فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الجهر في العشاء

بابُُ الجَهْرِ فِي العِشاءِ
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم جهر الْقِرَاءَة فِي صَلَاة الْعشَاء،.

     وَقَالَ  بَعضهم: قدم تَرْجَمَة الْجَهْر على تَرْجَمَة الْقِرَاءَة عكس مَا وضع فِي الْمغرب، ثمَّ فِي الصُّبْح، وَالَّذِي فِي الْمغرب أولى، وَلَعَلَّه من النساخ قلت: الْمَقْصُود الْأَعْظَم بَيَان الحكم لَا التَّرْتِيب فِي الْأَبْوَاب، وَأَيْضًا رَاعى الْمُنَاسبَة بَين هَذَا الْبابُُ وَالْبابُُ الَّذِي قبله لِأَنَّهُ فِي الْجَهْر، ورعاية الْمُنَاسبَة مَطْلُوبَة.


[ قــ :745 ... غــ :766 ]
- ( حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان قَالَ حَدثنَا مُعْتَمر عَن أَبِيه عَن بكر عَن أبي رَافع قَالَ صليت مَعَ أبي هُرَيْرَة الْعَتَمَة فَقَرَأَ إِذا السَّمَاء انشقت فَسجدَ فَقلت لَهُ قَالَ سجدت خلف أبي الْقَاسِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَا أَزَال أَسجد بهَا حَتَّى أَلْقَاهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم من قَوْله " سجدت خلف أبي الْقَاسِم " وَلَو لم يجْهر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقرَاءَته فِي هَذِه الصَّلَاة لما سجد أَبُو هُرَيْرَة خَلفه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة.
الأول أَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل.
الثَّانِي مُعْتَمر بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من الاعتمار ابْن سُلَيْمَان.
الثَّالِث أَبوهُ سُلَيْمَان بن طرخان.
الرَّابِع بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ.
الْخَامِس أَبُو رَافع بِالْفَاءِ وبالعين الْمُهْملَة واسْمه نفيع الصَّائِغ.
السَّادِس أَبُو هُرَيْرَة ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَرْبَعَة من الرِّجَال بصريون وَأَبُو رَافع مدنِي وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين يروي بَعضهم عَن بعض وهم سُلَيْمَان بن مُعْتَمر سمع أنس بن مَالك وَبكر بن عبد الله روى عَن أنس وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر والمغيرة بن شُعْبَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم ونفيع أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَلم ير النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وروى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَهُوَ من كبار التَّابِعين وَبكر من أوساطهم وَسليمَان من صغارهم قَالَ صَاحب التَّلْوِيح اعْترض بعض شرَّاح البُخَارِيّ على البُخَارِيّ بِأَن هَذَا الحَدِيث لَيْسَ مَرْفُوعا وَهُوَ غير وَارِد لِأَن رَفعه ظَاهر من متن الحَدِيث وإنكار رَفعه مُكَابَرَة.
( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي سُجُود الْقُرْآن عَن مُسَدّد وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عبيد الله بن معَاذ وَمُحَمّد بن عبد الْأَعْلَى وَعَن أبي كَامِل الجحدري وَعَن عَمْرو النَّاقِد وَعَن أَحْمد بن عَبدة وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد عَن مُعْتَمر بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن حميد بن مسْعدَة عَن سليم بن أحضر بِهِ ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " الْعَتَمَة " أَي الْعشَاء قَوْله " فَقلت لَهُ " أَي فِي شَأْن السَّجْدَة أَي سَأَلته عَن حكمهَا قَوْله " أبي الْقَاسِم " هُوَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " بهَا " أَي بِالسَّجْدَةِ يدل عَلَيْهَا قَوْله " فَسجدَ " كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} أَي الْعدْل أقرب للتقوى وَيجوز أَن تكون الْبَاء بِمَعْنى فِي أَي أَسجد فِيهَا أَي فِي السُّورَة وَهِي { إِذا السَّمَاء انشقت} كَمَا يَجِيء فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة فِي الْبابُُ الَّذِي يَأْتِي فَإِنَّهُ فِيهِ " فَلَا أَزَال أَسجد فِيهَا " كَمَا يَأْتِي ثمَّ أَن لَفْظَة بهَا لم تقع فِي رِوَايَة أبي ذَر قَوْله " حَتَّى أَلْقَاهُ " أَي حَتَّى ألْقى أَبَا الْقَاسِم أَي حَتَّى أَمُوت.
( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ ثُبُوت سَجْدَة التِّلَاوَة فِي سُورَة { إِذا السَّمَاء انشقت} وَهُوَ حجَّة على مَالك فِي قَوْله لَا سَجْدَة فِيهَا.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير لَا حجَّة فِيهِ على مَالك حَيْثُ كره السَّجْدَة فِي الْفَرِيضَة يَعْنِي فِي الْمَشْهُور عَنهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَرْفُوعا ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَرْفُوع كَمَا ذكرنَا وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا رِوَايَة أبي الْأَشْعَث عَن مُعْتَمر بِهَذَا الْإِسْنَاد بِلَفْظ " صليت خلف أبي الْقَاسِم فَسجدَ بهَا " أخرجه ابْن خُزَيْمَة وَكَذَلِكَ أخرجه الجوزقي من طَرِيق يزِيد بن هَارُون عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ بِلَفْظ " صليت مَعَ أبي الْقَاسِم فَسجدَ فِيهَا " ( قلت) هَذَا حجَّة على مَالك مُطلقًا سَوَاء قُرِئت هَذِه فِي الْفَرْض أَو فِي النَّفْل وَسَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو خَارِجهَا ثمَّ اخْتلفُوا هَل هِيَ سنة أَو وَاجِبَة على مَا يَأْتِي وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي مَوضِع السَّجْدَة فَقيل { وَإِذا قرئَ عَلَيْهِم الْقُرْآن لَا يَسْجُدُونَ} وَقيل آخر السُّورَة وَفِيه جَوَاز إِطْلَاق لفظ الْعَتَمَة على الْعشَاء وَفِيه ثُبُوت الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاة الْعشَاء وَعَلِيهِ تبويب البُخَارِيّ وَفِيه ذكر جَوَاز ذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأبي الْقَاسِم وَفِي جَوَاز تكني غَيره بِأبي الْقَاسِم خلاف -


[ قــ :746 ... غــ :767 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَدِيٍّ قَالَ سَمِعْتُ البَراءَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ فِي سَفَرٍ فَقَرأَ فِي العِشَاءِ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ والزَّيْتُونِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو الْوَلِيد: هُوَ هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَشعْبَة هُوَ ابْن الْحجَّاج، وعدي، بِفَتْح الْعين وَكسر الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ وَتَشْديد الْيَاء: هُوَ ابْن ثَابت الْأنْصَارِيّ، كلهم قد مروا.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والعنعنة فِي مَوضِع وَالْقَوْل فِي موضِعين وَفِيه السماع.

وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن حجاج بن منهال وَعَن خَالِد بن يحيى، وَفِي التَّوْحِيد عَن أبي نعيم.
.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن قُتَيْبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن عمر عَن شعبه بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن هناد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَعَن قُتَيْبَة عَن مَالك، وَفِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة عَن لَيْث وَمَالك بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الصَّباح وَعَن عبد الله بن عَامر.

قَوْله: ( كَانَ فِي سفر) ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ ( كَانَ فِي سفر فصلى الْعشَاء رَكْعَتَيْنِ) .
قَوْله: ( فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: ( فِي الرَّكْعَة الأولى) قَوْله: ( بِالتِّينِ) أَي: بِسُورَة التِّين، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي تَأتي: والتين، على الْحِكَايَة.

وَفِيه: ثُبُوت بالجهر بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاة الْعشَاء، وَعَلِيهِ التَّبْوِيب.
وَفِيه: التَّخْفِيف فِي الْقِرَاءَة فِي السّفر لِأَنَّهُ مَظَنَّة الْمَشَقَّة، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَاضِي مَحْمُول على الْحَضَر، فَلذَلِك قَرَأَ فِيهَا من أوساط الْمفصل.
.

     وَقَالَ  السفاقسي وَغَيره: هَذِه الْأَحَادِيث تدل على أَنه لَا تَوْقِيت فِي الْقِرَاءَة فِيهَا، بل بِحَسب الْحَال.
وَعَن مَالك، يقْرَأ فِيهَا أَي فِي الْعشَاء بالحاقة وَنَحْوهَا.
.

     وَقَالَ  أَشهب: بوسط الْمفصل، وَقَرَأَ فِيهَا عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِالنَّجْمِ، وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: بالذين كفرُوا.
وَأَبُو هُرَيْرَة بالعاديات.
.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: يقْرَأ فِي الْفجْر أَرْبَعِينَ آيَة سوى الْفَاتِحَة، وَفِي رِوَايَة: خمسين آيَة، وَفِي أُخْرَى سِتِّينَ إِلَى مائَة.
قَالَ الْمَشَايِخ: وَهِي أبين الرِّوَايَات.
قَالُوا: فِي الشتَاء يقْرَأ مائَة، وَفِي الصَّيف أَرْبَعِينَ وَفِي الخريف خمسين أَو سِتِّينَ.
وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: يَنْبَغِي أَن يكون فِي الظّهْر دون الْفجْر وَالْعصر قدر عشْرين آيَة سوى الْفَاتِحَة.
<