فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب القراءة في الفجر

(بابُُ القِرَاءَةِ فِي الفَجْرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الْقِرَاءَة فِي صَلَاة الْفجْر.

وقالَتْ أمُّ سَلَمَةَ قَرَأَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالطُّورِ
هَذَا التَّعْلِيق أسْندهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْحَج بِلَفْظ: (طفت وَرَاء النَّاس وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وَيقْرَأ بِالطورِ) ، وَلَيْسَ فِيهِ بَيَان أَن الصَّلَاة حِينَئِذٍ كَانَت الصُّبْح، لَكِن تبين ذَلِك من رِوَايَة أُخْرَى من طَرِيق يحيى بن زَكَرِيَّا الفساني عَن هِشَام ابْن عُرْوَة عَن أَبِيه، وَلَفظه: (إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة للصبح فطوفي) ، وَهَكَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة حسان بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام فَإِن قلت: أخرج ابْن خُزَيْمَة من طَرِيق وهب عَن مَالك، وَابْن لَهِيعَة جَمِيعًا عَن أبي الْأسود هَذَا الحَدِيث، قَالَ فِيهِ: قَالَت: وَهُوَ يقْرَأ، يَعْنِي الْعشَاء الْآخِرَة.
قلت: هَذِه رِوَايَة شَاذَّة، وَيُمكن أَن يكون سِيَاقه من ابْن لَهِيعَة، لِأَن ابْن وهب رَوَاهُ فِي (الْمُوَطَّأ) عَن مَالك فَلم يعين الصَّلَاة، وَبِهَذَا سقط الاعتراظ الَّذِي حَكَاهُ ابْن التِّين عَن بعض الْمَالِكِيَّة حَيْثُ أنكر أَن تكون الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة صَلَاة الصُّبْح، فَقَالَ: لَيْسَ فِي الحَدِيث بَيَانهَا، وَالْأولَى أَن تحمل على النَّافِلَة، لِأَن الطّواف يمْتَنع إِذا كَانَ الإِمَام فِي صَلَاة الْفَرِيضَة.
انْتهى.
وَأجِيب: بِأَن هَذَا رد للْحَدِيث الصَّحِيح بِغَيْر حجَّة، بل يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث جَوَاز مَا مَنعه.



[ قــ :750 ... غــ :771 ]
- حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا سَيَّارُ بنُ سَلاَمَ قَالَ دَخَلْتُ أَنا وَأبي عَلَى أبي بَرَزَةَ الأسْلَمِي فَسَألْنَاهُ عنْ وَقْتِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ والعَصْرُ ويَرّجِعُ الرجُلُ إلَى أقْصَى المَدِينَةِ والشَّمْسُ حَيَّةٌ وَنَسِيتُ مَا قالَ فِي المَغْرِبِ وَلَا يُبَالِي بِتَأخِيرِ العِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَلاَ يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلاَ الحَدِيثَ بَعْدَهَا ويُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَعْرِفُ جَلِيسَهُ وَكانَ يَقْرأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أوْ إحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السُّتين إِلَى المِائَةِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكَانَ يقْرَأ.
.
) إِلَى آخِره، وَفِيه إِثْبَات الْقِرَاءَة فِي الْفجْر، وَلأَجل ذَلِك بوب البُخَارِيّ هَذَا التَّبْوِيب، مَعَ أَنه ذكر هَذَا الحَدِيث فِي: بابُُ وَقت الظّهْر عِنْد الزول، وَأخرجه هُنَاكَ: عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن أبي الْمنْهَال عَن أبي بَرزَة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه نَضْلَة بن عبيد، وَأخرج هَهُنَا: عَن آدم بن أبي إِيَاس إِلَى آخِره، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ.

قَوْله: (عَن وَقت الصَّلَوَات) ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: (الصَّلَاة) ، بِالْإِفْرَادِ، وَالْمرَاد: المكتوبات.
قَوْله: (وَكَانَ يقْرَأ) إِلَى آخِره، مَعْنَاهُ: من الْآيَات مَا بَين السِّتين إِلَى الْمِائَة، وَهَذِه الزِّيَادَة تفرد بهَا شُعْبَة عَن أبي الْمنْهَال، وَالشَّكّ فِيهِ مِنْهُ، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَمْرو بن حُرَيْث قَالَ: (كَأَنِّي أسمع صَوت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي صَلَاة الْغَدَاة.
{ فَلَا أقسم بالخنس الْجوَار الكنس} (التكوير: 1 و 2) .
أَرَادَ أَنه كَانَ يقْرَأ: إِذا الشَّمْس كورت، وَهِي مَكِّيَّة وتسع وَعِشْرُونَ آيَة، وَزَاد أَبُو جَعْفَر: { فَأَيْنَ تذهبون} (التكوير: 26) .
وَمِائَة وَأَرْبَعُونَ كلمة، وَخمْس مائَة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ حرفا.
والخنس: النُّجُوم الَّتِي تخنس بِالنَّهَارِ فَلَا ترى، وتكنس بِاللَّيْلِ إِلَى مجاريها، أَي: تستتر كَمَا يكنس الظبا فِي المغار، وَهِي الكناس.
.

     وَقَالَ  الْفراء: هِيَ النُّجُوم الْخَمْسَة: زحل وَالْمُشْتَرِي والمريخ والزهرة وَعُطَارِد،.
وروى مُسلم من حَدِيث قُطْبَة بن مَالك أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الصُّبْح: { وَالنَّخْل باسقات لَهَا طلع نضيد} (ق: 10) .
أَرَادَ أَنه كَانَ يقْرَأ سُورَة: ق وَالْقُرْآن الْمجِيد، وَهِي مَكِّيَّة، وَهِي خمس وَأَرْبَعُونَ آيَة، وثلاثمائة وَسبع وَخَمْسُونَ كلمة، وَألف وَأَرْبَعمِائَة وَتسْعُونَ حرفا.
وَمعنى قَوْله: { وَالنَّخْل باسقات} (ق: 10) .
يَعْنِي طوَالًا فِي السَّمَاء.
وَقيل: بسوقها استقامتها فِي الطول.
وَقيل: مواقير وحوامل وروى مُسلم أَيْضا من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ الْفجْر بقاف) وَكَانَت قِرَاءَته بعد تَخْفيف.
وَعند السراج: بقاف وَنَحْوهَا.
وَفِي لفظ: وأشباهها.
وروى النَّسَائِيّ عَن أم هِشَام بنت حَارِثَة، قَالَت: مَا أخذت قَاف إلاّ من وَرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يُصَلِّي بهَا الصُّبْح.
وروى ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: (أَن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليأمرنا بِالتَّخْفِيفِ، وَأَن كَانَ ليؤمنا بالصافات فِي الْفجْر) .
قلت: هِيَ مَكِّيَّة، وَهِي مائَة وَاثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ آيَة، وثمان مائَة وَسِتُّونَ كلمة، وَثَلَاثَة آلَاف وثمان مائَة وَسِتَّة وَعِشْرُونَ حرفا.
وروى أَبُو دَاوُد عَن رجل من الصَّحَابَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الصُّبْح بالروم أَي: بِسُورَة الرّوم، وَهِي مَكِّيَّة، وَهِي سِتُّونَ آيَة، وثمان مائَة وبع عشرَة كلمة، وَثَلَاثَة آلَاف وَخمْس مائَة وَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ حرفا، وروى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي (كتاب الصَّحَابَة) : أَن عمر الْجُهَنِيّ قَالَ: (صليت خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّبْح فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَة الْحَج وَسجد فِيهَا سَجْدَتَيْنِ.
قلت: هِيَ مَكِّيَّة إلاّ سِتّ آيَات نزلت بِالْمَدِينَةِ، وَهِي قَوْله تَعَالَى: { هَذَانِ خصمان} إِلَى قَوْله: { وهدوا إِلَى الطّيب من القَوْل وهدوا إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} (الْحَج: 19 24) .
وَهِي: ثَمَان وَتسْعُونَ آيَة، وَألف ومائتان وَتسْعُونَ كلمة، وَخَمْسَة آلَاف وَخَمْسَة وَتسْعُونَ حرفا.
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ، رَحمَه الله فِي (جَامعه) : عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَرَأَ فِي الصُّبْح بِسُورَة الْوَاقِعَة، وروى عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ فِي الْفجْر من سِتِّينَ آيَة إِلَى مائَة.
وروى السراج بِسَنَد صَحِيح عَن الْبَراء: (صلى بِنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الصُّبْح فَقَرَأَ بأقصر سورتين فِي الْقُرْآن) .
فَإِن قلت: مَا وَجه هَذِه الاختلافات؟ قلت: قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن هَذِه بِحَسب اخْتِلَاف الْأَحْوَال وَالزَّمَان أَلا يرى إِلَى مَا روى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) بِسَنَد صَحِيح: عَن أنس قَالَ: (صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفجْر بأقصر سورتين من الْقُرْآن،.

     وَقَالَ : إِنَّمَا أسرعت لتفرغ الْأُم إِلَى صبيها، وَسمع صَوت صبي) ؟ وروى أَبُو دَاوُد بِسَنَد صَحِيح: عَن معَاذ بن عبد الله عَن رجل من جُهَيْنَة: (سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الصُّبْح { إِذا زلزلت} فِي الرَّكْعَتَيْنِ كلتيهما) .
وَجَاء مثل هَذَا الِاخْتِلَاف أَيْضا من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد: (صلى بِنَا عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْفجْر فَقَرَأَ آلمر ولإيلاف قُرَيْش) .
وَفِي: (وَصلى أَبُو بكر صَلَاة الصُّبْح بِسُورَة الْبَقَرَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ كلتيهما) .
.

     وَقَالَ  الفرافصة بن عُمَيْر: مَا أخذت سُورَة يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام، إِلَّا من قِرَاءَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِيَّاهَا فِي الصُّبْح من كَثْرَة مَا يكررها.
وَفِي (الْمُوَطَّأ) قَالَ عَامر بن ربيعَة: قَرَأَ عمر فِي الصُّبْح سُورَة الْحَج وَسورَة يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام، قِرَاءَة بطيئة.
.

     وَقَالَ  أَبُو هُرَيْرَة: لما قدمت الْمَدِينَة مُهَاجرا صليت خلف سِبَاع بن عرفطة الصُّبْح، فَقَرَأَ فِي الأولى سُورَة مَرْيَم، وَفِي الْأُخْرَى سُورَة: ويل لِلْمُطَفِّفِينَ، ذكره ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَلم يسم سباعا.
وَعَن عمر بن مَيْمُون: لما طعن عمر صلى بهم ابْن عَوْف الْفجْر فَقَرَأَ { إِذا جَاءَ نصر الله} (الْفَتْح: 1) .
والكوثر، وَذكر أَن عمر قَرَأَ فِي الصُّبْح: بِيُونُس وبهود، وَقَرَأَ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِيُوسُف والكهف، وَقَرَأَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بالأنبياء، وَقَرَأَ عبد الله بسورتين إِحْدَاهمَا بَنو إِسْرَائِيل، وَقَرَأَ معَاذ بِالنسَاء،.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد الأودي: كنت أُصَلِّي وَرَاء عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْغَدَاة فَكَانَ يقْرَأ: إِذا الشَّمْس كورت، وَإِذا السَّمَاء انفطرت، وَنَحْو ذَلِك من السُّور.
وَجَاء مثل ذَلِك أَيْضا عَن التَّابِعين.
وَفِي كتاب أبي نعيم: عَن الْحَارِث بن فُضَيْل قَالَ: أَقمت عِنْد ابْن شهَاب عشرا، فَكَانَ يقْرَأ فِي صَلَاة الْفجْر: تبَارك، وَقل هُوَ الله أحد.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَقَرَأَ عُبَيْدَة بالرحمن، وَإِبْرَاهِيم بيسين، وَعمر بن عبد الْعَزِيز بسورتين من طوال الْمفصل.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَمَا ذكرنَا من الِاخْتِلَاف من السّلف دلّ أَنهم فَهموا عَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِبَاحَة التَّطْوِيل وَالتَّقْصِير، وَأَنه لَا حد لَهُ فِي ذَلِك.





[ قــ :751 ... غــ :77 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا إسْماعِيلُ بنُ إبْراهِيمَ قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبرنِي عَطَاءٌ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُولُ فِي كُلِّ صَلاَةٍ يُقْرَأُ فَمَا أسْمَعَنَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسْمَعْنَاكُمْ وَما أخْفَى عَنَّا أخْفَيْنَا عَنْكُمْ وَإنْ لَمْ تَزدْ عَلَى أُمِّ القُرْآنِ أجْزَأتْ وَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ.


مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم من قَوْله: (فِي كل صَلَاة يقْرَأ) لِأَن التَّرْجَمَة فِي: بابُُ الْقِرَاءَة فِي الْفجْر، وَهُوَ دَاخل فِي قَوْله: (كل صَلَاة) .
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَكَأن المُصَنّف قصد بإيراد حَدِيثي أم سَلمَة وَأبي بَرزَة فِي هَذَا الْبابُُ بَيَان حالتي السّفر والحضر، ثمَّ ثلث بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة الدَّال على عدم اشْتِرَاط قدر معِين قلت: لَيْسَ فِي حَدِيث أبي بَرزَة مَا يدل على حكم الْقِرَاءَة فِي السّفر أَو الْحَضَر، وَإِنَّمَا هُوَ مُطلق، وَلم يكن إِيرَاده حَدِيث أبي هُرَيْرَة، إلاّ أَن صَلَاة الْفجْر لَا بُد لَهَا من الْقِرَاءَة لدخولها تَحت قَوْله: (فِي كل صَلَاة يقْرَأ) ، وَقد علم أَن لَفْظَة: كل، إِذا أضيفت إِلَى النكرَة تَقْتَضِي عُمُوم الْإِفْرَاد.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُسَدّد بن مسرهد.
الثَّانِي: إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن علية.
الثَّالِث: عبد الْملك بن جريج.
الرَّابِع: عَطاء ابْن أبي رَبَاح.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع وَفِي مَوضِع بِالْإِفْرَادِ.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور وَقد تكلم فِيهِ يحيى بن معِين فِي حَدِيثه عَن ابْن جريج خَاصَّة، لَكِن تَابعه عَلَيْهِ عبد الرَّزَّاق وَمُحَمّد بن بكر وغندر عِنْد أَحْمد، وحبِيب بن الشَّهِيد وحبِيب الْمعلم عِنْد مُسلم، وخَالِد بن الْحَارِث ورقية عِنْد النَّسَائِيّ، وَابْن وهب عِنْد ابْن خُزَيْمَة، ثمانيتهم عَن ابْن جريج مِنْهُم من ذكر الْكَلَام الْأَخير، وَمِنْهُم من لم يذكرهُ.
أما مُتَابعَة عبد الرَّزَّاق فأخرجها أَحْمد فِي (مُسْنده) : عَنهُ عَن ابْن جريج عَن عَطاء، قَالَ: (سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: فِي كل صَلَاة قِرَاءَة فَمَا أسمعنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسمعناكم وَمَا أخْفى عَنَّا أخفينا عَنْكُم، فَسَمعته يَقُول: لَا صَلَاة إلاّ بِقِرَاءَة) .
وَأما مُتَابعَة حبيب الْمعلم فأخرجها مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: أخبرنَا يزِيد بن زُرَيْع عَن حبيب الْمعلم (عَن عَطاء قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فِي كل صَلَاة قِرَاءَة فَمَا أسمعنا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسمعناكم وَمَا أخْفى أخفيناه مِنْكُم، فَمن قَرَأَ بِأم الْكتاب فقد أَجْزَأت مِنْهُ، وَمن زَاد فَهُوَ أفضل) .
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن حبيب عَن عَطاء (إِلَى أخفينا عَنْكُم) .
وَأما مُتَابعَة رقية فأخرجها النَّسَائِيّ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن قدامَة، قَالَ: حَدثنَا جرير عَن رقية (عَن عَطاء قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: كل صَلَاة يقْرَأ فِيهَا، فَمَا أسمعنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسمعناكم وَمَا أخفاها أخفينا مِنْكُم) .
وَأما مُتَابعَة ابْن وهب فأخرجها الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي ابْن جريج عَن عَطاء قَالَ: (سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: فِي كل الصَّلَاة قِرَاءَة، فَمَا أسمعنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسمعناكم، وَمَا أخفاه علينا أخفيناه عَلَيْكُم) .
وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن النُّعْمَان، قَالَ: حَدثنَا الحميد، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن ابْن جريج عَن عَطاء نَحوه.
قيل: هَذَا الحَدِيث مَوْقُوف.
وَأجِيب: بِأَن قَوْله: (مَا أسمعنا) ، و (مَا أخْفى عَنَّا) يشْعر بِأَن جَمِيع مَا ذكره متلقى من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيكون للْجَمِيع حكم الرّفْع.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب وَالنَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن الْأَعْلَى، وَأخرجه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن قدامَة كَمَا ذَكرْنَاهُ الأن.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فِي كل صَلَاة يقْرَأ) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْجَار وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بقوله: (يقْرَأ) أَي: يجب أَن يقْرَأ الْقُرْآن فِي كل الصَّلَوَات لَكِن بَعْضهَا بالجهر وَبَعضهَا بالسر، فَمَا جهر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهرنا بِهِ، وَمَا أسر أسررنا بِهِ.
ويروى: يقْرَأ على صِيغَة الْمَعْلُوم، أَي: يقْرَأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَقيل: ويروى: (نَقْرَأ) بالنُّون أَي: نَحن نَقْرَأ.
قَوْله: (فَمَا أسمعنا) بِفَتْح الْعين، وَهِي جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاعله.
قَوْله: (أسمعناكم) بِسُكُون الْعين، جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَهُوَ: النُّون، وَالْمَفْعُول وَهُوَ: كم.
قَوْله: (وَمَا أخْفى) كلمة: مَا، مَوْصُولَة وَكَذَلِكَ فِي: (فَمَا أسمعنا) .
قَوْله: (وَإِن لم تزد) بتاء الْخطاب، وَقد بَينه مَا فِي رِوَايَة مُسلم عَن أبي خَيْثَمَة وَغَيره عَن إِسْمَاعِيل، (فَقَالَ لَهُ رجل: إِن لم أَزْد؟) .
قَوْله: (على أم الْقُرْآن) ، أَي: الْفَاتِحَة، وَسميت بهَا لاشتمالها على الْمعَانِي الَّتِي فِي الْقُرْآن، وَلِأَنَّهَا أول الْقُرْآن، كَمَا أَن مَكَّة سميت: أم الْقرى، لِأَنَّهَا أول الأَرْض وَأَصلهَا.
قَوْله: (أَجْزَأت) بِلَفْظ الْغَيْبَة أَي: أَجْزَأت الصَّلَاة، من الْإِجْزَاء، وَهُوَ الْأَدَاء الْكَافِي لسُقُوط التَّعَبُّد بِهِ، وَحكى ابْن التِّين لُغَة أُخْرَى وَهِي: أجزت، بِلَا ألف أَي: قَضَت.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: جزى وأجزى، مثل: وفى وأوفى،.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: أجزت عَنْك عِنْد الْقَابِسِيّ، وَعند غَيره أَجْزَأت.
قَوْله: (فَهُوَ خير) أَي: الزَّائِد على أم الْقُرْآن خير، وَفِي رِوَايَة حبيب الْمعلم: (فَهُوَ أفضل) .
كَمَا ذكرنَا.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: وجوب الْقِرَاءَة فِي كل الصَّلَوَات.
وَفِيه: رد على من أنكر وُجُوبهَا فِي الظّهْر وَالْعصر.
وَفِيه: الْجَهْر فِيمَا يجْهر والإخفاء فِيمَا يخفي، وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ فِي هَذَا الحَدِيث، قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يؤمنا فيجهر ويخافت، وَكَانَ جهره فِي بعض الصَّلَوَات كالمغرب وَالْعشَاء وَالصُّبْح وَالْجُمُعَة وَصَلَاة الْعِيدَيْنِ، وَفِي بَعْضهَا كَانَ يسر كالظهر وَالْعصر، وَفِي ثَالِثَة الْمغرب وآخرتي الْعشَاء، وَفِي الاسْتِسْقَاء يجْهر عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَفِي الخسوف والكسوف لَا يجْهر عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد.
.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف: فيهمَا الْجَهْر،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: فِي الْكُسُوف يسر، وَفِي الخسوف يجْهر.
وَأما بَقِيَّة النَّوَافِل فَفِي النَّهَار لَا جهر فِيهَا، وَفِي اللَّيْل يتَخَيَّر.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَفِي نوافل اللَّيْل، وَقيل: يُخَيّر بَين الْجَهْر والإسرار.
وَفِيه: مَا اسْتدلَّ بِهِ الشَّافِعِيَّة على اسْتِحْبابُُ ضم السُّورَة إِلَى الْفَاتِحَة، وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث، وَعند أَصْحَابنَا يجب ذَلِك، وَبِه قَالَ ابْن كنَانَة من الْمَالِكِيَّة وَحكي عَن أَحْمد، وَعِنْدنَا ضم السُّورَة أَو ثَلَاث من آيَات من أَي سُورَة شَاءَ من وَاجِبَات الصَّلَاة، وَقد ورد فِيهِ أَحَادِيث كَثِيرَة: مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو سعيد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا صَلَاة إلاّ بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة مَعهَا) ، رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) ؛ وَفِي لفظ: (أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نَقْرَأ الْفَاتِحَة وَمَا تيَسّر) .
وَفِي لفظ: (لَا تجزىء صَلَاة إلاّ بِفَاتِحَة الْكتاب وَمَعَهَا غَيرهَا) .
وَفِي لفظ: وَسورَة فِي فَرِيضَة أَو فِي غَيرهَا) .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث أبي سعيد، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور، وتحريمها التَّكْبِير، وتحليلها التَّسْلِيم، وَلَا صَلَاة لمن لَا يقْرَأ بِالْحَمْد وَسورَة فِي فَرِيضَة أَو فِي غَيرهَا) .
وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي نَضرة عَنهُ.
قَالَ: (أمرنَا أَن نَقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَمَا تيَسّر) .
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَلَفظه: (أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نَقْرَأ الْفَاتِحَة وَمَا تيَسّر) .
وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى فِي (مسنديهما) وروى ابْن عدي من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تجزىء الْمَكْتُوبَة إلاّ بِفَاتِحَة الْكتاب وَثَلَاث آيَات فَصَاعِدا) .
وروى أَبُو نعيم فِي (تَارِيخ أَصْبَهَان) من حَدِيث أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تجزىء صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا بِفَاتِحَة الْكتاب وَشَيْء مَعهَا) .
وَقد عمل أَصْحَابنَا بِكُل الحَدِيث حَيْثُ أوجبوا قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَضم سُورَة أَو ثَلَاث آيَات مَعهَا، لِأَن هَذِه الْأَخْبَار أَخْبَار آحَاد فَلَا تثبت بهَا الْفَرْضِيَّة، وَلَيْسَ الْفَرْض عندنَا إلاّ مُطلق الْقِرَاءَة.
لقَوْله تَعَالَى: { فاقرؤا مَا تيَسّر من الْقُرْآن} (المزمل: 0) .
فَأمر بِقِرَاءَة مَا تيَسّر من الْقُرْآن مُطلقًا، وتقييده بِالْفَاتِحَةِ زِيَادَة على مُطلق النَّص، وَذَا لَا يجوز فعملنا بِالْكُلِّ وأوجبنا قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَضم سُورَة أَو ثَلَاث آيَات مَعهَا، وَقُلْنَا: إِن قَوْله: (لَا صَلَاة إلاّ بِفَاتِحَة الْكتاب) مثل معنى قَوْله: (لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إلاّ فِي الْمَسْجِد) ، وَصَحَّ أَيْضا عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة إِيجَاب ذَلِك،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَفِي الحَدِيث أَن من لم يقْرَأ الْفَاتِحَة لم تصح صلَاته، قُلْنَا: لَا تبطل صلَاته، فَإِن تَركهَا عَامِدًا فقد أَسَاءَ، وءن تَركهَا سَاهِيا فَعَلَيهِ سَجْدَة السَّهْو.
فَإِن قلت: لَيْسَ فِي حَدِيث الْبابُُ حد فِي الزِّيَادَة؟ قلت: قد بَينهَا فِي حَدِيث ابْن عمر الْمَذْكُور آنِفا.