فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة

( بابُُ رَفْعِ البَصَرِ إلَى الإمَامِ فِي الصَّلاَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان رفع الْمُصَلِّي بَصَره إِلَى الإِمَام فِي الصَّلَاة.

وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن الْمُصَلِّي بعد افتتاحه بِالتَّكْبِيرِ، واستفتاحه يَنْبَغِي أَن يراقب إِمَامه بِالنّظرِ إِلَيْهِ لإِصْلَاح صلَاته.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: فِيهِ حجَّة لمَالِك فِي أَن نظر الْمُصَلِّي يكون إِلَى جِهَة الْقبْلَة، وَعند أَصْحَابنَا يسْتَحبّ لَهُ أَن ينظر إِلَى مَوضِع سُجُوده، لِأَنَّهُ إقرب للخشوع، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي.

وقالَتْ عَائِشَةُ قَالَ النبيُّ فِي صَلاَةِ الكُسُوفَ فَرَأيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطمُ بَعْضُهَا بَعْضا حِينَ رَأيْتُمُونِي تَأخرْتُ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( حِين رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرت) ، وَذَلِكَ لأَنهم كَانُوا يراقبونه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلذَلِك قَالَ: ( حِين رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرت) ، وَهَذَا طرف من حَدِيث وَصله البُخَارِيّ فِي: بابُُ إِذا انفلتت الدَّابَّة، وَهُوَ فِي أَوَاخِر الصَّلَاة.
قَوْله: ( رَأَيْت جَهَنَّم) .

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروى: ( فَرَأَيْت) ، بِالْفَاءِ عطفا على مَا تقدمه فِي حَدِيث فِي صَلَاة الْكُسُوف مطولا.
قَوْله: ( يحطم) ، بِكَسْر الطَّاء أَي: يكسر،، وَفِيه: الحطمة، وَهِي من أَسمَاء النَّار لِأَنَّهَا تحطم مَا يلقى فِيهَا.



[ قــ :725 ... غــ :746 ]
- حدَّثنا مُوسَى قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ حدَّثنا الأعْمَشُ عنْ عُمَارَةَ بنِ عخمَيْرٍ عنْ أبِي مَعْمَرٍ قَالَ قُلْنَا لِخَبَّابٍ أكانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرأ فِي الظهْرِ والعَصْرِ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا بِمَ كُنْتُمْ تعْرِفُونَ ذَاكَ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: باضطراب لحيته) ، وَذَلِكَ لأَنهم كَانُوا يراقبونه فِي الصَّلَاة حَتَّى كَانُوا يرَوْنَ اضْطِرَاب لحيته من جَنْبَيْهِ.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري التَّبُوذَكِي، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّانِي: عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف.
الثَّالِث: سُلَيْمَان الْأَعْمَش.
الرَّابِع: عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن عُمَيْر تَصْغِير عمر التَّيْمِيّ بن تيم الله الْكُوفِي.
الْخَامِس: أَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن سَخْبَرَة، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء: الْأَزْدِيّ.
السَّادِس: خبابُ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره بَاء أُخْرَى: ابْن الْأَرَت، بِفَتْح الْهمزَة وبالراء وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: أَبُو عبد الله التَّيْمِيّ، لحقه سبي فِي الْجَاهِلِيَّة فاشترته امْرَأَة خزاعية فأعتقته، وَهُوَ من السَّابِقين إِلَى الْإِسْلَام، سادس سِتَّة الْمُعَذَّبين فِي الله على إسْلَامهمْ، شهد الْمشَاهد، وَرُوِيَ لَهُ اثْنَان وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، وللبخاري خَمْسَة، مَاتَ سنة سبع وَثَلَاثِينَ بِالْكُوفَةِ، وَهُوَ أول من صلى عَلَيْهِ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، منصرفة من صفّين.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع بِصِيغَة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي، وبصيغة الْجمع فِي مَوضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي.
وَفِيه: عَن عمَارَة وَفِي رِوَايَة حَفْص ابْن غياث عَن الْأَعْمَش: حَدثنَا عمَارَة.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد ابْن يُوسُف عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَعَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه وَعَن قُتَيْبَة عَن جرير.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هناد بن السّري عَن أبي مُعَاوِيَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع، ستتهم عَن الْأَعْمَش عَن عمَارَة بن عُمَيْر عَنهُ بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أَكَانَ؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام والاستخبار.
قَوْله: ( يقْرَأ) قَالَ الْكرْمَانِي: يقْرَأ، أَي: غير الْفَاتِحَة إِذْ لَا شكّ فِي قرَاءَتهَا.
قلت: هَذَا تحكم وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ، فَظَاهر الْكَلَام أَن سُؤَالهمْ عَن خبابُ عَن قِرَاءَة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الظّهْر وَالْعصر عَن مُطلق الْقِرَاءَة، لأَنهم رُبمَا كَانُوا يظنون أَن لَا قِرَاءَة فيهمَا لعدم جهر الْقِرَاءَة فيهمَا، أَلا ترى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي ( سنَنه) : حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا عبد الْوَارِث عَن مُوسَى بن سَالم حَدثنَا عبد الله بن عبيد الله، قَالَ: ( دخلت على ابْن عَبَّاس فِي شبابُ من بني هَاشم، فَقُلْنَا لشاب: سل ابْن عَبَّاس: أَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر؟ فَقَالَ: لَا لَا، فَقيل لَهُ: إِن نَاسا يقرؤون فِي الظّهْر وَالْعصر، فَقَالَ: فَلَعَلَّهُ كَانَ يقْرَأ فِي نَفسه، فَقَالَ: خمشا، هَذِه شَرّ من الأولى، كَانَ عبدا مَأْمُورا بلغ مَا أرسل بِهِ) الحَدِيث.
وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث عِكْرِمَة: ( عَن ابْن عَبَّاس أَنه قيل لَهُ: إِن نَاسا يقرأون فِي الظّهْر وَالْعصر، فَقَالَ: لَو كَانَ لي عَلَيْهِم سَبِيل لقلعت ألسنتهم، إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ وَكَانَت قِرَاءَته لنا قِرَاءَة، وسكوته لنا سكُوتًا) .
وَأخرجه الْبَزَّار عَن عِكْرِمَة: ( أَن رجلا سَأَلَ ابْن عَبَّاس عَن الْقِرَاءَة فِي الظّهْر وَالْعصر، فَقَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صلوَات فنقرأ فِيمَا قَرَأَ فِيهِ، ونسكت فِيمَا سكت.
فَقلت: كَانَ يقْرَأ فِي نَفسه، فَغَضب.

     وَقَالَ : أتتهمون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟)
وَأخرجه أَحْمد وَلَفظه: عَن عِكْرِمَة، قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: ( قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا أَمر أَن يقْرَأ فِيهِ، وَسكت فِيمَا أَمر أَن يسكت فِيهِ) .
{ وَمَا كَانَ رَبك نسيا} ( مَرْيَم: 64) .
{ وَلَقَد كَانَ لكم فِي رَسُول الله اسوة حَسَنَة} ( الْأَحْزَاب: 21) .
وَإِلَى هَذِه الْأَحَادِيث ذهب قوم، مِنْهُم: سُوَيْد بن غَفلَة وَالْحسن ابْن صَالح وإبن إِبْرَاهِيم بن علية وَمَالك فِي رِوَايَة، وَقَالُوا: لَا قِرَاءَة فِي الظّهْر وَالْعصر أصلا.
قلت: فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك، كَيفَ يَقُول الْكرْمَانِي: يقْرَأ، أَي: غير الْفَاتِحَة؟ وَيَأْتِي بالتقييد فِي مَوضِع الْإِطْلَاق من غير دَلِيل يقوم بِهِ، وَلَكِن لَا بدع فِي هَذَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لم يطلع على أَحَادِيث هَذَا الْبابُُ وَلَا على اخْتِلَاف السّلف فِيهِ، وقصده مُجَرّد تمشية مذْهبه نصْرَة لإمامه من غير برهَان، وَنَذْكُر عَن قريب الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: ( قَالَ: نعم) أَي: نعم كَانَ يقْرَأ.
قَوْله: ( فَقُلْنَا) بِالْفَاءِ العاطفة، ويروى: ( قُلْنَا) .
بِدُونِ الْفَاء.
قَوْله: ( بِمَ كُنْتُم) ، أَصله: بِمَا، فحذفت الْألف تَخْفِيفًا.
قَوْله: ( تعرفُون ذَلِك) ، ويروى: ( ذَاك) .
وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: ( بِأَيّ شَيْء كُنْتُم تعرفُون ذَلِك؟) وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: ( بِأَيّ شَيْء كُنْتُم تعلمُونَ قِرَاءَته؟) وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة: ( بِأَيّ شَيْء كُنْتُم تعرفُون قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟) قَوْله: ( باضطراب لحيته) ، بِكَسْر اللَّام أَي: بحركتها، وَقد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات: ( لحييْهِ) ، بِفَتْح اللَّام وبالياءين، أولاهما مَفْتُوحَة وَالْأُخْرَى سَاكِنة، وَهِي تَثْنِيَة: لحي، بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْحَاء، وَهُوَ منبت اللِّحْيَة من الْإِنْسَان.
وَفِي ( الْمُحكم) : اللِّحْيَة اسْم لجمع من الشّعْر مَا ينْبت على الْخَدين والذقن واللحي الَّذِي ينْبت عَلَيْهِ الْعَارِض، وَالْجمع: ألح ولحى وألحاء، وَفِي ( الْجَامِع) للقزاز: يُقَال: لحية، بِكَسْر اللَّام، و: لحية، بِفَتْح اللَّام وَالْجمع: لحي ولحي.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اسْتدلَّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور على وجوب الْقِرَاءَة فِي الظّهْر وَالْعصر.
قَالَ الطَّحَاوِيّ، رَحمَه الله، بعد أَن روى هَذَا الحَدِيث: فَلم يكن فِي هَذَا دَلِيل عندنَا على أَنه قد كَانَ يقْرَأ فيهمَا، لِأَنَّهُ قد يجوز أَن تضطرب لحيته بتسبيح يسبحه أَو دُعَاء، وَلَكِن الَّذِي حقق الْقِرَاءَة مِنْهُ فِي هَاتين الصَّلَاتَيْنِ مَا قد روينَاهُ من الْآثَار الَّتِي فِي الْفَصْل الَّذِي قبل هَذَا.
قلت: أَرَادَ بهَا مَا رَوَاهُ عَن أبي قَتَادَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَجَابِر بن سَمُرَة وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأبي هُرَيْرَة وَأنس بن مَالك وَعلي، أما حَدِيث أبي قَتَادَة فَأخْرجهُ البُخَارِيّ على مَا يَأْتِي عَن قريب.
وَكَذَلِكَ حَدِيث جَابر بن سَمُرَة.
وَأما حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، فَأخْرجهُ مُسلم عَنهُ: ( أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يقْرَأ فِي صَلَاة الظّهْر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فِي كل رَكْعَة قدر ثَلَاثِينَ آيَة وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قدر خمس عشرَة آيَة، أَو قَالَ: نصف ذَلِك، وَفِي الْعَصْر الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فِي كل رَكْعَة قدر خمس عشرَة آيَة، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قدر نصف ذَلِك) .
وَأما حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن فَأخْرجهُ مُسلم عَنهُ: ( أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الظّهْر فَجعل رجل يقْرَأ: بسبح اسْم رَبك الْأَعْلَى،.
فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: أَيّكُم قَرَأَ؟ أَو أَيّكُم القارىء؟ قَالَ رجل: أَنا.
قَالَ قد علمت أَن بَعْضكُم خالجنيها.
أَي: نَازَعَنِي قرَاءَتهَا.
وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَأخْرجهُ النَّسَائِيّ عَن عَطاء، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: ( وكل صَلَاة يقْرَأ فِيهَا، فَمَا أسمعنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسمعناكم، وَمَا أُخْفِي عَنَّا أخفينا عَنْكُم) .
وَأما حَدِيث أنس فَأخْرجهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث عبد الله بن عبيد، قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر بن النَّضر، قَالَ: كُنَّا بالطفّ عِنْد أنس، فصلى بهم الظّهْر فَلَمَّا فرغ، قَالَ: إِنِّي صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الظّهْر فَقَرَأَ لنا بِهَاتَيْنِ السورتين فِي الرَّكْعَتَيْنِ { بسبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و { بهل أَتَاك حَدِيث الغاشية} وَهَذِه الْأَحَادِيث قد حققت الْقِرَاءَة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الظّهْر وَالْعصر، وانتفى مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن قريب، لِأَن غَيره من الصَّحَابَة قد تحققوا قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الظّهْر وَالْعصر.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ فِي جَوَاب هَذَا: إِنَّه وهم من ابْن عَبَّاس، لِأَنَّهُ ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر من طرق كَثِيرَة كَحَدِيث قَتَادَة وخبابُ ابْن الْأَرَت وَغَيرهمَا.
قلت: عِنْدِي جَوَاب أحسن من هَذَا مَعَ رِعَايَة الْأَدَب فِي حق ابْن عَبَّاس وَهُوَ: أَن ابْن عَبَّاس اسْتندَ فِي هَذَا أَولا على قَوْله: { أقِيمُوا الصَّلَاة} ( الْبَقَرَة: 243، 83، 110.
النِّسَاء: 77.
الْأَنْعَام: 72.
يُونُس: 87.
النُّور: 56.
الرّوم: 31.
الشورى: 13.
المزمل: 20)
.
وهم مُجمل بَينه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِفِعْلِهِ، ثمَّ قَالَ: ( صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) ، والمروي هُوَ الْأَفْعَال دون الْأَقْوَال، فَكَانَت الصَّلَاة إسما للْفِعْل فِي حق الظّهْر وَالْعصر، وَالْفِعْل وَالْقَوْل فِي حق غَيرهمَا، وَلم يبلغ ابْن عَبَّاس قِرَاءَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الظّهْر وَالْعصر،، فَلذَلِك قَالَ فِي جَوَابه: عبد الله بن عبيد الله بن عَبَّاس بن عبد الْمطلب، فَلَمَّا بلغه خبر قِرَاءَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهمَا وَثَبت عِنْده رَجَعَ عَن ذَلِك القَوْل، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه حَدثنَا سُفْيَان عَن سَلمَة بن كهيل عَن الْحسن العرني عَن ابْن عَبَّاس: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر) .

وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: مَا ترْجم عَلَيْهِ البُخَارِيّ، وَهُوَ: رفع الْبَصَر إِلَى الإِمَام.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك أَعنِي: فِي رفع الْبَصَر إِلَى أَي مَوضِع فِي صلَاته فَقَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر: إِلَى مَوضِع سُجُوده، وَرُوِيَ ذَلِك عَن إِبْرَاهِيم وَابْن سِيرِين وَفِي ( التَّوْضِيح) : وَاسْتثنى بعض أَصْحَابنَا إِذا كَانَ مشاهدا للكعبة فَإِنَّهُ ينظر إِلَيْهَا.
.

     وَقَالَ  القَاضِي حُسَيْن: ينظر إِلَى مَوضِع سُجُوده فِي حَال قِيَامه وَإِلَى قَدَمَيْهِ فِي رُكُوعه وَإِلَى أَنفه فِي سُجُوده وَإِلَى حجره فِي تشهده لِأَن امتداد النّظر يلهى فَإِذا قصر كَانَ أولى،.

     وَقَالَ  مَالك: ينظر أَمَامه وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن ينظر إِلَى مَوضِع سُجُوده وَهُوَ قَائِم: قَالَ: وَأَحَادِيث الْبابُُ تشهد لَهُ لأَنهم لَو لم ينْظرُوا إِلَيْهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا رَأَوْا تَأَخره حِين عرضت عَلَيْهِ جَهَنَّم وَلَا رَأَوْا اضْطِرَاب لحيته، وَلَا استدلوا بذلك على قِرَاءَته، وَلَا نقلوا ذَلِك، وَلَا رَأَوْا تنَاوله فِيمَا تنَاوله فِي قبلته حِين مثلت لَهُ الْجنَّة، وَمثل هَذَا الحَدِيث قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ) لِأَن الإئتمام لَا يكون إلاّ بمراعاة حركاته فِي خفضه وَرَفعه.




[ قــ :76 ... غــ :747 ]
-
حدَّثنا حجَّاجٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ أنْبَأنَا أبُو إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ يَزِيدَ يَخْطُبُ قَالَ حدَّثنا البَرَاءُ وكانَ غَيْرَ كَذُوبٍ أنَّهُمْ كانُوا إذَا صَلَّوْا مَعَ النَّبيِّ فَرَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ قامُوا قِيَاما حَتَّى يَرَوْهُ قَدْ سَجَدَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " حَتَّى يروه قد سجد ".
( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة الأول حجاج بن منهال وَلَيْسَ هُوَ بِحجاج بن مُحَمَّد لِأَن البُخَارِيّ لم يسمع مِنْهُ الثَّانِي شُعْبَة بن الْحجَّاج الثَّالِث أَبُو إِسْحَق وَهُوَ عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الرَّابِع عبد الله بن يزِيد الْأنْصَارِيّ الخطمي أَبُو مُوسَى الصَّحَابِيّ وَكَانَ أَمِيرا على الْكُوفَة الْخَامِس الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه الأنباء بِصِيغَة الْجمع وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَار.

     وَقَالَ  بَعضهم يجوز قَول أَنبأَنَا فِي الْإِجَازَة وَلَا يجوز أخبرنَا فِيهَا إِلَّا مُقَيّدا بِالْإِجَازَةِ بِأَن يَقُول أخبرنَا بِالْإِجَازَةِ وَفِيه السماع وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي بابُُ مَتى يسْجد من خلف الإِمَام فَإِن البُخَارِيّ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد وَعَن يحيى بن سعيد عَن سُفْيَان عَن أبي إِسْحَق عَن عبد الله بن يزِيد عَن الْبَراء وَفِيهِمَا اخْتِلَاف فِي بعض السَّنَد والمتن وتكلمنا هُنَاكَ بِجَمِيعِ مَا يتَعَلَّق بِهِ قَوْله " قَامُوا " جَوَاب إِذا صلوا قَوْله " قيَاما " قَالَ الْكرْمَانِي مصدر قيل الأولى أَن يكون جمع قَائِم وانتصابه على الْحَال ( قلت) الصَّوَاب مَعَ الْكرْمَانِي وانتصابه على المصدرية قَوْله " حَتَّى يروه " بِدُونِ نون الْجمع رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي الْوَقْت وَغَيرهمَا " حَتَّى يرونه " بِإِثْبَات النُّون والوجهان جائزان بِنَاء على إِرَادَة فعل الْحَال والاستقبال قَوْله " قد سجد " فِي مَحل النصب على الْحَال على الأَصْل وَهُوَ ظُهُور كلمة قد



[ قــ :77 ... غــ :748 ]
- ( حَدثنَا إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنِي مَالك عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ خسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى قَالُوا يَا رَسُول الله رَأَيْنَاك تنَاول شَيْئا فِي مقامك ثمَّ رَأَيْنَاك تكعكعت قَالَ إِنِّي أريت الْجنَّة فتناولت مِنْهَا عنقودا وَلَو أَخَذته لأكلتم مِنْهُ مَا بقيت الدُّنْيَا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهِي فِي قَوْله " رَأَيْنَاك تكعكعت " لِأَن رُؤْيَتهمْ تكعكعه تدل على أَنهم يراقبونه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرِجَاله قد مروا غير مرّة وَهُوَ حَدِيث مطول أخرجه فِي بابُُ صَلَاة الْكُسُوف جمَاعَة عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ " انخسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَامَ قيَاما طَويلا " الحَدِيث بِطُولِهِ وَفِيه " قَالُوا يَا رَسُول الله رَأَيْنَاك تناولت شَيْئا فِي مقامك " إِلَى قَوْله " مَا بقيت الدُّنْيَا " وَبعده هُنَاكَ شَيْء آخر سَيَأْتِي وَأخرج هَهُنَا هَذِه الْقطعَة عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس لأجل مَا وضع لَهَا هَذِه التَّرْجَمَة وَأخرج عَن إِسْمَاعِيل أَيْضا عَن مَالك فِي بَدْء الْخلق وَأخرج عَن عبد الله بن يُوسُف فِي النِّكَاح وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن إِسْحَاق بن عِيسَى عَن مَالك بِهِ وَعَن سُوَيْد بن سعيد عَن حَفْص بن ميسرَة عَن زيد بن أسلم بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن مسلمة عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ وَأخرج التِّرْمِذِيّ أَيْضا قِطْعَة من حَدِيث ابْن عَبَّاس " عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى فِي كسوف فَقَرَأَ ثمَّ ركع ثمَّ قَرَأَ ثمَّ ركع ثمَّ قَرَأَ ثمَّ ركع ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ وَالْأُخْرَى مثلهَا " أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار عَن يحيى عَن سُفْيَان عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس وَأَهْمَلَهُ الْمزي فِي الْأَطْرَاف قَوْله " خسفت الشَّمْس " فِيهِ دَلِيل لمن قَالَ الخسوف أَيْضا يُطلق على كسوف الشَّمْس وَفِي رِوَايَته الْأُخْرَى " انخسفت " قَوْله " فصلى " أَي صَلَاة الْكُسُوف قَوْله " تنَاول شَيْئا " أَصله تتَنَاوَل فحذفت إِحْدَى التائين وَفِي رِوَايَته الْأُخْرَى إِلَى تَأتي فِي بابُُ صَلَاة الْكُسُوف " تناولت " قَوْله " تكعكعت " أَي تَأَخَّرت قَالَه فِي مجمع الغرائب.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر مَعْنَاهُ تقهقرت.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد كعكعته فتكعكع قَالَ أصل كعكعت كععت فاستثقلت الْعَرَب الْجمع بَين ثَلَاثَة أحرف من جنس وَاحِد ففرقوا بَينهَا بِحرف مُكَرر.

     وَقَالَ  غَيره أكعه الْفرق اكعاعا إِذا حَبسه عَن وَجهه وَفِي الْمُحكم كع كعوعا وكعاعة وكيعوعة وكعكعه عَن الْورْد نحاه وَفِي الجمهرة لَا يُقَال كاع وَإِن كَانَت الْعَامَّة تداولت بِهِ وَفِي الموعب عَن أبي زيد كععت وكععت بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح واكع بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح كعا وكعاعة بِالْفَتْح إِذا هبت الْقَوْم بَعْدَمَا أردتهم فَرَجَعت وتركتهم وَإِنِّي عَنْهُم لكع بِالْفَتْح.

     وَقَالَ  صَاحب الْعين كع وكاع بِالتَّشْدِيدِ وَقد كع كوعا وَهُوَ الَّذِي لَا يمْضِي فِي عزم وَفِي التَّهْذِيب لأبي مَنْصُور الْأَزْهَرِي رجل كعكع وَقد تكعكع وتكأكأ إِذا ارتدع قَوْله " أريت " على صِيغَة الْمَجْهُول يُرِيد أَن الْجنَّة عرضت لَهُ من غير حَائِل قَوْله " عنقودا " بِضَم الْعين لَا يُقَال التَّنَاوُل هُوَ الْأَخْذ فَكيف أثبت أَولا ثمَّ قَالَ لَو أَخَذته لأَنا نقُول التَّنَاوُل هُوَ التَّكَلُّف فِي الْأَخْذ وإظهاره لَا الْأَخْذ حَقِيقَة وَيُقَال مَعْنَاهُ تناولت لنَفْسي وَلَو أَخَذته لكم لأكلتم مِنْهُ وَيُقَال مَعْنَاهُ فَأَرَدْت التَّنَاوُل والإرادة مقدرَة وَمَعْنَاهُ لَو أردْت الْأَخْذ لأخذت وَلَو أخذت لأكلتم مِنْهُ مَا بقيت الدُّنْيَا أَي مُدَّة بَقَاء الدُّنْيَا إِلَى انتهائها.

     وَقَالَ  التَّيْمِيّ قيل لم يَأْخُذ العنقود لِأَنَّهُ كَانَ من طَعَام الْجنَّة وَهُوَ لَا يفنى وَلَا يجوز أَن يُؤْكَل فِي الدُّنْيَا إِلَّا مَا يفنى لِأَن الله تَعَالَى خلقهَا للفناء فَلَا يكون فِيهَا شَيْء من أُمُور الْبَقَاء



[ قــ :78 ... غــ :749 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن سِنَان قَالَ حَدثنَا فليح قَالَ حَدثنَا هِلَال بن عَليّ عَن أنس بن مَالك قَالَ صلى لنا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ رقي الْمِنْبَر فَأَشَارَ بِيَدِهِ قبل قبْلَة الْمَسْجِد ثمَّ قَالَ لقد رَأَيْت الْآن مُنْذُ صليت لكم الصَّلَاة الْجنَّة وَالنَّار ممثلتين فِي قبْلَة هَذَا الْجِدَار فَلم أر كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْر وَالشَّر ثَلَاثًا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْقبْلَة " لِأَن رُؤْيَتهمْ إِشَارَته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ إِلَى جِهَة الْقبْلَة تدل على أَنهم كَانُوا يراقبونه فِي الصَّلَاة.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي أَن فِي وَجه الْمُطَابقَة وَجْهَيْن أَحدهمَا هُوَ أَن فِيهِ بَيَان رفع بصر الإِمَام إِلَى الشَّيْء فَنَاسَبَ بَيَان رفع الْبَصَر إِلَى الإِمَام من جِهَة كَونهمَا مشتركين فِي رفع الْبَصَر فِي الصَّلَاة ( قلت) فِيهِ مَا لَا يخفى.
وَالْوَجْه الثَّانِي هُوَ الْقَرِيب وَهُوَ أَن هَذَا الحَدِيث مُخْتَصر حَدِيث صَلَاة الْكُسُوف الَّذِي ثَبت فِيهِ رفع الْبَصَر إِلَى الإِمَام وَالْعجب العجاب أَن بَعضهم ذكر وَجه الْمُطَابقَة وَأَخذه من كَلَام الْكرْمَانِي وَطوله ثمَّ نسبه إِلَى نَفسه حَيْثُ قَالَ وَالَّذِي يظْهر لي أَن حَدِيث أنس مُخْتَصر من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَأَن الْقِصَّة فيهمَا وَاحِدَة فَسَيَأْتِي فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " رَأَيْت الْجنَّة وَالنَّار " كَمَا قَالَ فِي حَدِيث أنس وَقد قَالُوا لَهُ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس " رَأَيْنَاك تكعكعت " فَهَذَا مَوضِع التَّرْجَمَة انْتهى.
وَالَّذِي قلته هُوَ الْأَوْجه لم يُنَبه عَلَيْهِ أحد من الشُّرَّاح وَبِه يسْقط أَيْضا اعْتِرَاض الْإِسْمَاعِيلِيّ على إِيرَاد البُخَارِيّ حَدِيث أنس هَذَا فِي هَذَا الْبابُُ فَقَالَ لَيْسَ فِيهِ نظر الْمَأْمُومين إِلَى الإِمَام فَكيف يَقُول لَيْسَ فِيهِ نظر الْمَأْمُومين إِلَى الإِمَام وَأنس يخبر بقوله " فَأَشَارَ بِيَدِهِ قبل قبْلَة الْمَسْجِد " فَلَو لم يكن هُوَ نَاظرا إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما رأى إِشَارَته بِيَدِهِ إِلَى جِهَة الْقبْلَة وَأبْعد من اعْتِرَاض الْإِسْمَاعِيلِيّ قَول بَعضهم فِي جَوَاب اعتراضه وَأجِيب بِأَن فِيهِ أَن الإِمَام رفع بَصَره إِلَى مَا أَمَامه وَإِذا سَاغَ ذَلِك للْإِمَام سَاغَ للْمَأْمُوم انْتهى ( قلت) سُبْحَانَ الله مَا أبعد هَذَا من الْمَقْصُود لِأَن التَّرْجَمَة لَيست فِيمَا ذكره وَإِنَّمَا هِيَ فِي رفع الْبَصَر إِلَى الإِمَام وَأَيْنَ هَذَا من ذَلِك ( ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة.
الأول مُحَمَّد بن سِنَان بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون وَبعد الْألف نون أُخْرَى أَبُو بكر الْعَوْفِيّ الْبَاهِلِيّ الْأَعْمَى مَاتَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي فليح بِضَم الْفَاء ابْن سُلَيْمَان بن أبي الْمُغيرَة أَبُو يحيى الْخُزَاعِيّ.
الثَّالِث هِلَال بن عَليّ وَيُقَال هِلَال بن أبي مَيْمُونَة وهلال بن أبي هِلَال وَيُقَال هِلَال بن أُسَامَة الفِهري الْمَدِينِيّ مَاتَ فِي آخر خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك.
الرَّابِع أنس بن مَالك.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده وَفِيه عَن أنس وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي الرقَاق التَّصْرِيح بِسَمَاع هِلَال من أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن صَالح وَفِي الرقَاق عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن فليح عَن أَبِيه ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " ثمَّ رقي الْمِنْبَر " بِكَسْر الْقَاف يُقَال رقيت فِي السّلم إِذا صعدت.

     وَقَالَ  ابْن التِّين وَوَقع فِي بعض النّسخ " رقي " بِفَتْح الْقَاف قَوْله " بِيَدِهِ " ويروى " بيدَيْهِ " قَوْله " قبل قبْلَة الْمَسْجِد " بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي جِهَة قبْلَة الْمَسْجِد وَيُقَال جَلَست قبل فلَان أَي عِنْده قَوْله " الْآن " هُوَ اسْم للْوَقْت الَّذِي أَنْت فِيهِ وَهُوَ ظرف غير مُتَمَكن وَقع معرفَة وَلم تدخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام للتعريف لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا يشركهُ قَالَ الْكرْمَانِي ( فَإِن قلت) هُوَ للْحَال وَرَأَيْت للماضي فَكيف يَجْتَمِعَانِ ( قلت) دُخُول قد عَلَيْهِ قربه للْحَال ( فَإِن قلت) فَمَا قَوْلك فِي صليت فَإِنَّهُ للمضي الْبَتَّةَ قَالَ ابْن الْحَاجِب كل مخبر أَو منشىء فقصده الْحَاضِر فَمثل صليت يكون للماضي الملاصق للحاضر أَو أُرِيد بالآن مَا يُقَال عرفا أَنه الزَّمَان الْحَاضِر لَا اللحظة الْحَاضِرَة الْغَيْر المنقسمة الْمُسَمَّاة بِالْحَال ( فَإِن قلت) مُنْذُ حرف أَو اسْم ( قلت) جَازَ الْأَمْرَانِ فَإِن كَانَ اسْما فَهُوَ مُبْتَدأ وَمَا بعده خَبره وَالزَّمَان مُقَدّر قبل صليت.

     وَقَالَ  الزّجاج بعكس ذَلِك قَوْله " ممثلتين " أَي مصورتين قَوْله " فَلم أر كَالْيَوْمِ " الْكَاف هَهُنَا وضع نصب التَّقْدِير فَلم أر منْظرًا مثل منظري الْيَوْم قَوْله " فِي الْخَيْر " أَي فِي أَحْوَال الْخَيْر قَوْله " ثَلَاثًا " يتَعَلَّق بقوله " قَالَ " أَي قَالَ ثَلَاث مَرَّات