يحيى كَذَّاب خَبِيث لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء ( فَإِن قلت) روى أَبُو دَاوُد فِي كتاب الْحُرُوف حَدثنَا سعيد بن يحيى الْأمَوِي قَالَ حَدثنَا أبي قَالَ حَدثنَا ابْن جريج عَن عبد الله بن أبي مليكَة " عَن أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا ذكرت أَو كلمة غَيرهَا قِرَاءَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالك يَوْم الدّين يقطع قِرَاءَته آيَة آيَة " وَأخرجه أَحْمد حَدثنَا يحيى بن سعيد الْأمَوِي إِلَى آخِره نَحوه وَلَفظه " أَنَّهَا سُئِلت عَن قِرَاءَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت كَانَ يقطع آيَة آيَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالك يَوْم الدّين " ( قلت) لَيْسَ فِيهِ حجَّة للخصم لِأَن فِيهِ ذكرهَا قِرَاءَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَيفَ كَانَت وَبَيَان ترتيله وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الصَّلَاة ( فَإِن قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْمعرفَة قَالَ الْبُوَيْطِيّ فِي كِتَابه أَخْبرنِي غير وَاحِد عَن حَفْص بن غياث عَن ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا قَرَأَ بِأم الْقُرْآن بَدَأَ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم يعدها آيَة ثمَّ قَرَأَ الْحَمد لله رب الْعَالمين يعدها سِتّ آيَات " ( قلت) قَالَ الطَّحَاوِيّ فِي كتاب الرَّد على الْكَرَابِيسِي لم يسمع ابْن أبي مليكَة هَذَا الحَدِيث من أم سَلمَة وَالَّذِي يروي عَن ابْن أبي مليكَة عَن يعلى بن مَالك عَن أم سَلمَة هُوَ الْأَصَح وَلِهَذَا أسْندهُ التِّرْمِذِيّ من جِهَة يعلى.
وَقَالَ غَرِيب حسن صَحِيح لِأَن فِيهِ ذكر قِرَاءَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من أم سَلمَة نعت مِنْهَا لقِرَاءَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لسَائِر الْقُرْآن كَيفَ كَانَت وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَالْعجب من الْبَيْهَقِيّ أَنه ذكر حَدِيث يعلى فِي بابُُ ترتيل الْقِرَاءَة وَتَركه فِي بابُُ الدَّلِيل على أَن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة تَامَّة من الْفَاتِحَة لكَونه لَا يُوَافق مَقْصُوده وَلِأَن فِيهِ بَيَان عِلّة حَدِيثه وَالْعجب ثمَّ الْعجب مِنْهُ رُوِيَ هَذَا من عمر بن هَارُون وألان القَوْل فِيهِ.
وَقَالَ وَرَوَاهُ عمر بن هَارُون الْبَلْخِي وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ وَذكره فِي بابُُ لَا شُفْعَة فِيمَا ينْقل أَنه ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ ثمَّ أَن كَانَ الْعد بِلِسَانِهِ فِي الصَّلَاة فَذَلِك منَاف للصَّلَاة وَإِن كَانَ بأصابعه فَلَا يدل على أَنَّهَا آيَة من الْفَاتِحَة قَالَه الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصر السّنَن وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث ابْن الْمُبَارك عَن ابْن جريج عَن أَبِيه عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي السَّبع المثاني قَالَ هِيَ فَاتِحَة الْكتاب قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم سبعا فَقلت لأبي أخْبرك سعيد عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة من كتاب الله قَالَ نعم ثمَّ قَالَ قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا وَأخرجه الطَّحَاوِيّ عَن أبي بكرَة عَن أبي عَاصِم عَن ابْن جريج عَن أَبِيه عَن سعيد بن جُبَير عَن عبد الله بن عَبَّاس " وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني قَالَ فَاتِحَة الْكتاب ثمَّ قَرَأَ ابْن عَبَّاس بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَقَالَ هِيَ الْآيَة السَّابِعَة " قَالَ وَقَرَأَ على سعيد بن جُبَير كَمَا قَرَأَ عَلَيْهِ ابْن عَبَّاس ( قلت) الْجَواب: أَولا أَن فِي إِسْنَاده عبد الْعَزِيز بن جريج وَالِد عبد الْملك وَقد قَالَ البُخَارِيّ حَدِيثه لَا يُتَابع عَلَيْهِ.
وَثَانِيا أَنه لَا يُعَارضهُ مَا يدل على خِلَافه وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا نَهَضَ من الثَّانِيَة استفتح بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين " رَوَاهُ مُسلم والطَّحَاوِي وَهَذَا دَلِيل صَرِيح على أَن الْبَسْمَلَة لَيست من الْفَاتِحَة إِذْ لَو كَانَت مِنْهَا لقرأها فِي الثَّانِيَة مَعَ الْفَاتِحَة ( فَإِن قلت) روى الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَن عبد الله بن عَمْرو بن حسان عَن شريك عَن سَالم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " قَالَ الْحَاكِم إِسْنَاده صَحِيح وَلَيْسَ لَهُ عِلّة ( قلت) هَذَا غير صَرِيح وَلَا صَحِيح أما أَنه غير صَرِيح فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنه فِي الصَّلَاة وَأما أَنه غير صَحِيح فَلِأَن عبد الله بن عَمْرو بن حسان كَانَ يضع الحَدِيث قَالَه إِمَام الصَّنْعَة عَليّ بن الْمَدِينِيّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم لَيْسَ بِشَيْء كَانَ يكذب ( فَإِن قلت) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي الصَّلْت الْهَرَوِيّ واسْمه عبد السَّلَام بن صَالح حَدثنَا عباد بن الْعَوام حَدثنَا شريك عَن سَالم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجْهر فِي الصَّلَاة بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " ( قلت) هَذَا أَضْعَف من الأول فَإِن أَبَا الصَّلْت مَتْرُوك.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم لَيْسَ عِنْدِي بصدوق.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رَافِضِي خَبِيث روى الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان حَدثنَا إِسْمَاعِيل عَن أبي خَالِد عَن ابْن عَبَّاس " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي الصَّلَاة " وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَالتِّرْمِذِيّ فِي جَامعه بِهَذَا السَّنَد وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَكلهمْ قَالُوا فِيهِ كَانَ يفْتَتح صلَاته بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ( قلت) قَالَ الْبَزَّار إِسْمَاعِيل لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد حَدِيث ضَعِيف وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي كِتَابه وَأعله بِإِسْمَاعِيل هَذَا.
وَقَالَ حَدِيثه غير مَحْفُوظ وَأَبُو خَالِد مَجْهُول وَلَا يَصح فِي الْجَهْر بالبسملة حَدِيث مُسْند وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق عمر بن حَفْص الْمَكِّيّ عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يزل يجْهر فِي السورتين بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم حَتَّى قبض " ( قلت) هَذَا لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ فَإِن عمر بن حَفْص هَذَا ضَعِيف.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي التَّحْقِيق أَجمعُوا على تَركه وَأما حَدِيث أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي المتَوَكل بن أبي السرى قَالَ " صليت خلف الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان من الصَّلَوَات مَا لَا أحصيها الصُّبْح وَالْمغْرب فَكَانَ يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قبل فَاتِحَة الْكتاب وَبعدهَا قَالَ الْمُعْتَمِر مَا آلو أَن أقتدي بِصَلَاة أبي.
وَقَالَ أبي مَا آلو أَن أقتدي بِصَلَاة أنس.
وَقَالَ أنس مَا أكره أَن أقتدي بِصَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ( قلت) الْجَواب أَن هَذَا معَارض بِمَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي مُخْتَصره وَالطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن أنس " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يسر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي الصَّلَاة " وَزَاد ابْن خُزَيْمَة وَأَبُو بكر وَعمر فِي الصَّلَاة ( فَإِن قلت) روى الْحَاكِم من طَرِيق آخر عَن مُحَمَّد بن أبي السرى حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبي أويس حَدثنَا مَالك عَن حميد عَن أنس قَالَ " صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَكلهمْ كَانُوا يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " قَالَ الْحَاكِم وَإِنَّمَا ذكرته شَاهدا ( قلت) قَالَ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصره أما يستحي الْحَاكِم أَن يُورد فِي كِتَابه مثل هَذَا الحَدِيث الْمَوْضُوع فَأَنا أشهد بِاللَّه وَالله إِنَّه لكذب.
وَقَالَ ابْن عبد الْهَادِي سقط مِنْهُ لَا وَقد روى الْحَاكِم عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم حَدِيثا آخر عَن أنس أَنه قَالَ صلى مُعَاوِيَة بِالْمَدِينَةِ صَلَاة فجهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَبَدَأَ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الحَدِيث مطولا وَفِيه مقَال كثير وروى الْخَطِيب أَيْضا عَن ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن أخي ابْن وهب عَن عَمه عَن الْعمريّ وَمَالك وَابْن عُيَيْنَة عَن حميد عَن أنس أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي الْفَرِيضَة " وَجَوَابه مَا قَالَه ابْن عبد الْهَادِي سقط مِنْهُ لَا كَمَا رَوَاهُ الباغندي وَغَيره عَن ابْن أخي ابْن وهب هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَأما حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَمَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَن سعيد بن عُثْمَان الخراز حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن سعد الْمُؤَذّن حَدثنَا قطر بن خَليفَة عَن أبي الطُّفَيْل عَن عَليّ وعمار " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يجْهر فِي المكتوبات بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ".
وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَا أعلم فِي رُوَاته مَنْسُوبا إِلَى الْجرْح ( قلت) قَالَ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصره هَذَا خبر واه كَأَنَّهُ مَوْضُوع لِأَن عبد الرَّحْمَن صَاحب مَنَاكِير ضعفه ابْن معِين وَسَعِيد إِن كَانَ الكريزي فَهُوَ ضَعِيف وَإِلَّا فَهُوَ مَجْهُول.
وَقَالَ ابْن عبد الْهَادِي هَذَا حَدِيث بَاطِل وَأما حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ البوشنجي " كَانَ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سكتتان سكتة إِذا فرغ من الْقِرَاءَة وسكتة إِذا قَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " فَأنْكر ذَلِك عمرَان بن حُصَيْن فَكَتَبُوا إِلَى أبي بن كَعْب فَكتب إِن صدق سَمُرَة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ رجال إِسْنَاده ثِقَات وَصَححهُ أَبُو شامة وَغَيره ( قلت) هَذَا لَا يدل على الْجَهْر بل هُوَ دَلِيل لنا على الْإخْفَاء وَأما حَدِيث عمار فقد ذَكرْنَاهُ مَعَ حَدِيث عَلَيْهِ رَضِي الله عَنهُ وَأما حَدِيث عبد الله بن عمر فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ حَدثنَا عمر بن الْحسن بن عَليّ الشَّيْبَانِيّ حَدثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد بن مَرْوَان حَدثنَا أَبُو طَاهِر أَحْمد بن عِيسَى حَدثنَا ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي ذِئْب عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ " صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر فَكَانُوا يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " ( قلت) هَذَا بَاطِل من هَذَا الْوَجْه لم يحدث بِهِ ابْن أبي فديك قطّ وَالْمُتَّهَم بِهِ أَحْمد بن عِيسَى أَبُو طَاهِر الْقرشِي وَقد كذبه الدَّارَقُطْنِيّ فَيكون كَاذِبًا فِي رِوَايَته عَن مثل هَذَا الثِّقَة وَشَيخ الدَّارَقُطْنِيّ ضَعِيف وَهُوَ أَيْضا ضعفه وَالْحسن بن عَليّ وجعفر بن مُحَمَّد تكلم فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقَالَ لَا يحْتَج بِهِ وَله طَرِيق آخر عِنْد الْخَطِيب عَن عبَادَة بن زِيَاد الْأَسدي حَدثنَا يُونُس بن أبي يَعْفُور الْعَبْدي عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن أبي عُبَيْدَة عَن مُسلم بن حَيَّان قَالَ " صليت خلف ابْن عمر فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي السورتين فَقيل لَهُ فَقَالَ صليت خلف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى قبض وَخلف أبي بكر حَتَّى قبض وَخلف عمر حَتَّى قبض فَكَانُوا يجهرون بهَا فِي السورتين فَلَا أدع الْجَهْر بهَا حَتَّى أَمُوت " ( قلت) هَذَا أَيْضا بَاطِل وَعبادَة بن زِيَاد بِفَتْح الْعين كَانَ من رُؤْس الشِّيعَة قَالَه أَبُو حَاتِم.
وَقَالَ الْحَافِظ مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي هُوَ مجمع على كذبه وَشَيْخه يُونُس بن يَعْفُور ضعفه النَّسَائِيّ وَابْن معِين.
وَقَالَ ابْن حبَان لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ عِنْدِي وَمُسلم بن حَيَّان مَجْهُول.
وَأما حَدِيث النُّعْمَان بن بشير فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن يَعْقُوب بن يُوسُف ابْن زِيَاد الضَّبِّيّ حَدثنَا أَحْمد بن حَمَّاد الْهَمدَانِي عَن قطر بن خَليفَة عَن أبي الضُّحَى عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أمني جِبْرِيل عِنْد الْكَعْبَة فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " ( قلت) هَذَا حَدِيث مُنكر بل مَوْضُوع وَأحمد بن حَمَّاد ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَيَعْقُوب بن يُوسُف لَيْسَ بِمَشْهُور وسكوت الدَّارَقُطْنِيّ والخطيب وَغَيرهمَا من الْحفاظ عَن مثل هَذَا الحَدِيث بعد روايتهم لَهُ قَبِيح جدا.
وَأما حَدِيث الحكم بن عُمَيْر فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن بشر الْكُوفِي حَدثنَا أَحْمد بن مُوسَى بن اسحق الْجمار حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن حبيب حَدثنَا مُوسَى بن أبي حبيب الطَّائِفِي عَن الحكم بن عُمَيْر وَكَانَ بَدْرِيًّا قَالَ " صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي صَلَاة اللَّيْل وَصَلَاة الْغَدَاة وَصَلَاة الْجُمُعَة " ( قلت) هَذَا من الْأَحَادِيث الغريبة الْمُنكرَة بل هُوَ حَدِيث بَاطِل لِأَن الحكم بن عُمَيْر لَيْسَ بَدْرِيًّا وَلَا فِي الْبَدْرِيِّينَ أحد اسْمه الحكم بن عُمَيْر بل لَا تعرف لَهُ صُحْبَة لَهُ أَحَادِيث مُنكرَة.
وَقَالَ الذَّهَبِيّ الحكم بن عُمَيْر وَقيل عمر والثمالي الْأَزْدِيّ لَهُ أَحَادِيث ضَعِيفَة الْإِسْنَاد إِلَيْهِ ومُوسَى بن حبيب الرَّاوِي عَنهُ لم يلق صحابيا بل هُوَ مَجْهُول لَا يحْتَج بحَديثه وَذكر الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير الحكم بن عُمَيْر ثمَّ روى لَهُ بضعَة عشر حَدِيثا مُنْكرا وَإِبْرَاهِيم بن حبيب وهم فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيم بن اسحق الصيني وَوهم فِيهِ أَيْضا الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ الضَّبِّيّ بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة.
وَأما حَدِيث مُعَاوِيَة فَأخْرجهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خَيْثَم أَن أَبَا بكر بن حَفْص بن عمر أخبرهُ أَن أنس بن مَالك قَالَ " صلى مُعَاوِيَة بِالْمَدِينَةِ صَلَاة فجهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَبَدَأَ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم لأم الْقُرْآن وَلم يقْرَأ بهَا للسورة الَّتِي بعْدهَا حَتَّى قضى تِلْكَ الصَّلَاة وَلم يكبر حِين يهوي حَتَّى قضى تِلْكَ الصَّلَاة فَلَمَّا سلم ناداه من سمع ذَاك من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَمن كَانَ على مَكَان يَا مُعَاوِيَة أسرقت الصَّلَاة أم نسيت أَيْن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَأَيْنَ التَّكْبِير إِذا خفضت وَإِذا رفعت فَلَمَّا صلى بعد ذَلِك قَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم للسورة الَّتِي بعد أم الْقُرْآن وَكبر حِين يهوي سَاجِدا " قَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرط مُسلم وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقَالَ رُوَاته كلهم ثِقَات وَقد اعْتمد الشَّافِعِي على حَدِيث مُعَاوِيَة هَذَا فِي إِثْبَات الْجَهْر.
وَقَالَ الْخَطِيب هُوَ أَجود مَا يعْتَمد عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبابُُ ( قلت) مَدَاره على عبد الله بن عُثْمَان فَهُوَ وَإِن كَانَ من رجال مُسلم لكنه مُتَكَلم فِيهِ من يحيى أَحَادِيثه غير قَوِيَّة وَعَن النَّسَائِيّ لين الحَدِيث لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِيهِ وَعَن ابْن الْمَدِينِيّ مُنكر الحَدِيث وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ فَلَا يقبل مَا تفرد بِهِ مَعَ أَن إِسْنَاده مُضْطَرب بَيناهُ فِي شرح مَعَاني الْآثَار وَشرح سنَن أبي دَاوُد وَهُوَ أَيْضا شَاذ مُعَلل فَإِنَّهُ مُخَالف لما رَوَاهُ الثِّقَات الْأَثْبَات عَن أنس وَكَيف يرى أنس بِمثل حَدِيث مُعَاوِيَة هَذَا محتجا بِهِ وَهُوَ مُخَالف لما رَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَلم يعرف أحد من أَصْحَاب أنس المعروفين بِصُحْبَتِهِ أَنه نقل عَنهُ مثل ذَلِك وَمِمَّا يرد حَدِيث مُعَاوِيَة هَذَا أَن أنسا كَانَ مُقيما بِالْبَصْرَةِ وَمُعَاوِيَة لما قدم الْمَدِينَة لم يذكر أحد علمناه أَن أنسا كَانَ مَعَه بل الظَّاهِر أَنه لم يكن مَعَه وَأَيْضًا أَن مَذْهَب أهل الْمَدِينَة قَدِيما وحديثا ترك الْجَهْر بهَا وَمِنْهُم من لَا يرى قرَاءَتهَا أصلا قَالَ عُرْوَة بن الزبير أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة أدْركْت الْأَئِمَّة وَمَا يستفتحون الْقِرَاءَة إِلَّا بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَلَا يحفظ عَن أحد من أهل الْمَدِينَة بِإِسْنَاد صَحِيح أَنه كَانَ يجْهر بهَا إِلَّا بِشَيْء يسير وَله محمل وَهَذَا عَمَلهم يتوارثه آخِرهم عَن أَوَّلهمْ فَكيف يُنكرُونَ على مُعَاوِيَة مَا هُوَ سنتهمْ وَهَذَا بَاطِل وَأما حَدِيث بُرَيْدَة بن الْحصيب فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم فِي الإكليل " قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأَيّ شَيْء تفتتح الْقُرْآن إِذا افتتحت الصَّلَاة قَالَ قلت بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ هِيَ هِيَ " ( قلت) أسانيده واهية عَن عمر بن شمر عَن الْجعْفِيّ وَمن حَدِيث إِبْرَاهِيم بن الْمَحْشَر وَأبي خَالِد الدلاني وَعبد الْكَرِيم أبي أُميَّة وَأما حَدِيث جَابر فَأخْرجهُ الْحَاكِم فِي الإكليل " قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَيفَ تقْرَأ إِذا قُمْت فِي الصَّلَاة قلت أَقُول الْحَمد لله رب الْعَالمين قَالَ قل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " ( قلت) هَذَا لَا يدل على الْجَهْر وَأما حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ الْحَافِظ البوشنجي " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى بهم الْمغرب وجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " ( قلت) فِي إِسْنَاده نظر وَأما حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله فَأخْرجهُ الْحَاكِم فِي الإكليل من حَدِيث سُلَيْمَان بن مُسلم الْمَكِّيّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن أبي ابْن مليكَة عَنهُ بِلَفْظ " من ترك من أم الْقُرْآن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فقد ترك آيَة من كتاب الله " ( قلت) لَا يدل على الْجَهْر.
وَأما حَدِيث عبد الله بن أبي أوفى فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد فِيهِ ضعف قَالَ " جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن آخذ من الْقُرْآن شَيْئا فعلمني مَا يجزيني مِنْهُ فَقَالَ بِسم الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر " ( قلت) ضَعِيف وَلَا يدل على إِثْبَات الْجَهْر.
وَأما حَدِيث أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الغافقي الأندلسي فِي كِتَابه المسلسل بِسَنَد فِيهِ مَجَاهِيل أَنه قَالَ " عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن إسْرَافيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن رب الْعِزَّة عز وَجل فَقَالَ من قَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُتَّصِلَة بِفَاتِحَة الْكتاب فِي صلَاته غفرت ذنُوبه " ( قلت) ضَعِيف وَلَا يدل على إِثْبَات الْجَهْر.
وَأما حَدِيث مجَالد بن ثَوْر وَبشر بن مُعَاوِيَة فَأخْرجهُ الْخَطِيب بِسَنَد فِيهِ مَجْهُولُونَ أَنَّهُمَا كَانَا من الْوَفْد الَّذين قدمُوا على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعلمهما يس وَقَرَأَ الْحَمد لله رب الْعَالمين والمعوذات الثَّلَاث وعلمهما الِابْتِدَاء بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم والجهر بهَا فِي الصَّلَاة.
وَأما حَدِيث الْحُسَيْن بن عرفطة الْأَسدي فَأخْرجهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب الْمُسْتَفَاد بِالنّظرِ وبالكتابة فِي معرفَة الصَّحَابَة قَالَ كَانَ اسْمه حسيلا فَسَماهُ سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حُسَيْنًا ثمَّ ذكر بِسَنَد فِيهِ مَجَاهِيل أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُ إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَقل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين حَتَّى تختمها بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قل هُوَ الله أحد إِلَى آخرهَا.
وَأما حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَأخْرجهُ البوشنجي بِإِسْنَادِهِ عَن أبي بردة عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ( قلت) فِي إِسْنَاده نظر.
وَأَحَادِيث الْجَهْر وَإِن كثرت رواتها فَكلهَا ضَعِيفَة وَأَحَادِيث الْجَهْر لَيست مخرجة فِي الصِّحَاح وَلَا فِي المسانيد الْمَشْهُورَة وَلم يرو أَكْثَرهَا إِلَّا الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ فالحاكم قد عرف تساهله وتصحيحه للأحاديث الضعيفة بل الْمَوْضُوعَة وَالدَّارَقُطْنِيّ فقد مَلأ كِتَابه من الْأَحَادِيث الغريبة والشاذة والمعللة وَكم فِيهِ من حَدِيث لَا يُوجد فِيهِ غَيره وَفِي رواتها الكذابون والضعفاء والمجاهيل الَّذين لَا يوجدون فِي كتب التواريخ وَلَا فِي كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل كعمرو بن شمر وَجَابِر بن الْجعْفِيّ وحصين بن مُخَارق وَعمر بن حَفْص الْمَكِّيّ وَعبد الله بن عَمْرو بن حسان وَأبي الصَّلْت الْهَرَوِيّ الملقب بجراب الْكَذِب وَعمر بن هَارُون الْبَلْخِي وَعِيسَى بن مَيْمُون الْمدنِي وَآخَرُونَ وَكَيف يجوز أَن يُعَارض بِرِوَايَة هَؤُلَاءِ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أنس الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة الثِّقَات الْأَثْبَات وَمِنْهُم قَتَادَة الَّذِي كَانَ أحفظ أهل زَمَانه وَيَرْوِيه عَنهُ شُعْبَة الملقب بأمير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث وتلقاه الْأَئِمَّة بِالْقبُولِ وَهَذَا البُخَارِيّ مَعَ شدَّة تعصبه وفرط تحمله على مَذْهَب أبي حنيفَة لم يودع فِي صَحِيحه مِنْهَا حَدِيثا وَاحِدًا وَقد تَعب كثيرا فِي تَحْصِيل حَدِيث صَحِيح فِي الْجَهْر حَتَّى يُخرجهُ فِي صَحِيحه فَمَا ظفر بِهِ وَكَذَلِكَ مُسلم لم يذكر شَيْئا من ذَلِك وَلم يذكرَا فِي هَذَا الْبابُُ إِلَّا حَدِيث أنس الدَّال على الْإخْفَاء ( فَإِن قلت) أَنَّهُمَا لم يلتزما أَن يودعا فِي صَحِيحَيْهِمَا كل حَدِيث صَحِيح فيكونان قد تركا أَحَادِيث الْجَهْر فِي جملَة مَا تركاه من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ( قلت) هَذَا لَا يَقُوله إِلَّا كل مكابر أَو سخيف فَإِن مَسْأَلَة الْجَهْر من اعلام الْمسَائِل ومعضلات الْفِقْه وَمن أَكْثَرهَا دورانا فِي المناظرة وجولانا فِي المصنفات وَلَو حلف الشَّخْص بِاللَّه أيمانا مُؤَكدَة أَن البُخَارِيّ لَو اطلع على حَدِيث مِنْهَا مُوَافق لشرطه أَو قريب مِنْهُ لم يخل مِنْهُ كِتَابه وَلَإِنْ سلمنَا فَهَذَا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة مَعَ اشْتِمَال كتبهمْ على الْأَحَادِيث السقيمة والأسانيد الضعيفة لم يخرجُوا مِنْهَا شَيْئا فلولا أَنَّهَا واهية عِنْدهم بِالْكُلِّيَّةِ لما تركوها وَقد تفرد النَّسَائِيّ مِنْهَا بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَهُوَ أقوى مَا فِيهِ عِنْدهم وَقد بَينا ضعفه من وُجُوه.
( فَإِن قلت) أَحَادِيث الْجَهْر تقدم على أَحَادِيث الْإخْفَاء بأَشْيَاء.
مِنْهَا كَثْرَة الروَاة فَإِن أَحَادِيث الْإخْفَاء رَوَاهَا اثْنَان من الصَّحَابَة وهما أنس بن مَالك وَعبد الله بن مُغفل وَأَحَادِيث الْجَهْر فرواها أَكثر من عشْرين صحابيا كَمَا ذكرنَا.
وَمِنْهَا أَن أَحَادِيث الْإخْفَاء شَهَادَة على نفي وَأَحَادِيث الْجَهْر شَهَادَة على إِثْبَات وَالْإِثْبَات مقدم على النَّفْي.
وَمِنْهَا أَن أنسا قد رُوِيَ عَنهُ إِنْكَار ذَلِك فِي الْجُمْلَة فروى أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث سعيد بن زيد أبي سَلمَة قَالَ سَأَلت أنسا أَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين قَالَ إِنَّك لتسألني عَن شَيْء مَا أحفظ أَو مَا سَأَلَني أحد قبلك قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِسْنَاده صَحِيح ( قلت) الْجَواب عَن الأول أَن الِاعْتِمَاد على كَثْرَة الروَاة إِنَّمَا تكون بعد صِحَة الدَّلِيل وَأَحَادِيث الْجَهْر لَيْسَ فِيهَا صَحِيح صَرِيح بِخِلَاف حَدِيث الْإخْفَاء فَإِنَّهُ صَحِيح صَرِيح ثَابت مخرجه فِي الصَّحِيح وَالْمَسَانِيد الْمَعْرُوفَة وَالسّنَن الْمَشْهُورَة مَعَ أَن جمَاعَة من الْحَنَفِيَّة لَا يرَوْنَ التَّرْجِيح بِكَثْرَة الروَاة.
وَعَن الثَّانِي أَن هَذِه الشَّهَادَة وَإِن ظَهرت فِي صُورَة النَّفْي فَمَعْنَاه الْإِثْبَات على أَن هَذَا مُخْتَلف فِيهِ فَعِنْدَ الْبَعْض هما سَوَاء وَعند الْبَعْض النَّافِي مقدم على الْمُثبت وَعند الْبَعْض على الْعَكْس.
وَعَن الثَّالِث أَن إِنْكَار أنس لَا يُقَاوم مَا ثَبت عَنهُ فِي الصَّحِيح وَيحْتَمل أَن يكون أنس نسي فِي تِلْكَ الْحَال لكبر سنه وَقد وَقع مثل هَذَا كثيرا كَمَا سُئِلَ يَوْمًا عَن مَسْأَلَة فَقَالَ عَلَيْكُم بالْحسنِ فَاسْأَلُوهُ فَإِنَّهُ حفظ ونسينا وَكم مِمَّن حدث وَنسي وَيحْتَمل أَنه إِنَّمَا سَأَلَهُ عَن ذكرهَا فِي الصَّلَاة أصلا لَا عَن الْجَهْر بهَا وإخفائها ( فَإِن قلت) يجمع بَين الْأَحَادِيث بِأَن يكون أنس لم يسمعهُ لبعده وَأَنه كَانَ صَبيا يَوْمئِذٍ ( قلت) هَذَا مَرْدُود لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَاجر إِلَى الْمَدِينَة ولأنس يَوْمئِذٍ عشر سِنِين وَمَات وَله عشرُون سنة فَكيف يتَصَوَّر أَن يكون صلى خَلفه عشر سِنِين فَلَا يسمعهُ يَوْمًا من الدَّهْر يجْهر هَذَا بعيد بل يَسْتَحِيل ثمَّ قد روى فِي زمن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَكيف وَهُوَ رجل فِي زمن أبي بكر وَعمر وكهل فِي زمن عُثْمَان مَعَ تقدمه فِي زمانهم وَرِوَايَته للْحَدِيث.
وَقَالَ الْحَازِمِي فِي النَّاسِخ والمنسوخ إِن أَحَادِيث الْجَهْر وَإِن صحت فَهِيَ مَنْسُوخَة بِمَا أخبرنَا وسَاق من طَرِيق أبي دَاوُد حَدثنَا عباد بن مُوسَى حَدثنَا عباد بن الْعَوام عَن شريك عَن سَالم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم بِمَكَّة قَالَ وَكَانَ أهل مَكَّة يدعونَ مُسَيْلمَة الرَّحْمَن وَقَالُوا أَن مُحَمَّدًا يَدْعُو لَهُ الْيَمَامَة فَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأخفاها فَمَا جهر بهَا حَتَّى مَاتَ " ( فَإِن قلت) هَذَا مُرْسل ( قلت) نعم وَلكنه يتقوى بِفعل الْخُلَفَاء الرَّاشِدين لأَنهم كَانُوا أعرف بأواخر الْأُمُور وَالْعجب من صَاحب التَّوْضِيح كَيفَ يَقُول وَردت أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الْجَهْر وَلم يرد تَصْرِيح بالإسرار عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا رِوَايَتَانِ أَحدهمَا عَن ابْن مُغفل وَهِي ضَعِيفَة وَالثَّانيَِة عَن أنس وَهِي معللة بِمَا أوجب سُقُوط الِاحْتِجَاج بهَا وَهل هَذَا إِلَّا من عدم البصيرة وفرط شدَّة العصبية الْبَاطِلَة وَقد عرفت فِيمَا مضى ظلم المتعصبين الَّذين عرفُوا الْحق وغمضوا أَعينهم عَنهُ وأعجب من هَذَا بَعضهم من الَّذين يَزْعمُونَ أَن لَهُم يدا طولى فِي هَذَا الْفَنّ كَيفَ يَقُول يتَعَيَّن الْأَخْذ بِحَدِيث من أَثْبَتَت الْجَهْر فَكيف يجترىء هَذَا ويصدر مِنْهُ هَذَا القَوْل الَّذِي تمجه الأسماع فَأَي حَدِيث صَحَّ فِي الْجَهْر عِنْده حَتَّى يَقُول هَذَا القَوْل النَّوْع الْخَامِس فِي كَونهَا من الْقُرْآن أم لَا وَفِي أَنَّهَا من الْفَاتِحَة أم لَا وَمن أول كل سُورَة أم لَا وَالصَّحِيح من مَذْهَب أَصْحَابنَا أَنَّهَا من الْقُرْآن لِأَن الْأمة أَجمعت على أَن مَا كَانَ مَكْتُوبًا بَين الدفتين بقلم الْوَحْي فَهُوَ من الْقُرْآن وَالتَّسْمِيَة كَذَلِك وَيَنْبَنِي على هَذَا أَن فرض الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة يتَأَدَّى بهَا عِنْد أبي حنيفَة إِذا قَرَأَهَا على قصد الْقِرَاءَة دون الثَّنَاء عِنْد بعض مَشَايِخنَا لِأَنَّهَا آيَة من الْقُرْآن.
وَقَالَ بَعضهم لَا يتَأَدَّى لِأَن فِي كَونهَا آيَة تَامَّة احْتِمَال فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ مَا أنزل الله فِي الْقُرْآن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِلَّا فِي سُورَة النَّمْل وَحدهَا وَلَيْسَت بِآيَة تَامَّة وَإِنَّمَا الْآيَة من قَوْله { إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} فَوَقع الشَّك فِي كَونهَا آيَة تَامَّة فَلَا يجوز بِالشَّكِّ وَكَذَلِكَ يحرم قرَاءَتهَا على الْجنب وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء على قصد الْقُرْآن أما على قِيَاس رِوَايَة الْكَرْخِي فَظَاهر لِأَن مَا دون الْآيَة يحرم عَلَيْهِم وَأما على رِوَايَة الطَّحَاوِيّ لاحْتِمَال أَنَّهَا آيَة تَامَّة فَيحرم عَلَيْهِم احْتِيَاطًا وَهَذَا القَوْل قَول الْمُحَقِّقين من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَهُوَ قَول ابْن الْمُبَارك وَدَاوُد وَأَتْبَاعه وَهُوَ الْمَنْصُوص عَن أَحْمد.
وَقَالَ ت طَائِفَة لَيست من الْقُرْآن إِلَّا فِي سُورَة النَّمْل وَهُوَ قَول مَالك وَبَعض الْحَنَفِيَّة وَبَعض الْحَنَابِلَة.
وَقَالَ ت طائف أَنَّهَا آيَة من كل سُورَة أَو بعض آيَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور عَن الشَّافِعِي وَمن وَافقه وَقد نقل عَن الشَّافِعِي أَنَّهَا لَيست من أَوَائِل السُّور غير الْفَاتِحَة وَإِنَّمَا يستفتح بهَا فِي السُّور تبركا بهَا.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ لما ثَبت عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ترك الْجَهْر بالبسملة ثَبت أَنَّهَا لَيست من الْقُرْآن وَلَو كَانَت من الْقُرْآن لوَجَبَ أَن يجْهر بهَا كَمَا يجْهر بِالْقُرْآنِ سواهَا أَلا يرى أَن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الَّتِي فِي النَّمْل يجب أَن يجْهر بهَا كَمَا يجْهر بغَيْرهَا من الْقُرْآن لِأَنَّهَا من الْقُرْآن وَثَبت أَن يُخَافت بهَا كَمَا يُخَافت بالتعوذ والافتتاح وَمَا أشبههَا وَقد رأيناها أَيْضا مَكْتُوبَة فِي فواتح السُّور فِي الْمُصحف فِي فَاتِحَة الْكتاب وَفِي غَيرهَا وَلما كَانَت فِي غير فَاتِحَة الْكتاب لَيست بِآيَة ثَبت أَيْضا أَنَّهَا فِي فَاتِحَة الْكتاب لَيست بِآيَة ( فَإِن قلت) إِذا لم تكن قُرْآنًا لَكَانَ مدخلها فِي الْقُرْآن كَافِرًا ( قلت) الِاخْتِلَاف فِيهَا يمْنَع من أَن تكون آيَة وَيمْنَع من تَكْفِير من يعدها من الْقُرْآن فَإِن الْكفْر لَا يكون إِلَّا بمخالفة النَّص وَالْإِجْمَاع فِي أَبْوَاب العقائد فَإِن قيل نَحن نقُول أَنَّهَا آيَة فِي غير الْفَاتِحَة فَكَذَلِك أَنَّهَا آيَة من الْفَاتِحَة ( قلت) هَذَا قَول لم يقل بِهِ أحد وَلِهَذَا قَالُوا زعم الشَّافِعِي أَنَّهَا آيَة من كل سُورَة وَمَا سبقه إِلَى هَذَا القَوْل أحد لِأَن الْخلاف بَين السّلف إِنَّمَا هُوَ فِي أَنَّهَا من الْفَاتِحَة أَو لَيست بِآيَة مِنْهَا وَلم يعدها أحد آيَة من سَائِر السُّور وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَنَّهَا آيَة من الْقُرْآن حَيْثُ كتبت وَأَنَّهَا مَعَ ذَلِك لَيست من السُّور بل كتبت آيَة فِي كل سُورَة وَلذَلِك تتلى آيَة مُفْردَة فِي أول كل سُورَة كَمَا تَلَاهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين أنزلت عَلَيْهِ { إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} وَعَن هَذَا قَالَ الشَّيْخ حَافظ الدّين النَّسَفِيّ وَهِي آيَة من الْقُرْآن أنزلت للفصل بَين السُّور وَعَن ابْن عَبَّاس كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يعرف فصل السُّورَة حَتَّى ينزل عَلَيْهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَفِي رِوَايَة لَا يعرف انْقِضَاء السُّورَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم.
وَقَالَ إِنَّه على شَرط الشَّيْخَيْنِ ( فَإِن قلت) لَو لم تكن من أول كل سُورَة لما قَرَأَهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالكوثر ( قلت) لَا نسلم أَنه يدل على أَنَّهَا من أول كل سُورَة بل يدل على أَنَّهَا آيَة مُنْفَرِدَة وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا ورد فِي حَدِيث بَدْء الْوَحْي " فَجَاءَهُ الْملك فَقَالَ لَهُ اقْرَأ فَقَالَ مَا أَنا بقارىء ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قَالَ لَهُ اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق " فَلَو كَانَت الْبَسْمَلَة آيَة من أول كل سُورَة لقَالَ اقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اقْرَأ باسم رَبك وَيدل على ذَلِك أَيْضا مَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن عَيَّاش الْجُهَنِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِن سُورَة من الْقُرْآن شفعت لرجل حَتَّى غفر لَهُ وَهِي تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَلَو كَانَت الْبَسْمَلَة من أول كل سُورَة لافتتحها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك
[ قــ :73 ... غــ :744 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ قَالَ حدَّثنا عُمَارَةُ بنُ القَعْقَاعِ.
قَالَ حدَّثنا أبُو زُرْعَةَ قَالَ حدَّثنا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وبَيْنَ القِرَاءَةِ إسْكَاتَةً قَالَ أحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً فَقُلْتُ بِأبِي وَأُمِّي يَا رسولَ الله إسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ والقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ أقُولُ اللَّهُمَّ باعِدْ بَيْنِي وبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا باعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايايَ بالماءِ وَالثَّلْجِ والبَرَدِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الحَدِيث يتَضَمَّن أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة هَذَا الدُّعَاء الْمَذْكُور، فَيصدق عَلَيْهِ القَوْل: بعد التَّكْبِير، وَهَذَا ظَاهر فِي رِوَايَة: مَا يَقُول بعد التَّكْبِير، وَأما على رِوَايَة مَا يقْرَأ بعد التَّكْبِير فَيحمل على معنى مَا يجمع بَين الدُّعَاء وَالْقِرَاءَة بعد التَّكْبِير، لِأَن أصل هَذَا اللَّفْظ الْجمع، وكل شَيْء جمعته فقد قرأته، وَمِنْه سمي الْقُرْآن قُرْآنًا لِأَنَّهُ جمع بَين الْقَصَص وَالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد.
والآيات والسور بَعْضهَا إِلَى بعض، وَقَول من قَالَ: لما كَانَ الدُّعَاء وَالْقِرَاءَة يقْصد بهما التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى، اسْتغنى بِذكر أَحدهمَا عَن الآخر كَمَا جَاءَ:
علفتها تبنا وَمَاء بَارِدًا
غير سديد، وَكَذَا قَول من قَالَ: دُعَاء الِافْتِتَاح يتَضَمَّن مُنَاجَاة الرب والإقبال عَلَيْهِ بالسؤال، وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة تَتَضَمَّن هَذَا الْمَعْنى، فظهرت الْمُنَاسبَة بَين الْحَدِيثين غير موجه، لِأَن الْمَقْصُود وجود الْمُنَاسبَة بَين التَّرْجَمَة وَحَدِيث الْبابُُ لَا وجود الْمُنَاسبَة بَين الْحَدِيثين.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري الْمَعْرُوف بالتبوذكي.
الثَّانِي: عبد الْوَاحِد ابْن زِيَاد الْعَبْدي أَبُو بشر الْبَصْرِيّ.
الثَّالِث: عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن الْقَعْقَاع بن شبْرمَة الضَّبِّيّ الْكُوفِي.
الرَّابِع: أَبُو زرْعَة، هُوَ عَمْرو بن جرير البَجلِيّ، وَاخْتلف فِي اسْمه فَقيل: هرم، وَقيل: عبد الله، وَقيل: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: عَمْرو، وَقيل: جرير.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي جَمِيع الْإِسْنَاد، وَهَذَا نَادِر فَلذَلِك اخْتَار البُخَارِيّ رِوَايَة عبد الْوَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع.
وَفِيه: الإثنان الْأَوَّلَانِ من الروَاة بصريان، وَاثْنَانِ بعدهمَا كوفيان.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن نمير، وَعَن أبي كَامِل، وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن أبي كَامِل الجحدري بِهِ، وَعَن أَحْمد بن أبي شُعَيْب الْخُزَاعِيّ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن سُفْيَان عَنهُ مُخْتَصرا، وَفِي الطَّهَارَة عَن عَليّ بن حجر عَن جرير بِتَمَامِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعلي بن مُحَمَّد الطنافسي، وروى الْبَزَّار بِسَنَد جيد من حَدِيث خبيب بن سُلَيْمَان بن سَمُرَة عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا صلى أحدكُم فَلْيقل: اللَّهُمَّ باعد بيني وَبَين خطاياي كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن تصدعني بِوَجْهِك يَوْم الْقِيَامَة، اللَّهُمَّ نقني من الْخَطَايَا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس، اللَّهُمَّ أحيني مُسلما وأمتني مُسلما) .
وخبيب، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة: وَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَكَذَلِكَ وثق أَبَاهُ سُلَيْمَان، ورد ابْن الْقطَّان هَذَا الحَدِيث بِجَهْل حَالهمَا غير جيد،.
وَقَالَ الإشبيلي: الصَّحِيح فِي هَذَا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا أمره.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يسكت) ، بِفَتْح الْيَاء من: سكت يسكت سكُوتًا، ويروى: يسكت، بِضَم الْيَاء من أسكت يسكت إسكاتا.
قَالَ الْكرْمَانِي: الْهمزَة للصيرورة.
قلت: مَعْنَاهَا: صيرورة الشَّيْء إِلَى مَا اشتق مِنْهُ الْفِعْل، كأغد الْبَعِير أَي: صَار ذَا غُدَّة، وَمَعْنَاهُ هُنَا: يصير ذَا سكُوت، وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى الدُّخُول فِي الشَّيْء، تَقْدِيره: كَانَ يدْخل فِي السُّكُوت بَين التَّكْبِير وَبَين الْقِرَاءَة.
قَوْله: (إسكاته) بِكَسْر الْهمزَة على وزن: إفعالة، قَالَ بَعضهم: إسكاتة من السُّكُوت.
قلت: لَا بل من أسكت، وَالسُّكُوت من سكت، وَهَذَا الْوَزْن للمرة وَالنَّوْع من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ، وَمن الْمُجَرّد يَجِيء على: سكتة، بِالْفَتْح للمرة، وبالكسر للنوع، وَالْأَصْل فِي الْمَزِيد فِيهِ من الثلاثي والرباعي الْمُجَرّد والمزيد أَن مصدرها إِذا كَانَ بِالتَّاءِ فالمرة وَالنَّوْع على مصدرها الْمُسْتَعْمل والفارق الْقَرَائِن نَحْو: استقامة ودحرجة وَاحِدَة أَو حَسَنَة، وَإِن لم يكن بِالتَّاءِ فلبناء على مصدره مزبدا فِيهِ التَّاء، نَحْو: انطلاقة وتدحرجة وَاحِدَة أَو حَسَنَة.
وشذ قَوْلهم: أَتَيْته إتيانة، ولقيته لِقَاء، لِأَنَّهُمَا من الثلاثي الْمُجَرّد الَّذِي لَا تَاء فِي مصدره، إِذْ مصدرهما إتْيَان ولقاء.
وَالْقِيَاس: إتية ولقية،.
وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ سكُوتًا يَقْتَضِي بعده كلَاما أَو قِرَاءَة مَعَ قصر الْمدَّة، وَأُرِيد بِهَذَا النَّوْع من السُّكُوت ترك رفع الصَّوْت بالْكلَام.
ألاَ ترَاهُ يَقُول: مَا تَقول فِي إسكاتك؟ وانتصاب إسكاته على أَنه مفعول مُطلق أما على رِوَايَة: يسكت، بِضَم الْيَاء فَظَاهر لِأَنَّهُ على الأَصْل، وَأما على رِوَايَة: يسكت، بِفَتْح الْيَاء فعلى خلاف الْقيَاس، لِأَن الْقيَاس سكُوتًا كَمَا جَاءَ بِالْعَكْسِ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتا} (نوح: 17) .
وَالْقِيَاس: إنباتا.
قَوْله: (أَحْسبهُ قَالَ هنيَّة) أَي: قَالَ أَبُو زرْعَة: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة بدل إسكاته: هنيَّة، هَذِه رِوَايَة عبد الْوَاحِد بن زِيَاد بِالظَّنِّ، وَرَوَاهُ جرير عِنْد مُسلم وَغَيره وَابْن فُضَيْل عِنْد ابْن مَاجَه وَغَيره بِلَفْظ: (سكت هنيَّة) ، بِغَيْر تردد وَإِنَّمَا اخْتَار البُخَارِيّ رِوَايَة عبد الْوَاحِد لوُقُوع التَّصْرِيح بِالتَّحْدِيثِ فِيهَا فِي جَمِيع وَأما هنيئة فَفِيهِ أوجه: الأول: بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْهمزَة،.
وَقَالَ ابْن قرقول: كَذَا عِنْد الطَّبَرِيّ، وَلَا وَجه لَهُ،.
وَقَالَ : وَعند الْأصيلِيّ وَابْن الْحذاء وَابْن السكن: هنيهة، بِالْهَاءِ الْمَفْتُوحَة مَوضِع الْهمزَة، وَهُوَ الْوَجْه الثَّانِي: قلت: هُوَ رِوَايَة الْكشميهني، وَرِوَايَة إِسْحَاق والْحميدِي فِي مسنديهما عَن جرير.
الْوَجْه الثَّالِث: قَالَه النَّوَوِيّ، هنيَّة، بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَتَشْديد الْيَاء بِغَيْر همزَة، وَمن همزها فقد أَخطَأ قلت: ذكر عِيَاض والقرطبي أَن أَكثر رُوَاة مُسلم بِالْهَمْزَةِ،.
وَقَالَ النَّوَوِيّ أَصْلهَا: هنوة، فَلَمَّا صغرت صَارَت: هنيوة، فاجتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاو يَاء، وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء.
وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني: هنيَّة هِيَ الْيَسِيرَة من الشَّيْء مَا كَانَ.
قَوْله: (بِأبي وَأمي) الْبَاء تتَعَلَّق بِمَحْذُوف إِمَّا إسم: فَيكون تَقْدِيره: أَنْت مفدرى بِأبي وَأمي، وَإِمَّا فعل: فالتقدير: فديتك بِأبي، وَحذف تَخْفِيفًا لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال، وَعلم الْمُخَاطب بِهِ، وَفِيه تفدية الشَّارِع بِالْآبَاءِ والأمهات.
وَهل يجوز تفدية غَيره من الْمُؤمنِينَ؟ فِيهِ مَذَاهِب أَصَحهَا: نعم بِلَا كَرَاهَة.
وَثَانِيها: الْمَنْع، وَذَلِكَ خَاص بِهِ.
وَثَالِثهَا: يجوز تفدية الْعلمَاء الصَّالِحين الأخيار دون غَيرهم.
قَوْله: (إسكاتك) بِكَسْر الْهمزَة، قَالَ بَعضهم: وَهُوَ بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَلم يبين خَبره، وَالصَّحِيح أَنه بِالنّصب على أَنه مفعول: فعل، مُقَدّر أَي: أَسأَلك إسكاتك مَا تَقول فِيهِ؟ ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أَو مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض، أَي: مَا تَقول فِي إسكاتك؟ وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي بِفَتْح الْهمزَة وَضم السِّين على الِاسْتِفْهَام، وَفِي رِوَايَة الْحميدِي: (مَا تَقول فِي سكتتك بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة؟) وَلمُسلم: (أَرَأَيْت سكوتك؟) وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، وَمَعْنَاهُ: أَخْبرنِي سكوتك.
قَوْله: (مَا تَقول؟) أَي: فِيهَا.
قيل: السُّكُوت منَاف، لِلْقَوْلِ، فَكيف يَصح أَن يُقَال مَا تَقول فِي سكوتك؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه اسْتدلَّ على أصل القَوْل بحركة الْفَم، كَمَا اسْتدلَّ بِهِ على قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الظّهْر وَالْعصر باضطراب اللِّحْيَة.
قَوْله: (باعد) بِمَعْنى: أبعد، قَالَ الْكرْمَانِي: أخرجه إِلَى صِيغَة المفاعلة للْمُبَالَغَة.
قلت: لم يقل أهل التصريف إلاّ للتكثير، نَحْو: ضاعفت، بِمَعْنى ضعفت.
.
وَفِي الْمُبَالغَة معنى التكثير.
قَوْله: (خطاياي) ، جمع خطية كالعطايا جمع عَطِيَّة، يُقَال: خطأ فِي دينه خطأ إِذا أَثم فِيهِ، وَالْخَطَأ بِالْكَسْرِ الذَّنب وَالْإِثْم، وأصل خَطَايَا خطايىء، فقلبوا الْيَاء همزَة كَمَا فِي قبائل جمع قَبيلَة، فَصَارَ خطأيء بهمزتين، فقلبوا الثَّانِيَة يَاء فَصَارَ: خطائي، ثمَّ قلبت الْهمزَة يَاء مَفْتُوحَة فَصَارَت: خطايي، فقلبت الْيَاء فَصَارَ: خَطَايَا: إِن كَانَ يُرَاد بهَا اللاحقة فَمَعْنَاه إِذا قدر لي ذَنْب فباعد بيني وَبَينه، وَإِن كَانَ يُرَاد بهَا السَّابِقَة فَمَعْنَاه المحو والغفران، وَيُقَال: المُرَاد بالمباعدة محو مَا حصل مِنْهَا والعصمة عَمَّا سَيَأْتِي مِنْهَا، وَهَذَا مجَاز، لِأَن حَقِيقَة المباعدة إِنَّمَا هِيَ فِي الزَّمَان وَالْمَكَان.
قَوْله: (كَمَا باعدت) كلمة: مَا، مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره: كتبعيدك بَين الْمشرق وَالْمغْرب، وَوجه الشّبَه أَن التقاء الْمشرق وَالْمغْرب لما كَانَ مستحيلاً شبه أَن يكون اقترابه من الذَّنب كاقتراب الْمشرق وَالْمغْرب.
.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: كرر لفظ: الْبَين، فِي قَوْله: (وباعد بيني وَبَين خطاياي) ، وَلم يُكَرر: بَين الْمشرق وَالْمغْرب، لِأَنَّهُ إِذا عطف على الْمُضمر الْمَجْرُور أُعِيد الْخَافِض.
قلت: يرد عَلَيْهِ قَوْله: بَين التَّكْبِير وَبَين الْقِرَاءَة.
قَوْله: (نقني) بتَشْديد الْقَاف وَهُوَ أَمر من: نقى ينقي تنقية، وَهُوَ مجَاز عَن إِزَالَة الذُّنُوب ومحو أَثَرهَا.
قَوْله: (من الدنس) بِفَتْح النُّون وَهُوَ: الْوَسخ.
قَوْله: (كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض) ، وَإِنَّمَا شبه بِهِ لِأَن الثَّوْب الْأَبْيَض أظهر من غَيره من الألوان.
قَوْله: (وَالْبرد) بِفَتْح الرَّاء، وَهُوَ حب الْغَمَام.
قَالَ الْكرْمَانِي: الْغسْل الْبَالِغ إِنَّمَا يكون بِالْمَاءِ الْحَار، فَلم ذكر كَذَلِك؟ فَأجَاب نَاقِلا عَن مُحي السّنة: مَعْنَاهُ طهرني من الذُّنُوب، وذكرهما مُبَالغَة فِي التَّطْهِير،.
وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذِه أَمْثَال، وَلم يرد بهَا أَعْيَان هَذِه المسميات، وَإِنَّمَا أَرَادَ بهَا التوكيد فِي التَّطْهِير من الْخَطَايَا وَالْمُبَالغَة فِي محوها عَنهُ، والثلج وَالْبرد مَا أَن لم تمسهما الْأَيْدِي وَلم يمتهنهما اسْتِعْمَال، فَكَانَ ضرب الْمثل بهما أوكد فِي بَيَان معنى مَا أَرَادَهُ من تَطْهِير الثَّوْب.
.
وَقَالَ التوربشتي: ذكر أَنْوَاع المطهرات الْمنزلَة من السَّمَاء الَّتِي لَا يُمكن حُصُول الطَّهَارَة الْكَامِلَة إلاّ بأحدها، بَيَانا لأنواع الْمَغْفِرَة الَّتِي لَا تخلص من الذُّنُوب إلاّ بهَا، أَي: طهرني بأنواع مغفرتك الَّتِي هِيَ فِي تمحيص الذُّنُوب بِمَثَابَة هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة فِي إِزَالَة الأرجاس وَرفع الْأَحْدَاث.
.
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: يُمكن أَن يُقَال: ذكر الثَّلج وَالْبرد بعد ذكر المَاء لطلب شُمُول الرَّحْمَة بعد الْمَغْفِرَة والتركيب من بابُُ: رَأَيْته مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا، أَي: إغسل خطاياي بِالْمَاءِ أَي: اغفرها، وزد على الغفران شُمُول الرَّحْمَة.
طلب أَولا المباعدة بَينه وَبَين الْخَطَايَا، ثمَّ طلب تنقية مَا عَسى أَن يبْقى مِنْهَا شَيْء تنقية تَامَّة، ثمَّ سَأَلَ ثَالِثا بعد الغفران غَايَة الرَّحْمَة عَلَيْهِ بعد التَّخْلِيَة.
.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَالْأَقْرَب أَن يَقُول: جعل الْخَطَايَا بِمَنْزِلَة نَار جَهَنَّم لِأَنَّهَا مستوجبة لَهَا بِحَسب وعد الشَّارِع، قَالَ تَعَالَى: { وَمن يعْص الله وَرَسُوله فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم} (الْجِنّ: 3) .
فَعبر عَن إطفاء حَرَارَتهَا بِالْغسْلِ تَأْكِيدًا فِي الإطفاء، وَبَالغ فِيهِ بِاسْتِعْمَال المبردات ترقيا عَن المَاء إِلَى أبرد مِنْهُ، وَهُوَ الثَّلج ثمَّ إِلَى أبرد من الثَّلج وَهُوَ الْبرد، بِدَلِيل جموده لِأَن مَا هُوَ أبرد فَهُوَ أجمد.
وَأما تثليث الدَّعْوَات فَيحْتَمل أَن يكون نظرا إِلَى الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة، فالمباعدة للمستقبل والتنقية للْحَال وَالْغسْل للماضي.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: ذكر البُخَارِيّ لهَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبابُُ دَلِيل على أَنه يرى الاستفتاح بِهَذَا، وَقد اخْتلف النَّاس فِيمَا يستفتح بِهِ الصَّلَاة.
فَأَبُو حنيفَة وَأحمد يريان الاستفتاح بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه.
فَأَبُو دَاوُد عَن حُسَيْن بن عِيسَى: حَدثنَا طلق بن غَنَّام حَدثنَا عبد السَّلَام بن حَرْب الْملَائي عَن بديل بن ميسرَة عَن أبي الجوراء عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استفتح الصَّلَاة قَالَ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك)) .
وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث حَارِثَة بن أبي الرِّجَال: عَن عمْرَة عَن عَائِشَة؛ (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا استفتح الصَّلَاة قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ) إِلَى آخِره، نَحوه، وَأَبُو الجوراء، بِالْجِيم وَالرَّاء: واسْمه أَوْس بن عبد الله الربعِي الْبَصْرِيّ.
فَإِن قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بالمشهور عَن عبد السَّلَام بن حَرْب، وَلم يروه إلاّ طلق بن غَنَّام، وَقد روى قصَّة الصَّلَاة جمَاعَة غير وَاحِد عَن بديل لم يذكرُوا فِيهِ شَيْئا من هَذَا.
.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إلاّ من هَذَا الْوَجْه، وحارثة قد تكلم فِيهِ قلت: قد أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك بِالْإِسْنَادِ: أَعنِي إِسْنَاد أبي دَاوُد وَإسْنَاد التِّرْمِذِيّ.
.
وَقَالَ : صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، وَلَا أحفظ فِي قَوْله: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك) فِي الصَّلَاة أصح من هَذَا الحَدِيث.
وَقد صَحَّ عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ يَقُوله.
ثمَّ أخرجه عَن الْأَعْمَش عَن الْأسود عَن عمر قَالَ: وَقد أسْندهُ بَعضهم عَن عمر وَلَا يَصح.
وَأخرجه مُسلم فِي (صَحِيحه) عَن عَبدة وَهُوَ ابْن أبي لبابَُُة: أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يجْهر بهؤلاء الْكَلِمَات يَقُول: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك) .
.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ وَعَبدَة: لَا يعرف لَهُ سَماع من عمر، وَإِنَّمَا سمع من ابْنه عبد الله، وَيُقَال: إِنَّه رأى عمر رُؤْيَة.
.
وَقَالَ صَاحب (التَّنْقِيح) : وَإِنَّمَا أخرجه مُسلم فِي (صَحِيحه) لِأَنَّهُ سَمعه مَعَ غَيره.
.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابه (الْعِلَل) : وَقد رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن عبد الْملك بن حميد بن أبي غنية عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن الْأسود عَن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَخَالفهُ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فَرَوَاهُ عَن الْأسود عَن عمر.
قَوْله: وَهُوَ الصَّحِيح، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة كبر ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك، ثمَّ يَقُول: الله أكبر كَبِيرا، ثمَّ يَقُول: أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزَة ونفخه ونفثه) .
ثمَّ قَالَ: وَفِي الْبابُُ عَن عَليّ وَعبد الله بن مَسْعُود وَعَائِشَة وَجَابِر وَجبير بن مطعم وَابْن عمر، ثمَّ قَالَ، وَحَدِيث أبي سعيد أشهر حَدِيث فِي هَذَا الْبابُُ.
وَقد أَخذ قوم من أهل الْعلم بِهَذَا الحَدِيث.
وَأما أَكثر أهل الْعلم فَقَالُوا: إِنَّمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك) ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم من التَّابِعين وَغَيرهم.
قلت: أما حَدِيث عَليّ فَأخْرجهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي أول كتاب (الْجَامِع) عَن اللَّيْث بن سعد عَن سعيد بن يزِيد عَن الْأَعْرَج عَن عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يجمع فِي أول صلَاته بَين: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَبَين وجهت وَجْهي إِلَى آخرهما.
قَالَ إِسْحَاق: وَالْجمع بَينهمَا أحب إِلَيّ.
وَفِي كتاب (الْعِلَل) لِابْنِ أبي حَاتِم: سُئِلَ أَحْمد بن سَلمَة، أَي: عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: حَدِيث مَوْضُوع بَاطِل لَا أصل لَهُ، أرى أَن هَذَا من رِوَايَة خَالِد بن الْقَاسِم المدايني، وَقد كَانَ خرج إِلَى مصر فَسمع من اللَّيْث وَرجع إِلَى الْمَدَائِن فَسمع مِنْهُ النَّاس، فَكَانَ يُوصل الْمَرَاسِيل وَيَضَع لَهَا أَسَانِيد.
فَخرج رجل من أهل الحَدِيث إِلَى مصر فَكتب، كتب اللَّيْث هُنَالك، ثمَّ قدم بهَا بَغْدَاد فعارضوا بِتِلْكَ الْأَحَادِيث، فَبَان لَهُم أَن أَحَادِيث خَالِد مفتعلة.
وَقد روى مُسلم حَدِيث عَليّ مُنْفَردا بقوله: (وجهت وَجْهي) ، فَقَط أخرجه فِي التَّهَجُّد من رِوَايَة عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَليّ بن أبي طَالب: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَالَ: وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من الْمُشْركين إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شرك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا من الْمُسلمين) .
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (وَأَنا أول الْمُسلمين) ، اللَّهُمَّ أَنْت الْملك لَا إِلَه إلاّ أَنْت) .
الحَدِيث.
وَأما حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه من حَدِيث أبي الأحوض عَن عبد الله قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك ... إِلَى آخِره.
وَأما حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَأما حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستفتح الصَّلَاة، بسبحانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك) إِلَى آخِره، وَبعده ابْن قدامَة: رجال إِسْنَاده كلهم ثِقَات، وَطعن فِيهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ.
وَأما حَدِيث جُبَير بن مطعم فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد عَن ابْن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه أَنه: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي صَلَاة، قَالَ عمر: وَلَا أَدْرِي أَي صَلَاة هِيَ، قَالَ: الله أكبر كَبِيرا الله أكبر كَبِيرا الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله حمدا كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا ثَلَاثًا، أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم من نفخه ونفثه وهمزه) .
وَأما حَدِيث ابْن عمر فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر: عَن عبد الله بن عمر، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ: وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا.
وَمَا أَنا من الْمُشْركين، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك، إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين) .
وَقد ذكرنَا عَن مُسلم أَنه أخرج عَن عَليّ: (وجهت وَجْهي) إِلَى آخِره.
قلت: وَفِي الْبابُُ أَيْضا عَن أنس أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حميد عَن أنس، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة كبر ثمَّ رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بإبهاميه أُذُنَيْهِ ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك) .
ثمَّ قَالَ: وَرِجَال إِسْنَاده كلهم ثِقَات.
وَعَن الحكم بن عُمَيْر الثمالِي أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا: إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فارفعوا أَيْدِيكُم وَلَا تخَالف آذانكم.
ثمَّ قُولُوا: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك، وَإِن لم تَزِيدُوا على التَّكْبِير أجزاكم) وَعَن وَاثِلَة أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَانَ يَقُول إِذا افْتتح الصَّلَاة: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك.
.
) إِلَى آخِره.
وَعَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر بن الْخطاب: كَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا كبر للصَّلَاة قَالَ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك.
.
) إِلَى آخِره،.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْمَحْفُوظ أَنه مَوْقُوف على عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى عَن قريب.
وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي الاستفتاح بِحَدِيث عَليّ من عِنْد مُسلم، وَقد مضى عَن قريب.
.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَانَ ذَلِك فِي أول الْأَمر أَو النَّافِلَة.
قلت: كَانَ فِي النَّافِلَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن مسلمة: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ يُصَلِّي تَطَوّعا قَالَ: وجهت وَجْهي) إِلَى آخِره.
وَلَكِن فِي (صَحِيح ابْن حبَان) : كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة.
.
) قَالَه،.
وَقَالَ ابْن قدامَة: الْعَمَل بِهِ مَتْرُوك، فَإنَّا لَا نعلم أحدا استفتح بِالْحَدِيثِ كُله، وَإِنَّمَا يستفتحون بأوله.
.
وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (شرح الْمسند) : الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي (الْأُم) أَنه يَأْتِي بِهَذِهِ الْأَذْكَار جَمِيعًا من أَولهَا إِلَى آخرهَا فِي الْفَرِيضَة والنافلة، وَأما الْمُزنِيّ فروى عَنهُ أَنه يَقُول: وجهت وَجْهي ... إِلَى قَوْله: من الْمُسلمين.
قَالَ أَبُو يُوسُف: يجمع بَين قَول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَبَين قَول: وجهت وَجْهي، وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَأبي حَامِد الشافعيين.
وَفِي (الْمُحِيط) : يسْتَحبّ قَول: وجهت وَجْهي قبل التَّكْبِير، وَقيل: لَا يسْتَحبّ لتطويل الْقيام مُسْتَقْبل الْقبْلَة من غير صَلَاة.
.
وَقَالَ ابْن بطال: إِن الشَّافِعِي قَالَ: أحب للْإِمَام إِن يكون لَهُ سكتة بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة ليقْرَأ الْمَأْمُوم فِيهَا، ثمَّ قَالَ: وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة يرد الْعلَّة الَّتِي علل بهَا الشَّافِعِي هَذِه السكتة، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة سَأَلَ الشَّارِع عَنْهَا، فَقَالَ: أَقُول: اللَّهُمَّ باعد ... إِلَى آخِره، وَلَو كَانَ ليقْرَأ من وَرَاء الإِمَام فِيهَا لذكر ذَلِك، فَبين أَن السكتة لغير مَا قَالَه الشَّافِعِي.
.
وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذَا الَّذِي قَالَه عَن الشَّافِعِي غلط من أَصله، فَإِن الَّذِي استحبه الشَّافِعِي السكتة فِيهَا لأجل قِرَاءَة الْمَأْمُوم الْفَاتِحَة إِنَّمَا هِيَ السكتة الثَّالِثَة بعد قَوْله: آمين، ورده ابْن الْمُنِير أَيْضا بِأَنَّهُ: لَا يلْزم من كَونه أخبرهُ بِصفة مَا يَقُول أَن لَا يكون سَبَب السُّكُوت مَا ذكر، وَقيل: هَذَا النَّقْل من أَصله غير مَعْرُوف عَن الشَّافِعِي وَلَا عَن أَصْحَابه، إلاّ أَن الْغَزالِيّ قَالَ فِي (الْإِحْيَاء) : إِن الْمَأْمُوم يقْرَأ الْفَاتِحَة إِذا اشْتغل الإِمَام بِدُعَاء الِافْتِتَاح، وخولف فِي ذَلِك، بل أطلق الْمُتَوَلِي وَغَيره تَقْدِيم الْمَأْمُوم قِرَاءَة الْفَاتِحَة على الإِمَام.
وَفِي وَجه إِن فرغها قبله بطلت صلَاته، وَالْمَعْرُوف أَن الْمَأْمُوم يقْرؤهَا إِذا سكت الإِمَام بَين الْفَاتِحَة وَالسورَة، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ عِيَاض وَغَيره عَن الشَّافِعِي.
وَقد نَص الشَّافِعِي على أَن الْمَأْمُوم يَقُول دُعَاء الِافْتِتَاح كَمَا يَقُوله الإِمَام قلت: قَالَ الْمُزنِيّ: وَهُوَ فِي حق الإِمَام فَقَط،.
وَقَالَ بَعضهم: والسكتة الَّتِي بَين الْفَاتِحَة وَالسورَة ثَبت فِيهَا حَدِيث سَمُرَة عِنْد أبي دَاوُد وَغَيره.
قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا إِسْمَاعِيل عَن يُونُس عَن الْحسن قَالَ: قَالَ سَمُرَة: حفظت سكتتين فِي الصَّلَاة، سكتة إِذا كبر الإِمَام حِين يقْرَأ، وسكتة إِذا فرغ من فَاتِحَة الْكتاب، وَسورَة عِنْد الرُّكُوع.
قَالَ: فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ عمرَان بن الْحصين، قَالَ: فَكَتَبُوا فِي ذَلِك إِلَى الْمَدِينَة، إِلَى أبي، فَصدق سَمُرَة.
قَوْله: (سكتة إِذا كبر الإِمَام) فِيهِ دَلِيل لأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل، وَالْجُمْهُور إِنَّه يسْتَحبّ دُعَاء الِافْتِتَاح.
.
وَقَالَ مَالك: لَا يسْتَحبّ دُعَاء الِافْتِتَاح بعد تَكْبِيرَة الإفتتاح.
قَوْله: (وسكتة إِذا فرغ) ، أَي: عِنْد فرَاغ الإِمَام التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضعمام من فَاتِحَة الْكتاب وَسورَة،.
وَقَالَ الْخطابِيّ: وَهَذِه السكتة ليقْرَأ من خلف الإِمَام وَلَا ينازعه فِي الْقِرَاءَة، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، وَعند أَصْحَابنَا: لَا يقْرَأ الْمُقْتَدِي خلف الإِمَام، فَتحمل هَذِه السكتة عندنَا على الْفَصْل بَين الْقِرَاءَة وَالرُّكُوع بالتأني وَترك الاستعجال بِالرُّكُوعِ بعد الْفَرَاغ من الْقِرَاءَة، وَلَكِن حد هَذِه السكتة قدر مَا يَقع بِهِ الْفَصْل بَين الْقِرَاءَة وَالرُّكُوع، حَتَّى إِذا طَال جدا، فَإِن كَانَ عمدا يكره، وَإِن كَانَ سَهوا يجب عَلَيْهِ سَجْدَة السَّهْو، لِأَن فِيهِ تَأْخِير الرُّكْن.
.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَكَذَا قَالَ حميد: وسكتة إِذا فرغ من الْقِرَاءَة، وَقد حمل الْبَعْض هَذِه السكتة على ترك رفع الصَّوْت بِالْقِرَاءَةِ دون السُّكُوت عَن الْقِرَاءَة،.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا القعْنبِي، قَالَ مَالك: لَا بَأْس بِالدُّعَاءِ فِي الصَّلَاة فِي أَوله وَفِي أوسطه وَفِي آخِره فِي الْفَرِيضَة وَغَيرهَا.
قلت: وَكَذَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي،.
وَقَالَ الْبَغَوِيّ: وَبِأَيِّ دُعَاء من الْأَدْعِيَة الْوَارِدَة فِي هَذَا الْبابُُ استفتح حصلت سنة الِافْتِتَاح، وَعِنْدنَا: لَا يستفتح إلاّ بسبحانك اللَّهُمَّ.
.
إِلَى آخِره، وَأما الْأَدْعِيَة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْبابُُ فَإِن أَرَادَ يَدْعُو بهَا فِي آخر صلَاته بعد الْفَرَاغ من التَّشَهُّد فِي الْفَرْض، وَأما بابُُ النَّفْل فواسع، وكل مَا جَاءَ فِي هَذِه الْأَدْعِيَة فَمَحْمُول على صَلَاة اللَّيْل.
.
وَقَالَ ابْن بطال: لَو كَانَت هَذِه السكتة فِيمَا واظب عَلَيْهِ الشَّارِع لنقلها أهل الْمَدِينَة عيَانًا وَعَملا، فَيحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلهَا فِي وَقت ثمَّ تَركهَا، فَتَركهَا وَاسع.
.
وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : الحَدِيث ورد بِلَفْظ: (كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة) وبلفظ: (كَانَ إِذا قَامَ يُصَلِّي تَطَوّعا) .
وبلفظ: (كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة قَالَه) .
وَكَانَ، هُنَا يشْعر بالمداومة عَلَيْهِ قلت: إِذا ثبتَتْ المداومة يثبت الْوُجُوب، وَلم يقل بِهِ أحد.
[ قــ :74 ... غــ :745 ]
- ح دَّثنا ابنُ أبي مَرْيَمَ قَالَ أخبَرَنَا نافِعُ بنُ عُمَرَ قَالَ حدَّثني ابْن أبي مُلَيْكَةَ عَنْ أسْمَاءَ بنتِ أبِي بَكْرٍ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَّى صَلاَةَ الكُسُوفِ فقَامَ فأطالَ القِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فأطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ قامَ فأطَالَ القِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثمَّ رفَعَ ثُمَّ سجَدَ فأطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَ ثمَّ سَجَدَ فأطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ قامَ فأطالَ القِيَامَ ثمَّ رَكَعَ فأطالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فأطالَ القِيامَ ثُمَّ ركعَ فأطَالَ الركوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجدَ فأطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ انصَرفَ فقالَ قَدْ دَنَتْ منِّي الجَنَّةُ حَتى لَوِ اجْتَرأتُ علَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا ودَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى.
قُلْتُ أيْ ربِّ أوَأنَا مَعَهُمْ فَإذَا امْرَأةٌ حَسِبْتُ أنَّهُ قَالَ تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ.
قُلْتُ مَا شَأنُ هَذِهِ قالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعا لَا أطْعَمَتْهَا وَلَا أرْسَلَتْهَا تَأكُلُ.
قَالَ نافِعٌ حَسِبْتُ أنهُ قَالَ مِنْ خَشِيش الارْضِ أوْ خِشَاشِ (الحَدِيث 745 طرفه فِي: 364) .
لم يَقع بَين هَذَا الحَدِيث والْحَدِيث الَّذِي قبله شَيْء من لَفْظَة: بابُُ، مُجَرّدَة وَلَا بترجمة فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَأبي الْوَقْت، وَكَذَا لم يذكر أَبُو نعيم، وَلَا ذكره ابْن بطال فِي (شَرحه) .
وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة لَفْظَة: بابُُ، بِلَا تَرْجَمَة، وَكَذَا ذكره الْإِسْمَاعِيلِيّ لَفْظَة: بابُُ، بِلَا تَرْجَمَة.
ثمَّ على تَقْدِير عدم وُقُوع شَيْء من ذَلِك بَين الْحَدِيثين يطْلب من وَجه الْمُطَابقَة بَين هَذَا الحَدِيث وَبَين التَّرْجَمَة، فَقَالَ بَعضهم: فعلى هَذَا مُنَاسبَة الحَدِيث غير ظَاهِرَة للتَّرْجَمَة قلت: ظَاهِرَة، وَهِي فِي قَوْله: (فَقَامَ فَأطَال الْقيام) .
لِأَن إطالة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقيام بِحَسب الظَّاهِر كَانَت مُشْتَمِلَة على قِرَاءَة الدُّعَاء وَقِرَاءَة الْقُرْآن، وَقد علم أَن الدُّعَاء عقيب الِافْتِتَاح قبل الشُّرُوع فِي الْقِرَاءَة، فَصدق عَلَيْهِ: بابُُ مَا يَقُول بعد التَّكْبِير، وَهِي مُطَابقَة ظَاهِرَة جدا.
وَقد قَالَ الْكرْمَانِي: لما كَانَت قِرَاءَة دُعَاء الِافْتِتَاح مستلزمة لتطويل الْقيام، وَهَذَا فِيهِ تَطْوِيل الْقيام، ذكره هَهُنَا من جِهَة هَذِه الْمُنَاسبَة.
قلت: هَذَا غير سديد، لِأَن التَّرْجَمَة: بابُُ مَا يَقُول بعد التَّكْبِير، وَلَيْسَت فِي تَطْوِيل الْقيام،.
وَقَالَ بَعضهم: وَأحسن مِنْهُ مَا قَالَه ابْن رشيد: يحْتَمل أَن تكون الْمُنَاسبَة فِي قَوْله: (حَتَّى قلت إِي رب أوأنا مَعَهم؟) لِأَنَّهُ، وَإِن لم يكن فِيهِ دُعَاء فَفِيهِ مُنَاجَاة واستعطاف، فيجمعه مَعَ الَّذِي قبله جَوَاز دُعَاء الله ومناجاته بِكُل مَا فِيهِ خضوع، وَلَا يخْتَص بِمَا ورد فِي الْقُرْآن، خلافًا للحنفية.
انْتهى.
قلت: هَذَا كَلَام طائح، أما أَولا فَلِأَنَّهُ لَا يدل أصلا على الْمَقْصُود على مَا لَا يخفى على من لَهُ ذوق من طعم تراكيب الْكَلَام.
وَأما ثَانِيًا فَلِأَن العَبْد يُنَاجِي ربه ويستعطفه وَهُوَ سَاكِت، ومقام الْمُنَاجَاة والاستعطاف يكون بِكُل ذكر يَلِيق لذاته وَصِفَاته.
وَالْحَال أَن الله حث عبيده فِي غير مَوضِع من الْقُرْآن، وحث نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غير مَوضِع من حَدِيثه بِذكرِهِ ومدح الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَات، وكل ذَلِك بِاللِّسَانِ، وَهُوَ ترجمان الْقلب.
وَمُجَرَّد الخضوع لَا يُغني عَن الذّكر، وَالْحسن فِي الخضوع مَعَ الذّكر.
وَأما ثَالِثا فَكيف يَقُول: وَلَا يخْتَص بِمَا ورد فِي الْقُرْآن؟ أفيليق للْعَبد أَن يَقُول فِي صلَاته، وَهِي مَحل الْمُنَاجَاة والخضوع: اللَّهُمَّ اعطني ألف دِينَار مثلا؟ أَو: زَوجنِي امْرَأَة فلانية؟ وَهَذَا يُنَافِي الخضوع والخشوع؟ وَكَيف وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن صَلَاتنَا هَذِه لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس) الحَدِيث؛ وَأما على تَقْدِير وُقُوع لَفْظَة: بابُُ، بَين الْحَدِيثين فَهِيَ بِمَنْزِلَة الْفَصْل من الْبابُُ الَّذِي قبله، وَتَكون الْمُنَاسبَة بَينهمَا تعلقا مَا، وَالَّذِي ذكره الْكرْمَانِي هُوَ هَذَا التَّعَلُّق.
فَافْهَم.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم ابْن أبي مَرْيَم الجُمَحِي مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ.
الثَّانِي: نَافِع بن عمر ابْن عبد الله الجُمَحِي الْقرشِي، من أهل مَكَّة، ذكر الطَّبَرِيّ أَنه: مَاتَ بِمَكَّة سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة.
الثَّالِث: عبد الله بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي مليكَة.
وَأَبُو بكر.
وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد، وَاسم أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم: زُهَيْر بن عبد الله التَّيْمِيّ الْأَحول الْمَكِّيّ القَاضِي على عهد ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
الرَّابِع: أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، أم عبد الله بن الزبير، وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا: ذَات النطاقين، أُخْت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، مَاتَت بِمَكَّة سنة ثَلَاث وَسبعين، وَكَانَت بنت مائَة سنة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين، وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومكي، وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: إخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشّرْب عَن سعيد بن أبي مَرْيَم.
قلت: أخرجه فِي: بابُُ فضل سقِِي المَاء.
حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم حَدثنَا نَافِع بن عمر عَن ابْن أبي مليكَة: (عَن أَسمَاء بنت أبي بكر: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة الْكُسُوف، فَقَالَ: دنت مني النَّار حَتَّى قلت: إِي رب أوأنا مَعَهم؟ فَإِذا امْرَأَة حسبت أَنه قَالَ: تخدشها هرة، قَالَ: مَا شَأْن هَذِه؟ قَالُوا: حبستها حَتَّى مَاتَت جوعا) .
انْتهى.
فسنده بِعَين سَنَد حَدِيث هَذَا الْبابُُ، إلاّ أَن فِي الْمَتْن اقتصارا وَبَعض اخْتِلَاف.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة: عَن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب عَن مُوسَى بن دَاوُد.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحرز بن سَلمَة، ثَلَاثَتهمْ عَن نَافِع بن عمر عَن ابْن مليكَة بِهِ.
وَصَلَاة الْكُسُوف رويت عَن أَرْبَعَة وَعشْرين نفسا من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وهم: أَسمَاء بنت أبي بكر، أخرجه السِّتَّة خلا التِّرْمِذِيّ فاتفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ من رِوَايَة فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَن أَسمَاء بنت أبي بكر.
وَأخرج أَبُو دَاوُد مِنْهُ فِي الْأَمر بالعتاقة فِي كسوف الشَّمْس، وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن أبي مليكَة عَن أَسمَاء بنت أبي بكر، وَرَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة صَفِيَّة بنت شيبَة عَن أَسمَاء.
وَابْن عَبَّاس: أخرج حَدِيثه مُسلم عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَأَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد وَالتِّرْمِذِيّ عَن بنْدَار وَالنَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَأخرجه مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَاتفقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عَطاء بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس.
وَعلي بن أبي طَالب: أخرج حَدِيثه أَحْمد من رِوَايَة حَنش عَنهُ.
وَعَائِشَة: أخرج حَدِيثهَا الْأَئِمَّة السِّتَّة فَالْبُخَارِي عَن عبد الله بن مُحَمَّد، وَاتفقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ، وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر.
وَأخرجه خلا التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة يُونُس بن يزِيد، وَرَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة شُعَيْب بن أبي حَمْزَة وعلقه البُخَارِيّ من رِوَايَة سُلَيْمَان بن كثير، وسُفْيَان بن حُسَيْن، سنتهمْ عَن الزُّهْرِيّ، وَقد وصل التِّرْمِذِيّ رِوَايَة سُفْيَان بن حُسَيْن، وَاتفقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، وَأَبُو دَاوُد من رِوَايَة سُلَيْمَان بن يسَار عَن عُرْوَة، وَرَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، وَأَبُو دَاوُد من رِوَايَة عبيد بن عُمَيْر، وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن عبيد بن عُمَيْر عَن عَائِشَة.
وَعبد الله بن عَمْرو: أخرج حَدِيثه البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الله بن عَمْرو، وَله حَدِيث آخر رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو وَسكت عَلَيْهِ.
والنعمان بن بشير: أخرج حَدِيثه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة أبي قلَابَة عَن النُّعْمَان بن بشير.
والمغيرة بن شُعْبَة: أخرج حَدِيثه الشَّيْخَانِ من رِوَايَة زِيَاد بن علاقَة.
وَأَبُو مَسْعُود: أخرج حَدِيثه الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة قيس بن أبي حَازِم، قَالَ: سَمِعت أَبَا مَسْعُود ... الحَدِيث.
وَأَبُو بكرَة: أخرج حَدِيثه البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة الْحسن عَن أبي بكرَة.
وَسمرَة بن جُنْدُب: أخرج حَدِيثه أَصْحَاب السّنَن من رِوَايَة ثَعْلَبَة ابْن عباد، بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة.
وَابْن مَسْعُود: أخرج حَدِيثه أَحْمد من طَرِيق ابْن إِسْحَاق.
وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أخرج حَدِيثه الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر عَن ابْن عمر.
وَقبيصَة الْهِلَالِي: أخرج حَدِيثه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة أبي قلَابَة عَنهُ.
وَجَابِر: أخرج حَدِيثه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة هِشَام الدستوَائي عَن ابي الزبير عَن جَابر.
وَأَبُو مُوسَى: أخرج حَدِيثه الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة يزِيد ابْن عبد الله.
وَعبد الرَّحْمَن، بن سَمُرَة: أخرج حَدِيثه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ.
وَأبي بن كَعْب: أخرج حَدِيثه أَبُو دَاوُد من رِوَايَة أبي حَفْص الرَّازِيّ.
وبلال: أخرج حَدِيثه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) و (الْأَوْسَط) من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن ابْن أبي ليلى عَن بِلَال.
وَحُذَيْفَة: أخرج حَدِيثه الْبَزَّار من رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي ليلى.
ومحمود بن لبيد: أخرج حَدِيثه أَحْمد من رِوَايَة عَاصِم بن عَمْرو بن قَتَادَة عَنهُ.
وَأَبُو الدَّرْدَاء: أخرج حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة زِيَاد بن صَخْر عَنهُ.
وَأَبُو هُرَيْرَة: أخرج حَدِيثه النَّسَائِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة.
وَأم سُفْيَان: أخرج حَدِيثهَا الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن عَنْهَا.
وَعقبَة بن عَامر: أخرج حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) بِلَفْظ: (لما توفّي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، كسفت الشَّمْس) الحَدِيث.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (صَلَاة الْكُسُوف) ، روى جمَاعَة أَن الْكُسُوف يكون فِي الشَّمْس وَالْقَمَر، وروى جمَاعَة فيهمَا: بِالْخَاءِ، وروى جمَاعَة: فِي الشَّمْس بِالْكَاف وَفِي الْقَمَر بِالْخَاءِ، وَالْكثير فِي اللُّغَة، وَهُوَ اخْتِيَار الْفراء: أَن يكون الْكُسُوف للشمس والخسوف للقمر.
يُقَال: كسفت الشَّمْس، وكسفها الله عز وَجل وانكسفت، وَخسف الْقَمَر وخسفه الله وانخسف.
وَذكر ثَعْلَب فِي (الفصيح) : انكسفت الشَّمْس وَخسف الْقَمَر أَجود الْكَلَام.
وَفِي (التَّهْذِيب) لأبي مَنْصُور: خسف الْقَمَر وخسفت الشَّمْس: إِذا ذهب ضوؤها.
.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى: خسف الْقَمَر وكسف وَاحِد: ذهب ضوؤه وَقيل: الْكُسُوف أَن يكسف ببعضهما، والخسوف أَن يخسف بكلهما.
قَالَ تَعَالَى: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْض} (الْقَصَص: 81) .
.
وَقَالَ ابْن حبيب فِي (شرح الْمُوَطَّأ) : الْكُسُوف تغير اللَّوْن والخسوف انخسافهما، وَكَذَلِكَ تَقول فِي عين الْأَعْوَر: إِذا انخسفت وَغَارَتْ فِي جفن الْعين وَذهب نورها وضوؤها.
.
وَقَالَ الْقَزاز: وكسف الشَّمْس وَالْقَمَر تكسف كسوفا فَهِيَ كاسفة، وكسفت فَهِيَ مكسوفة، وَقوم يَقُولُونَ: انكسفت، وَهُوَ غلط.
.
وَقَالَ الْجَوْهَرِي: والعامة تَقول: إنكسفت، وَفِي (الْمُحكم) : كسفها الله وأكسفها.
وَالْأول أَعلَى.
وَالْقَمَر كَالشَّمْسِ.
.
وَقَالَ اليزيدي: كسف الْقَمَر وَهُوَ يخسف خسوفا فَهُوَ خسف وخسيف وخاسف، وانخسف انخسافا.
قَالَ: وانخسف أَكثر فِي أَلْسِنَة النَّاس.
وَفِي (شرح الفصيح) : كسفت الشَّمْس أَي: اسودت فِي رَأْي الْعين من ستر الْقَمَر إِيَّاهَا عَن الْأَبْصَار، وَبَعْضهمْ يَقُول: كسفت على مَا لم يسم فَاعله، وانكسفت.
قَوْله: (ثمَّ انْصَرف) أَي: من الصَّلَاة بعد أَن فرغ مِنْهَا على هَذِه الْهَيْئَة.
قَوْله: (دنت) أَي: قربت من الدنو.
قَوْله: (لَو اجترأت) من الجراءة، وَهُوَ الجسارة، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ لم يكن مَأْذُونا من عِنْد الله بِأَخْذِهِ.
قَوْله: (بقطاف) ، بِكَسْر الْقَاف: قَالَ الْجَوْهَرِي: القطف، بِالْكَسْرِ: العنقود، وبجمعه جَاءَ الْقُرْآن.
{ قطوفها} ، والقطاف، بِالْكَسْرِ وبالفتح: وَقت القطف، بِالْفَتْح.
يُقَال: قطفت الْعِنَب قطفا.
.
وَقَالَ ابْن الْأَثِير: القطف، بِالْكَسْرِ: اسْم لكل مَا يقطف، كالذبح والطحن، وَيجمع على: قطاف وقطوف، وَأكْثر الْمُحدثين يرويهِ بِفَتْح الْقَاف، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْكَسْرِ.
قَوْله: (أوَأَنَا مَعَهم؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام بعْدهَا وَاو عاطفة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وبحذف الْهمزَة فِي رِوَايَة كَرِيمَة.
وَهِي مقدرَة.
.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: عطف: الْوَاو، على مُقَدّر بعد الْهمزَة، يدل عَلَيْهِ السِّيَاق، وَلم يبين ذَلِك وَلَا غَيره الَّذِي أَخذ مِنْهُ، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: (وَأَنا فيهم) .
.
وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَالصَّحِيح: (أوَأنا مَعَهم) قَوْله: (فَإِذا امْرَأَة) كلمة إِذا، للمفاجأة، فتختص بالجمل الإسمية، وَلَا تحْتَاج إِلَى جَوَاب، وَمَعْنَاهَا الْحَال لَا الِاسْتِقْبَال، نَحْو: خرجت فَإِذا الْأسد بِالْبابُُِ.
قَوْله: (حسبت أَنه قَالَ) جملَة مُعْتَرضَة بَين قَوْله: (امْرَأَة) ، وَبَين قَوْله: (تخدشها) أَي: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: حسبت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ، هَكَذَا.
فسره الْكرْمَانِي.
.
وَقَالَ غَيره: قَائِل ذَلِك هُوَ نَافِع بن عمر رَاوِي الحَدِيث، وَالضَّمِير فِي: أَنه، لِابْنِ أبي مليكَة، وَذكر أَن الْإِسْمَاعِيلِيّ بَينه كَذَا.
(قَوْله: (تخدشها) من الخدش، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره شين مُعْجمَة: وَهُوَ خدش الْجلد وقشره بِعُود أَو نَحوه، وَهُوَ من بابُُ: ضرب يضْرب.
قَوْله: (هرة) بِالرَّفْع فَاعل لقَوْله: (تخدشها) .
قَوْله: (لَا أطعمتها) أَي: لَا أطعمت المرأةُ الْهِرَّة، هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (لَا هِيَ أطعمتها) ، بالضمير الرَّاجِع إِلَى الْمَرْأَة.
قَوْله: (تَأْكُل) ، من الْأَحْوَال المنتظرة.
قَوْله: (قَالَ نَافِع) وَهُوَ: ابْن عمر رَاوِي الحَدِيث.
قَوْله: (حسبت أَنه قَالَ) فَاعل: حسبت، هُوَ نَافِع، وَالضَّمِير فِي: أَنه، يرجع إِلَى ابْن أبي مليكَة.
قَوْله: (من خشيش الأَرْض أَو خشَاش الأَرْض) كَذَا وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة بِالشَّكِّ، و: الخشيش، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة: وَهُوَ حشرات الأَرْض وهوامها، والخشاش، بِكَسْر الْخَاء: هُوَ الحشرات أَيْضا.
.
وَقَالَ ابْن الْأَثِير: تَأْكُل من خشَاش الأَرْض.
وَفِي رِوَايَة: من خشيشها، وَهِي بِمَعْنَاهُ.
ويروى بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ: يَابِس النَّبَات، وَهُوَ وهم.
وَقيل: إِنَّمَا هُوَ خشيش، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة تَصْغِير: خشَاش، على الْحَذف أَو: خشيش، بِغَيْر حذف.
.
وَقَالَ الْخطابِيّ لَيْسَ بِشَيْء، وَإِنَّمَا هُوَ الخشاش مَفْتُوحَة الْحَاء وَهُوَ: حشرات الأَرْض.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه الأول: أَن صَلَاة الْكُسُوف أجمع الْعلمَاء على أَنَّهَا سنة وَلَيْسَت بواجبة وَهُوَ الْأَصَح،.
وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا: إِنَّهَا وَاجِبَة لِلْأَمْرِ بهَا، وَنَصّ فِي الْأَسْرَار على وُجُوبهَا.
قلت: الْأَمر فِيهَا هُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا رَأَيْتُمْ شَيْئا من هَذِه الأفزاع فافزعوا إِلَى الصَّلَاة) .
وثبوتها بِالْكتاب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا تخويفا} (الْإِسْرَاء: 59) ، والكسوف آيَة من آيَات الله تَعَالَى يخوف الله بِهِ عباده ليتركوا الْمعاصِي ويرجعوا إِلَى طَاعَة الله تَعَالَى الَّتِي فِيهَا فوزهم، وبالسنة وَهُوَ مَا ذَكرْنَاهُ، وبالإجماع: فَإِن الْأمة قد اجْتمعت عَلَيْهَا من غير إِنْكَار من أحد.
الْوَجْه الثَّانِي: أَن يُصَلِّي بهَا فِي الْمَسْجِد الْجَامِع: أَو فِي مصلى الْعِيد، قَالَه الطَّحَاوِيّ:.
وَقَالَ ت الشَّافِعِيَّة والحنابلة: السّنة فِي الْمَسْجِد لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلهَا فِيهِ، وَلِأَن وَقت الْكُسُوف يضيق عَن الْخُرُوج إِلَى الْمصلى.
الْوَجْه الثَّالِث: فِي وَقت أَدَائِهَا فَأَما أَولهَا فوقت يجوز فِيهِ أَدَاء النَّافِلَة، وَفِيه خلاف يَأْتِي وَآخِرهَا، فَعَن مَالك: لَا يُصَلِّي بعد الزَّوَال، رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم.
وَفِي رِوَايَة ابْن وهب: يُصَلِّي وَإِن زَالَت الشَّمْس، وَعنهُ: لَا يُصَلِّي بعد الْعَصْر، وَمذهب أبي حنيفَة أَن طلعت مكسوفة لَا يُصَلِّي حَتَّى يدْخل وَقت الْجَوَاز، قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَبِه أَقُول خلافًا للشَّافِعِيّ.
وَفِي (الْمُحِيط) : لَا يُصَلِّي فِي الْأَوْقَات الثَّلَاثَة، وَذكر ابْن عمر فِي الاستذكار، قَالَ اللَّيْث بن سعد: حججْت سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَة، وعَلى الْمَوْسِم سُلَيْمَان بن هِشَام، وبمكة شرفها الله عَطاء بن أبي رَبَاح وَابْن شهَاب وَابْن أبي مليكَة وَعِكْرِمَة بن خَالِد وَعَمْرو بن شُعَيْب وَأَيوب بن مُوسَى، وكسفت الشَّمْس بعد الْعَصْر، فَقَامُوا قيَاما يدعونَ الله فِي الْمَسْجِد، فَقلت لأيوب: مَا لَهُم لَا يصلونَ؟ فَقَالَ: النَّهْي قد جَاءَ عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر فَلذَلِك لَا يصلونَ، إِنَّمَا يذكرُونَ حَتَّى تنجلي الشَّمْس، وَهُوَ مَذْهَب الْحسن بن أبي الْحسن وَابْن علية وَالثَّوْري،.
وَقَالَ إِسْحَاق: يصلونَ بعد الْعَصْر مَا لم تصفر الشَّمْس، وَبعد صَلَاة الصُّبْح، وَلَا يصلونَ فِي الْأَوْقَات الثَّلَاثَة، فَلَو كسفت عِنْد الْغُرُوب لم يصل إِجْمَاعًا،.
وَقَالَ ابْن قدامَة: إِذا كَانَ الْكُسُوف فِي غير وَقت صَلَاة جعل بمَكَان الصَّلَاة شرعا هَذَا ظَاهر الْمَذْهَب، لِأَن النَّافِلَة لَا تفعل أَوْقَات النَّهْي، سَوَاء كَانَ لَهَا سَبَب أَو لم يكن، رُوِيَ ذَلِك عَن الْحسن وَأبي بكر بن مُحَمَّد بن عمر بن حزم وَأبي حنيفَة وَمَالك وَأبي ثَوْر، وَنَصّ عَلَيْهِ أَحْمد، روى قَتَادَة قَالَ: انكسفت الشَّمْس وَنحن بِمَكَّة، شرفها الله تَعَالَى، بعد الْعَصْر فَقَامُوا قيَاما يدعونَ، فَسَأَلت عَطاء عَن ذَلِك، فَقَالَ: هَكَذَا يصنعون.
وروى إِسْمَاعِيل بن سعد عَن أَحْمد: أَنهم يصلونها فِي أَوْقَات النَّهْي، قَالَ أَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز: وبالأول أَقُول، وَهَذَا أظهر الْقَوْلَيْنِ.
الْوَجْه الرَّابِع: فِي صفتهَا، وَهِي كَهَيئَةِ النَّافِلَة عندنَا بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة مثل صَلَاة الْفجْر وَالْجُمُعَة فِي كل رَكْعَة رُكُوع وَاحِد، وَبِه قَالَ النَّخعِيّ وَالثَّوْري وَابْن أبي ليلى، وَهُوَ مَذْهَب عبد الله بن الزبير، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن ابْن عمر وَأبي بكرَة وَسمرَة بن جُنْدُب وَعبد الله بن عَمْرو، وَقبيصَة الْهِلَالِي والنعمان بن بشير وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة، وَعند الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد وَأبي ثَوْر وعلماء الْحجاز: صَلَاة الْكُسُوف رَكْعَتَانِ، فِي كل رَكْعَة ركوعان وسجودان، وَعَن أَحْمد وَإِسْحَاق.
فِي كل رَكْعَة ثَلَاث ركوعات وَاحْتج الشَّافِعِي وَمن مَعَه بِحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أخرجه الْأَئِمَّة السِّتَّة فِي كتبهمْ على مَا سَيَأْتِي فِي بابُُه إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَحَدِيث: الثَّلَاث ركوعات فِي كل رَكْعَة أخرجه مُسلم عَن عَطاء عَن جَابر، (قَالَ: كسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى سِتّ رَكْعَات بِأَرْبَع سَجدَات) .
وَذكر فِي (الْخُلَاصَة الغزالية) إِذا انكسفت الشَّمْس فِي وَقت مَكْرُوه أَو غير مَكْرُوه، وَنُودِيَ: الصَّلَاة جَامِعَة، وَصلى الإِمَام بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِد رَكْعَتَيْنِ، وَركع فِي كل رَكْعَة ركوعين وأوائلها أطول من أواخرها، ثمَّ ذكر قِرَاءَة الطوَال الْأَرْبَع فِي أول الْقُرْآن فِي الْقيام الْأَرْبَع، ثمَّ قَالَ: ويسبح فِي الرُّكُوع الأول قدر مائَة آيَة، وَفِي الثَّانِي قدر ثَمَانِينَ، وَفِي الثَّالِث قدر سبعين، وَفِي الرَّابِع قدر خمسين آيَة.
وَعند طَاوُوس بن كيسَان وحبِيب ابْن أبي ثَابت وَعبد الْملك بن جريج: صَلَاة الْكُسُوف رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَة أَربع ركوعات وسجدتان، ويحكى هَذَا عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث ابْن عَبَّاس، أخرجه مُسلم عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه صلى فِي كسوف قَرَأَ ثمَّ ركع ثمَّ قَرَأَ ثمَّ ركع ثمَّ قَرَأَ ثمَّ ركع ثمَّ قَرَأَ ثمَّ ركع ثمَّ سجد.
قَالَ: وَالْأُخْرَى مثلهَا.
.
وَقَالَ قَتَادَة وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر: صَلَاة الْكُسُوف رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَة ثَلَاث ركوعات وسجدتان وَعند سعيد بن جُبَير وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي رِوَايَة، وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَبَعض الشَّافِعِيَّة: لَا تَوْقِيت فِي الرُّكُوع فِي صَلَاة الْكُسُوف بل يُطِيل أبدا يرْكَع وَيسْجد إِلَى أَن تنجلي الشَّمْس.
.
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: قَالَ بعض أهل الْعلم: إِنَّمَا ذَلِك على حسب مكث الْكُسُوف، فَمَا طَال مكثه زَاد تَكْرِير الرُّكُوع فِيهِ، وَمَا قصر اقْتصر فِيهِ وَمَا توَسط اقتصد فِيهِ.
قَالَ: وَإِلَى هَذَا نحى الْخطابِيّ وَابْن رَاهَوَيْه وَغَيرهمَا، وَقد يعْتَرض عَلَيْهِ بِأَن طولهَا ودوامها لَا يعلم فِي أول الْحَال وَلَا فِي الرَّكْعَة الأولى.
وأصحابنا احْتَجُّوا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيث عبد الله بن عَمْرو، وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل: عَن عَطاء بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: (انكسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وسلمد فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يكد يرْكَع ثمَّ ركع فَلم يكد يرفع ثمَّ رفع فَلم يكد يسْجد ثمَّ سجد فَلم يكد يرفع ثمَّ رفع، وَفعل فِي الرَّكْعَة الْأُخْرَى مثل ذَلِك) .
الحَدِيث.
وَبِحَدِيث النُّعْمَان بن بشير، رَوَاهُ أَبُو قلَابَة عَنهُ أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (إِذا خسفت الشَّمْس وَالْقَمَر فصلوا كأحدث صَلَاة صليتموها من الْمَكْتُوبَة) .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأحمد وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه).
وَقَالَ : على شرطهم، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفظه: (كسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَجعل يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيسْأل عَنْهَا حَتَّى انجلت) .
وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل، أَبُو قلَابَة لم يسمع من النُّعْمَان.
قلت: صرح فِي الْكَمَال بِسَمَاعِهِ عَنهُ،.
وَقَالَ ابْن حزم: أَبُو قلَابَة أدْرك النُّعْمَان وروى هَذَا الْخَبَر عَنهُ، وَصرح ابْن عبد الْبر بِصِحَّة هَذَا الحَدِيث،.
وَقَالَ : من أحسن حَدِيث ذهب إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ حَدِيث أبي قلَابَة عَن النُّعْمَان، فَرد كَلَام الْبَيْهَقِيّ، فَإِنَّهُ بِلَا دَلِيل، وَلِأَنَّهُ ناف وَغَيره مُثبت.
وَبِحَدِيث قبيصَة الْهِلَالِي: أخرجه أَبُو دَاوُد عَنهُ قَالَ: (كسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَخرج فَزعًا يجر رِدَاءَهُ، وَأَنا مَعَه يَوْمئِذٍ بِالْمَدِينَةِ، فصلى رَكْعَتَيْنِ فَأطَال فِيهَا الْقيام، ثمَّ انْصَرف وانجلت، فَقَالَ: إِنَّمَا هَذِه الْآيَات يخوف الله بهَا فَإِذا رأيتموها فصلوا كأحدث صَلَاة صليتموها من الْمَكْتُوبَة) .
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا وَالْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك).
وَقَالَ : حَدِيث صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم يخرجَاهُ.
.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن رَوَاهُ سقط بَين أبي قلَابَة وَقبيصَة رجل وَهُوَ: هِلَال بن عَامر،.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (الْخُلَاصَة) : وَهَذَا لَا يقْدَح فِي صِحَة الحَدِيث.
وَبِحَدِيث أبي بكرَة أخرجه البُخَارِيّ عَن الْحسن عَنهُ، قَالَ: (خسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج يجر رِدَاءَهُ حَتَّى انْتهى إِلَى الْمَسْجِد وثاب النَّاس إِلَيْهِ، فصلى رَكْعَتَيْنِ فانجلت الشَّمْس) .
وَسَيَأْتِي هَذَا فِي بابُُه.
وَبِحَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة، أخرجه مُسلم وَفِيه: (فصلى رَكْعَتَيْنِ) .
وَقد تكلّف الْخصم فِي الْجَواب عَن هذَيْن الْحَدِيثين لأجل أَنَّهُمَا عَلَيْهِم، فَقَالَ النَّوَوِيّ: قَوْله: (صلى رَكْعَتَيْنِ) ، يَعْنِي فِي كل رَكْعَة قيامان وركوعان.
.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يحْتَمل أَنه إِنَّمَا أخبر عَن حكم رَكْعَة وَاحِدَة وَسكت عَن الْأُخْرَى.
قلت: فِي هذَيْن الجوابين إِخْرَاج اللَّفْظ عَن ظَاهره بِغَيْر ضَرُورَة، فَلَا يجوز إلاّ بِدَلِيل، وَأَيْضًا فِي لفظ النَّسَائِيّ: (كَمَا تصلونَ) ، وَفِي لفظ ابْن حبَان: (مثل صَلَاتكُمْ) .
.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: أَكثر الْآثَار فِي هَذَا الْبابُُ مُوَافقَة لمَذْهَب أبي حنيفَة، وَمن مَعَه، وَهُوَ النّظر عندنَا، لأَنا رَأينَا سَائِر الصَّلَوَات من المكتوبات والتطوع مَعَ كل رَكْعَة سَجْدَتَانِ، فالنظر على ذَلِك أَن تكون صَلَاة الْكُسُوف كَذَلِك،.
وَقَالَ ابْن حزم: الْعَمَل بِمَا صَحَّ ورأي أهل بَلَده، قد يجوز أَن يكون ذَلِك اخْتِلَاف إِبَاحَة وتوسعة غير سنة قلت: الصَّوَاب أَن لَا يُقَال: اخْتلفُوا فِي صَلَاة الْكُسُوف، بل تحيروا؛ فَكل وَاحِد مِنْهُم تعلق بِحَدِيث وَرَآهُ أولى من غَيره بِحَسب مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فِي صِحَّته، فَأَبُو حنيفَة تعلق بِأَحَادِيث من ذَكَرْنَاهُمْ من الصَّحَابَة لموافقتها الْقيَاس فِي أَبْوَاب الصَّلَاة.
.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي، وَأَبُو الطّيب وَغَيرهمَا: تحمل أحاديثنا على الِاسْتِحْبابُُ، وأحاديثهم على الْجَوَاز.
.
وَقَالَ السرُوجِي: قُلْنَا: لم يفعل ذَلِك بِالْمَدِينَةِ إلاّ مرّة وَاحِدَة، فَإِذا حصل هَذَا الِاضْطِرَاب الْكثير من رُكُوع وَاحِد إِلَى عشر ركوعات يعْمل بِمَا لَهُ أصل فِي الشَّرْع.
انْتهى.
قلت: فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ فعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْكُسُوف غير مرّة، وَفِي غير سنة، فروى كل وَاحِد مَا شَاهده من صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَضَبطه من فعله، وَذكر النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) : أَن عِنْد الشَّافِعِيَّة لَا تجوز الزِّيَادَة على ركوعين، وَبِه قطع جمهورهم قَالَ: وَهُوَ ظَاهر نصوصه قلت: الزِّيَادَة من الْعدْل مَقْبُولَة عِنْدهم، وَقد صحت الزِّيَادَة على الركوعين وَلم يعملوا بهَا فَكل، جَوَاب لَهُم عَن الزِّيَادَة على الركوعين فَهُوَ جَوَاب لنا عَمَّا زَاد على رُكُوع وَاحِد.
.
وَقَالَ السَّرخسِيّ: وَتَأْويل الركوعين فَمَا زَاد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طوَّل الرُّكُوع فِيهَا، فَإِنَّهُ عرضت عَلَيْهِ الْجنَّة وَالنَّار، فمل بعض الْقَوْم وظنوا أَنه رفع رَأسه فَرفعُوا رؤوسهم وَمن خلف الصَّفّ الأول ظنُّوا أَنه ركع ركوعين، فَرَوَوْه على حسب مَا وَقع عِنْدهم قلت: وَفِيه نظر لَا يخفى، وَقيل: رفع رَأسه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليختبر حَال الشَّمْس هَل انجلت أم لَا؟ وَهَكَذَا فعل فِي كل رُكُوع، وَفِيه نظر أَيْضا.
الْوَجْه الْخَامِس: فِي صفة الْقِرَاءَة فِيهَا.
فمذهب أبي حنيفَة أَن الْقِرَاءَة تُخفى فِيهَا، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ،.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : إِن مَذْهَبنَا وَمذهب مَالك وَأبي حنيفَة وَاللَّيْث بن سعد وَجُمْهُور الْفُقَهَاء أَنه يسر فِي كسوف الشَّمْس ويجهر فِي خُسُوف الْقَمَر،.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن وَأحمد وَإِسْحَاق: يجْهر فيهمَا.
وَحكى الرَّافِعِيّ عَن الصيدلاني مثله،.
وَقَالَ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ: الْجَهْر والإسرار سَوَاء، وَمَا حَكَاهُ الثَّوْريّ عَن مَالك هُوَ الْمَشْهُور بِخِلَاف مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقد حكى ابْن الْمُنْذر عَن مَالك الْإِسْرَار، كَقَوْل الشَّافِعِي، وَكَذَا روى ابْن عبد الْبر فِي (الاستذكار) ،.
وَقَالَ الْمَازرِيّ: إِن مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن مَالك من الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ رِوَايَة شَاذَّة مَا وقفت عَلَيْهَا فِي غير كِتَابَة، قَالَ: وَذكرهَا ابْن شعْبَان عَن الْوَاقِدِيّ عَن مَالك،.
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي (الْإِكْمَال) والقرطبي فِي (الْمُفْهم) : إِن معن بن عِيسَى والواقدي رويا عَن مَالك الْجَهْر، قَالَا: ومشهور قَول مَالك الْإِسْرَار فِيهَا، وَأما مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي من الْإِسْرَار فَهُوَ الْمَعْرُوف عَنهُ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْبُوَيْطِيّ والمزني.
وَحكى الرَّافِعِيّ أَن أَبَا سُلَيْمَان الْخطابِيّ ذكر أَن الَّذِي يَجِيء على مَذْهَب الشَّافِعِي: الْجَهْر فيهمَا، وَتَابعه النَّوَوِيّ فِي (الرَّوْضَة) على نَقله ذَلِك، وَتعقبه فِي (شرح الْمُهَذّب) فَقَالَ: إِن مَا نَقله عَن الْخطابِيّ لم أره فِي كتاب لَهُ.
وَتعقب صَاحب (الْمُهِمَّات) أَيْضا الرَّافِعِيّ بِأَن الَّذِي نَقله الْخطابِيّ فِي (معالم السّنَن) : الْإِسْرَار.
.
وَقَالَ شَارِح التِّرْمِذِيّ: مَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن الْخطابِيّ مَوْجُود عَنهُ، وَقد ذكره فِي كِتَابه (أَعْلَام الْجَامِع الصَّحِيح) فَقَالَ، بعد أَن حكى عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأهل الرَّأْي: ترك الْجَهْر لحَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: فحزرنا قِرَاءَته، فَلَو جهر لما احْتَاجَ إِلَى: الحزر.
قَالَ: والجهر أشبه بِمذهب الشَّافِعِي، لِأَن عَائِشَة تثبت الْجَهْر.
قَالَ: وَيجوز أَن ابْن عَبَّاس وقف فِي آخر الصَّفّ فَلم يسمع.
وَاحْتج الطَّحَاوِيّ لأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمن مَعَهُمَا فِي الْإِسْرَار بِحَدِيث ابْن عَبَّاس.
أخرجه فِي (مَعَاني الْآثَار) أَنه قَالَ: مَا سَمِعت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْكُسُوف حرفا.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو يعلى فِي (مسانيدهم) وَأَبُو نعيم فِي (الْحِلْية) وَبِحَدِيث سَمُرَة ابْن جُنْدُب، قَالَ: (صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْكُسُوف وَلَا نسْمع لَهُ صَوتا) .
وَأخرجه النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ مطولا، ثمَّ احْتج لأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَمن مَعَهُمَا فِي الْجَهْر بِحَدِيث عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... .
إِلَى آخِره، ثمَّ قَالَ: يجوز أَن يكون ابْن عَبَّاس وَسمرَة لم يسمعا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صلَاته حرفا، وَقد جهر فِيهَا، لبعدهما عَنهُ، فَهَذَا لَا يَنْفِي الْجَهْر.
.
وَقَالَ أَيْضا: النّظر فِي ذَلِك أَن يكون حكمهَا كَحكم صَلَاة الاسْتِسْقَاء عِنْد من يَرَاهَا وَصَلَاة الْعِيدَيْنِ، لِأَن ذَلِك هُوَ الْمَفْعُول فِي خَاص من الْأَيَّام، فَكَذَلِك هَذَا.
قلت: ظهر من كَلَامه أَنه مَعَ أبي يُوسُف وَمُحَمّد؟
قلت: اخْتلفت الْأَحَادِيث فِي الْجَهْر والإسرار فِي صَلَاة الْكُسُوف، فَعِنْدَ مُسلم من حَدِيث عَائِشَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهر فِي صَلَاة الْكُسُوف،.
وَقَالَ هُ البُخَارِيّ فِي صَلَاة الْكُسُوف، وَعند أبي دَاوُد من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ، فَذكره بِلَفْظ: (قَرَأَ قِرَاءَة طَوِيلَة فجهر بهَا) ، يَعْنِي: فِي صَلَاة الْكُسُوف، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ، بِلَفْظ: (صلى صَلَاة الْكُسُوف وجهر بهَا فِي الْقِرَاءَة) .
.
وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَعند أَصْحَاب السّنَن من حَدِيث سَمُرَة وَابْن عَبَّاس كَمَا ذكرنَا: أَنَّهُمَا لم يسمعا حرفا، وَلَا شكّ أَن حَدِيث عَائِشَة أصرح بالجهر فِيهَا، وحديثها مُتَّفق عَلَيْهِ، وَقد أجَاب عَنهُ الْقَائِلُونَ بالإسرار بجوابين: أَحدهمَا: مَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : بِأَن هَذَا عِنْد أَصْحَابنَا، وَالْجُمْهُور مَحْمُول على كسوف الْقَمَر.
وَالثَّانِي: مَا قَالَه ابْن عبد الْبر فِي (الاستذكار) من الْإِشَارَة إِلَى تَضْعِيف الحَدِيث قلت: يرد الْجَواب الأول مَا رَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَن الْوَلِيد بن مُسلم بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَائِشَة: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بهم فِي كسوف الشَّمْس وجهر بِالْقِرَاءَةِ) .
رَوَاهُ الْخطابِيّ فِي (أَعْلَام الْجَامِع الصَّحِيح) من طَرِيق ابْن رَاهَوَيْه.
وَأما تَضْعِيف ابْن عبد الْبر الحَدِيث فَكَأَنَّهُ من جِهَة سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ، فَإِن أَحْمد قَالَ: لَيْسَ بذلك فِي حَدِيثه عَن الزُّهْرِيّ، وَعَن يحيى: ثِقَة فِي غير الزُّهْرِيّ لَا يدْفع قلت: قَالَ يَعْقُوب ابْن شيبَة: صَدُوق ثِقَة، روى لَهُ مُسلم فِي مُقَدّمَة كِتَابه، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وروى لَهُ عَن الْأَرْبَعَة وَمَعَ ذَلِك فقد تَابعه على ذَلِك عَن الزُّهْرِيّ عبد الرَّحْمَن بن نمر وَسليمَان بن كثير، وَإِن كَانَا ليني الحَدِيث،.
وَقَالَ شَارِح التِّرْمِذِيّ: وعَلى هَذَا فالمختار الْجَهْر، فَلذَلِك قَالَ الْخطابِيّ: إِنَّه أشبه بِمذهب الشَّافِعِي لقَوْله: إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي.
.
وَقَالَ البُخَارِيّ: حَدِيث عَائِشَة فِي الْجَهْر أصح من حَدِيث سَمُرَة.
.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (الخلافيات) : لكنه لَيْسَ بأصح من حَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي قَالَ فِيهِ نَحوا من قِرَاءَة سُورَة الْبَقَرَة.
قَالَ الشَّافِعِي: فِيهِ دَلِيل على أَنه لم يسمع مَا قَرَأَ لِأَنَّهُ لَو سَمعه لم يقدره بِغَيْرِهِ، فَإِن قيل: قَالَ الشَّافِعِي: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: قُمْت إِلَى جنب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خُسُوف الشَّمْس فَمَا سَمِعت مِنْهُ حرفا؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا يَصح هَذَا عَن ابْن عَبَّاس، لِأَن فِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة، وَفِي آخر الوافدي، وَفِي آخر الحكم بن أبان.
الْوَجْه السَّادِس: فِي صَلَاة خُسُوف الْقَمَر: قَالَ أَصْحَابنَا: لَيْسَ فِي خُسُوف الْقَمَر جمَاعَة، وَقيل: الْجَمَاعَة جَائِزَة عندنَا لَكِنَّهَا لَيست بِسنة لتعذر اجْتِمَاع النَّاس بِاللَّيْلِ، وَإِنَّمَا يُصَلِّي كل وَاحِد مُنْفَردا، وَعند مَالك: لَا صَلَاة فِيهِ، وَعند الشَّافِعِي: يُصَلِّي للخسوف كَمَا يُصَلِّي للكسوف بِجَمَاعَة وركوعين وبالجهر بِالْقِرَاءَةِ وبخطبتين بَينهمَا جلْسَة، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق إلاّ فِي الْخطْبَة.
وَاسْتدلَّ أَبُو حنيفَة وَمَالك بإن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع لكسوف الشَّمْس، وَلما خسف الْقَمَر فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع فِيمَا ذكره ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره لم يجمع فِيهِ.
.
وَقَالَ مَالك: لم يبلغنَا وَلَا أهل بلدنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع لخسوف الْقَمَر، وَلَا نقل عَن أحد من الْأَئِمَّة بعده أَنه جمع فِيهِ، وَذكر ابْن قدامَة أَن أَكثر أهل الْعلم على مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة لخسوف الْقَمَر، فعله ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ عَطاء وَالْحسن وَأَبُو ثَوْر، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عُثْمَان بن عَفَّان وَجَمَاعَة الْمُحدثين وَعمر بن عبد الْعَزِيز مستدلين بقوله: (إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فصلوا) .
وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْحَاق بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي فِي كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر أَربع رَكْعَات وَأَرْبع سَجدَات وَيقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى بالعنكبوت أَو: الرّوم، وَفِي الثَّانِيَة: بيس) .
وَفِي حَدِيث قبيصَة مَرْفُوعا: (إِذا انكسفت الشَّمْس أَو الْقَمَر فصلوا) .
وروى الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد جيد من حَدِيث حبيب بن ثَابت عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر ثَمَان رَكْعَات فِي أَربع سَجدَات) .
وَبَوَّبَ البُخَارِيّ: بابُُ الصَّلَاة فِي كسوف الْقَمَر، على مَا يَجِيء بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
فَائِدَة: اخْتلفت الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي كَيْفيَّة صَلَاة الْكُسُوف من الِاقْتِصَار على ركوعين، كَمَا فِي حَدِيث أبي بكرَة وَغَيره، وَثَلَاث ركوعات فِي كل رَكْعَة كَمَا فِي حَدِيث جَابر، وَأَرْبع ركوعات فِي رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي حَدِيث عَائِشَة وَغَيره، وست ركوعات فِي رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي حَدِيث جَابر وَغَيره وثمان ركوعات فِي رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي حَدِيث أبي بن كَعْب، وَخَمْسَة عشر رَكْعَة فِي ثَلَاث ركوعات، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) عَن أبي بن كَعْب.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من الحَدِيث الْمَذْكُور: أَن الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان الْيَوْم، وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة.
وَفِيه: أَن تَعْذِيب الْحَيَوَان غير جَائِز، وَأَن الْمَظْلُوم من الْحَيَوَان يُسَلط يَوْم الْقِيَامَة على ظالمه.
وَفِيه: معْجزَة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يقْرَأ الْمُصَلِّي بعد أَن يكبر للشروع.
وَقَوله: ( مَا يقْرَأ) هُوَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره: بابُُ مَا يَقُول بعد التَّكْبِير.
[ قــ :722 ... غــ :743 ]
- ( حَدثنَا حَفْص بن عمر قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أنس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا كَانُوا يفتتحون الصَّلَاة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله ذكرُوا غير مرّة.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أبي سعيد الْأَشَج وَحميد الطَّوِيل وَمُحَمّد بن نوح قَوْله " يفتتحون الصَّلَاة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين " أَي بِهَذَا اللَّفْظ وَهَذَا ظَاهر فِي عدم الْجَهْر بالبسملة وتأويله على إِرَادَة اسْم السُّورَة يتَوَقَّف على أَن السُّورَة كَانَت تسمى عِنْدهم بِهَذِهِ الْجُمْلَة فَلَا يعدل عَن حَقِيقَة اللَّفْظ وَظَاهره إِلَى مجازه إِلَّا بِدَلِيل.
وَقَالَ بَعضهم لَا يلْزم من قَوْله " كَانُوا يفتتحون " أَنهم لم يقرؤا الْبَسْمَلَة سرا ( قلت) لَا نزاع فِيهِ وَإِنَّمَا النزاع فِي جهر الْبَسْمَلَة لعدم كَونهَا آيَة من الْفَاتِحَة قَوْله " بِالْحَمْد لله " بِضَم الدَّال على سَبِيل الْحِكَايَة الْكَلَام فِي هَذَا الْبابُُ على أنوع الأول أَنَّهَا هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم قَتَادَة وَإِسْحَق بن عبد الله وَمَنْصُور بن زَاذَان وَأَيوب على اخْتِلَاف فِيهِ وَأَبُو نعَامَة قيس بن عَبَايَة الْحَنَفِيّ وعائذ بن شُرَيْح بِخِلَاف وَالْحسن وثابت الْبنانِيّ وَحميد الطَّوِيل وَمُحَمّد بن نوح أما حَدِيث قَتَادَة عَن أنس فَأخْرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ كَمَا ذكرنَا الْآن وَأما حَدِيث إِسْحَق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس فَأخْرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم عَن مُحَمَّد بن مهْرَان عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن إِسْحَق بن عبد الله عَن أنس " صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَأما حَدِيث مَنْصُور فَأخْرجهُ النَّسَائِيّ.
وَقَالَ " فَلم يسمعنا قرَاءَتهَا " وَأما حَدِيث أَيُّوب فَأخْرجهُ الشَّافِعِي وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فَقَالَ النَّسَائِيّ أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن أَيُّوب عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ " صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَعَ أبي بكر وَمَعَ عمر فافتتحوا بِالْحَمْد ".
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ اخْتلف فِيهِ عَن أَيُّوب فَقيل عَن قَتَادَة عَن أنس وَقيل عَن أبي قلَابَة عَن أنس وَقيل عَن أَيُّوب عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأما حَدِيث أبي نعَامَة فَأخْرجهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ " لَا يقرؤن " يَعْنِي لَا يجهرون بهَا وَفِي لفظ " لَا يقرؤن " فَقَط وَأما حَدِيث عَائِذ بن شرح فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ اخْتلف عَنهُ فَقيل عَنهُ عَن أنس وَقيل عَنهُ عَن ثُمَامَة عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأما حَدِيث الْحسن عَن أنس فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ " كَانَ يسر بهَا " وَأما حَدِيث ثَابت فَذكره الْبَيْهَقِيّ والطَّحَاوِي من حَدِيث شُعْبَة عَن ثَابت عَن أنس قَالَ " لم يكن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا أَبُو بكر وَلَا عمر يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَأما حَدِيث حميد عَن أنس فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن ابْن وهب عَن مَالك عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس أَنه قَالَ " قُمْت وَرَاء أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فكلهم لَا يقرؤن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِذْ افْتتح الصَّلَاة ".
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا فَهد قَالَ حَدثنَا أَبُو غَسَّان قَالَ حَدثنَا زُهَيْر عَن حميد عَن أنس أَن أَبَا بكر وَعمر ويروى حميد أَنه قد ذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ ذكر نَحوه وَأما حَدِيث مُحَمَّد بن نوح عَن أنس فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم بن منقذ عَن عبد الله بن وهب عَن أبي لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب أَن مُحَمَّد بن نوح أَخا بني سعد بن بكر حَدثهُ عَن أنس بن مَالك قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبا بكر وَعمر يستفتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين " وروى عَن قَتَادَة جمَاعَة شُعْبَة وَهِشَام وَأَبُو عوَانَة وَأَيوب وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة وَالْأَوْزَاعِيّ وشيبان.
فرواية شُعْبَة عَن قَتَادَة أخرجهَا البُخَارِيّ وَمُسلم وَرِوَايَة هِشَام عَنهُ أخرجهَا أَبُو دَاوُد حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا هِشَام عَن قَتَادَة عَن أنس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبا بكر وَعمر وَعُثْمَان كَانُوا يفتتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين " وَرِوَايَة أبي عوَانَة عَن قَتَادَة أخرجهَا التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدثنَا قُتَيْبَة قَالَ حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم يفتتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين ".
وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح.
وَقَالَ النَّسَائِيّ أخبرنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بكر وَعمر يفتتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين ".
وَقَالَ ابْن مَاجَه حَدثنَا جبارَة بن الْمُفلس حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك قَالَ فَذكره نَحْو رِوَايَة النَّسَائِيّ وَرِوَايَة أَيُّوب عَن قَتَادَة أخرجهَا النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَقد ذَكرنَاهَا الْآن وَرِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة أخرجهَا النَّسَائِيّ أخبرنَا عبد الله بن سعيد الْأَشَج أَبُو سعيد قَالَ حَدثنِي عقبَة قَالَ حَدثنَا شُعْبَة وَابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ " صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَرِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن قَتَادَة أخرجهَا مُسلم وَلَفظه " أَن قَتَادَة كتب إِلَيْهِ يُخبرهُ عَن أنس أَنه حَدثهُ قَالَ صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَكَانُوا يستفتحون بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين لَا يذكرُونَ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي أول قِرَاءَة وَلَا فِي آخرهَا وَلَيْسَ للأوزاعي عَن قَتَادَة عَن أنس فِي الصَّحِيح غير هَذَا وَرِوَايَة شَيبَان عَن قَتَادَة أخرجهَا الطَّحَاوِيّ عَن ابْن أبي عمرَان وَعلي بن عبد الرَّحْمَن كِلَاهُمَا عَن عَليّ بن الْجَعْد قَالَ أخبرنَا شَيبَان عَن قَتَادَة قَالَ " سَمِعت أنسا يَقُول صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وروى هَذَا الحَدِيث عَن شُعْبَة أَيْضا جمَاعَة مِنْهُم حَفْص بن عمر كَمَا سبق عَن البُخَارِيّ وَمِنْهُم غنْدر فِي مُسلم وَلَفظه " صليت مَعَ أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يقْرَأ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَمِنْهُم الْأَعْمَش أخرجهَا الطَّحَاوِيّ حَدثنَا أَبُو أُميَّة قَالَ حَدثنَا الْأَحْوَص بن جَوَاب قَالَ حَدثنَا عمار بن زُرَيْق عَن الْأَعْمَش عَن شُعْبَة عَن ثَابت عَن أنس قَالَ " لم يكن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا أَبُو بكر وَلَا عمر يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَمِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد أخرجهَا الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن سُلَيْمَان بن شُعَيْب الكيساني عَن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة قَالَ سَمِعت أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول " صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " النَّوْع الثَّانِي فِي اخْتِلَاف أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث فَلفظ البُخَارِيّ مَا مر وَلَفظ مُسلم " فَكَانُوا يستفتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين لَا يذكرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي أول قِرَاءَة وَلَا فِي آخرهَا " وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأحمد وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالُوا فِيهِ " فَكَانُوا لَا يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَزَاد ابْن حبَان " ويجهرون بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين " وَفِي لفظ للنسائي وَابْن حبَان أَيْضا " فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَفِي لفظ أبي يعلى فِي مُسْنده " فَكَانُوا يفتتحون الْقِرَاءَة فِيمَا يجْهر بِهِ بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين " وَفِي لفظ للطبراني فِي مُعْجَمه وَأبي نعيم فِي الْحِلْية وَابْن خُزَيْمَة فِي مُخْتَصر الْمُخْتَصر " فَكَانُوا يسرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَرِجَال هَؤُلَاءِ الرِّوَايَات كلهم ثِقَات مخرج لَهُم فِي الصَّحِيح وروى التِّرْمِذِيّ حَدثنَا أَحْمد بن منيع قَالَ حَدثنَا سعيد الجزيري عَن قيس بن عَبَايَة " عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ سمعني أبي وَأَنا فِي الصَّلَاة أَقُول بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ أَي بني مُحدث إياك وَالْحَدَث قَالَ وَلم أر أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ أبْغض إِلَيْهِ الْحَدث فِي الْإِسْلَام يَعْنِي مِنْهُ قَالَ وَقد صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَعَ أبي بكر وَمَعَ عمر وَمَعَ عُثْمَان فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يَقُولهَا فَلَا تقلها إِذا أَنْت صليت فَقل الْحَمد لله رب الْعَالمين " قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَغَيرهم من بعدهمْ من التَّابِعين وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا وَلِحَدِيث أنس طرق أُخْرَى دون مَا أخرجه أَصْحَاب الصِّحَاح فِي الصِّحَّة وكل أَلْفَاظه ترجع إِلَى معنى وَاحِد يصدق بَعْضهَا بَعْضًا وَهِي سَبْعَة أَلْفَاظ.
فَالْأول كَانُوا لَا يستفتحون الْقِرَاءَة بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَالثَّانِي فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يَقُول أَو يقْرَأ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَالثَّالِث فَلم يَكُونُوا يقرؤن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَالرَّابِع فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَالْخَامِس فَكَانُوا لَا يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَالسَّادِس فَكَانُوا يسرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَالسَّابِع فَكَانُوا يستفتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَهَذَا اللَّفْظ الَّذِي صَححهُ الْخَطِيب وَضعف مَا سواهُ لرِوَايَة الْحفاظ لَهُ عَن قَتَادَة ولمتابعة غير قَتَادَة لَهُ عَن أنس فِيهِ وَجعل اللَّفْظ الْمُحكم عَن أنس وَجعل غَيره متشابها وَحمل على الِافْتِتَاح بالسورة لَا بِالْآيَةِ وَهُوَ غير مُخَالف للألفاظ الْبَاقِيَة بِوَجْه فَكيف يَجْعَل مناقضا لَهَا فَإِن حَقِيقَة هَذَا اللَّفْظ الِافْتِتَاح بِالْآيَةِ من غير ذكر التَّسْمِيَة جَهرا أَو سرا فَكيف يجوز الْعُدُول عَنهُ بِغَيْر مُوجب وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي رِوَايَة مُسلم " لَا يذكرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " فِي أول قِرَاءَة وَلَا فِي آخرهَا ( فَإِن قلت) قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْخُلَاصَة وَقد ضعف الْحفاظ حَدِيث عبد الله بن مُغفل الَّذِي أخرجه التِّرْمِذِيّ وأنكروا على التِّرْمِذِيّ تحسينه كَابْن خُزَيْمَة وَابْن عبد الْبر والخطيب قَالُوا أَن مَدَاره على ابْن عبد الله بن مُغفل وَهُوَ مَجْهُول ( قلت) وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث أبي نعَامَة عَن ابْن عبد الله بن مُغفل قَالَ " كَانَ أَبونَا إِذا سمع أحدا منا يَقُول بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم يَقُول أَي بني صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يَقُول بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن ابْن عبد الله بن مُغفل عَن أَبِيه مثله ثمَّ أخرجه عَن أبي سُفْيَان طريف بن شهَاب عَن يزِيد بن عبد الله بن مُغفل عَن أَبِيه قَالَ " صليت خلف إِمَام فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ مَا هَذَا غيب عَنَّا هَذِه الَّتِي أَرَاك تجْهر بهَا فَإِنِّي قد صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلم يجهروا بهَا " فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَة رووا هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عبد الله بن مُغفل عَن أَبِيه وَهُوَ أَبُو نعَامَة الْحَنَفِيّ قيس بن عَبَايَة وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر هُوَ ثِقَة عِنْد جَمِيعهم.
وَقَالَ الْخَطِيب لَا أعلم أحدا رَمَاه ببدعة فِي دينه وَلَا كذب فِي رِوَايَته وَعبد الله بن بُرَيْدَة وَهُوَ أشهر من أَن يثنى عَلَيْهِ وَأَبُو سُفْيَان السَّعْدِيّ وَهُوَ وَإِن تكلم فِيهِ وَلكنه يعْتَبر بِهِ فِيمَا تَابعه عَلَيْهِ غَيره من الثِّقَات وَهُوَ الَّذِي سمى ابْن عبد الله بن مُغفل يزِيد كَمَا هُوَ عِنْد الطَّبَرَانِيّ فقد ارْتَفَعت الْجَهَالَة عَن ابْن عبد الله بن مُغفل بِرِوَايَة هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عَنهُ وَقد تقدم فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد عَن أبي نعَامَة عَن بني عبد الله بن مُغفل وَبَنوهُ الَّذين يروي عَنْهُم يزِيد وَزِيَاد وَمُحَمّد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَغَيرهمَا يحتجون بِمثل هَؤُلَاءِ مَعَ أَنهم مَشْهُورُونَ بالرواية وَلم يرو أحد مِنْهُم حَدِيثا مُنْكرا لَيْسَ لَهُ شَاهد وَلَا متابع حَتَّى يخرج بِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا رووا مَا رَوَاهُ غَيرهم من الثِّقَات فَأَما يزِيد فَهُوَ الَّذِي سمى فِي هَذَا الحَدِيث وَأما مُحَمَّد فروى لَهُ الطَّبَرَانِيّ عَنهُ عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " مَا من إِمَام يبيت غاشا لرعيته إِلَّا حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة " وَزِيَاد أَيْضا روى لَهُ الطَّبَرَانِيّ عَنهُ عَن أَبِيه مَرْفُوعا " لَا تخذفوا فَإِنَّهُ لَا يصاد بِهِ صيد وَلَا ينْكَأ الْعَدو وَلكنه يكسر السن ويفقأ الْعين " وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا حَدِيث صَرِيح فِي عدم الْجَهْر بالبسملة وَهُوَ وَإِن لم يكن من أَقسَام الصَّحِيح فَلَا ينزل عَن دَرَجَة الْحسن وَقد حسنه التِّرْمِذِيّ والْحَدِيث الْحسن يحْتَج بِهِ لَا سِيمَا إِذا تعدّدت شواهده وَكَثُرت متابعاته وَالَّذين تكلمُوا فِيهِ وَتركُوا الِاحْتِجَاج بِهِ بِجَهَالَة ابْن عبد الله بن مُغفل قد احْتَجُّوا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَا هُوَ أَضْعَف مِنْهُ بل احْتج الْخَطِيب بِمَا يعلم أَنه مَوْضُوع فَذَلِك جرْأَة عَظِيمَة لأجل تعصبه وحميته بِمَا لَا يَنْفَعهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة وَلم يحسن الْبَيْهَقِيّ فِي تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث إِذْ قَالَ بعد أَن رَوَاهُ فِي كتاب الْمعرفَة فَهَذَا حَدِيث تفرد بِهِ أَبُو نعَامَة قيس بن عَبَايَة وَابْن عبد الله بن مُغفل وَأَبُو نعَامَة وَابْن عبد الله بن مُغفل لم يحْتَج بهما صاحبا الصَّحِيح فَقَوله تفرد بِهِ أَبُو نعَامَة غير صَحِيح فقد تَابعه عبد الله بن بُرَيْدَة وَأَبُو سُفْيَان كَمَا ذَكرْنَاهُ وَقَوله وَأَبُو نعَامَة وَابْن عبد الله بن مُغفل لم يحْتَج بهما صاحبا الصَّحِيح لَيْسَ هَذَا لَازِما فِي صِحَة الْإِسْنَاد وَلَئِن سلمنَا فقد قُلْنَا أَنه حسن وَالْحسن يحْتَج بِهِ وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن ترك الْجَهْر عِنْدهم كَانَ مِيرَاثا عَن نَبِيّهم يتوارثونه خَلفهم عَن سلفهم وَهَذَا وَحده كَاف فِي الْمَسْأَلَة لِأَن الصَّلَاة الجهرية دائمة صباحا وَمَسَاء فَلَو كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجْهر بهَا دَائِما لما وَقع فِيهِ الِاخْتِلَاف وَلَا الِاشْتِبَاه ولكان مَعْلُوما بالاضطرار وَلما قَالَ أنس يجْهر بهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا خلفاؤه الراشدون وَلما قَالَ عبد الله بن مُغفل ذَلِك أَيْضا وَسَماهُ حَدثا وَلما اسْتمرّ عمل أهل الْمَدِينَة فِي محراب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومقامه على ترك الْجَهْر فيتوارثه آخِرهم عَن أَوَّلهمْ وَلَا يظنّ عَاقل أَن أكَابِر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأكْثر أهل الْعلم كَانُوا يواظبون على خلاف مَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَفْعَله وَسَيَأْتِي الْجَواب عَن أَحَادِيث الْجَهْر إِن شَاءَ الله تَعَالَى النَّوْع الثَّالِث احْتج بِهِ مَالك وَأَصْحَابه على ترك التَّسْمِيَة فِي ابْتِدَاء الْفَاتِحَة وَأَنَّهَا لَيست مِنْهَا وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ والطبري.
وَقَالَ أَصْحَابنَا الْبَسْمَلَة آيَة من الْقُرْآن أنزلت للفصل بَين السُّور وَلَيْسَت من الْفَاتِحَة وَلَا من أول كل سُورَة وَلَا يجْهر بهَا بل يَقُولهَا سرا وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأحمد وَإِسْحَاق.
وَقَالَ أَبُو عمر قَالَ مَالك لَا تقرؤا الْبَسْمَلَة فِي الْفَرْض سرا وَلَا جَهرا وَفِي النَّافِلَة إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ ترك وَهُوَ قَول الطَّبَرِيّ.
وَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَابْن أبي ليلى وَأحمد يقْرَأ مَعَ أم الْقُرْآن فِي كل رَكْعَة إِلَّا ابْن أبي ليلى فَإِنَّهُ قَالَ إِن شَاءَ جهر بهَا وَإِن شَاءَ أخفاها.
وَقَالَ الشَّافِعِي هِيَ آيَة من الْفَاتِحَة يخفيها إِذا أخْفى ويجهر بهَا إِذا جهر وَاخْتلف قَوْله هَل هِيَ آيَة من كل سُورَة أم لَا على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا نعم وَهُوَ قَول ابْن الْمُبَارك وَالثَّانِي لَا النَّوْع الرَّابِع فِي أَنَّهَا يجْهر بهَا أم لَا قَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَعِنْدنَا يسْتَحبّ الْجَهْر بهَا فِيمَا يجْهر فِيهِ وَبِه قَالَ أَكثر الْعلمَاء وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْجَهْر كَثِيرَة مُتعَدِّدَة عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة يرتقي عَددهمْ إِلَى أحد وَعشْرين صحابيا رووا ذَلِك عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهُم من صرح بذلك وَمِنْهُم من فهم من عِبَارَته وَالْحجّة قَائِمَة بالجهر وبالصحة ثمَّ ذكر من الصَّحَابَة أَبَا هُرَيْرَة وَأم سَلمَة وَابْن عَبَّاس وأنسا وَعلي بن أبي طَالب وَسمرَة بن جُنْدُب ( قلت) وَمن الَّذين عدهم عمار وَعبد الله بن عمر والنعمان بن بشير وَالْحكم بن عُمَيْر وَمُعَاوِيَة وَبُرَيْدَة بن الْحصيب وَجَابِر وَأَبُو سعيد وَطَلْحَة وَعبد الله بن أبي أوفى وَأَبُو بكر الصّديق ومجالد بن ثَوْر وَبشر بن مُعَاوِيَة وَالْحُسَيْن بن عرفطة وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَهَؤُلَاءِ أحد وَعِشْرُونَ نفسا.
أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه من حَدِيث نعيم المجمر قَالَ " صليت وَرَاء أبي هُرَيْرَة فَقَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ثمَّ قَرَأَ بِأم الْقُرْآن حَتَّى قَالَ غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين قَالَ آمين فِي آخِره فَلَمَّا سلم قَالَ إِنِّي لأشبهكم صَلَاة برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَأخرجه ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه.
وَقَالَ أَنه على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه.
وَقَالَ حَدِيث صَحِيح وَرُوَاته كلهم ثِقَات وأخره الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه.
وَقَالَ إِسْنَاده صَحِيح وَله شَوَاهِد.
وَقَالَ فِي الخلافيات رُوَاته كلهم ثِقَات مجمع على عدالتهم مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح وَالْجَوَاب عَنهُ من وُجُوه.
الأول أَنهم مَعْلُول فَإِن ذكر الْبَسْمَلَة فِيهِ مِمَّا تفرد بِهِ نعيم المجمر من بَين أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة وهم ثَمَان مائَة مَا بَين صَاحب وتابع وَلَا يثبت عَن ثِقَة من أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة أَنه حدث عَن أبي هُرَيْرَة أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يجْهر بالبسملة فِي الصَّلَاة أَلا ترى كَيفَ أعرض صَاحب الصَّحِيح عَن ذكر الْبَسْمَلَة فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَانَ يكبر فِي كل صَلَاة من الْمَكْتُوبَة وَغَيرهَا الحَدِيث ( فَإِن قلت) قد رَوَاهَا نعيم المجمر وَهُوَ ثِقَة وَالزِّيَادَة عَن الثِّقَة مَقْبُولَة ( قلت) فِي هَذَا خلاف مَشْهُور فَمنهمْ من لَا يقبلهَا.
الثَّانِي أَن قَوْله فَقَرَأَ أَو قَالَ لَيْسَ بِصَرِيح أَنه سَمعهَا مِنْهُ إِذْ يجوز أَن يكون أَبُو هُرَيْرَة أخبر نعيما بِأَنَّهُ قَرَأَهَا سرا وَيجوز أَن يكون سَمعهَا مِنْهُ فِي مخافتته لقُرْبه مِنْهُ كَمَا روى عَنهُ من أَنْوَاع الاستفتاح وألفاظ الذّكر فِي قِيَامه وقعوده وركوعه وَسُجُوده وَلم يكن مِنْهُ ذَلِك دَلِيلا على الْجَهْر.
الثَّالِث أَن التَّشْبِيه لَا يَقْتَضِي أَن يكون مثله من كل وَجه بل يَكْفِي فِي غَالب الْأَفْعَال وَذَلِكَ مُتَحَقق فِي التَّكْبِير وَغَيره دون الْبَسْمَلَة فَإِن التَّكْبِير وَغَيره من أَفعَال الصَّلَاة ثَابت صَحِيح عَن أبي هُرَيْرَة وَكَانَ مَقْصُوده الرَّد على من تَركه وَأما التَّسْمِيَة فَفِي صِحَّتهَا عَنهُ نظر فَيَنْصَرِف إِلَى الصَّحِيح الثَّابِت دون غَيره ويلزمهم على القَوْل بالتشبيه من كل وَجه أَن يَقُولُوا بالجهر بالتعوذ فَإِن الشَّافِعِي روى أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْأَسْلَمِيّ عَن ربيعَة بن عُثْمَان عَن صَالح بن أبي صَالح أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة وَهُوَ يؤم النَّاس رَافعا صَوته فِي الْمَكْتُوبَة إِذا فرغ من أم الْقُرْآن رَبنَا إِنَّا نَعُوذ بك من الشَّيْطَان الرَّجِيم فَهَلا أخذُوا بِهَذَا كَمَا أخذُوا بجهر الْبَسْمَلَة مستدلين بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ فَمَا أسمعنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أسمعناكم وَمَا أخفانا أخفيناكم وَكَيف يظنّ بِأبي هُرَيْرَة أَنه يُرِيد التَّشْبِيه فِي الْجَهْر بالبسملة وَهُوَ الرَّاوِي عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَقَالَ " يَقُول الله تَعَالَى قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ فنصفها لي وَنِصْفهَا لعبدي ولعبدي مَا سَأَلَ فَإِذا قَالَ العَبْد الْحَمد لله رب الْعَالمين قَالَ الله تَعَالَى حمدني عَبدِي " الحَدِيث أخرجه مُسلم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَهَذَا ظَاهر فِي أَن الْبَسْمَلَة لَيست من الْفَاتِحَة وَإِلَّا لابتدأ بهَا.
وَقَالَ أَبُو عمر حَدِيث الْعَلَاء هَذَا قَاطع لقلق المنازعين وَهُوَ نصر لَا يحْتَمل التَّأْوِيل وَلَا أعلم حَدِيثا فِي سُقُوط الْبَسْمَلَة أبين مِنْهُ وَاعْترض بعض الْمُتَأَخِّرين على هَذَا الحَدِيث بأمرين.
أَحدهمَا لَا يعْتَبر بِكَوْن هَذَا الحَدِيث فِي مُسلم فَإِن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن تكلم فِيهِ ابْن معِين فَقَالَ لَيْسَ حَدِيثه بِحجَّة مُضْطَرب الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن عدي وَقد انْفَرد بِهَذَا الحَدِيث فَلَا يحْتَج بِهِ.
الثَّانِي على تَقْدِير صِحَّته فقد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات عَنهُ ذكر التَّسْمِيَة كَمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الله بن زِيَاد بن سمْعَان عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة " سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي فنصفها لَهُ يَقُول عَبدِي إِذا افْتتح الصَّلَاة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فيذكرني عَبدِي ثمَّ يَقُول الْحَمد لله رب الْعَالمين فَأَقُول حمدني عَبدِي " الحَدِيث وَهَذِه الرِّوَايَة وَإِن كَانَت ضَعِيفَة وَلكنهَا مفسرة بِحَدِيث مُسلم أَنه أَرَادَ السُّورَة لَا الْآيَة ( قلت) هَذَا الْقَائِل حَملَة الْجَهْل وفرط التعصب ورداءة الرَّأْي والفكر على أَنه ترك الحَدِيث الصَّحِيح وَضَعفه لكَونه غير مُوَافق لمذهبه.
وَقَالَ لَا يعْتَبر بِكَوْنِهِ فِي مُسلم مَعَ أَنه قد رَوَاهُ عَن الْعَلَاء الْأَئِمَّة الثِّقَات الْأَثْبَات كمالك وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَابْن جريج وَشُعَيْب وَعبد الْعَزِيز الداروردي وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَمُحَمّد بن إِسْحَاق والوليد بن كثير وَغَيرهم والْعَلَاء فِي نَفسه ثِقَة صَدُوق وَهَذِه الرِّوَايَة مِمَّا انْفَرد بهَا عَنهُ ابْن سمْعَان.
وَقَالَ عمر بن عبد الْوَاحِد سَأَلت مَالِكًا عَنهُ أَي ابْن سمْعَان فَقَالَ كَانَ كذابا وَكَذَا قَالَ يحيى بن معِين.
وَقَالَ يحيى بن بكير قَالَ هِشَام بن عُرْوَة فِيهِ لقد كذب عَليّ وَحدث عني بِأَحَادِيث لم أحدثها لَهُ وَعَن أَحْمد مَتْرُوك الحَدِيث وَكَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد وَزَاد من الْكَذَّابين ( فَإِن قلت) أخرج الْخَطِيب عَن أبي أويس واسْمه عبد الله بن أويس قَالَ أَخْبرنِي الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا أم النَّاس جهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَابْن عدي فِي الْكَامِل فَقَالَا فِيهِ قَرَأَ عوض جهر وَكَأَنَّهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى ( قلت) أَبُو أويس ضعفه أَحْمد وَابْن معِين وَأَبُو حَاتِم فَلَا يحْتَج بِمَا انْفَرد بِهِ فَكيف إِذا انْفَرد بِشَيْء وَقد خَالفه فِيهِ من هُوَ أوثق مِنْهُ ( فَإِن قلت) أخرج مُسلم لأبي أويس ( قلت) صاحبا الصَّحِيح إِذا أخرجَا لمن تكلم فِيهِ إِنَّمَا يخرجَانِ بعد إنقائهما من حَدِيثه مَا توبع عَلَيْهِ وَظَهَرت شواهده وَعلم أَن لَهُ أصلا وَلَا يخرجَانِ مَا تفرد بِهِ سِيمَا إِذا خَالف الثِّقَات وَهَذِه الْعلَّة راجت على كثير مِمَّن استدرك على الصَّحِيحَيْنِ فتساهلوا فِي استدراكهم وَمن أَكْثَرهم تساهلا الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي كِتَابه الْمُسْتَدْرك فَإِنَّهُ يَقُول هَذَا على شَرط الشَّيْخَيْنِ أَو أَحدهمَا وَفِيه هَذِه الْعلَّة إِذْ لَا يلْزم من كَون الرَّاوِي محتجا بِهِ فِي الصَّحِيح أَنه إِذا وجد فِي أَي حَدِيث كَانَ يكون ذَلِك الحَدِيث على شَرطه وَلِهَذَا قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب الْعلم الْمَشْهُور وَيجب على أهل الحَدِيث أَن يتحفظوا من قَول الْحَاكِم أبي عبد الله فَإِنَّهُ كثير الْغَلَط ظَاهر السقط وَقد غفل عَن ذَلِك كثير مِمَّن جَاءَ بعده وقلده فِي ذَلِك ( فَإِن قلت) قد جَاءَ فِي طَرِيق آخر أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن خَالِد بن الياس عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " عَلمنِي جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الصَّلَاة فَقَامَ فَكبر لنا ثمَّ قَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِيمَا يجْهر بِهِ فِي كل رَكْعَة " ( قلت) هَذَا إِسْنَاد سَاقِط فَإِن خَالِد بن الياس مجمع على ضعفه وَعَن البُخَارِيّ عَن أَحْمد أَنه مُنكر الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن معِين لَيْسَ بِشَيْء وَلَا يكْتب حَدِيثه.
وَقَالَ النَّسَائِيّ مَتْرُوك الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن حبَان يروي الموضوعات عَن الثِّقَات.
وَقَالَ الْحَاكِم روى عَن المَقْبُري وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر وَهِشَام بن عُرْوَة أَحَادِيث مَوْضُوعَة ( فَإِن قلت) روى الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن جَعْفَر بن مكرم حَدثنَا أَبُو بكر الْحَنَفِيّ حَدثنَا عبد الْمجِيد عَن جَعْفَر أَخْبرنِي نوح بن أبي بِلَال عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا قَرَأْتُمْ الْحَمد فاقرؤا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِنَّهَا أم الْقُرْآن وَأم الْكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِحْدَى آياتها " ( قلت) قَالَ أَبُو بكر الْحَنَفِيّ ثمَّ لقِيت نوحًا فَحَدثني عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة مثله وَلم يرفعهُ ( فَإِن قلت) قَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه الْكُبْرَى رفع هَذَا الحَدِيث عبد الحميد بن جَعْفَر وَهُوَ ثِقَة وَثَّقَهُ ابْن معِين ( قلت) كَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ يُضعفهُ وَيحمل عَلَيْهِ وَلَئِن سلمنَا رَفعه فَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة على الْجَهْر وَلَئِن سلم فَالصَّوَاب فِيهِ الْوَقْف قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لِأَنَّهُ رَوَاهُ الْمعَافي بن عمرَان عَن عبد الحميد عَن نوح عَن المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَرَوَاهُ أُسَامَة بن زيد وَأَبُو بكر الْحَنَفِيّ عَن نوح عَن المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا ( فَإِن قلت) هَذَا مَوْقُوف فِي حكم الْمَرْفُوع إِذْ لَا يَقُول الصَّحَابِيّ أَن الْبَسْمَلَة إِحْدَى آيَات الْفَاتِحَة إِلَّا عَن تَوْقِيف أَو دَلِيل قوي ظهر لَهُ فحين إِذن يكون لَهُ حكم سَائِر آيَات الْفَاتِحَة من الْجَهْر والإسرار ( قلت) لَعَلَّ أَبَا هُرَيْرَة سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقْرَأها فظنها من الْفَاتِحَة فَقَالَ إِنَّهَا إِحْدَى آياتها وَنحن لَا ننكر أَنَّهَا من الْقُرْآن وَلَكِن النزاع فِي موضِعين.
أَحدهمَا أَنَّهَا آيَة من الْفَاتِحَة وَالثَّانِي أَن لَهَا حكم سَائِر آيَات الْفَاتِحَة جَهرا وسرا وَنحن نقُول أَنَّهَا آيَة مُسْتَقلَّة قبل السُّورَة وَلَيْسَت مِنْهَا جمعا بَين الْأَدِلَّة وَأَبُو هُرَيْرَة لم يخبر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ هِيَ إِحْدَى آياتها وقراءتها قبل الْفَاتِحَة لَا تدل على ذَلِك وَإِذا جَازَ أَن يكون مُسْتَند أبي هُرَيْرَة قِرَاءَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهَا وَقد ظهر أَن ذَلِك لَيْسَ بِدَلِيل على مَحل النزاع فَلَا تعَارض بِهِ أدلتنا الصَّحِيحَة الثَّابِتَة وَأَيْضًا فالمحفوظ الثَّابِت عَن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا الحَدِيث عدم ذكر الْبَسْمَلَة كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْحَمد لله هِيَ أم الْقُرْآن وَهِي السَّبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ.
وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح على أَن عبد الحميد بن جَعْفَر مِمَّن تكلم فِيهِ وَلَكِن وَثَّقَهُ أَكثر الْعلمَاء وَاحْتج بِهِ مُسلم فِي صَحِيحه وَلَيْسَ تَضْعِيف من ضعفه مِمَّا يُوجب رد حَدِيثه وَلَكِن الثِّقَة قد يغلط وَالظَّاهِر أَنه قد غلط فِي هَذَا الحَدِيث وَالله تَعَالَى أعلم.
وَأما حَدِيث أم سَلمَة فَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَن عمر بن هَارُون عَن جريج عَن ابْن أبي مليكَة عَن أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَرَأَ فِي الصَّلَاة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَعَدهَا آيَة الْحَمد لله رب الْعَالمين آيَتَيْنِ الرَّحْمَن الرَّحِيم ثَلَاث آيَات إِلَى آخِره " وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَالْجَوَاب عَنهُ أَن مدَار هَذِه الرِّوَايَة على عمر بن هَارُون الْبَلْخِي وَهُوَ مَجْرُوح تكلم فِيهِ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة فَعَن أَحْمد لَا أروي عَنهُ شَيْئا وَعَن يحيى لَيْسَ بِشَيْء وَعَن ابْن الْمُبَارك كَذَّاب وَعَن النَّسَائِيّ مَتْرُوك الحَدِيث وَعَن ابْن الْجَوْزِيّ عَن يحيى كَذَّاب خَبِيث لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء ( فَإِن قلت) روى أَبُو دَاوُد فِي كتاب الْحُرُوف حَدثنَا سعيد بن يحيى الْأمَوِي قَالَ حَدثنَا أبي قَالَ حَدثنَا ابْن جريج عَن عبد الله بن أبي مليكَة " عَن أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا ذكرت أَو كلمة غَيرهَا قِرَاءَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالك يَوْم الدّين يقطع قِرَاءَته آيَة آيَة " وَأخرجه أَحْمد حَدثنَا يحيى بن سعيد الْأمَوِي إِلَى آخِره نَحوه وَلَفظه " أَنَّهَا سُئِلت عَن قِرَاءَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت كَانَ يقطع آيَة آيَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالك يَوْم الدّين " ( قلت) لَيْسَ فِيهِ حجَّة للخصم لِأَن فِيهِ ذكرهَا قِرَاءَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَيفَ كَانَت وَبَيَان ترتيله وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الصَّلَاة ( فَإِن قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْمعرفَة قَالَ الْبُوَيْطِيّ فِي كِتَابه أَخْبرنِي غير وَاحِد عَن حَفْص بن غياث عَن ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا قَرَأَ بِأم الْقُرْآن بَدَأَ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم يعدها آيَة ثمَّ قَرَأَ الْحَمد لله رب الْعَالمين يعدها سِتّ آيَات " ( قلت) قَالَ الطَّحَاوِيّ فِي كتاب الرَّد على الْكَرَابِيسِي لم يسمع ابْن أبي مليكَة هَذَا الحَدِيث من أم سَلمَة وَالَّذِي يروي عَن ابْن أبي مليكَة عَن يعلى بن مَالك عَن أم سَلمَة هُوَ الْأَصَح وَلِهَذَا أسْندهُ التِّرْمِذِيّ من جِهَة يعلى.
وَقَالَ غَرِيب حسن صَحِيح لِأَن فِيهِ ذكر قِرَاءَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من أم سَلمَة نعت مِنْهَا لقِرَاءَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لسَائِر الْقُرْآن كَيفَ كَانَت وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَالْعجب من الْبَيْهَقِيّ أَنه ذكر حَدِيث يعلى فِي بابُُ ترتيل الْقِرَاءَة وَتَركه فِي بابُُ الدَّلِيل على أَن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة تَامَّة من الْفَاتِحَة لكَونه لَا يُوَافق مَقْصُوده وَلِأَن فِيهِ بَيَان عِلّة حَدِيثه وَالْعجب ثمَّ الْعجب مِنْهُ رُوِيَ هَذَا من عمر بن هَارُون وألان القَوْل فِيهِ.
وَقَالَ وَرَوَاهُ عمر بن هَارُون الْبَلْخِي وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ وَذكره فِي بابُُ لَا شُفْعَة فِيمَا ينْقل أَنه ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ ثمَّ أَن كَانَ الْعد بِلِسَانِهِ فِي الصَّلَاة فَذَلِك منَاف للصَّلَاة وَإِن كَانَ بأصابعه فَلَا يدل على أَنَّهَا آيَة من الْفَاتِحَة قَالَه الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصر السّنَن وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث ابْن الْمُبَارك عَن ابْن جريج عَن أَبِيه عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي السَّبع المثاني قَالَ هِيَ فَاتِحَة الْكتاب قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم سبعا فَقلت لأبي أخْبرك سعيد عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة من كتاب الله قَالَ نعم ثمَّ قَالَ قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا وَأخرجه الطَّحَاوِيّ عَن أبي بكرَة عَن أبي عَاصِم عَن ابْن جريج عَن أَبِيه عَن سعيد بن جُبَير عَن عبد الله بن عَبَّاس " وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني قَالَ فَاتِحَة الْكتاب ثمَّ قَرَأَ ابْن عَبَّاس بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَقَالَ هِيَ الْآيَة السَّابِعَة " قَالَ وَقَرَأَ على سعيد بن جُبَير كَمَا قَرَأَ عَلَيْهِ ابْن عَبَّاس ( قلت) الْجَواب: أَولا أَن فِي إِسْنَاده عبد الْعَزِيز بن جريج وَالِد عبد الْملك وَقد قَالَ البُخَارِيّ حَدِيثه لَا يُتَابع عَلَيْهِ.
وَثَانِيا أَنه لَا يُعَارضهُ مَا يدل على خِلَافه وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا نَهَضَ من الثَّانِيَة استفتح بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين " رَوَاهُ مُسلم والطَّحَاوِي وَهَذَا دَلِيل صَرِيح على أَن الْبَسْمَلَة لَيست من الْفَاتِحَة إِذْ لَو كَانَت مِنْهَا لقرأها فِي الثَّانِيَة مَعَ الْفَاتِحَة ( فَإِن قلت) روى الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَن عبد الله بن عَمْرو بن حسان عَن شريك عَن سَالم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " قَالَ الْحَاكِم إِسْنَاده صَحِيح وَلَيْسَ لَهُ عِلّة ( قلت) هَذَا غير صَرِيح وَلَا صَحِيح أما أَنه غير صَرِيح فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنه فِي الصَّلَاة وَأما أَنه غير صَحِيح فَلِأَن عبد الله بن عَمْرو بن حسان كَانَ يضع الحَدِيث قَالَه إِمَام الصَّنْعَة عَليّ بن الْمَدِينِيّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم لَيْسَ بِشَيْء كَانَ يكذب ( فَإِن قلت) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي الصَّلْت الْهَرَوِيّ واسْمه عبد السَّلَام بن صَالح حَدثنَا عباد بن الْعَوام حَدثنَا شريك عَن سَالم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجْهر فِي الصَّلَاة بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " ( قلت) هَذَا أَضْعَف من الأول فَإِن أَبَا الصَّلْت مَتْرُوك.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم لَيْسَ عِنْدِي بصدوق.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رَافِضِي خَبِيث روى الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان حَدثنَا إِسْمَاعِيل عَن أبي خَالِد عَن ابْن عَبَّاس " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي الصَّلَاة " وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَالتِّرْمِذِيّ فِي جَامعه بِهَذَا السَّنَد وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَكلهمْ قَالُوا فِيهِ كَانَ يفْتَتح صلَاته بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ( قلت) قَالَ الْبَزَّار إِسْمَاعِيل لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد حَدِيث ضَعِيف وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي كِتَابه وَأعله بِإِسْمَاعِيل هَذَا.
وَقَالَ حَدِيثه غير مَحْفُوظ وَأَبُو خَالِد مَجْهُول وَلَا يَصح فِي الْجَهْر بالبسملة حَدِيث مُسْند وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق عمر بن حَفْص الْمَكِّيّ عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يزل يجْهر فِي السورتين بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم حَتَّى قبض " ( قلت) هَذَا لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ فَإِن عمر بن حَفْص هَذَا ضَعِيف.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي التَّحْقِيق أَجمعُوا على تَركه وَأما حَدِيث أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي المتَوَكل بن أبي السرى قَالَ " صليت خلف الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان من الصَّلَوَات مَا لَا أحصيها الصُّبْح وَالْمغْرب فَكَانَ يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قبل فَاتِحَة الْكتاب وَبعدهَا قَالَ الْمُعْتَمِر مَا آلو أَن أقتدي بِصَلَاة أبي.
وَقَالَ أبي مَا آلو أَن أقتدي بِصَلَاة أنس.
وَقَالَ أنس مَا أكره أَن أقتدي بِصَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ( قلت) الْجَواب أَن هَذَا معَارض بِمَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي مُخْتَصره وَالطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن أنس " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يسر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي الصَّلَاة " وَزَاد ابْن خُزَيْمَة وَأَبُو بكر وَعمر فِي الصَّلَاة ( فَإِن قلت) روى الْحَاكِم من طَرِيق آخر عَن مُحَمَّد بن أبي السرى حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبي أويس حَدثنَا مَالك عَن حميد عَن أنس قَالَ " صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَكلهمْ كَانُوا يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " قَالَ الْحَاكِم وَإِنَّمَا ذكرته شَاهدا ( قلت) قَالَ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصره أما يستحي الْحَاكِم أَن يُورد فِي كِتَابه مثل هَذَا الحَدِيث الْمَوْضُوع فَأَنا أشهد بِاللَّه وَالله إِنَّه لكذب.
وَقَالَ ابْن عبد الْهَادِي سقط مِنْهُ لَا وَقد روى الْحَاكِم عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم حَدِيثا آخر عَن أنس أَنه قَالَ صلى مُعَاوِيَة بِالْمَدِينَةِ صَلَاة فجهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَبَدَأَ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الحَدِيث مطولا وَفِيه مقَال كثير وروى الْخَطِيب أَيْضا عَن ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن أخي ابْن وهب عَن عَمه عَن الْعمريّ وَمَالك وَابْن عُيَيْنَة عَن حميد عَن أنس أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي الْفَرِيضَة " وَجَوَابه مَا قَالَه ابْن عبد الْهَادِي سقط مِنْهُ لَا كَمَا رَوَاهُ الباغندي وَغَيره عَن ابْن أخي ابْن وهب هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَأما حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَمَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَن سعيد بن عُثْمَان الخراز حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن سعد الْمُؤَذّن حَدثنَا قطر بن خَليفَة عَن أبي الطُّفَيْل عَن عَليّ وعمار " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يجْهر فِي المكتوبات بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ".
وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَا أعلم فِي رُوَاته مَنْسُوبا إِلَى الْجرْح ( قلت) قَالَ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصره هَذَا خبر واه كَأَنَّهُ مَوْضُوع لِأَن عبد الرَّحْمَن صَاحب مَنَاكِير ضعفه ابْن معِين وَسَعِيد إِن كَانَ الكريزي فَهُوَ ضَعِيف وَإِلَّا فَهُوَ مَجْهُول.
وَقَالَ ابْن عبد الْهَادِي هَذَا حَدِيث بَاطِل وَأما حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ البوشنجي " كَانَ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سكتتان سكتة إِذا فرغ من الْقِرَاءَة وسكتة إِذا قَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " فَأنْكر ذَلِك عمرَان بن حُصَيْن فَكَتَبُوا إِلَى أبي بن كَعْب فَكتب إِن صدق سَمُرَة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ رجال إِسْنَاده ثِقَات وَصَححهُ أَبُو شامة وَغَيره ( قلت) هَذَا لَا يدل على الْجَهْر بل هُوَ دَلِيل لنا على الْإخْفَاء وَأما حَدِيث عمار فقد ذَكرْنَاهُ مَعَ حَدِيث عَلَيْهِ رَضِي الله عَنهُ وَأما حَدِيث عبد الله بن عمر فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ حَدثنَا عمر بن الْحسن بن عَليّ الشَّيْبَانِيّ حَدثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد بن مَرْوَان حَدثنَا أَبُو طَاهِر أَحْمد بن عِيسَى حَدثنَا ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي ذِئْب عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ " صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر فَكَانُوا يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " ( قلت) هَذَا بَاطِل من هَذَا الْوَجْه لم يحدث بِهِ ابْن أبي فديك قطّ وَالْمُتَّهَم بِهِ أَحْمد بن عِيسَى أَبُو طَاهِر الْقرشِي وَقد كذبه الدَّارَقُطْنِيّ فَيكون كَاذِبًا فِي رِوَايَته عَن مثل هَذَا الثِّقَة وَشَيخ الدَّارَقُطْنِيّ ضَعِيف وَهُوَ أَيْضا ضعفه وَالْحسن بن عَليّ وجعفر بن مُحَمَّد تكلم فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقَالَ لَا يحْتَج بِهِ وَله طَرِيق آخر عِنْد الْخَطِيب عَن عبَادَة بن زِيَاد الْأَسدي حَدثنَا يُونُس بن أبي يَعْفُور الْعَبْدي عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن أبي عُبَيْدَة عَن مُسلم بن حَيَّان قَالَ " صليت خلف ابْن عمر فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي السورتين فَقيل لَهُ فَقَالَ صليت خلف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى قبض وَخلف أبي بكر حَتَّى قبض وَخلف عمر حَتَّى قبض فَكَانُوا يجهرون بهَا فِي السورتين فَلَا أدع الْجَهْر بهَا حَتَّى أَمُوت " ( قلت) هَذَا أَيْضا بَاطِل وَعبادَة بن زِيَاد بِفَتْح الْعين كَانَ من رُؤْس الشِّيعَة قَالَه أَبُو حَاتِم.
وَقَالَ الْحَافِظ مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي هُوَ مجمع على كذبه وَشَيْخه يُونُس بن يَعْفُور ضعفه النَّسَائِيّ وَابْن معِين.
وَقَالَ ابْن حبَان لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ عِنْدِي وَمُسلم بن حَيَّان مَجْهُول.
وَأما حَدِيث النُّعْمَان بن بشير فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن يَعْقُوب بن يُوسُف ابْن زِيَاد الضَّبِّيّ حَدثنَا أَحْمد بن حَمَّاد الْهَمدَانِي عَن قطر بن خَليفَة عَن أبي الضُّحَى عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أمني جِبْرِيل عِنْد الْكَعْبَة فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " ( قلت) هَذَا حَدِيث مُنكر بل مَوْضُوع وَأحمد بن حَمَّاد ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَيَعْقُوب بن يُوسُف لَيْسَ بِمَشْهُور وسكوت الدَّارَقُطْنِيّ والخطيب وَغَيرهمَا من الْحفاظ عَن مثل هَذَا الحَدِيث بعد روايتهم لَهُ قَبِيح جدا.
وَأما حَدِيث الحكم بن عُمَيْر فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن بشر الْكُوفِي حَدثنَا أَحْمد بن مُوسَى بن اسحق الْجمار حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن حبيب حَدثنَا مُوسَى بن أبي حبيب الطَّائِفِي عَن الحكم بن عُمَيْر وَكَانَ بَدْرِيًّا قَالَ " صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي صَلَاة اللَّيْل وَصَلَاة الْغَدَاة وَصَلَاة الْجُمُعَة " ( قلت) هَذَا من الْأَحَادِيث الغريبة الْمُنكرَة بل هُوَ حَدِيث بَاطِل لِأَن الحكم بن عُمَيْر لَيْسَ بَدْرِيًّا وَلَا فِي الْبَدْرِيِّينَ أحد اسْمه الحكم بن عُمَيْر بل لَا تعرف لَهُ صُحْبَة لَهُ أَحَادِيث مُنكرَة.
وَقَالَ الذَّهَبِيّ الحكم بن عُمَيْر وَقيل عمر والثمالي الْأَزْدِيّ لَهُ أَحَادِيث ضَعِيفَة الْإِسْنَاد إِلَيْهِ ومُوسَى بن حبيب الرَّاوِي عَنهُ لم يلق صحابيا بل هُوَ مَجْهُول لَا يحْتَج بحَديثه وَذكر الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير الحكم بن عُمَيْر ثمَّ روى لَهُ بضعَة عشر حَدِيثا مُنْكرا وَإِبْرَاهِيم بن حبيب وهم فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيم بن اسحق الصيني وَوهم فِيهِ أَيْضا الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ الضَّبِّيّ بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة.
وَأما حَدِيث مُعَاوِيَة فَأخْرجهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خَيْثَم أَن أَبَا بكر بن حَفْص بن عمر أخبرهُ أَن أنس بن مَالك قَالَ " صلى مُعَاوِيَة بِالْمَدِينَةِ صَلَاة فجهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَبَدَأَ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم لأم الْقُرْآن وَلم يقْرَأ بهَا للسورة الَّتِي بعْدهَا حَتَّى قضى تِلْكَ الصَّلَاة وَلم يكبر حِين يهوي حَتَّى قضى تِلْكَ الصَّلَاة فَلَمَّا سلم ناداه من سمع ذَاك من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَمن كَانَ على مَكَان يَا مُعَاوِيَة أسرقت الصَّلَاة أم نسيت أَيْن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَأَيْنَ التَّكْبِير إِذا خفضت وَإِذا رفعت فَلَمَّا صلى بعد ذَلِك قَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم للسورة الَّتِي بعد أم الْقُرْآن وَكبر حِين يهوي سَاجِدا " قَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرط مُسلم وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقَالَ رُوَاته كلهم ثِقَات وَقد اعْتمد الشَّافِعِي على حَدِيث مُعَاوِيَة هَذَا فِي إِثْبَات الْجَهْر.
وَقَالَ الْخَطِيب هُوَ أَجود مَا يعْتَمد عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبابُُ ( قلت) مَدَاره على عبد الله بن عُثْمَان فَهُوَ وَإِن كَانَ من رجال مُسلم لكنه مُتَكَلم فِيهِ من يحيى أَحَادِيثه غير قَوِيَّة وَعَن النَّسَائِيّ لين الحَدِيث لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِيهِ وَعَن ابْن الْمَدِينِيّ مُنكر الحَدِيث وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ فَلَا يقبل مَا تفرد بِهِ مَعَ أَن إِسْنَاده مُضْطَرب بَيناهُ فِي شرح مَعَاني الْآثَار وَشرح سنَن أبي دَاوُد وَهُوَ أَيْضا شَاذ مُعَلل فَإِنَّهُ مُخَالف لما رَوَاهُ الثِّقَات الْأَثْبَات عَن أنس وَكَيف يرى أنس بِمثل حَدِيث مُعَاوِيَة هَذَا محتجا بِهِ وَهُوَ مُخَالف لما رَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَلم يعرف أحد من أَصْحَاب أنس المعروفين بِصُحْبَتِهِ أَنه نقل عَنهُ مثل ذَلِك وَمِمَّا يرد حَدِيث مُعَاوِيَة هَذَا أَن أنسا كَانَ مُقيما بِالْبَصْرَةِ وَمُعَاوِيَة لما قدم الْمَدِينَة لم يذكر أحد علمناه أَن أنسا كَانَ مَعَه بل الظَّاهِر أَنه لم يكن مَعَه وَأَيْضًا أَن مَذْهَب أهل الْمَدِينَة قَدِيما وحديثا ترك الْجَهْر بهَا وَمِنْهُم من لَا يرى قرَاءَتهَا أصلا قَالَ عُرْوَة بن الزبير أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة أدْركْت الْأَئِمَّة وَمَا يستفتحون الْقِرَاءَة إِلَّا بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَلَا يحفظ عَن أحد من أهل الْمَدِينَة بِإِسْنَاد صَحِيح أَنه كَانَ يجْهر بهَا إِلَّا بِشَيْء يسير وَله محمل وَهَذَا عَمَلهم يتوارثه آخِرهم عَن أَوَّلهمْ فَكيف يُنكرُونَ على مُعَاوِيَة مَا هُوَ سنتهمْ وَهَذَا بَاطِل وَأما حَدِيث بُرَيْدَة بن الْحصيب فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم فِي الإكليل " قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأَيّ شَيْء تفتتح الْقُرْآن إِذا افتتحت الصَّلَاة قَالَ قلت بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ هِيَ هِيَ " ( قلت) أسانيده واهية عَن عمر بن شمر عَن الْجعْفِيّ وَمن حَدِيث إِبْرَاهِيم بن الْمَحْشَر وَأبي خَالِد الدلاني وَعبد الْكَرِيم أبي أُميَّة وَأما حَدِيث جَابر فَأخْرجهُ الْحَاكِم فِي الإكليل " قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَيفَ تقْرَأ إِذا قُمْت فِي الصَّلَاة قلت أَقُول الْحَمد لله رب الْعَالمين قَالَ قل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " ( قلت) هَذَا لَا يدل على الْجَهْر وَأما حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ الْحَافِظ البوشنجي " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى بهم الْمغرب وجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " ( قلت) فِي إِسْنَاده نظر وَأما حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله فَأخْرجهُ الْحَاكِم فِي الإكليل من حَدِيث سُلَيْمَان بن مُسلم الْمَكِّيّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن أبي ابْن مليكَة عَنهُ بِلَفْظ " من ترك من أم الْقُرْآن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فقد ترك آيَة من كتاب الله " ( قلت) لَا يدل على الْجَهْر.
وَأما حَدِيث عبد الله بن أبي أوفى فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد فِيهِ ضعف قَالَ " جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن آخذ من الْقُرْآن شَيْئا فعلمني مَا يجزيني مِنْهُ فَقَالَ بِسم الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر " ( قلت) ضَعِيف وَلَا يدل على إِثْبَات الْجَهْر.
وَأما حَدِيث أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرجهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الغافقي الأندلسي فِي كِتَابه المسلسل بِسَنَد فِيهِ مَجَاهِيل أَنه قَالَ " عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن إسْرَافيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن رب الْعِزَّة عز وَجل فَقَالَ من قَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُتَّصِلَة بِفَاتِحَة الْكتاب فِي صلَاته غفرت ذنُوبه " ( قلت) ضَعِيف وَلَا يدل على إِثْبَات الْجَهْر.
وَأما حَدِيث مجَالد بن ثَوْر وَبشر بن مُعَاوِيَة فَأخْرجهُ الْخَطِيب بِسَنَد فِيهِ مَجْهُولُونَ أَنَّهُمَا كَانَا من الْوَفْد الَّذين قدمُوا على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعلمهما يس وَقَرَأَ الْحَمد لله رب الْعَالمين والمعوذات الثَّلَاث وعلمهما الِابْتِدَاء بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم والجهر بهَا فِي الصَّلَاة.
وَأما حَدِيث الْحُسَيْن بن عرفطة الْأَسدي فَأخْرجهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب الْمُسْتَفَاد بِالنّظرِ وبالكتابة فِي معرفَة الصَّحَابَة قَالَ كَانَ اسْمه حسيلا فَسَماهُ سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حُسَيْنًا ثمَّ ذكر بِسَنَد فِيهِ مَجَاهِيل أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُ إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَقل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين حَتَّى تختمها بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قل هُوَ الله أحد إِلَى آخرهَا.
وَأما حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَأخْرجهُ البوشنجي بِإِسْنَادِهِ عَن أبي بردة عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ( قلت) فِي إِسْنَاده نظر.
وَأَحَادِيث الْجَهْر وَإِن كثرت رواتها فَكلهَا ضَعِيفَة وَأَحَادِيث الْجَهْر لَيست مخرجة فِي الصِّحَاح وَلَا فِي المسانيد الْمَشْهُورَة وَلم يرو أَكْثَرهَا إِلَّا الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ فالحاكم قد عرف تساهله وتصحيحه للأحاديث الضعيفة بل الْمَوْضُوعَة وَالدَّارَقُطْنِيّ فقد مَلأ كِتَابه من الْأَحَادِيث الغريبة والشاذة والمعللة وَكم فِيهِ من حَدِيث لَا يُوجد فِيهِ غَيره وَفِي رواتها الكذابون والضعفاء والمجاهيل الَّذين لَا يوجدون فِي كتب التواريخ وَلَا فِي كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل كعمرو بن شمر وَجَابِر بن الْجعْفِيّ وحصين بن مُخَارق وَعمر بن حَفْص الْمَكِّيّ وَعبد الله بن عَمْرو بن حسان وَأبي الصَّلْت الْهَرَوِيّ الملقب بجراب الْكَذِب وَعمر بن هَارُون الْبَلْخِي وَعِيسَى بن مَيْمُون الْمدنِي وَآخَرُونَ وَكَيف يجوز أَن يُعَارض بِرِوَايَة هَؤُلَاءِ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أنس الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة الثِّقَات الْأَثْبَات وَمِنْهُم قَتَادَة الَّذِي كَانَ أحفظ أهل زَمَانه وَيَرْوِيه عَنهُ شُعْبَة الملقب بأمير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث وتلقاه الْأَئِمَّة بِالْقبُولِ وَهَذَا البُخَارِيّ مَعَ شدَّة تعصبه وفرط تحمله على مَذْهَب أبي حنيفَة لم يودع فِي صَحِيحه مِنْهَا حَدِيثا وَاحِدًا وَقد تَعب كثيرا فِي تَحْصِيل حَدِيث صَحِيح فِي الْجَهْر حَتَّى يُخرجهُ فِي صَحِيحه فَمَا ظفر بِهِ وَكَذَلِكَ مُسلم لم يذكر شَيْئا من ذَلِك وَلم يذكرَا فِي هَذَا الْبابُُ إِلَّا حَدِيث أنس الدَّال على الْإخْفَاء ( فَإِن قلت) أَنَّهُمَا لم يلتزما أَن يودعا فِي صَحِيحَيْهِمَا كل حَدِيث صَحِيح فيكونان قد تركا أَحَادِيث الْجَهْر فِي جملَة مَا تركاه من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ( قلت) هَذَا لَا يَقُوله إِلَّا كل مكابر أَو سخيف فَإِن مَسْأَلَة الْجَهْر من اعلام الْمسَائِل ومعضلات الْفِقْه وَمن أَكْثَرهَا دورانا فِي المناظرة وجولانا فِي المصنفات وَلَو حلف الشَّخْص بِاللَّه أيمانا مُؤَكدَة أَن البُخَارِيّ لَو اطلع على حَدِيث مِنْهَا مُوَافق لشرطه أَو قريب مِنْهُ لم يخل مِنْهُ كِتَابه وَلَإِنْ سلمنَا فَهَذَا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة مَعَ اشْتِمَال كتبهمْ على الْأَحَادِيث السقيمة والأسانيد الضعيفة لم يخرجُوا مِنْهَا شَيْئا فلولا أَنَّهَا واهية عِنْدهم بِالْكُلِّيَّةِ لما تركوها وَقد تفرد النَّسَائِيّ مِنْهَا بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَهُوَ أقوى مَا فِيهِ عِنْدهم وَقد بَينا ضعفه من وُجُوه.
( فَإِن قلت) أَحَادِيث الْجَهْر تقدم على أَحَادِيث الْإخْفَاء بأَشْيَاء.
مِنْهَا كَثْرَة الروَاة فَإِن أَحَادِيث الْإخْفَاء رَوَاهَا اثْنَان من الصَّحَابَة وهما أنس بن مَالك وَعبد الله بن مُغفل وَأَحَادِيث الْجَهْر فرواها أَكثر من عشْرين صحابيا كَمَا ذكرنَا.
وَمِنْهَا أَن أَحَادِيث الْإخْفَاء شَهَادَة على نفي وَأَحَادِيث الْجَهْر شَهَادَة على إِثْبَات وَالْإِثْبَات مقدم على النَّفْي.
وَمِنْهَا أَن أنسا قد رُوِيَ عَنهُ إِنْكَار ذَلِك فِي الْجُمْلَة فروى أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث سعيد بن زيد أبي سَلمَة قَالَ سَأَلت أنسا أَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين قَالَ إِنَّك لتسألني عَن شَيْء مَا أحفظ أَو مَا سَأَلَني أحد قبلك قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِسْنَاده صَحِيح ( قلت) الْجَواب عَن الأول أَن الِاعْتِمَاد على كَثْرَة الروَاة إِنَّمَا تكون بعد صِحَة الدَّلِيل وَأَحَادِيث الْجَهْر لَيْسَ فِيهَا صَحِيح صَرِيح بِخِلَاف حَدِيث الْإخْفَاء فَإِنَّهُ صَحِيح صَرِيح ثَابت مخرجه فِي الصَّحِيح وَالْمَسَانِيد الْمَعْرُوفَة وَالسّنَن الْمَشْهُورَة مَعَ أَن جمَاعَة من الْحَنَفِيَّة لَا يرَوْنَ التَّرْجِيح بِكَثْرَة الروَاة.
وَعَن الثَّانِي أَن هَذِه الشَّهَادَة وَإِن ظَهرت فِي صُورَة النَّفْي فَمَعْنَاه الْإِثْبَات على أَن هَذَا مُخْتَلف فِيهِ فَعِنْدَ الْبَعْض هما سَوَاء وَعند الْبَعْض النَّافِي مقدم على الْمُثبت وَعند الْبَعْض على الْعَكْس.
وَعَن الثَّالِث أَن إِنْكَار أنس لَا يُقَاوم مَا ثَبت عَنهُ فِي الصَّحِيح وَيحْتَمل أَن يكون أنس نسي فِي تِلْكَ الْحَال لكبر سنه وَقد وَقع مثل هَذَا كثيرا كَمَا سُئِلَ يَوْمًا عَن مَسْأَلَة فَقَالَ عَلَيْكُم بالْحسنِ فَاسْأَلُوهُ فَإِنَّهُ حفظ ونسينا وَكم مِمَّن حدث وَنسي وَيحْتَمل أَنه إِنَّمَا سَأَلَهُ عَن ذكرهَا فِي الصَّلَاة أصلا لَا عَن الْجَهْر بهَا وإخفائها ( فَإِن قلت) يجمع بَين الْأَحَادِيث بِأَن يكون أنس لم يسمعهُ لبعده وَأَنه كَانَ صَبيا يَوْمئِذٍ ( قلت) هَذَا مَرْدُود لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَاجر إِلَى الْمَدِينَة ولأنس يَوْمئِذٍ عشر سِنِين وَمَات وَله عشرُون سنة فَكيف يتَصَوَّر أَن يكون صلى خَلفه عشر سِنِين فَلَا يسمعهُ يَوْمًا من الدَّهْر يجْهر هَذَا بعيد بل يَسْتَحِيل ثمَّ قد روى فِي زمن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَكيف وَهُوَ رجل فِي زمن أبي بكر وَعمر وكهل فِي زمن عُثْمَان مَعَ تقدمه فِي زمانهم وَرِوَايَته للْحَدِيث.
وَقَالَ الْحَازِمِي فِي النَّاسِخ والمنسوخ إِن أَحَادِيث الْجَهْر وَإِن صحت فَهِيَ مَنْسُوخَة بِمَا أخبرنَا وسَاق من طَرِيق أبي دَاوُد حَدثنَا عباد بن مُوسَى حَدثنَا عباد بن الْعَوام عَن شريك عَن سَالم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم بِمَكَّة قَالَ وَكَانَ أهل مَكَّة يدعونَ مُسَيْلمَة الرَّحْمَن وَقَالُوا أَن مُحَمَّدًا يَدْعُو لَهُ الْيَمَامَة فَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأخفاها فَمَا جهر بهَا حَتَّى مَاتَ " ( فَإِن قلت) هَذَا مُرْسل ( قلت) نعم وَلكنه يتقوى بِفعل الْخُلَفَاء الرَّاشِدين لأَنهم كَانُوا أعرف بأواخر الْأُمُور وَالْعجب من صَاحب التَّوْضِيح كَيفَ يَقُول وَردت أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الْجَهْر وَلم يرد تَصْرِيح بالإسرار عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا رِوَايَتَانِ أَحدهمَا عَن ابْن مُغفل وَهِي ضَعِيفَة وَالثَّانيَِة عَن أنس وَهِي معللة بِمَا أوجب سُقُوط الِاحْتِجَاج بهَا وَهل هَذَا إِلَّا من عدم البصيرة وفرط شدَّة العصبية الْبَاطِلَة وَقد عرفت فِيمَا مضى ظلم المتعصبين الَّذين عرفُوا الْحق وغمضوا أَعينهم عَنهُ وأعجب من هَذَا بَعضهم من الَّذين يَزْعمُونَ أَن لَهُم يدا طولى فِي هَذَا الْفَنّ كَيفَ يَقُول يتَعَيَّن الْأَخْذ بِحَدِيث من أَثْبَتَت الْجَهْر فَكيف يجترىء هَذَا ويصدر مِنْهُ هَذَا القَوْل الَّذِي تمجه الأسماع فَأَي حَدِيث صَحَّ فِي الْجَهْر عِنْده حَتَّى يَقُول هَذَا القَوْل النَّوْع الْخَامِس فِي كَونهَا من الْقُرْآن أم لَا وَفِي أَنَّهَا من الْفَاتِحَة أم لَا وَمن أول كل سُورَة أم لَا وَالصَّحِيح من مَذْهَب أَصْحَابنَا أَنَّهَا من الْقُرْآن لِأَن الْأمة أَجمعت على أَن مَا كَانَ مَكْتُوبًا بَين الدفتين بقلم الْوَحْي فَهُوَ من الْقُرْآن وَالتَّسْمِيَة كَذَلِك وَيَنْبَنِي على هَذَا أَن فرض الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة يتَأَدَّى بهَا عِنْد أبي حنيفَة إِذا قَرَأَهَا على قصد الْقِرَاءَة دون الثَّنَاء عِنْد بعض مَشَايِخنَا لِأَنَّهَا آيَة من الْقُرْآن.
وَقَالَ بَعضهم لَا يتَأَدَّى لِأَن فِي كَونهَا آيَة تَامَّة احْتِمَال فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ مَا أنزل الله فِي الْقُرْآن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِلَّا فِي سُورَة النَّمْل وَحدهَا وَلَيْسَت بِآيَة تَامَّة وَإِنَّمَا الْآيَة من قَوْله { إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} فَوَقع الشَّك فِي كَونهَا آيَة تَامَّة فَلَا يجوز بِالشَّكِّ وَكَذَلِكَ يحرم قرَاءَتهَا على الْجنب وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء على قصد الْقُرْآن أما على قِيَاس رِوَايَة الْكَرْخِي فَظَاهر لِأَن مَا دون الْآيَة يحرم عَلَيْهِم وَأما على رِوَايَة الطَّحَاوِيّ لاحْتِمَال أَنَّهَا آيَة تَامَّة فَيحرم عَلَيْهِم احْتِيَاطًا وَهَذَا القَوْل قَول الْمُحَقِّقين من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَهُوَ قَول ابْن الْمُبَارك وَدَاوُد وَأَتْبَاعه وَهُوَ الْمَنْصُوص عَن أَحْمد.
وَقَالَ ت طَائِفَة لَيست من الْقُرْآن إِلَّا فِي سُورَة النَّمْل وَهُوَ قَول مَالك وَبَعض الْحَنَفِيَّة وَبَعض الْحَنَابِلَة.
وَقَالَ ت طائف أَنَّهَا آيَة من كل سُورَة أَو بعض آيَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور عَن الشَّافِعِي وَمن وَافقه وَقد نقل عَن الشَّافِعِي أَنَّهَا لَيست من أَوَائِل السُّور غير الْفَاتِحَة وَإِنَّمَا يستفتح بهَا فِي السُّور تبركا بهَا.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ لما ثَبت عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ترك الْجَهْر بالبسملة ثَبت أَنَّهَا لَيست من الْقُرْآن وَلَو كَانَت من الْقُرْآن لوَجَبَ أَن يجْهر بهَا كَمَا يجْهر بِالْقُرْآنِ سواهَا أَلا يرى أَن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الَّتِي فِي النَّمْل يجب أَن يجْهر بهَا كَمَا يجْهر بغَيْرهَا من الْقُرْآن لِأَنَّهَا من الْقُرْآن وَثَبت أَن يُخَافت بهَا كَمَا يُخَافت بالتعوذ والافتتاح وَمَا أشبههَا وَقد رأيناها أَيْضا مَكْتُوبَة فِي فواتح السُّور فِي الْمُصحف فِي فَاتِحَة الْكتاب وَفِي غَيرهَا وَلما كَانَت فِي غير فَاتِحَة الْكتاب لَيست بِآيَة ثَبت أَيْضا أَنَّهَا فِي فَاتِحَة الْكتاب لَيست بِآيَة ( فَإِن قلت) إِذا لم تكن قُرْآنًا لَكَانَ مدخلها فِي الْقُرْآن كَافِرًا ( قلت) الِاخْتِلَاف فِيهَا يمْنَع من أَن تكون آيَة وَيمْنَع من تَكْفِير من يعدها من الْقُرْآن فَإِن الْكفْر لَا يكون إِلَّا بمخالفة النَّص وَالْإِجْمَاع فِي أَبْوَاب العقائد فَإِن قيل نَحن نقُول أَنَّهَا آيَة فِي غير الْفَاتِحَة فَكَذَلِك أَنَّهَا آيَة من الْفَاتِحَة ( قلت) هَذَا قَول لم يقل بِهِ أحد وَلِهَذَا قَالُوا زعم الشَّافِعِي أَنَّهَا آيَة من كل سُورَة وَمَا سبقه إِلَى هَذَا القَوْل أحد لِأَن الْخلاف بَين السّلف إِنَّمَا هُوَ فِي أَنَّهَا من الْفَاتِحَة أَو لَيست بِآيَة مِنْهَا وَلم يعدها أحد آيَة من سَائِر السُّور وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَنَّهَا آيَة من الْقُرْآن حَيْثُ كتبت وَأَنَّهَا مَعَ ذَلِك لَيست من السُّور بل كتبت آيَة فِي كل سُورَة وَلذَلِك تتلى آيَة مُفْردَة فِي أول كل سُورَة كَمَا تَلَاهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين أنزلت عَلَيْهِ { إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} وَعَن هَذَا قَالَ الشَّيْخ حَافظ الدّين النَّسَفِيّ وَهِي آيَة من الْقُرْآن أنزلت للفصل بَين السُّور وَعَن ابْن عَبَّاس كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يعرف فصل السُّورَة حَتَّى ينزل عَلَيْهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَفِي رِوَايَة لَا يعرف انْقِضَاء السُّورَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم.
وَقَالَ إِنَّه على شَرط الشَّيْخَيْنِ ( فَإِن قلت) لَو لم تكن من أول كل سُورَة لما قَرَأَهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالكوثر ( قلت) لَا نسلم أَنه يدل على أَنَّهَا من أول كل سُورَة بل يدل على أَنَّهَا آيَة مُنْفَرِدَة وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا ورد فِي حَدِيث بَدْء الْوَحْي " فَجَاءَهُ الْملك فَقَالَ لَهُ اقْرَأ فَقَالَ مَا أَنا بقارىء ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قَالَ لَهُ اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق " فَلَو كَانَت الْبَسْمَلَة آيَة من أول كل سُورَة لقَالَ اقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اقْرَأ باسم رَبك وَيدل على ذَلِك أَيْضا مَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن عَيَّاش الْجُهَنِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِن سُورَة من الْقُرْآن شفعت لرجل حَتَّى غفر لَهُ وَهِي تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَلَو كَانَت الْبَسْمَلَة من أول كل سُورَة لافتتحها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك
[ قــ :73 ... غــ :744 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ قَالَ حدَّثنا عُمَارَةُ بنُ القَعْقَاعِ.
قَالَ حدَّثنا أبُو زُرْعَةَ قَالَ حدَّثنا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وبَيْنَ القِرَاءَةِ إسْكَاتَةً قَالَ أحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً فَقُلْتُ بِأبِي وَأُمِّي يَا رسولَ الله إسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ والقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ أقُولُ اللَّهُمَّ باعِدْ بَيْنِي وبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا باعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايايَ بالماءِ وَالثَّلْجِ والبَرَدِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الحَدِيث يتَضَمَّن أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة هَذَا الدُّعَاء الْمَذْكُور، فَيصدق عَلَيْهِ القَوْل: بعد التَّكْبِير، وَهَذَا ظَاهر فِي رِوَايَة: مَا يَقُول بعد التَّكْبِير، وَأما على رِوَايَة مَا يقْرَأ بعد التَّكْبِير فَيحمل على معنى مَا يجمع بَين الدُّعَاء وَالْقِرَاءَة بعد التَّكْبِير، لِأَن أصل هَذَا اللَّفْظ الْجمع، وكل شَيْء جمعته فقد قرأته، وَمِنْه سمي الْقُرْآن قُرْآنًا لِأَنَّهُ جمع بَين الْقَصَص وَالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد.
والآيات والسور بَعْضهَا إِلَى بعض، وَقَول من قَالَ: لما كَانَ الدُّعَاء وَالْقِرَاءَة يقْصد بهما التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى، اسْتغنى بِذكر أَحدهمَا عَن الآخر كَمَا جَاءَ:
علفتها تبنا وَمَاء بَارِدًا
غير سديد، وَكَذَا قَول من قَالَ: دُعَاء الِافْتِتَاح يتَضَمَّن مُنَاجَاة الرب والإقبال عَلَيْهِ بالسؤال، وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة تَتَضَمَّن هَذَا الْمَعْنى، فظهرت الْمُنَاسبَة بَين الْحَدِيثين غير موجه، لِأَن الْمَقْصُود وجود الْمُنَاسبَة بَين التَّرْجَمَة وَحَدِيث الْبابُُ لَا وجود الْمُنَاسبَة بَين الْحَدِيثين.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري الْمَعْرُوف بالتبوذكي.
الثَّانِي: عبد الْوَاحِد ابْن زِيَاد الْعَبْدي أَبُو بشر الْبَصْرِيّ.
الثَّالِث: عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن الْقَعْقَاع بن شبْرمَة الضَّبِّيّ الْكُوفِي.
الرَّابِع: أَبُو زرْعَة، هُوَ عَمْرو بن جرير البَجلِيّ، وَاخْتلف فِي اسْمه فَقيل: هرم، وَقيل: عبد الله، وَقيل: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: عَمْرو، وَقيل: جرير.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي جَمِيع الْإِسْنَاد، وَهَذَا نَادِر فَلذَلِك اخْتَار البُخَارِيّ رِوَايَة عبد الْوَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع.
وَفِيه: الإثنان الْأَوَّلَانِ من الروَاة بصريان، وَاثْنَانِ بعدهمَا كوفيان.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن نمير، وَعَن أبي كَامِل، وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن أبي كَامِل الجحدري بِهِ، وَعَن أَحْمد بن أبي شُعَيْب الْخُزَاعِيّ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن سُفْيَان عَنهُ مُخْتَصرا، وَفِي الطَّهَارَة عَن عَليّ بن حجر عَن جرير بِتَمَامِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعلي بن مُحَمَّد الطنافسي، وروى الْبَزَّار بِسَنَد جيد من حَدِيث خبيب بن سُلَيْمَان بن سَمُرَة عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا صلى أحدكُم فَلْيقل: اللَّهُمَّ باعد بيني وَبَين خطاياي كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن تصدعني بِوَجْهِك يَوْم الْقِيَامَة، اللَّهُمَّ نقني من الْخَطَايَا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس، اللَّهُمَّ أحيني مُسلما وأمتني مُسلما) .
وخبيب، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة: وَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَكَذَلِكَ وثق أَبَاهُ سُلَيْمَان، ورد ابْن الْقطَّان هَذَا الحَدِيث بِجَهْل حَالهمَا غير جيد،.
وَقَالَ الإشبيلي: الصَّحِيح فِي هَذَا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا أمره.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يسكت) ، بِفَتْح الْيَاء من: سكت يسكت سكُوتًا، ويروى: يسكت، بِضَم الْيَاء من أسكت يسكت إسكاتا.
قَالَ الْكرْمَانِي: الْهمزَة للصيرورة.
قلت: مَعْنَاهَا: صيرورة الشَّيْء إِلَى مَا اشتق مِنْهُ الْفِعْل، كأغد الْبَعِير أَي: صَار ذَا غُدَّة، وَمَعْنَاهُ هُنَا: يصير ذَا سكُوت، وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى الدُّخُول فِي الشَّيْء، تَقْدِيره: كَانَ يدْخل فِي السُّكُوت بَين التَّكْبِير وَبَين الْقِرَاءَة.
قَوْله: (إسكاته) بِكَسْر الْهمزَة على وزن: إفعالة، قَالَ بَعضهم: إسكاتة من السُّكُوت.
قلت: لَا بل من أسكت، وَالسُّكُوت من سكت، وَهَذَا الْوَزْن للمرة وَالنَّوْع من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ، وَمن الْمُجَرّد يَجِيء على: سكتة، بِالْفَتْح للمرة، وبالكسر للنوع، وَالْأَصْل فِي الْمَزِيد فِيهِ من الثلاثي والرباعي الْمُجَرّد والمزيد أَن مصدرها إِذا كَانَ بِالتَّاءِ فالمرة وَالنَّوْع على مصدرها الْمُسْتَعْمل والفارق الْقَرَائِن نَحْو: استقامة ودحرجة وَاحِدَة أَو حَسَنَة، وَإِن لم يكن بِالتَّاءِ فلبناء على مصدره مزبدا فِيهِ التَّاء، نَحْو: انطلاقة وتدحرجة وَاحِدَة أَو حَسَنَة.
وشذ قَوْلهم: أَتَيْته إتيانة، ولقيته لِقَاء، لِأَنَّهُمَا من الثلاثي الْمُجَرّد الَّذِي لَا تَاء فِي مصدره، إِذْ مصدرهما إتْيَان ولقاء.
وَالْقِيَاس: إتية ولقية،.
وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ سكُوتًا يَقْتَضِي بعده كلَاما أَو قِرَاءَة مَعَ قصر الْمدَّة، وَأُرِيد بِهَذَا النَّوْع من السُّكُوت ترك رفع الصَّوْت بالْكلَام.
ألاَ ترَاهُ يَقُول: مَا تَقول فِي إسكاتك؟ وانتصاب إسكاته على أَنه مفعول مُطلق أما على رِوَايَة: يسكت، بِضَم الْيَاء فَظَاهر لِأَنَّهُ على الأَصْل، وَأما على رِوَايَة: يسكت، بِفَتْح الْيَاء فعلى خلاف الْقيَاس، لِأَن الْقيَاس سكُوتًا كَمَا جَاءَ بِالْعَكْسِ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتا} (نوح: 17) .
وَالْقِيَاس: إنباتا.
قَوْله: (أَحْسبهُ قَالَ هنيَّة) أَي: قَالَ أَبُو زرْعَة: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة بدل إسكاته: هنيَّة، هَذِه رِوَايَة عبد الْوَاحِد بن زِيَاد بِالظَّنِّ، وَرَوَاهُ جرير عِنْد مُسلم وَغَيره وَابْن فُضَيْل عِنْد ابْن مَاجَه وَغَيره بِلَفْظ: (سكت هنيَّة) ، بِغَيْر تردد وَإِنَّمَا اخْتَار البُخَارِيّ رِوَايَة عبد الْوَاحِد لوُقُوع التَّصْرِيح بِالتَّحْدِيثِ فِيهَا فِي جَمِيع وَأما هنيئة فَفِيهِ أوجه: الأول: بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْهمزَة،.
وَقَالَ ابْن قرقول: كَذَا عِنْد الطَّبَرِيّ، وَلَا وَجه لَهُ،.
وَقَالَ : وَعند الْأصيلِيّ وَابْن الْحذاء وَابْن السكن: هنيهة، بِالْهَاءِ الْمَفْتُوحَة مَوضِع الْهمزَة، وَهُوَ الْوَجْه الثَّانِي: قلت: هُوَ رِوَايَة الْكشميهني، وَرِوَايَة إِسْحَاق والْحميدِي فِي مسنديهما عَن جرير.
الْوَجْه الثَّالِث: قَالَه النَّوَوِيّ، هنيَّة، بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَتَشْديد الْيَاء بِغَيْر همزَة، وَمن همزها فقد أَخطَأ قلت: ذكر عِيَاض والقرطبي أَن أَكثر رُوَاة مُسلم بِالْهَمْزَةِ،.
وَقَالَ النَّوَوِيّ أَصْلهَا: هنوة، فَلَمَّا صغرت صَارَت: هنيوة، فاجتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاو يَاء، وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء.
وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني: هنيَّة هِيَ الْيَسِيرَة من الشَّيْء مَا كَانَ.
قَوْله: (بِأبي وَأمي) الْبَاء تتَعَلَّق بِمَحْذُوف إِمَّا إسم: فَيكون تَقْدِيره: أَنْت مفدرى بِأبي وَأمي، وَإِمَّا فعل: فالتقدير: فديتك بِأبي، وَحذف تَخْفِيفًا لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال، وَعلم الْمُخَاطب بِهِ، وَفِيه تفدية الشَّارِع بِالْآبَاءِ والأمهات.
وَهل يجوز تفدية غَيره من الْمُؤمنِينَ؟ فِيهِ مَذَاهِب أَصَحهَا: نعم بِلَا كَرَاهَة.
وَثَانِيها: الْمَنْع، وَذَلِكَ خَاص بِهِ.
وَثَالِثهَا: يجوز تفدية الْعلمَاء الصَّالِحين الأخيار دون غَيرهم.
قَوْله: (إسكاتك) بِكَسْر الْهمزَة، قَالَ بَعضهم: وَهُوَ بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَلم يبين خَبره، وَالصَّحِيح أَنه بِالنّصب على أَنه مفعول: فعل، مُقَدّر أَي: أَسأَلك إسكاتك مَا تَقول فِيهِ؟ ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أَو مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض، أَي: مَا تَقول فِي إسكاتك؟ وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي بِفَتْح الْهمزَة وَضم السِّين على الِاسْتِفْهَام، وَفِي رِوَايَة الْحميدِي: (مَا تَقول فِي سكتتك بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة؟) وَلمُسلم: (أَرَأَيْت سكوتك؟) وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، وَمَعْنَاهُ: أَخْبرنِي سكوتك.
قَوْله: (مَا تَقول؟) أَي: فِيهَا.
قيل: السُّكُوت منَاف، لِلْقَوْلِ، فَكيف يَصح أَن يُقَال مَا تَقول فِي سكوتك؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه اسْتدلَّ على أصل القَوْل بحركة الْفَم، كَمَا اسْتدلَّ بِهِ على قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الظّهْر وَالْعصر باضطراب اللِّحْيَة.
قَوْله: (باعد) بِمَعْنى: أبعد، قَالَ الْكرْمَانِي: أخرجه إِلَى صِيغَة المفاعلة للْمُبَالَغَة.
قلت: لم يقل أهل التصريف إلاّ للتكثير، نَحْو: ضاعفت، بِمَعْنى ضعفت.
.
وَفِي الْمُبَالغَة معنى التكثير.
قَوْله: (خطاياي) ، جمع خطية كالعطايا جمع عَطِيَّة، يُقَال: خطأ فِي دينه خطأ إِذا أَثم فِيهِ، وَالْخَطَأ بِالْكَسْرِ الذَّنب وَالْإِثْم، وأصل خَطَايَا خطايىء، فقلبوا الْيَاء همزَة كَمَا فِي قبائل جمع قَبيلَة، فَصَارَ خطأيء بهمزتين، فقلبوا الثَّانِيَة يَاء فَصَارَ: خطائي، ثمَّ قلبت الْهمزَة يَاء مَفْتُوحَة فَصَارَت: خطايي، فقلبت الْيَاء فَصَارَ: خَطَايَا: إِن كَانَ يُرَاد بهَا اللاحقة فَمَعْنَاه إِذا قدر لي ذَنْب فباعد بيني وَبَينه، وَإِن كَانَ يُرَاد بهَا السَّابِقَة فَمَعْنَاه المحو والغفران، وَيُقَال: المُرَاد بالمباعدة محو مَا حصل مِنْهَا والعصمة عَمَّا سَيَأْتِي مِنْهَا، وَهَذَا مجَاز، لِأَن حَقِيقَة المباعدة إِنَّمَا هِيَ فِي الزَّمَان وَالْمَكَان.
قَوْله: (كَمَا باعدت) كلمة: مَا، مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره: كتبعيدك بَين الْمشرق وَالْمغْرب، وَوجه الشّبَه أَن التقاء الْمشرق وَالْمغْرب لما كَانَ مستحيلاً شبه أَن يكون اقترابه من الذَّنب كاقتراب الْمشرق وَالْمغْرب.
.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: كرر لفظ: الْبَين، فِي قَوْله: (وباعد بيني وَبَين خطاياي) ، وَلم يُكَرر: بَين الْمشرق وَالْمغْرب، لِأَنَّهُ إِذا عطف على الْمُضمر الْمَجْرُور أُعِيد الْخَافِض.
قلت: يرد عَلَيْهِ قَوْله: بَين التَّكْبِير وَبَين الْقِرَاءَة.
قَوْله: (نقني) بتَشْديد الْقَاف وَهُوَ أَمر من: نقى ينقي تنقية، وَهُوَ مجَاز عَن إِزَالَة الذُّنُوب ومحو أَثَرهَا.
قَوْله: (من الدنس) بِفَتْح النُّون وَهُوَ: الْوَسخ.
قَوْله: (كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض) ، وَإِنَّمَا شبه بِهِ لِأَن الثَّوْب الْأَبْيَض أظهر من غَيره من الألوان.
قَوْله: (وَالْبرد) بِفَتْح الرَّاء، وَهُوَ حب الْغَمَام.
قَالَ الْكرْمَانِي: الْغسْل الْبَالِغ إِنَّمَا يكون بِالْمَاءِ الْحَار، فَلم ذكر كَذَلِك؟ فَأجَاب نَاقِلا عَن مُحي السّنة: مَعْنَاهُ طهرني من الذُّنُوب، وذكرهما مُبَالغَة فِي التَّطْهِير،.
وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذِه أَمْثَال، وَلم يرد بهَا أَعْيَان هَذِه المسميات، وَإِنَّمَا أَرَادَ بهَا التوكيد فِي التَّطْهِير من الْخَطَايَا وَالْمُبَالغَة فِي محوها عَنهُ، والثلج وَالْبرد مَا أَن لم تمسهما الْأَيْدِي وَلم يمتهنهما اسْتِعْمَال، فَكَانَ ضرب الْمثل بهما أوكد فِي بَيَان معنى مَا أَرَادَهُ من تَطْهِير الثَّوْب.
.
وَقَالَ التوربشتي: ذكر أَنْوَاع المطهرات الْمنزلَة من السَّمَاء الَّتِي لَا يُمكن حُصُول الطَّهَارَة الْكَامِلَة إلاّ بأحدها، بَيَانا لأنواع الْمَغْفِرَة الَّتِي لَا تخلص من الذُّنُوب إلاّ بهَا، أَي: طهرني بأنواع مغفرتك الَّتِي هِيَ فِي تمحيص الذُّنُوب بِمَثَابَة هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة فِي إِزَالَة الأرجاس وَرفع الْأَحْدَاث.
.
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: يُمكن أَن يُقَال: ذكر الثَّلج وَالْبرد بعد ذكر المَاء لطلب شُمُول الرَّحْمَة بعد الْمَغْفِرَة والتركيب من بابُُ: رَأَيْته مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا، أَي: إغسل خطاياي بِالْمَاءِ أَي: اغفرها، وزد على الغفران شُمُول الرَّحْمَة.
طلب أَولا المباعدة بَينه وَبَين الْخَطَايَا، ثمَّ طلب تنقية مَا عَسى أَن يبْقى مِنْهَا شَيْء تنقية تَامَّة، ثمَّ سَأَلَ ثَالِثا بعد الغفران غَايَة الرَّحْمَة عَلَيْهِ بعد التَّخْلِيَة.
.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَالْأَقْرَب أَن يَقُول: جعل الْخَطَايَا بِمَنْزِلَة نَار جَهَنَّم لِأَنَّهَا مستوجبة لَهَا بِحَسب وعد الشَّارِع، قَالَ تَعَالَى: { وَمن يعْص الله وَرَسُوله فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم} (الْجِنّ: 3) .
فَعبر عَن إطفاء حَرَارَتهَا بِالْغسْلِ تَأْكِيدًا فِي الإطفاء، وَبَالغ فِيهِ بِاسْتِعْمَال المبردات ترقيا عَن المَاء إِلَى أبرد مِنْهُ، وَهُوَ الثَّلج ثمَّ إِلَى أبرد من الثَّلج وَهُوَ الْبرد، بِدَلِيل جموده لِأَن مَا هُوَ أبرد فَهُوَ أجمد.
وَأما تثليث الدَّعْوَات فَيحْتَمل أَن يكون نظرا إِلَى الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة، فالمباعدة للمستقبل والتنقية للْحَال وَالْغسْل للماضي.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: ذكر البُخَارِيّ لهَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبابُُ دَلِيل على أَنه يرى الاستفتاح بِهَذَا، وَقد اخْتلف النَّاس فِيمَا يستفتح بِهِ الصَّلَاة.
فَأَبُو حنيفَة وَأحمد يريان الاستفتاح بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه.
فَأَبُو دَاوُد عَن حُسَيْن بن عِيسَى: حَدثنَا طلق بن غَنَّام حَدثنَا عبد السَّلَام بن حَرْب الْملَائي عَن بديل بن ميسرَة عَن أبي الجوراء عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استفتح الصَّلَاة قَالَ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك)) .
وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث حَارِثَة بن أبي الرِّجَال: عَن عمْرَة عَن عَائِشَة؛ (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا استفتح الصَّلَاة قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ) إِلَى آخِره، نَحوه، وَأَبُو الجوراء، بِالْجِيم وَالرَّاء: واسْمه أَوْس بن عبد الله الربعِي الْبَصْرِيّ.
فَإِن قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بالمشهور عَن عبد السَّلَام بن حَرْب، وَلم يروه إلاّ طلق بن غَنَّام، وَقد روى قصَّة الصَّلَاة جمَاعَة غير وَاحِد عَن بديل لم يذكرُوا فِيهِ شَيْئا من هَذَا.
.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إلاّ من هَذَا الْوَجْه، وحارثة قد تكلم فِيهِ قلت: قد أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك بِالْإِسْنَادِ: أَعنِي إِسْنَاد أبي دَاوُد وَإسْنَاد التِّرْمِذِيّ.
.
وَقَالَ : صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، وَلَا أحفظ فِي قَوْله: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك) فِي الصَّلَاة أصح من هَذَا الحَدِيث.
وَقد صَحَّ عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ يَقُوله.
ثمَّ أخرجه عَن الْأَعْمَش عَن الْأسود عَن عمر قَالَ: وَقد أسْندهُ بَعضهم عَن عمر وَلَا يَصح.
وَأخرجه مُسلم فِي (صَحِيحه) عَن عَبدة وَهُوَ ابْن أبي لبابَُُة: أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يجْهر بهؤلاء الْكَلِمَات يَقُول: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك) .
.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ وَعَبدَة: لَا يعرف لَهُ سَماع من عمر، وَإِنَّمَا سمع من ابْنه عبد الله، وَيُقَال: إِنَّه رأى عمر رُؤْيَة.
.
وَقَالَ صَاحب (التَّنْقِيح) : وَإِنَّمَا أخرجه مُسلم فِي (صَحِيحه) لِأَنَّهُ سَمعه مَعَ غَيره.
.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابه (الْعِلَل) : وَقد رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن عبد الْملك بن حميد بن أبي غنية عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن الْأسود عَن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَخَالفهُ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فَرَوَاهُ عَن الْأسود عَن عمر.
قَوْله: وَهُوَ الصَّحِيح، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة كبر ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك، ثمَّ يَقُول: الله أكبر كَبِيرا، ثمَّ يَقُول: أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزَة ونفخه ونفثه) .
ثمَّ قَالَ: وَفِي الْبابُُ عَن عَليّ وَعبد الله بن مَسْعُود وَعَائِشَة وَجَابِر وَجبير بن مطعم وَابْن عمر، ثمَّ قَالَ، وَحَدِيث أبي سعيد أشهر حَدِيث فِي هَذَا الْبابُُ.
وَقد أَخذ قوم من أهل الْعلم بِهَذَا الحَدِيث.
وَأما أَكثر أهل الْعلم فَقَالُوا: إِنَّمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك) ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم من التَّابِعين وَغَيرهم.
قلت: أما حَدِيث عَليّ فَأخْرجهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي أول كتاب (الْجَامِع) عَن اللَّيْث بن سعد عَن سعيد بن يزِيد عَن الْأَعْرَج عَن عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يجمع فِي أول صلَاته بَين: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَبَين وجهت وَجْهي إِلَى آخرهما.
قَالَ إِسْحَاق: وَالْجمع بَينهمَا أحب إِلَيّ.
وَفِي كتاب (الْعِلَل) لِابْنِ أبي حَاتِم: سُئِلَ أَحْمد بن سَلمَة، أَي: عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: حَدِيث مَوْضُوع بَاطِل لَا أصل لَهُ، أرى أَن هَذَا من رِوَايَة خَالِد بن الْقَاسِم المدايني، وَقد كَانَ خرج إِلَى مصر فَسمع من اللَّيْث وَرجع إِلَى الْمَدَائِن فَسمع مِنْهُ النَّاس، فَكَانَ يُوصل الْمَرَاسِيل وَيَضَع لَهَا أَسَانِيد.
فَخرج رجل من أهل الحَدِيث إِلَى مصر فَكتب، كتب اللَّيْث هُنَالك، ثمَّ قدم بهَا بَغْدَاد فعارضوا بِتِلْكَ الْأَحَادِيث، فَبَان لَهُم أَن أَحَادِيث خَالِد مفتعلة.
وَقد روى مُسلم حَدِيث عَليّ مُنْفَردا بقوله: (وجهت وَجْهي) ، فَقَط أخرجه فِي التَّهَجُّد من رِوَايَة عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَليّ بن أبي طَالب: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَالَ: وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من الْمُشْركين إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شرك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا من الْمُسلمين) .
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (وَأَنا أول الْمُسلمين) ، اللَّهُمَّ أَنْت الْملك لَا إِلَه إلاّ أَنْت) .
الحَدِيث.
وَأما حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه من حَدِيث أبي الأحوض عَن عبد الله قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك ... إِلَى آخِره.
وَأما حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَأما حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستفتح الصَّلَاة، بسبحانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك) إِلَى آخِره، وَبعده ابْن قدامَة: رجال إِسْنَاده كلهم ثِقَات، وَطعن فِيهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ.
وَأما حَدِيث جُبَير بن مطعم فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد عَن ابْن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه أَنه: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي صَلَاة، قَالَ عمر: وَلَا أَدْرِي أَي صَلَاة هِيَ، قَالَ: الله أكبر كَبِيرا الله أكبر كَبِيرا الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله حمدا كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا ثَلَاثًا، أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم من نفخه ونفثه وهمزه) .
وَأما حَدِيث ابْن عمر فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر: عَن عبد الله بن عمر، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ: وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا.
وَمَا أَنا من الْمُشْركين، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك، إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين) .
وَقد ذكرنَا عَن مُسلم أَنه أخرج عَن عَليّ: (وجهت وَجْهي) إِلَى آخِره.
قلت: وَفِي الْبابُُ أَيْضا عَن أنس أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حميد عَن أنس، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة كبر ثمَّ رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بإبهاميه أُذُنَيْهِ ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك) .
ثمَّ قَالَ: وَرِجَال إِسْنَاده كلهم ثِقَات.
وَعَن الحكم بن عُمَيْر الثمالِي أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا: إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فارفعوا أَيْدِيكُم وَلَا تخَالف آذانكم.
ثمَّ قُولُوا: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك، وَإِن لم تَزِيدُوا على التَّكْبِير أجزاكم) وَعَن وَاثِلَة أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَانَ يَقُول إِذا افْتتح الصَّلَاة: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك.
.
) إِلَى آخِره.
وَعَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر بن الْخطاب: كَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا كبر للصَّلَاة قَالَ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك.
.
) إِلَى آخِره،.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْمَحْفُوظ أَنه مَوْقُوف على عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى عَن قريب.
وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي الاستفتاح بِحَدِيث عَليّ من عِنْد مُسلم، وَقد مضى عَن قريب.
.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَانَ ذَلِك فِي أول الْأَمر أَو النَّافِلَة.
قلت: كَانَ فِي النَّافِلَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن مسلمة: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ يُصَلِّي تَطَوّعا قَالَ: وجهت وَجْهي) إِلَى آخِره.
وَلَكِن فِي (صَحِيح ابْن حبَان) : كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة.
.
) قَالَه،.
وَقَالَ ابْن قدامَة: الْعَمَل بِهِ مَتْرُوك، فَإنَّا لَا نعلم أحدا استفتح بِالْحَدِيثِ كُله، وَإِنَّمَا يستفتحون بأوله.
.
وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (شرح الْمسند) : الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي (الْأُم) أَنه يَأْتِي بِهَذِهِ الْأَذْكَار جَمِيعًا من أَولهَا إِلَى آخرهَا فِي الْفَرِيضَة والنافلة، وَأما الْمُزنِيّ فروى عَنهُ أَنه يَقُول: وجهت وَجْهي ... إِلَى قَوْله: من الْمُسلمين.
قَالَ أَبُو يُوسُف: يجمع بَين قَول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَبَين قَول: وجهت وَجْهي، وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَأبي حَامِد الشافعيين.
وَفِي (الْمُحِيط) : يسْتَحبّ قَول: وجهت وَجْهي قبل التَّكْبِير، وَقيل: لَا يسْتَحبّ لتطويل الْقيام مُسْتَقْبل الْقبْلَة من غير صَلَاة.
.
وَقَالَ ابْن بطال: إِن الشَّافِعِي قَالَ: أحب للْإِمَام إِن يكون لَهُ سكتة بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة ليقْرَأ الْمَأْمُوم فِيهَا، ثمَّ قَالَ: وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة يرد الْعلَّة الَّتِي علل بهَا الشَّافِعِي هَذِه السكتة، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة سَأَلَ الشَّارِع عَنْهَا، فَقَالَ: أَقُول: اللَّهُمَّ باعد ... إِلَى آخِره، وَلَو كَانَ ليقْرَأ من وَرَاء الإِمَام فِيهَا لذكر ذَلِك، فَبين أَن السكتة لغير مَا قَالَه الشَّافِعِي.
.
وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذَا الَّذِي قَالَه عَن الشَّافِعِي غلط من أَصله، فَإِن الَّذِي استحبه الشَّافِعِي السكتة فِيهَا لأجل قِرَاءَة الْمَأْمُوم الْفَاتِحَة إِنَّمَا هِيَ السكتة الثَّالِثَة بعد قَوْله: آمين، ورده ابْن الْمُنِير أَيْضا بِأَنَّهُ: لَا يلْزم من كَونه أخبرهُ بِصفة مَا يَقُول أَن لَا يكون سَبَب السُّكُوت مَا ذكر، وَقيل: هَذَا النَّقْل من أَصله غير مَعْرُوف عَن الشَّافِعِي وَلَا عَن أَصْحَابه، إلاّ أَن الْغَزالِيّ قَالَ فِي (الْإِحْيَاء) : إِن الْمَأْمُوم يقْرَأ الْفَاتِحَة إِذا اشْتغل الإِمَام بِدُعَاء الِافْتِتَاح، وخولف فِي ذَلِك، بل أطلق الْمُتَوَلِي وَغَيره تَقْدِيم الْمَأْمُوم قِرَاءَة الْفَاتِحَة على الإِمَام.
وَفِي وَجه إِن فرغها قبله بطلت صلَاته، وَالْمَعْرُوف أَن الْمَأْمُوم يقْرؤهَا إِذا سكت الإِمَام بَين الْفَاتِحَة وَالسورَة، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ عِيَاض وَغَيره عَن الشَّافِعِي.
وَقد نَص الشَّافِعِي على أَن الْمَأْمُوم يَقُول دُعَاء الِافْتِتَاح كَمَا يَقُوله الإِمَام قلت: قَالَ الْمُزنِيّ: وَهُوَ فِي حق الإِمَام فَقَط،.
وَقَالَ بَعضهم: والسكتة الَّتِي بَين الْفَاتِحَة وَالسورَة ثَبت فِيهَا حَدِيث سَمُرَة عِنْد أبي دَاوُد وَغَيره.
قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا إِسْمَاعِيل عَن يُونُس عَن الْحسن قَالَ: قَالَ سَمُرَة: حفظت سكتتين فِي الصَّلَاة، سكتة إِذا كبر الإِمَام حِين يقْرَأ، وسكتة إِذا فرغ من فَاتِحَة الْكتاب، وَسورَة عِنْد الرُّكُوع.
قَالَ: فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ عمرَان بن الْحصين، قَالَ: فَكَتَبُوا فِي ذَلِك إِلَى الْمَدِينَة، إِلَى أبي، فَصدق سَمُرَة.
قَوْله: (سكتة إِذا كبر الإِمَام) فِيهِ دَلِيل لأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل، وَالْجُمْهُور إِنَّه يسْتَحبّ دُعَاء الِافْتِتَاح.
.
وَقَالَ مَالك: لَا يسْتَحبّ دُعَاء الِافْتِتَاح بعد تَكْبِيرَة الإفتتاح.
قَوْله: (وسكتة إِذا فرغ) ، أَي: عِنْد فرَاغ الإِمَام التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضعمام من فَاتِحَة الْكتاب وَسورَة،.
وَقَالَ الْخطابِيّ: وَهَذِه السكتة ليقْرَأ من خلف الإِمَام وَلَا ينازعه فِي الْقِرَاءَة، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، وَعند أَصْحَابنَا: لَا يقْرَأ الْمُقْتَدِي خلف الإِمَام، فَتحمل هَذِه السكتة عندنَا على الْفَصْل بَين الْقِرَاءَة وَالرُّكُوع بالتأني وَترك الاستعجال بِالرُّكُوعِ بعد الْفَرَاغ من الْقِرَاءَة، وَلَكِن حد هَذِه السكتة قدر مَا يَقع بِهِ الْفَصْل بَين الْقِرَاءَة وَالرُّكُوع، حَتَّى إِذا طَال جدا، فَإِن كَانَ عمدا يكره، وَإِن كَانَ سَهوا يجب عَلَيْهِ سَجْدَة السَّهْو، لِأَن فِيهِ تَأْخِير الرُّكْن.
.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَكَذَا قَالَ حميد: وسكتة إِذا فرغ من الْقِرَاءَة، وَقد حمل الْبَعْض هَذِه السكتة على ترك رفع الصَّوْت بِالْقِرَاءَةِ دون السُّكُوت عَن الْقِرَاءَة،.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا القعْنبِي، قَالَ مَالك: لَا بَأْس بِالدُّعَاءِ فِي الصَّلَاة فِي أَوله وَفِي أوسطه وَفِي آخِره فِي الْفَرِيضَة وَغَيرهَا.
قلت: وَكَذَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي،.
وَقَالَ الْبَغَوِيّ: وَبِأَيِّ دُعَاء من الْأَدْعِيَة الْوَارِدَة فِي هَذَا الْبابُُ استفتح حصلت سنة الِافْتِتَاح، وَعِنْدنَا: لَا يستفتح إلاّ بسبحانك اللَّهُمَّ.
.
إِلَى آخِره، وَأما الْأَدْعِيَة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْبابُُ فَإِن أَرَادَ يَدْعُو بهَا فِي آخر صلَاته بعد الْفَرَاغ من التَّشَهُّد فِي الْفَرْض، وَأما بابُُ النَّفْل فواسع، وكل مَا جَاءَ فِي هَذِه الْأَدْعِيَة فَمَحْمُول على صَلَاة اللَّيْل.
.
وَقَالَ ابْن بطال: لَو كَانَت هَذِه السكتة فِيمَا واظب عَلَيْهِ الشَّارِع لنقلها أهل الْمَدِينَة عيَانًا وَعَملا، فَيحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلهَا فِي وَقت ثمَّ تَركهَا، فَتَركهَا وَاسع.
.
وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : الحَدِيث ورد بِلَفْظ: (كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة) وبلفظ: (كَانَ إِذا قَامَ يُصَلِّي تَطَوّعا) .
وبلفظ: (كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة قَالَه) .
وَكَانَ، هُنَا يشْعر بالمداومة عَلَيْهِ قلت: إِذا ثبتَتْ المداومة يثبت الْوُجُوب، وَلم يقل بِهِ أحد.
[ قــ :74 ... غــ :745 ]
- ح دَّثنا ابنُ أبي مَرْيَمَ قَالَ أخبَرَنَا نافِعُ بنُ عُمَرَ قَالَ حدَّثني ابْن أبي مُلَيْكَةَ عَنْ أسْمَاءَ بنتِ أبِي بَكْرٍ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَّى صَلاَةَ الكُسُوفِ فقَامَ فأطالَ القِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فأطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ قامَ فأطَالَ القِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثمَّ رفَعَ ثُمَّ سجَدَ فأطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَ ثمَّ سَجَدَ فأطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ قامَ فأطالَ القِيَامَ ثمَّ رَكَعَ فأطالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فأطالَ القِيامَ ثُمَّ ركعَ فأطَالَ الركوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجدَ فأطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ انصَرفَ فقالَ قَدْ دَنَتْ منِّي الجَنَّةُ حَتى لَوِ اجْتَرأتُ علَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا ودَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى.
قُلْتُ أيْ ربِّ أوَأنَا مَعَهُمْ فَإذَا امْرَأةٌ حَسِبْتُ أنَّهُ قَالَ تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ.
قُلْتُ مَا شَأنُ هَذِهِ قالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعا لَا أطْعَمَتْهَا وَلَا أرْسَلَتْهَا تَأكُلُ.
قَالَ نافِعٌ حَسِبْتُ أنهُ قَالَ مِنْ خَشِيش الارْضِ أوْ خِشَاشِ (الحَدِيث 745 طرفه فِي: 364) .
لم يَقع بَين هَذَا الحَدِيث والْحَدِيث الَّذِي قبله شَيْء من لَفْظَة: بابُُ، مُجَرّدَة وَلَا بترجمة فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَأبي الْوَقْت، وَكَذَا لم يذكر أَبُو نعيم، وَلَا ذكره ابْن بطال فِي (شَرحه) .
وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة لَفْظَة: بابُُ، بِلَا تَرْجَمَة، وَكَذَا ذكره الْإِسْمَاعِيلِيّ لَفْظَة: بابُُ، بِلَا تَرْجَمَة.
ثمَّ على تَقْدِير عدم وُقُوع شَيْء من ذَلِك بَين الْحَدِيثين يطْلب من وَجه الْمُطَابقَة بَين هَذَا الحَدِيث وَبَين التَّرْجَمَة، فَقَالَ بَعضهم: فعلى هَذَا مُنَاسبَة الحَدِيث غير ظَاهِرَة للتَّرْجَمَة قلت: ظَاهِرَة، وَهِي فِي قَوْله: (فَقَامَ فَأطَال الْقيام) .
لِأَن إطالة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقيام بِحَسب الظَّاهِر كَانَت مُشْتَمِلَة على قِرَاءَة الدُّعَاء وَقِرَاءَة الْقُرْآن، وَقد علم أَن الدُّعَاء عقيب الِافْتِتَاح قبل الشُّرُوع فِي الْقِرَاءَة، فَصدق عَلَيْهِ: بابُُ مَا يَقُول بعد التَّكْبِير، وَهِي مُطَابقَة ظَاهِرَة جدا.
وَقد قَالَ الْكرْمَانِي: لما كَانَت قِرَاءَة دُعَاء الِافْتِتَاح مستلزمة لتطويل الْقيام، وَهَذَا فِيهِ تَطْوِيل الْقيام، ذكره هَهُنَا من جِهَة هَذِه الْمُنَاسبَة.
قلت: هَذَا غير سديد، لِأَن التَّرْجَمَة: بابُُ مَا يَقُول بعد التَّكْبِير، وَلَيْسَت فِي تَطْوِيل الْقيام،.
وَقَالَ بَعضهم: وَأحسن مِنْهُ مَا قَالَه ابْن رشيد: يحْتَمل أَن تكون الْمُنَاسبَة فِي قَوْله: (حَتَّى قلت إِي رب أوأنا مَعَهم؟) لِأَنَّهُ، وَإِن لم يكن فِيهِ دُعَاء فَفِيهِ مُنَاجَاة واستعطاف، فيجمعه مَعَ الَّذِي قبله جَوَاز دُعَاء الله ومناجاته بِكُل مَا فِيهِ خضوع، وَلَا يخْتَص بِمَا ورد فِي الْقُرْآن، خلافًا للحنفية.
انْتهى.
قلت: هَذَا كَلَام طائح، أما أَولا فَلِأَنَّهُ لَا يدل أصلا على الْمَقْصُود على مَا لَا يخفى على من لَهُ ذوق من طعم تراكيب الْكَلَام.
وَأما ثَانِيًا فَلِأَن العَبْد يُنَاجِي ربه ويستعطفه وَهُوَ سَاكِت، ومقام الْمُنَاجَاة والاستعطاف يكون بِكُل ذكر يَلِيق لذاته وَصِفَاته.
وَالْحَال أَن الله حث عبيده فِي غير مَوضِع من الْقُرْآن، وحث نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غير مَوضِع من حَدِيثه بِذكرِهِ ومدح الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَات، وكل ذَلِك بِاللِّسَانِ، وَهُوَ ترجمان الْقلب.
وَمُجَرَّد الخضوع لَا يُغني عَن الذّكر، وَالْحسن فِي الخضوع مَعَ الذّكر.
وَأما ثَالِثا فَكيف يَقُول: وَلَا يخْتَص بِمَا ورد فِي الْقُرْآن؟ أفيليق للْعَبد أَن يَقُول فِي صلَاته، وَهِي مَحل الْمُنَاجَاة والخضوع: اللَّهُمَّ اعطني ألف دِينَار مثلا؟ أَو: زَوجنِي امْرَأَة فلانية؟ وَهَذَا يُنَافِي الخضوع والخشوع؟ وَكَيف وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن صَلَاتنَا هَذِه لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس) الحَدِيث؛ وَأما على تَقْدِير وُقُوع لَفْظَة: بابُُ، بَين الْحَدِيثين فَهِيَ بِمَنْزِلَة الْفَصْل من الْبابُُ الَّذِي قبله، وَتَكون الْمُنَاسبَة بَينهمَا تعلقا مَا، وَالَّذِي ذكره الْكرْمَانِي هُوَ هَذَا التَّعَلُّق.
فَافْهَم.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم ابْن أبي مَرْيَم الجُمَحِي مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ.
الثَّانِي: نَافِع بن عمر ابْن عبد الله الجُمَحِي الْقرشِي، من أهل مَكَّة، ذكر الطَّبَرِيّ أَنه: مَاتَ بِمَكَّة سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة.
الثَّالِث: عبد الله بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي مليكَة.
وَأَبُو بكر.
وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد، وَاسم أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم: زُهَيْر بن عبد الله التَّيْمِيّ الْأَحول الْمَكِّيّ القَاضِي على عهد ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
الرَّابِع: أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، أم عبد الله بن الزبير، وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا: ذَات النطاقين، أُخْت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، مَاتَت بِمَكَّة سنة ثَلَاث وَسبعين، وَكَانَت بنت مائَة سنة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين، وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومكي، وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: إخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشّرْب عَن سعيد بن أبي مَرْيَم.
قلت: أخرجه فِي: بابُُ فضل سقِِي المَاء.
حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم حَدثنَا نَافِع بن عمر عَن ابْن أبي مليكَة: (عَن أَسمَاء بنت أبي بكر: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة الْكُسُوف، فَقَالَ: دنت مني النَّار حَتَّى قلت: إِي رب أوأنا مَعَهم؟ فَإِذا امْرَأَة حسبت أَنه قَالَ: تخدشها هرة، قَالَ: مَا شَأْن هَذِه؟ قَالُوا: حبستها حَتَّى مَاتَت جوعا) .
انْتهى.
فسنده بِعَين سَنَد حَدِيث هَذَا الْبابُُ، إلاّ أَن فِي الْمَتْن اقتصارا وَبَعض اخْتِلَاف.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة: عَن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب عَن مُوسَى بن دَاوُد.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحرز بن سَلمَة، ثَلَاثَتهمْ عَن نَافِع بن عمر عَن ابْن مليكَة بِهِ.
وَصَلَاة الْكُسُوف رويت عَن أَرْبَعَة وَعشْرين نفسا من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وهم: أَسمَاء بنت أبي بكر، أخرجه السِّتَّة خلا التِّرْمِذِيّ فاتفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ من رِوَايَة فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَن أَسمَاء بنت أبي بكر.
وَأخرج أَبُو دَاوُد مِنْهُ فِي الْأَمر بالعتاقة فِي كسوف الشَّمْس، وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن أبي مليكَة عَن أَسمَاء بنت أبي بكر، وَرَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة صَفِيَّة بنت شيبَة عَن أَسمَاء.
وَابْن عَبَّاس: أخرج حَدِيثه مُسلم عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَأَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد وَالتِّرْمِذِيّ عَن بنْدَار وَالنَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَأخرجه مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَاتفقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عَطاء بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس.
وَعلي بن أبي طَالب: أخرج حَدِيثه أَحْمد من رِوَايَة حَنش عَنهُ.
وَعَائِشَة: أخرج حَدِيثهَا الْأَئِمَّة السِّتَّة فَالْبُخَارِي عَن عبد الله بن مُحَمَّد، وَاتفقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ، وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر.
وَأخرجه خلا التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة يُونُس بن يزِيد، وَرَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة شُعَيْب بن أبي حَمْزَة وعلقه البُخَارِيّ من رِوَايَة سُلَيْمَان بن كثير، وسُفْيَان بن حُسَيْن، سنتهمْ عَن الزُّهْرِيّ، وَقد وصل التِّرْمِذِيّ رِوَايَة سُفْيَان بن حُسَيْن، وَاتفقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، وَأَبُو دَاوُد من رِوَايَة سُلَيْمَان بن يسَار عَن عُرْوَة، وَرَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، وَأَبُو دَاوُد من رِوَايَة عبيد بن عُمَيْر، وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن عبيد بن عُمَيْر عَن عَائِشَة.
وَعبد الله بن عَمْرو: أخرج حَدِيثه البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الله بن عَمْرو، وَله حَدِيث آخر رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو وَسكت عَلَيْهِ.
والنعمان بن بشير: أخرج حَدِيثه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة أبي قلَابَة عَن النُّعْمَان بن بشير.
والمغيرة بن شُعْبَة: أخرج حَدِيثه الشَّيْخَانِ من رِوَايَة زِيَاد بن علاقَة.
وَأَبُو مَسْعُود: أخرج حَدِيثه الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة قيس بن أبي حَازِم، قَالَ: سَمِعت أَبَا مَسْعُود ... الحَدِيث.
وَأَبُو بكرَة: أخرج حَدِيثه البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة الْحسن عَن أبي بكرَة.
وَسمرَة بن جُنْدُب: أخرج حَدِيثه أَصْحَاب السّنَن من رِوَايَة ثَعْلَبَة ابْن عباد، بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة.
وَابْن مَسْعُود: أخرج حَدِيثه أَحْمد من طَرِيق ابْن إِسْحَاق.
وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أخرج حَدِيثه الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر عَن ابْن عمر.
وَقبيصَة الْهِلَالِي: أخرج حَدِيثه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة أبي قلَابَة عَنهُ.
وَجَابِر: أخرج حَدِيثه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة هِشَام الدستوَائي عَن ابي الزبير عَن جَابر.
وَأَبُو مُوسَى: أخرج حَدِيثه الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة يزِيد ابْن عبد الله.
وَعبد الرَّحْمَن، بن سَمُرَة: أخرج حَدِيثه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ.
وَأبي بن كَعْب: أخرج حَدِيثه أَبُو دَاوُد من رِوَايَة أبي حَفْص الرَّازِيّ.
وبلال: أخرج حَدِيثه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) و (الْأَوْسَط) من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن ابْن أبي ليلى عَن بِلَال.
وَحُذَيْفَة: أخرج حَدِيثه الْبَزَّار من رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي ليلى.
ومحمود بن لبيد: أخرج حَدِيثه أَحْمد من رِوَايَة عَاصِم بن عَمْرو بن قَتَادَة عَنهُ.
وَأَبُو الدَّرْدَاء: أخرج حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة زِيَاد بن صَخْر عَنهُ.
وَأَبُو هُرَيْرَة: أخرج حَدِيثه النَّسَائِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة.
وَأم سُفْيَان: أخرج حَدِيثهَا الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن عَنْهَا.
وَعقبَة بن عَامر: أخرج حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) بِلَفْظ: (لما توفّي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، كسفت الشَّمْس) الحَدِيث.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (صَلَاة الْكُسُوف) ، روى جمَاعَة أَن الْكُسُوف يكون فِي الشَّمْس وَالْقَمَر، وروى جمَاعَة فيهمَا: بِالْخَاءِ، وروى جمَاعَة: فِي الشَّمْس بِالْكَاف وَفِي الْقَمَر بِالْخَاءِ، وَالْكثير فِي اللُّغَة، وَهُوَ اخْتِيَار الْفراء: أَن يكون الْكُسُوف للشمس والخسوف للقمر.
يُقَال: كسفت الشَّمْس، وكسفها الله عز وَجل وانكسفت، وَخسف الْقَمَر وخسفه الله وانخسف.
وَذكر ثَعْلَب فِي (الفصيح) : انكسفت الشَّمْس وَخسف الْقَمَر أَجود الْكَلَام.
وَفِي (التَّهْذِيب) لأبي مَنْصُور: خسف الْقَمَر وخسفت الشَّمْس: إِذا ذهب ضوؤها.
.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى: خسف الْقَمَر وكسف وَاحِد: ذهب ضوؤه وَقيل: الْكُسُوف أَن يكسف ببعضهما، والخسوف أَن يخسف بكلهما.
قَالَ تَعَالَى: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْض} (الْقَصَص: 81) .
.
وَقَالَ ابْن حبيب فِي (شرح الْمُوَطَّأ) : الْكُسُوف تغير اللَّوْن والخسوف انخسافهما، وَكَذَلِكَ تَقول فِي عين الْأَعْوَر: إِذا انخسفت وَغَارَتْ فِي جفن الْعين وَذهب نورها وضوؤها.
.
وَقَالَ الْقَزاز: وكسف الشَّمْس وَالْقَمَر تكسف كسوفا فَهِيَ كاسفة، وكسفت فَهِيَ مكسوفة، وَقوم يَقُولُونَ: انكسفت، وَهُوَ غلط.
.
وَقَالَ الْجَوْهَرِي: والعامة تَقول: إنكسفت، وَفِي (الْمُحكم) : كسفها الله وأكسفها.
وَالْأول أَعلَى.
وَالْقَمَر كَالشَّمْسِ.
.
وَقَالَ اليزيدي: كسف الْقَمَر وَهُوَ يخسف خسوفا فَهُوَ خسف وخسيف وخاسف، وانخسف انخسافا.
قَالَ: وانخسف أَكثر فِي أَلْسِنَة النَّاس.
وَفِي (شرح الفصيح) : كسفت الشَّمْس أَي: اسودت فِي رَأْي الْعين من ستر الْقَمَر إِيَّاهَا عَن الْأَبْصَار، وَبَعْضهمْ يَقُول: كسفت على مَا لم يسم فَاعله، وانكسفت.
قَوْله: (ثمَّ انْصَرف) أَي: من الصَّلَاة بعد أَن فرغ مِنْهَا على هَذِه الْهَيْئَة.
قَوْله: (دنت) أَي: قربت من الدنو.
قَوْله: (لَو اجترأت) من الجراءة، وَهُوَ الجسارة، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ لم يكن مَأْذُونا من عِنْد الله بِأَخْذِهِ.
قَوْله: (بقطاف) ، بِكَسْر الْقَاف: قَالَ الْجَوْهَرِي: القطف، بِالْكَسْرِ: العنقود، وبجمعه جَاءَ الْقُرْآن.
{ قطوفها} ، والقطاف، بِالْكَسْرِ وبالفتح: وَقت القطف، بِالْفَتْح.
يُقَال: قطفت الْعِنَب قطفا.
.
وَقَالَ ابْن الْأَثِير: القطف، بِالْكَسْرِ: اسْم لكل مَا يقطف، كالذبح والطحن، وَيجمع على: قطاف وقطوف، وَأكْثر الْمُحدثين يرويهِ بِفَتْح الْقَاف، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْكَسْرِ.
قَوْله: (أوَأَنَا مَعَهم؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام بعْدهَا وَاو عاطفة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وبحذف الْهمزَة فِي رِوَايَة كَرِيمَة.
وَهِي مقدرَة.
.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: عطف: الْوَاو، على مُقَدّر بعد الْهمزَة، يدل عَلَيْهِ السِّيَاق، وَلم يبين ذَلِك وَلَا غَيره الَّذِي أَخذ مِنْهُ، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: (وَأَنا فيهم) .
.
وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَالصَّحِيح: (أوَأنا مَعَهم) قَوْله: (فَإِذا امْرَأَة) كلمة إِذا، للمفاجأة، فتختص بالجمل الإسمية، وَلَا تحْتَاج إِلَى جَوَاب، وَمَعْنَاهَا الْحَال لَا الِاسْتِقْبَال، نَحْو: خرجت فَإِذا الْأسد بِالْبابُُِ.
قَوْله: (حسبت أَنه قَالَ) جملَة مُعْتَرضَة بَين قَوْله: (امْرَأَة) ، وَبَين قَوْله: (تخدشها) أَي: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: حسبت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ، هَكَذَا.
فسره الْكرْمَانِي.
.
وَقَالَ غَيره: قَائِل ذَلِك هُوَ نَافِع بن عمر رَاوِي الحَدِيث، وَالضَّمِير فِي: أَنه، لِابْنِ أبي مليكَة، وَذكر أَن الْإِسْمَاعِيلِيّ بَينه كَذَا.
(قَوْله: (تخدشها) من الخدش، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره شين مُعْجمَة: وَهُوَ خدش الْجلد وقشره بِعُود أَو نَحوه، وَهُوَ من بابُُ: ضرب يضْرب.
قَوْله: (هرة) بِالرَّفْع فَاعل لقَوْله: (تخدشها) .
قَوْله: (لَا أطعمتها) أَي: لَا أطعمت المرأةُ الْهِرَّة، هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (لَا هِيَ أطعمتها) ، بالضمير الرَّاجِع إِلَى الْمَرْأَة.
قَوْله: (تَأْكُل) ، من الْأَحْوَال المنتظرة.
قَوْله: (قَالَ نَافِع) وَهُوَ: ابْن عمر رَاوِي الحَدِيث.
قَوْله: (حسبت أَنه قَالَ) فَاعل: حسبت، هُوَ نَافِع، وَالضَّمِير فِي: أَنه، يرجع إِلَى ابْن أبي مليكَة.
قَوْله: (من خشيش الأَرْض أَو خشَاش الأَرْض) كَذَا وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة بِالشَّكِّ، و: الخشيش، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة: وَهُوَ حشرات الأَرْض وهوامها، والخشاش، بِكَسْر الْخَاء: هُوَ الحشرات أَيْضا.
.
وَقَالَ ابْن الْأَثِير: تَأْكُل من خشَاش الأَرْض.
وَفِي رِوَايَة: من خشيشها، وَهِي بِمَعْنَاهُ.
ويروى بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ: يَابِس النَّبَات، وَهُوَ وهم.
وَقيل: إِنَّمَا هُوَ خشيش، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة تَصْغِير: خشَاش، على الْحَذف أَو: خشيش، بِغَيْر حذف.
.
وَقَالَ الْخطابِيّ لَيْسَ بِشَيْء، وَإِنَّمَا هُوَ الخشاش مَفْتُوحَة الْحَاء وَهُوَ: حشرات الأَرْض.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه الأول: أَن صَلَاة الْكُسُوف أجمع الْعلمَاء على أَنَّهَا سنة وَلَيْسَت بواجبة وَهُوَ الْأَصَح،.
وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا: إِنَّهَا وَاجِبَة لِلْأَمْرِ بهَا، وَنَصّ فِي الْأَسْرَار على وُجُوبهَا.
قلت: الْأَمر فِيهَا هُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا رَأَيْتُمْ شَيْئا من هَذِه الأفزاع فافزعوا إِلَى الصَّلَاة) .
وثبوتها بِالْكتاب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا تخويفا} (الْإِسْرَاء: 59) ، والكسوف آيَة من آيَات الله تَعَالَى يخوف الله بِهِ عباده ليتركوا الْمعاصِي ويرجعوا إِلَى طَاعَة الله تَعَالَى الَّتِي فِيهَا فوزهم، وبالسنة وَهُوَ مَا ذَكرْنَاهُ، وبالإجماع: فَإِن الْأمة قد اجْتمعت عَلَيْهَا من غير إِنْكَار من أحد.
الْوَجْه الثَّانِي: أَن يُصَلِّي بهَا فِي الْمَسْجِد الْجَامِع: أَو فِي مصلى الْعِيد، قَالَه الطَّحَاوِيّ:.
وَقَالَ ت الشَّافِعِيَّة والحنابلة: السّنة فِي الْمَسْجِد لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلهَا فِيهِ، وَلِأَن وَقت الْكُسُوف يضيق عَن الْخُرُوج إِلَى الْمصلى.
الْوَجْه الثَّالِث: فِي وَقت أَدَائِهَا فَأَما أَولهَا فوقت يجوز فِيهِ أَدَاء النَّافِلَة، وَفِيه خلاف يَأْتِي وَآخِرهَا، فَعَن مَالك: لَا يُصَلِّي بعد الزَّوَال، رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم.
وَفِي رِوَايَة ابْن وهب: يُصَلِّي وَإِن زَالَت الشَّمْس، وَعنهُ: لَا يُصَلِّي بعد الْعَصْر، وَمذهب أبي حنيفَة أَن طلعت مكسوفة لَا يُصَلِّي حَتَّى يدْخل وَقت الْجَوَاز، قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَبِه أَقُول خلافًا للشَّافِعِيّ.
وَفِي (الْمُحِيط) : لَا يُصَلِّي فِي الْأَوْقَات الثَّلَاثَة، وَذكر ابْن عمر فِي الاستذكار، قَالَ اللَّيْث بن سعد: حججْت سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَة، وعَلى الْمَوْسِم سُلَيْمَان بن هِشَام، وبمكة شرفها الله عَطاء بن أبي رَبَاح وَابْن شهَاب وَابْن أبي مليكَة وَعِكْرِمَة بن خَالِد وَعَمْرو بن شُعَيْب وَأَيوب بن مُوسَى، وكسفت الشَّمْس بعد الْعَصْر، فَقَامُوا قيَاما يدعونَ الله فِي الْمَسْجِد، فَقلت لأيوب: مَا لَهُم لَا يصلونَ؟ فَقَالَ: النَّهْي قد جَاءَ عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر فَلذَلِك لَا يصلونَ، إِنَّمَا يذكرُونَ حَتَّى تنجلي الشَّمْس، وَهُوَ مَذْهَب الْحسن بن أبي الْحسن وَابْن علية وَالثَّوْري،.
وَقَالَ إِسْحَاق: يصلونَ بعد الْعَصْر مَا لم تصفر الشَّمْس، وَبعد صَلَاة الصُّبْح، وَلَا يصلونَ فِي الْأَوْقَات الثَّلَاثَة، فَلَو كسفت عِنْد الْغُرُوب لم يصل إِجْمَاعًا،.
وَقَالَ ابْن قدامَة: إِذا كَانَ الْكُسُوف فِي غير وَقت صَلَاة جعل بمَكَان الصَّلَاة شرعا هَذَا ظَاهر الْمَذْهَب، لِأَن النَّافِلَة لَا تفعل أَوْقَات النَّهْي، سَوَاء كَانَ لَهَا سَبَب أَو لم يكن، رُوِيَ ذَلِك عَن الْحسن وَأبي بكر بن مُحَمَّد بن عمر بن حزم وَأبي حنيفَة وَمَالك وَأبي ثَوْر، وَنَصّ عَلَيْهِ أَحْمد، روى قَتَادَة قَالَ: انكسفت الشَّمْس وَنحن بِمَكَّة، شرفها الله تَعَالَى، بعد الْعَصْر فَقَامُوا قيَاما يدعونَ، فَسَأَلت عَطاء عَن ذَلِك، فَقَالَ: هَكَذَا يصنعون.
وروى إِسْمَاعِيل بن سعد عَن أَحْمد: أَنهم يصلونها فِي أَوْقَات النَّهْي، قَالَ أَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز: وبالأول أَقُول، وَهَذَا أظهر الْقَوْلَيْنِ.
الْوَجْه الرَّابِع: فِي صفتهَا، وَهِي كَهَيئَةِ النَّافِلَة عندنَا بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة مثل صَلَاة الْفجْر وَالْجُمُعَة فِي كل رَكْعَة رُكُوع وَاحِد، وَبِه قَالَ النَّخعِيّ وَالثَّوْري وَابْن أبي ليلى، وَهُوَ مَذْهَب عبد الله بن الزبير، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن ابْن عمر وَأبي بكرَة وَسمرَة بن جُنْدُب وَعبد الله بن عَمْرو، وَقبيصَة الْهِلَالِي والنعمان بن بشير وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة، وَعند الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد وَأبي ثَوْر وعلماء الْحجاز: صَلَاة الْكُسُوف رَكْعَتَانِ، فِي كل رَكْعَة ركوعان وسجودان، وَعَن أَحْمد وَإِسْحَاق.
فِي كل رَكْعَة ثَلَاث ركوعات وَاحْتج الشَّافِعِي وَمن مَعَه بِحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أخرجه الْأَئِمَّة السِّتَّة فِي كتبهمْ على مَا سَيَأْتِي فِي بابُُه إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَحَدِيث: الثَّلَاث ركوعات فِي كل رَكْعَة أخرجه مُسلم عَن عَطاء عَن جَابر، (قَالَ: كسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى سِتّ رَكْعَات بِأَرْبَع سَجدَات) .
وَذكر فِي (الْخُلَاصَة الغزالية) إِذا انكسفت الشَّمْس فِي وَقت مَكْرُوه أَو غير مَكْرُوه، وَنُودِيَ: الصَّلَاة جَامِعَة، وَصلى الإِمَام بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِد رَكْعَتَيْنِ، وَركع فِي كل رَكْعَة ركوعين وأوائلها أطول من أواخرها، ثمَّ ذكر قِرَاءَة الطوَال الْأَرْبَع فِي أول الْقُرْآن فِي الْقيام الْأَرْبَع، ثمَّ قَالَ: ويسبح فِي الرُّكُوع الأول قدر مائَة آيَة، وَفِي الثَّانِي قدر ثَمَانِينَ، وَفِي الثَّالِث قدر سبعين، وَفِي الرَّابِع قدر خمسين آيَة.
وَعند طَاوُوس بن كيسَان وحبِيب ابْن أبي ثَابت وَعبد الْملك بن جريج: صَلَاة الْكُسُوف رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَة أَربع ركوعات وسجدتان، ويحكى هَذَا عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث ابْن عَبَّاس، أخرجه مُسلم عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه صلى فِي كسوف قَرَأَ ثمَّ ركع ثمَّ قَرَأَ ثمَّ ركع ثمَّ قَرَأَ ثمَّ ركع ثمَّ قَرَأَ ثمَّ ركع ثمَّ سجد.
قَالَ: وَالْأُخْرَى مثلهَا.
.
وَقَالَ قَتَادَة وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر: صَلَاة الْكُسُوف رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَة ثَلَاث ركوعات وسجدتان وَعند سعيد بن جُبَير وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي رِوَايَة، وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَبَعض الشَّافِعِيَّة: لَا تَوْقِيت فِي الرُّكُوع فِي صَلَاة الْكُسُوف بل يُطِيل أبدا يرْكَع وَيسْجد إِلَى أَن تنجلي الشَّمْس.
.
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: قَالَ بعض أهل الْعلم: إِنَّمَا ذَلِك على حسب مكث الْكُسُوف، فَمَا طَال مكثه زَاد تَكْرِير الرُّكُوع فِيهِ، وَمَا قصر اقْتصر فِيهِ وَمَا توَسط اقتصد فِيهِ.
قَالَ: وَإِلَى هَذَا نحى الْخطابِيّ وَابْن رَاهَوَيْه وَغَيرهمَا، وَقد يعْتَرض عَلَيْهِ بِأَن طولهَا ودوامها لَا يعلم فِي أول الْحَال وَلَا فِي الرَّكْعَة الأولى.
وأصحابنا احْتَجُّوا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيث عبد الله بن عَمْرو، وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل: عَن عَطاء بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: (انكسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وسلمد فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يكد يرْكَع ثمَّ ركع فَلم يكد يرفع ثمَّ رفع فَلم يكد يسْجد ثمَّ سجد فَلم يكد يرفع ثمَّ رفع، وَفعل فِي الرَّكْعَة الْأُخْرَى مثل ذَلِك) .
الحَدِيث.
وَبِحَدِيث النُّعْمَان بن بشير، رَوَاهُ أَبُو قلَابَة عَنهُ أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (إِذا خسفت الشَّمْس وَالْقَمَر فصلوا كأحدث صَلَاة صليتموها من الْمَكْتُوبَة) .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأحمد وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه).
وَقَالَ : على شرطهم، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفظه: (كسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَجعل يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيسْأل عَنْهَا حَتَّى انجلت) .
وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل، أَبُو قلَابَة لم يسمع من النُّعْمَان.
قلت: صرح فِي الْكَمَال بِسَمَاعِهِ عَنهُ،.
وَقَالَ ابْن حزم: أَبُو قلَابَة أدْرك النُّعْمَان وروى هَذَا الْخَبَر عَنهُ، وَصرح ابْن عبد الْبر بِصِحَّة هَذَا الحَدِيث،.
وَقَالَ : من أحسن حَدِيث ذهب إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ حَدِيث أبي قلَابَة عَن النُّعْمَان، فَرد كَلَام الْبَيْهَقِيّ، فَإِنَّهُ بِلَا دَلِيل، وَلِأَنَّهُ ناف وَغَيره مُثبت.
وَبِحَدِيث قبيصَة الْهِلَالِي: أخرجه أَبُو دَاوُد عَنهُ قَالَ: (كسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَخرج فَزعًا يجر رِدَاءَهُ، وَأَنا مَعَه يَوْمئِذٍ بِالْمَدِينَةِ، فصلى رَكْعَتَيْنِ فَأطَال فِيهَا الْقيام، ثمَّ انْصَرف وانجلت، فَقَالَ: إِنَّمَا هَذِه الْآيَات يخوف الله بهَا فَإِذا رأيتموها فصلوا كأحدث صَلَاة صليتموها من الْمَكْتُوبَة) .
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا وَالْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك).
وَقَالَ : حَدِيث صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم يخرجَاهُ.
.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن رَوَاهُ سقط بَين أبي قلَابَة وَقبيصَة رجل وَهُوَ: هِلَال بن عَامر،.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (الْخُلَاصَة) : وَهَذَا لَا يقْدَح فِي صِحَة الحَدِيث.
وَبِحَدِيث أبي بكرَة أخرجه البُخَارِيّ عَن الْحسن عَنهُ، قَالَ: (خسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج يجر رِدَاءَهُ حَتَّى انْتهى إِلَى الْمَسْجِد وثاب النَّاس إِلَيْهِ، فصلى رَكْعَتَيْنِ فانجلت الشَّمْس) .
وَسَيَأْتِي هَذَا فِي بابُُه.
وَبِحَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة، أخرجه مُسلم وَفِيه: (فصلى رَكْعَتَيْنِ) .
وَقد تكلّف الْخصم فِي الْجَواب عَن هذَيْن الْحَدِيثين لأجل أَنَّهُمَا عَلَيْهِم، فَقَالَ النَّوَوِيّ: قَوْله: (صلى رَكْعَتَيْنِ) ، يَعْنِي فِي كل رَكْعَة قيامان وركوعان.
.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يحْتَمل أَنه إِنَّمَا أخبر عَن حكم رَكْعَة وَاحِدَة وَسكت عَن الْأُخْرَى.
قلت: فِي هذَيْن الجوابين إِخْرَاج اللَّفْظ عَن ظَاهره بِغَيْر ضَرُورَة، فَلَا يجوز إلاّ بِدَلِيل، وَأَيْضًا فِي لفظ النَّسَائِيّ: (كَمَا تصلونَ) ، وَفِي لفظ ابْن حبَان: (مثل صَلَاتكُمْ) .
.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: أَكثر الْآثَار فِي هَذَا الْبابُُ مُوَافقَة لمَذْهَب أبي حنيفَة، وَمن مَعَه، وَهُوَ النّظر عندنَا، لأَنا رَأينَا سَائِر الصَّلَوَات من المكتوبات والتطوع مَعَ كل رَكْعَة سَجْدَتَانِ، فالنظر على ذَلِك أَن تكون صَلَاة الْكُسُوف كَذَلِك،.
وَقَالَ ابْن حزم: الْعَمَل بِمَا صَحَّ ورأي أهل بَلَده، قد يجوز أَن يكون ذَلِك اخْتِلَاف إِبَاحَة وتوسعة غير سنة قلت: الصَّوَاب أَن لَا يُقَال: اخْتلفُوا فِي صَلَاة الْكُسُوف، بل تحيروا؛ فَكل وَاحِد مِنْهُم تعلق بِحَدِيث وَرَآهُ أولى من غَيره بِحَسب مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فِي صِحَّته، فَأَبُو حنيفَة تعلق بِأَحَادِيث من ذَكَرْنَاهُمْ من الصَّحَابَة لموافقتها الْقيَاس فِي أَبْوَاب الصَّلَاة.
.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي، وَأَبُو الطّيب وَغَيرهمَا: تحمل أحاديثنا على الِاسْتِحْبابُُ، وأحاديثهم على الْجَوَاز.
.
وَقَالَ السرُوجِي: قُلْنَا: لم يفعل ذَلِك بِالْمَدِينَةِ إلاّ مرّة وَاحِدَة، فَإِذا حصل هَذَا الِاضْطِرَاب الْكثير من رُكُوع وَاحِد إِلَى عشر ركوعات يعْمل بِمَا لَهُ أصل فِي الشَّرْع.
انْتهى.
قلت: فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ فعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْكُسُوف غير مرّة، وَفِي غير سنة، فروى كل وَاحِد مَا شَاهده من صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَضَبطه من فعله، وَذكر النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) : أَن عِنْد الشَّافِعِيَّة لَا تجوز الزِّيَادَة على ركوعين، وَبِه قطع جمهورهم قَالَ: وَهُوَ ظَاهر نصوصه قلت: الزِّيَادَة من الْعدْل مَقْبُولَة عِنْدهم، وَقد صحت الزِّيَادَة على الركوعين وَلم يعملوا بهَا فَكل، جَوَاب لَهُم عَن الزِّيَادَة على الركوعين فَهُوَ جَوَاب لنا عَمَّا زَاد على رُكُوع وَاحِد.
.
وَقَالَ السَّرخسِيّ: وَتَأْويل الركوعين فَمَا زَاد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طوَّل الرُّكُوع فِيهَا، فَإِنَّهُ عرضت عَلَيْهِ الْجنَّة وَالنَّار، فمل بعض الْقَوْم وظنوا أَنه رفع رَأسه فَرفعُوا رؤوسهم وَمن خلف الصَّفّ الأول ظنُّوا أَنه ركع ركوعين، فَرَوَوْه على حسب مَا وَقع عِنْدهم قلت: وَفِيه نظر لَا يخفى، وَقيل: رفع رَأسه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليختبر حَال الشَّمْس هَل انجلت أم لَا؟ وَهَكَذَا فعل فِي كل رُكُوع، وَفِيه نظر أَيْضا.
الْوَجْه الْخَامِس: فِي صفة الْقِرَاءَة فِيهَا.
فمذهب أبي حنيفَة أَن الْقِرَاءَة تُخفى فِيهَا، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ،.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : إِن مَذْهَبنَا وَمذهب مَالك وَأبي حنيفَة وَاللَّيْث بن سعد وَجُمْهُور الْفُقَهَاء أَنه يسر فِي كسوف الشَّمْس ويجهر فِي خُسُوف الْقَمَر،.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن وَأحمد وَإِسْحَاق: يجْهر فيهمَا.
وَحكى الرَّافِعِيّ عَن الصيدلاني مثله،.
وَقَالَ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ: الْجَهْر والإسرار سَوَاء، وَمَا حَكَاهُ الثَّوْريّ عَن مَالك هُوَ الْمَشْهُور بِخِلَاف مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقد حكى ابْن الْمُنْذر عَن مَالك الْإِسْرَار، كَقَوْل الشَّافِعِي، وَكَذَا روى ابْن عبد الْبر فِي (الاستذكار) ،.
وَقَالَ الْمَازرِيّ: إِن مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن مَالك من الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ رِوَايَة شَاذَّة مَا وقفت عَلَيْهَا فِي غير كِتَابَة، قَالَ: وَذكرهَا ابْن شعْبَان عَن الْوَاقِدِيّ عَن مَالك،.
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي (الْإِكْمَال) والقرطبي فِي (الْمُفْهم) : إِن معن بن عِيسَى والواقدي رويا عَن مَالك الْجَهْر، قَالَا: ومشهور قَول مَالك الْإِسْرَار فِيهَا، وَأما مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي من الْإِسْرَار فَهُوَ الْمَعْرُوف عَنهُ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْبُوَيْطِيّ والمزني.
وَحكى الرَّافِعِيّ أَن أَبَا سُلَيْمَان الْخطابِيّ ذكر أَن الَّذِي يَجِيء على مَذْهَب الشَّافِعِي: الْجَهْر فيهمَا، وَتَابعه النَّوَوِيّ فِي (الرَّوْضَة) على نَقله ذَلِك، وَتعقبه فِي (شرح الْمُهَذّب) فَقَالَ: إِن مَا نَقله عَن الْخطابِيّ لم أره فِي كتاب لَهُ.
وَتعقب صَاحب (الْمُهِمَّات) أَيْضا الرَّافِعِيّ بِأَن الَّذِي نَقله الْخطابِيّ فِي (معالم السّنَن) : الْإِسْرَار.
.
وَقَالَ شَارِح التِّرْمِذِيّ: مَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن الْخطابِيّ مَوْجُود عَنهُ، وَقد ذكره فِي كِتَابه (أَعْلَام الْجَامِع الصَّحِيح) فَقَالَ، بعد أَن حكى عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأهل الرَّأْي: ترك الْجَهْر لحَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: فحزرنا قِرَاءَته، فَلَو جهر لما احْتَاجَ إِلَى: الحزر.
قَالَ: والجهر أشبه بِمذهب الشَّافِعِي، لِأَن عَائِشَة تثبت الْجَهْر.
قَالَ: وَيجوز أَن ابْن عَبَّاس وقف فِي آخر الصَّفّ فَلم يسمع.
وَاحْتج الطَّحَاوِيّ لأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمن مَعَهُمَا فِي الْإِسْرَار بِحَدِيث ابْن عَبَّاس.
أخرجه فِي (مَعَاني الْآثَار) أَنه قَالَ: مَا سَمِعت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْكُسُوف حرفا.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو يعلى فِي (مسانيدهم) وَأَبُو نعيم فِي (الْحِلْية) وَبِحَدِيث سَمُرَة ابْن جُنْدُب، قَالَ: (صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْكُسُوف وَلَا نسْمع لَهُ صَوتا) .
وَأخرجه النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ مطولا، ثمَّ احْتج لأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَمن مَعَهُمَا فِي الْجَهْر بِحَدِيث عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... .
إِلَى آخِره، ثمَّ قَالَ: يجوز أَن يكون ابْن عَبَّاس وَسمرَة لم يسمعا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صلَاته حرفا، وَقد جهر فِيهَا، لبعدهما عَنهُ، فَهَذَا لَا يَنْفِي الْجَهْر.
.
وَقَالَ أَيْضا: النّظر فِي ذَلِك أَن يكون حكمهَا كَحكم صَلَاة الاسْتِسْقَاء عِنْد من يَرَاهَا وَصَلَاة الْعِيدَيْنِ، لِأَن ذَلِك هُوَ الْمَفْعُول فِي خَاص من الْأَيَّام، فَكَذَلِك هَذَا.
قلت: ظهر من كَلَامه أَنه مَعَ أبي يُوسُف وَمُحَمّد؟
قلت: اخْتلفت الْأَحَادِيث فِي الْجَهْر والإسرار فِي صَلَاة الْكُسُوف، فَعِنْدَ مُسلم من حَدِيث عَائِشَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهر فِي صَلَاة الْكُسُوف،.
وَقَالَ هُ البُخَارِيّ فِي صَلَاة الْكُسُوف، وَعند أبي دَاوُد من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ، فَذكره بِلَفْظ: (قَرَأَ قِرَاءَة طَوِيلَة فجهر بهَا) ، يَعْنِي: فِي صَلَاة الْكُسُوف، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ، بِلَفْظ: (صلى صَلَاة الْكُسُوف وجهر بهَا فِي الْقِرَاءَة) .
.
وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَعند أَصْحَاب السّنَن من حَدِيث سَمُرَة وَابْن عَبَّاس كَمَا ذكرنَا: أَنَّهُمَا لم يسمعا حرفا، وَلَا شكّ أَن حَدِيث عَائِشَة أصرح بالجهر فِيهَا، وحديثها مُتَّفق عَلَيْهِ، وَقد أجَاب عَنهُ الْقَائِلُونَ بالإسرار بجوابين: أَحدهمَا: مَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : بِأَن هَذَا عِنْد أَصْحَابنَا، وَالْجُمْهُور مَحْمُول على كسوف الْقَمَر.
وَالثَّانِي: مَا قَالَه ابْن عبد الْبر فِي (الاستذكار) من الْإِشَارَة إِلَى تَضْعِيف الحَدِيث قلت: يرد الْجَواب الأول مَا رَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَن الْوَلِيد بن مُسلم بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَائِشَة: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بهم فِي كسوف الشَّمْس وجهر بِالْقِرَاءَةِ) .
رَوَاهُ الْخطابِيّ فِي (أَعْلَام الْجَامِع الصَّحِيح) من طَرِيق ابْن رَاهَوَيْه.
وَأما تَضْعِيف ابْن عبد الْبر الحَدِيث فَكَأَنَّهُ من جِهَة سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ، فَإِن أَحْمد قَالَ: لَيْسَ بذلك فِي حَدِيثه عَن الزُّهْرِيّ، وَعَن يحيى: ثِقَة فِي غير الزُّهْرِيّ لَا يدْفع قلت: قَالَ يَعْقُوب ابْن شيبَة: صَدُوق ثِقَة، روى لَهُ مُسلم فِي مُقَدّمَة كِتَابه، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وروى لَهُ عَن الْأَرْبَعَة وَمَعَ ذَلِك فقد تَابعه على ذَلِك عَن الزُّهْرِيّ عبد الرَّحْمَن بن نمر وَسليمَان بن كثير، وَإِن كَانَا ليني الحَدِيث،.
وَقَالَ شَارِح التِّرْمِذِيّ: وعَلى هَذَا فالمختار الْجَهْر، فَلذَلِك قَالَ الْخطابِيّ: إِنَّه أشبه بِمذهب الشَّافِعِي لقَوْله: إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي.
.
وَقَالَ البُخَارِيّ: حَدِيث عَائِشَة فِي الْجَهْر أصح من حَدِيث سَمُرَة.
.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (الخلافيات) : لكنه لَيْسَ بأصح من حَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي قَالَ فِيهِ نَحوا من قِرَاءَة سُورَة الْبَقَرَة.
قَالَ الشَّافِعِي: فِيهِ دَلِيل على أَنه لم يسمع مَا قَرَأَ لِأَنَّهُ لَو سَمعه لم يقدره بِغَيْرِهِ، فَإِن قيل: قَالَ الشَّافِعِي: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: قُمْت إِلَى جنب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خُسُوف الشَّمْس فَمَا سَمِعت مِنْهُ حرفا؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا يَصح هَذَا عَن ابْن عَبَّاس، لِأَن فِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة، وَفِي آخر الوافدي، وَفِي آخر الحكم بن أبان.
الْوَجْه السَّادِس: فِي صَلَاة خُسُوف الْقَمَر: قَالَ أَصْحَابنَا: لَيْسَ فِي خُسُوف الْقَمَر جمَاعَة، وَقيل: الْجَمَاعَة جَائِزَة عندنَا لَكِنَّهَا لَيست بِسنة لتعذر اجْتِمَاع النَّاس بِاللَّيْلِ، وَإِنَّمَا يُصَلِّي كل وَاحِد مُنْفَردا، وَعند مَالك: لَا صَلَاة فِيهِ، وَعند الشَّافِعِي: يُصَلِّي للخسوف كَمَا يُصَلِّي للكسوف بِجَمَاعَة وركوعين وبالجهر بِالْقِرَاءَةِ وبخطبتين بَينهمَا جلْسَة، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق إلاّ فِي الْخطْبَة.
وَاسْتدلَّ أَبُو حنيفَة وَمَالك بإن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع لكسوف الشَّمْس، وَلما خسف الْقَمَر فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع فِيمَا ذكره ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره لم يجمع فِيهِ.
.
وَقَالَ مَالك: لم يبلغنَا وَلَا أهل بلدنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع لخسوف الْقَمَر، وَلَا نقل عَن أحد من الْأَئِمَّة بعده أَنه جمع فِيهِ، وَذكر ابْن قدامَة أَن أَكثر أهل الْعلم على مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة لخسوف الْقَمَر، فعله ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ عَطاء وَالْحسن وَأَبُو ثَوْر، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عُثْمَان بن عَفَّان وَجَمَاعَة الْمُحدثين وَعمر بن عبد الْعَزِيز مستدلين بقوله: (إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فصلوا) .
وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْحَاق بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي فِي كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر أَربع رَكْعَات وَأَرْبع سَجدَات وَيقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى بالعنكبوت أَو: الرّوم، وَفِي الثَّانِيَة: بيس) .
وَفِي حَدِيث قبيصَة مَرْفُوعا: (إِذا انكسفت الشَّمْس أَو الْقَمَر فصلوا) .
وروى الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد جيد من حَدِيث حبيب بن ثَابت عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر ثَمَان رَكْعَات فِي أَربع سَجدَات) .
وَبَوَّبَ البُخَارِيّ: بابُُ الصَّلَاة فِي كسوف الْقَمَر، على مَا يَجِيء بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
فَائِدَة: اخْتلفت الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي كَيْفيَّة صَلَاة الْكُسُوف من الِاقْتِصَار على ركوعين، كَمَا فِي حَدِيث أبي بكرَة وَغَيره، وَثَلَاث ركوعات فِي كل رَكْعَة كَمَا فِي حَدِيث جَابر، وَأَرْبع ركوعات فِي رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي حَدِيث عَائِشَة وَغَيره، وست ركوعات فِي رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي حَدِيث جَابر وَغَيره وثمان ركوعات فِي رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي حَدِيث أبي بن كَعْب، وَخَمْسَة عشر رَكْعَة فِي ثَلَاث ركوعات، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) عَن أبي بن كَعْب.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من الحَدِيث الْمَذْكُور: أَن الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان الْيَوْم، وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة.
وَفِيه: أَن تَعْذِيب الْحَيَوَان غير جَائِز، وَأَن الْمَظْلُوم من الْحَيَوَان يُسَلط يَوْم الْقِيَامَة على ظالمه.
وَفِيه: معْجزَة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.