فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب جهر الإمام بالتأمين

( بابُُ جَهْرِ الإمامِ بِالتَّأمِين)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم جهر الإِمَام وجهر النَّاس بالتأمين، على وزن: التفعيل، من: أَمن يُؤمن، إِذا قَالَ: آمين، وَهُوَ بِالْمدِّ وَالتَّخْفِيف فِي جَمِيع الرِّوَايَات وَعند جَمِيع الْقُرَّاء كَذَلِك.
وَحكى الواحدي عَن حَمْزَة وَالْكسَائِيّ: الإمالة فِيهَا، وفيهَا ثَلَاث لُغَات أخر، وَهِي شَاذَّة: الأولى: الْقصر، حَكَاهُ ثَعْلَب وَأنكر عَلَيْهِ ابْن درسْتوَيْه.
الثَّانِيَة: الْقصر مَعَ التَّشْدِيد.
وَالثَّالِثَة: الْمَدّ مَعَ التَّشْدِيد، وَجَمَاعَة من أهل اللُّغَة قَالُوا: إنَّهُمَا خطأ.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: حُكيَ عَن الْحسن الْمَدّ وَالتَّشْدِيد، قَالَ: وَهِي شَاذَّة مَرْدُودَة، وَنَصّ ابْن السّكيت وَغَيره من أهل اللُّغَة: على أَن التَّشْدِيد لحن الْعَوام وَهُوَ خطأ فِي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة، وَاخْتلف الشَّافِعِيَّة فِي بطلَان الصَّلَاة بذلك، وَفِي ( التَّجْنِيس) : وَلَو قَالَ: آمين، بتَشْديد الْمِيم، فِي صلَاته تفْسد، وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحب ( الْهِدَايَة) بقوله: وَالتَّشْدِيد خطأ فَاحش، وَلكنه لم يذكر هُنَا فَسَاد الصَّلَاة بِهِ، لِأَن فِيهِ خلافًا، وَهُوَ: أَن الْفساد قَول أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا: لَا تفْسد، لِأَنَّهُ يُوجد فِي الْقُرْآن مثله، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام} ( الْمَائِدَة: 2) .
وعَلى قَوْلهمَا الْفَتْوَى، وَأما وزن: آمين، فَلَيْسَ من أوزان كَلَام الْعَرَب، وَهُوَ مثل: هابيل وقابيل.
وَقيل: هُوَ تعريب همين.
وَقيل: أَصله: يَا الله استجب دعاءنا، وَهُوَ اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى، إلاَّ أَنه أسقط اسْم النداء، فأقيم الْمَدّ مقَامه، فَلذَلِك أنكر جمَاعَة الْقصر فِيهِ، وَقَالُوا: الْمَعْرُوف فِيهِ الْمَدّ.
وروى عبد الرَّزَّاق عَن أبي هُرَيْرَة بِإِسْنَاد ضَعِيف أَنه اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى.
وَعَن هِلَال بن يسَاف التَّابِعِيّ مثله، وَهُوَ اسْم فعل مثل: صه، بِمَعْنى: أسكت.
وَيُوقف عَلَيْهِ بِالسُّكُونِ، فَإِن وصل بِغَيْرِهِ حرك لالتقاء الساكنين، وَيفتح طلبا للخفة لأجل الْبناء: كأين وَكَيف.
وَأما مَعْنَاهُ، فَقيل: ليكن كَذَلِك، وَقيل: قبل.
وَقيل: لَا تخيب رجاءنا.
وَقيل: لَا يقدر على هَذَا غَيْرك، وَقيل: طَابع الله على عباده يدْفع بِهِ عَنْهُم الْآفَات، وَقيل: هُوَ كنز من كنوز الْعَرْش لَا يعلم تَأْوِيله الا الله.
وَقيل: من شدد وَمد، فَمَعْنَاه: قَاصِدين إِلَيْك.
وَنقل ذَلِك عَن جَعْفَر الصَّادِق.
وَقيل: من قصر وشدد فَهِيَ كلمة عبرانية أَو سريانية، وَعَن أبي زُهَيْر النميري، قَالَ: ( وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رجل ألح فِي الدُّعَاء فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَجب إِن ختم، فَقَالَ رجل من الْقَوْم: بِأَيّ شَيْء يخْتم؟ قَالَ: بآمين، فَإِنَّهُ إِن ختم بآمين فقد وَجب) .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قلت: أَبُو زُهَيْر صَحَابِيّ، وَهُوَ بِضَم الزَّاي وَفتح الْهَاء.
وَفِي ( المجتبي) : لَا خلاف أَن: آمين، لَيْسَ من الْقُرْآن حَتَّى قَالُوا بارتداد من قَالَ: إِنَّه مِنْهُ، وَإنَّهُ مسنون فِي حق الْمُنْفَرد وَالْإِمَام وَالْمَأْمُوم والقارىء خَارج الصَّلَاة، وَاخْتلف الْقُرَّاء فِي التَّأْمِين بعد الْفَاتِحَة إِذا أَرَادَ ضم سُورَة إِلَيْهَا، وَالأَصَح أَنه يَأْتِي بهَا.

وقالَ عَطَاءٌ آمِينَ دُعَاءٌ أمَّنَ بنُ الزُّبَيْرِ ومَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عَطاء لما قَالَ: آمين، دَعَاهُ وَالدُّعَاء يشْتَرك فِيهِ الإِمَام وَالْمَأْمُوم، ثمَّ أكد ذَلِك بِمَا رَوَاهُ عَن ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَابْن الزبير: هُوَ عبد الله بن الزبير بن الْعَوام، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج: ( عَن عَطاء قلت لَهُ: أَكَانَ ابْن الزبير يُؤمن على إِثْر أم الْقُرْآن؟ قَالَ: نعم، ويؤمن من وراءة حَتَّى إِن لِلْمَسْجِدِ للجة، ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا آمين دُعَاء) .
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مُسلم بن خَالِد عَن ابْن جريج: ( عَن عَطاء، قَالَ: كنت أسمع الْأَئِمَّة ابْن الزبير وَمن بعده يَقُولُونَ: آمين، وَيَقُول من خَلفه: آمين، حَتَّى إِن لِلْمَسْجِدِ للجة) .
وَفِي ( المُصَنّف) : حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة قَالَ: لَعَلَّه عَن ابْن جريج عَن عَطاء: ( عَن ابْن الزبير، قَالَ: كَانَ لِلْمَسْجِدِ رجة، أَو قَالَ: لجة، إِذْ قَالَ الإِمَام { وَلَا الضَّالّين} ) .
وروى الْبَيْهَقِيّ عَن خَالِد بن أبي أَيُّوب ( عَن عَطاء قَالَ: أدْركْت مِائَتَيْنِ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْمَسْجِد إِذا قَالَ الإِمَام { غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} سَمِعت لَهُم رجة: بآمين) قَوْله: ( حَتَّى إِن لِلْمَسْجِدِ للجة) كلمة: إِن، بِالْكَسْرِ، وللمسجد أَي: وَلأَهل الْمَسْجِد، للجة: اللَّام الأولى للتَّأْكِيد، وَالثَّانيَِة من نفس الْكَلِمَة، وبتشديد الْجِيم: وَهِي الصَّوْت الْمُرْتَفع، وَكَذَلِكَ اللجلجة، ويروى: ( لجلبة) ، بِفَتْح الْجِيم وَاللَّام وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَهِي الْأَصْوَات المختلطة.
وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: لرجة، بالراء مَوضِع اللَّام.
قَوْله: ( آمين دُعَاء) مُبْتَدأ وَخبر مقول القَوْل.
قَوْله: ( أَمن ابْن الزبير) ابْتِدَاء كَلَام من إِخْبَار عَطاء)
وكانَ أبُو هُرَيْرَةَ يُنَادِي الإمامَ لَا تَفُتْنِي بِآمِينَ
مُطَابقَة هَذَا للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يَقْتَضِي أَن يَقُول الإِمَام وَالْمَأْمُوم كِلَاهُمَا: آمين، وَلَا يخْتَص بِهِ أَحدهمَا.
قَوْله: ( لَا تفتني) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، هِيَ تَاء الْخطاب، وَضم الْفَاء وَسُكُون التَّاء: من الْفَوات وَمَعْنَاهُ: لَا تدعني أَن يفوت مني القَوْل بآمين.
ويروى: لَا يسبقني، من السَّبق، وَهَكَذَا وصل ابْن أبي شيبَة هَذَا التَّعْلِيق فَقَالَ: حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا كثير بن زيد عَن الْوَلِيد بن رَبَاح ( عَن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ يُؤذن بِالْبَحْرَيْنِ فَقَالَ للْإِمَام: لَا تسبقني بآمين) .
وَأخْبرنَا أَبُو أُسَامَة عَن هِشَام عَن مُحَمَّد عَنهُ مثله.
انْتهى.
وَكَانَ الإِمَام بِالْبَحْرَيْنِ الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ، وروى صَاحب ( الْمحلى) : عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ مُؤذنًا للعلاء بن الْحَضْرَمِيّ بِالْبَحْرَيْنِ، فَاشْترط عَلَيْهِ أَن لَا يسْبقهُ بآمين.
وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي رَافع أَن أَبَا هُرَيْرَة، كَانَ يُؤذن لمروان بن الحكم فَاشْترط أَن لَا يسْبقهُ بالضالين، حَتَّى يعلم أَنه قد دخل الصَّفّ، فَكَانَ إِذا قَالَ مَرْوَان: { وَلَا الضَّالّين} قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: آمين، يمد بهَا صَوته.
.

     وَقَالَ : إِذا وَافق تَأْمِين أهل الأَرْض تَأْمِين أهل السَّمَاء غفر لَهُم.
وَرُوِيَ عَن بِلَال نَحْو قَول أبي هُرَيْرَة أخرجه أَبُو دَاوُد: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن رَاهَوَيْه أخبرنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن عَاصِم عَن أبي عُثْمَان ( عَن بِلَال أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله لَا تسبقني بآمين) .
وَقد أول الْعلمَاء قَوْله: لَا تسبقني على وَجْهَيْن: الأول: أَن بِلَالًا كَانَ يقْرَأ الْفَاتِحَة فِي السكتة الأولى من سكتتي الإِمَام، فَرُبمَا يبْقى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد فرغ مِنْهَا فاستمهله بِلَال فِي التَّأْمِين بِقدر مَا يتم فِيهِ قِرَاءَة بَقِيَّة السُّورَة، حَتَّى ينَال بركَة مُوَافَقَته فِي التَّأْمِين.
الثَّانِي: أَن بِلَالًا كَانَ يُقيم فِي الْموضع الَّذِي يُؤذن فِيهِ من وَرَاء الصُّفُوف، فَإِذا قَالَ: قد قَامَت الصَّلَاة، كبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرُبمَا سبقه بِبَعْض مَا يَقْرَؤُهُ، فاستمهله بِلَال قدر مَا يلْحق الْقِرَاءَة والتأمين.
قلت: هَذَا الحَدِيث مُرْسل،.

     وَقَالَ  الْحَاكِم فِي ( الْأَحْكَام) : قيل إِن أَبَا عُثْمَان لم يدْرك بِلَالًا،.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: رَفعه خطأ، وَرَوَاهُ الثِّقَات عَن عَاصِم عَن أبي عُثْمَان مُرْسلا،.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: وَقيل عَن أبي عُثْمَان عَن سلمَان، قَالَ: قَالَ بِلَال، وَهُوَ ضَعِيف لَيْسَ بِشَيْء.
قلت: عَاصِم هُوَ الْأَحول، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن ابْن مل النَّهْدِيّ.

وَقَالَ نافِعٌ كانَ ابنُ عُمَرَ لاَ يَدَعُهُ ويَحُضُّهُمْ وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خَيْرا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه كَانَ لَا يتْرك التَّأْمِين، وَهَذَا يتَنَاوَل أَن يكون إِمَامًا أَو مَأْمُوما، وَكَانَ فِي الصَّلَاة أَو خَارج الصَّلَاة، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج: أَخْبرنِي نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ إِذا ختم أم الْقُرْآن قَالَ: آمين، لَا يدع أَن يُؤمن إِذا خَتمهَا، ويحضهم على قَوْلهَا.
قَوْله: ( لَا يَدعه) أَي: لَا يتْركهُ.
قَوْله: ( ويحضهم) ، بالضاد الْمُعْجَمَة أَي: يحثهم على القَوْل بآمين، وَأَن لَا يتْركُوا.
قَوْله: ( وَسمعت مِنْهُ) أَي: من ابْن عمر ( فِي ذَلِك) ، أَي: فِي القَوْل بآمين ( خيرا) ، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني، أَي: فضلا وثوابا.
.

     وَقَالَ  السفاقسي: أَي خيرا مَوْعُودًا لمن فعله.
وَفِي رِوَايَة غَيره: خيرا، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، حَدِيثا مَرْفُوعا.
ويستأنس فِي ذَلِك بِمَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ: كَانَ ابْن عمر إِذا أَمن النَّاس أَمن مَعَهم، ويروى: ذَلِك من السّنة.



[ قــ :759 ... غــ :780 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسفَ قَالَ أخْبرنَا مالِكٌ عَنِ ابنِ شِهَابٍ عَن سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ وأبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنَّهُمَا أخْبَرَاهُ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا أمَّنَ الإمامُ فأمِّنُوا فإنَّهُ منْ وافَقَ تأمِينُهُ تَأْمِينَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
وقالَ ابنُ شِهَابٍ وَكَانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ آمِينَ.
( الحَدِيث 780 طرفه فِي: 6402) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر الْقَوْم بالتأمين عِنْد تَأْمِين الإِمَام.

وَرِجَاله قد ذَكرُوهُ غير مرّة، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.

وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد وبصيغة التَّثْنِيَة من الْمَاضِي فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.

وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن يحيى بن يحيى، وَأَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي، وَالتِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أبي كريب عَن زيد بن الْحبابُ، وَالنَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الْمَلَائِكَة عَن قُتَيْبَة، خمستهم عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( إِذا أَمن الإِمَام) أَي: إِذا قَالَ الإِمَام: آمين، بعد قِرَاءَة الْفَاتِحَة ( فَأمنُوا) أَي: فَقولُوا: آمين.
قَوْله: ( فَإِنَّهُ) أَي: فَإِن الشان.
قَوْله: ( من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة) ، زَاد يُونُس عَن ابْن شهَاب عِنْد مُسلم: ( فَإِن الْمَلَائِكَة تؤمن) قبل قَوْله: ( فَمن وَافق) ، كَذَا فِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة: عَن ابْن شهَاب عِنْد البُخَارِيّ فِي الدَّعْوَات،.

     وَقَالَ  ابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) : ( فَإِن الْمَلَائِكَة تَقول: آمين) ، ثمَّ قَالَ: يُرِيد أَنه إِذا أَمن كتأمين الْمَلَائِكَة من غير إعجاب وَلَا سمعة وَلَا رِيَاء خَالِصا لله تَعَالَى، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يغْفر لَهُ.
قلت: هَذَا التَّفْسِير ينْدَفع بِمَا فِي ( الصَّحِيحَيْنِ) : عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِذا قَالَ أحدكُم: آمين،.

     وَقَالَ ت الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء، ووافقت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه)
.
انْتهى.
وَزَاد فِيهِ مُسلم: ( إِذا قَالَ أحدكُم فِي الصَّلَاة) وَلم يقلها البُخَارِيّ وَغَيره، وَهِي زِيَادَة حَسَنَة نبه عَلَيْهَا عبد الْحق فِي ( الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) ، وَفِي هَذَا اللَّفْظ فَائِدَة أُخْرَى.
وَهِي: اندراج الْمُنْفَرد فِيهِ، وَغير هَذَا اللَّفْظ إِنَّمَا هُوَ فِي الإِمَام وَفِي الْمَأْمُوم أَو فيهمَا، وَالله أعلم.

وَاخْتلفُوا فِي هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة، فَقيل هم الْحفظَة، وَقيل: الْمَلَائِكَة المتعاقبون، وَقيل: غير هَؤُلَاءِ لما روى الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: ( إِذا قَالَ القاريء: { غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} ،.

     وَقَالَ  من خَلفه: آمين، وَوَافَقَ ذَلِك قَول أهل السَّمَاء: آمين، غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه)
.
وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ أَيْضا فِي ( مُسْنده) وَقيل: هم جَمِيع الْمَلَائِكَة، بِدَلِيل عُمُوم اللَّفْظ لِأَن الْجمع الْمحلى بِاللَّامِ يُفِيد الِاسْتِغْرَاق بِأَن يَقُولهَا الْحَاضِرُونَ من الْحفظَة وَمن فَوْقهم حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْمَلأ الْأَعْلَى، وَأهل السَّمَوَات.
قَوْله: ( غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه) وَوَقع فِي رِوَايَة بَحر بن نصر: عَن ابْن وهب عَن يُونُس فِي آخر هَذَا الحَدِيث: ( وَمَا تَأَخّر) ذكرهَا الْجِرْجَانِيّ فِي ( أَمَالِيهِ) قيل: إِنَّهَا شَاذَّة لِأَن ابْن الْجَارُود روى فِي ( الْمُنْتَقى) : عَن بَحر بن نصر بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم عَن حَرْمَلَة، وَفِي رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة، وَالَّذِي وَقع فِي نُسْخَة لِابْنِ مَاجَه: عَن هِشَام بن عمار وَأبي بكر ابْن أبي شيبَة، كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة بِإِثْبَات هَذِه الزِّيَادَة غير صَحِيح، لِأَن ابْن أبي شيبَة قد روى هَذَا الحَدِيث فِي ( مُسْنده) و ( مُصَنفه) بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة، وَكَذَلِكَ الْحفاظ من أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة مثل الْحميدِي وَابْن الْمَدِينِيّ وَغَيرهمَا رووا بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة، ثمَّ قَوْله: ( غفر) ، ظَاهره يعم غفران جَمِيع الذُّنُوب الْمَاضِيَة إلاّ مَا يتَعَلَّق بِحُقُوق النَّاس، وَذَلِكَ مَعْلُوم من الْأَدِلَّة الخارجية المخصصة لعمومات مثله، وَأما الْكَبَائِر فَإِن عُمُوم اللَّفْظ يَقْتَضِي الْمَغْفِرَة، ويستدل بِالْعَام مَا لم يظْهر الْمُخَصّص.

قَوْله: ( وَقَالَ ابْن شهَاب) إِلَى آخِره، صورته صُورَة إرْسَال لَكِن مُتَّصِل إِلَيْهِ بِرِوَايَة عَنهُ، وَلَيْسَ بتعليق، وَوَصله الدَّارَقُطْنِيّ فِي ( الغرائب) من طَرِيق حَفْص بن عمر الْعَدنِي عَن مَالك،.

     وَقَالَ : تفرد بِهِ حَفْص ابْن عمر، وَهُوَ ضَعِيف، وَيُؤَيّد مَا ذكره ابْن شهَاب فِي هَذَا الحَدِيث من حَيْثُ الْمَعْنى مَا أخرجه النَّسَائِيّ فِي ( سنَنه) من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِذا قَالَ الإِمَام: { غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} فَقولُوا: آمين، فَإِن الْمَلَائِكَة تَقول: آمين، وَإِن الإِمَام يَقُول: آمين، فَمن وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن الإِمَام يُؤمن، خلافًا لمَالِك، كَمَا قَالَ بَعضهم عَنهُ، وَفِي ( الْمُعَارضَة) قَالَ مَالك: لَا يُؤمن الإِمَام فِي صَلَاة الْجَهْر،.

     وَقَالَ  ابْن حبيب: يُؤمن،.

     وَقَالَ  ابْن بكير: هُوَ بِالْخِيَارِ، وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن الإِمَام لَا يَأْتِي بِهِ فَإِن قلت: مَا جَوَابه عَن الحَدِيث على هَذِه الرِّوَايَة؟ قلت: جَوَابه أَنه إِنَّمَا سمي الإِمَام مُؤمنا بِاعْتِبَار التَّسَبُّب، والمسبب يجوز أَن يُسمى باسم الْمُبَاشر، كَمَا يُقَال: بنى الْأَمِير دَاره، وَاسْتدلَّ بعض الْمَالِكِيَّة لمَالِك أَن الإِمَام لَا يَقُولهَا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِذا قَالَ الإِمَام: { وَلَا الضَّالّين} فَقولُوا: آمين) ، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم ذَلِك بَينه وَبَين الْقَوْم، وَالْقِسْمَة تنَافِي الشّركَة، وحملوا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِذا أَمن الإِمَام) على بُلُوغ مَوضِع التَّأْمِين، وَقَالُوا: سنة الدُّعَاء تَأْمِين السَّامع دون الدَّاعِي، وَآخر الْفَاتِحَة دُعَاء فَلَا يُؤمن الإِمَام، لِأَنَّهُ دَاع.
.

     وَقَالَ  القَاضِي أَبُو الطّيب: هَذَا غلط بل الدَّاعِي أولى بالاستيجاب، واستبعد أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ تأويلهم لُغَة وَشرعا،.

     وَقَالَ : الإِمَام أحد الداعين وأولهم وأولاهم.

وَفِيه: أَن الْمُؤْتَم يَقُولهَا بِلَا خلاف.

وَفِيه: رد على الإمامية فِي قَوْلهم: إِن التَّأْمِين يبطل الصَّلَاة، لِأَنَّهُ لفظ لَيْسَ بقرآن وَلَا ذكر.
.

     وَقَالَ  السفاقسي: وَزَعَمت طَائِفَة من المبتدعة أَن لَا فَضِيلَة فِيهَا، وَعَن بَعضهم: إِنَّهَا تفْسد الصَّلَاة،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: يَقُولهَا الإِمَام سنة وَالْمَأْمُوم فرضا.

وَفِيه أَنه مِمَّا تمسك بِهِ الشَّافِعِي فِي الْجَهْر بالتأمين، وَذكر الْمُزنِيّ فِي ( مُخْتَصره) :.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: لَا يجْهر الإِمَام فِي الصَّلَاة الَّتِي يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَالْمَأْمُوم يُخَافت.
وَفِي ( الْخُلَاصَة) للغزالي: وَمن سنَن الصَّلَاة أَن يجْهر بالتأمين فِي الجهرية، وَفِي ( التَّلْوِيح) : ويجهر فِيهَا الْمَأْمُوم عِنْد أَحْمد وَإِسْحَاق وَدَاوُد،.

     وَقَالَ  جمَاعَة: يخفيها، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة والكوفيين وَأحد قولي مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد، وَفِي الْقَدِيم: يجْهر، وَعَن القَاضِي حُسَيْن عَكسه، قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ غلط، وَلَعَلَّه من النَّاسِخ، وَاحْتج أَصْحَابنَا بِمَا رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَأَبُو يعلى الْموصِلِي فِي ( مسانيدهم) وَالطَّبَرَانِيّ فِي ( مُعْجَمه) وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي ( سنَنه) وَالْحَاكِم فِي ( مُسْتَدْركه) من حَدِيث شُعْبَة عَن سَلمَة بن كهيل عَن حجر بن العنبس ( عَن عَلْقَمَة بن وَائِل عَن أَبِيه أَنه: صلى مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا بلغ { غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} قَالَ: آمين، وأخفى بهَا صَوته) .
وَلَفظ الْحَاكِم فِي كتاب ( الْقرَاءَات) : ( وخفض بهَا صَوته) .
.

     وَقَالَ : حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ.
فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن سُفْيَان عَن سَلمَة بن كهيل عَن حجر بن العنبس عَن وَائِل بن حجر، وَاللَّفْظ لأبي دَاوُد: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ: { وَلَا الضَّالّين} قَالَ: آمين، وَرفع بهَا صَوته) وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: ( وَمد بهَا صَوته) ،.

     وَقَالَ : حَدِيث حسن، وروى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق آخر عَن عَليّ بن صَالح، وَيُقَال الْعَلَاء بن صَالح الْأَسدي، عَن سَلمَة بن كهيل عَن حجر بن العنبس ( عَن وَائِل بن حجر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه: صلى فجهر بآمين، وَسلم عَن يَمِينه وشماله وسكتا عَنهُ) .
وروى النَّسَائِيّ: أخبرنَا قُتَيْبَة حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل ( عَن أَبِيه، قَالَ: صليت خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا افْتتح الصَّلَاة كبر) الحَدِيث، وَفِيه: ( فَلَمَّا فرغ من الْفَاتِحَة قَالَ: آمين، يرفع بهَا صَوته) .
وروى أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه عَن بشر بن رَافع عَن عبد الله ابْن عَم أبي هُرَيْرَة، قَالَ: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تَلا { غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} قَالَ: آمين، حَتَّى يسمع من الصَّفّ الأول) ، وَزَاد ابْن مَاجَه: ( فيرتج بهَا الْمَسْجِد) .
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) وَالْحَاكِم فِي ( مُسْتَدْركه) .

     وَقَالَ : على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي ( سنَنه) .

     وَقَالَ : إِسْنَاده صَحِيح.
قلت: الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن سُفْيَان يُعَارضهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن شُعْبَة عَن سَلمَة بن كهيل عَن حجر أبي العنبس عَن عَلْقَمَة بن وَائِل عَن أَبِيه،.

     وَقَالَ  فِيهِ: ( وخفض بهَا صَوته) .
فَإِن قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول: حَدِيث سُفْيَان أصح من حَدِيث شُعْبَة، وَأَخْطَأ شُعْبَة فِي مَوَاضِع، فَقَالَ حجر أبي العنبس: وَإِنَّمَا هُوَ حجر بن العنبس، ويكنى أَبَا السكن، وَزَاد فِيهِ عَلْقَمَة، وَإِنَّمَا هُوَ حجر عَن أبي وَائِل،.

     وَقَالَ : خفض بهَا صَوته، وَإِنَّمَا هُوَ: مد بهَا صَوته قلت: تخطئه مثل شُعْبَة خطأ، وَكَيف وَهُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث؟ وَقَوله: ( هُوَ حجر بن العنبس) ، وَلَيْسَ بِأبي العنبس، لَيْسَ كَمَا قَالَه، بل هُوَ أَبُو العنبس حجر بن العنبس، وَجزم بِهِ ابْن حبَان فِي ( الثِّقَات) ، فَقَالَ: كنيته كاسم أَبِيه، وَقَول مُحَمَّد: يكنى أَبَا السكن، لَا يُنَافِي أَن تكون كنيته أَيْضا أَبَا العنبس، لِأَنَّهُ لَا مَانع أَن يكون لشخص كنيتان.
وَقَوله: ( وَزَاد فِيهِ عَلْقَمَة) ، لَا يضر، لِأَن الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة، وَلَا سِيمَا من مثل شُعْبَة.
وَقَوله:.

     وَقَالَ : وخفض بهَا صَوته وَإِنَّمَا هُوَ وَمد بهَا صَوته، يُؤَيّد مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن وَائِل بن حجر قَالَ: ( صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَمعته حِين قَالَ { غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} قَالَ: آمين، فأخفى بهَا صَوته) فَإِن قلت: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وهم شُعْبَة فِيهِ لِأَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَمُحَمّد بن سَلمَة بن كهيل وَغَيرهمَا رَوَوْهُ عَن سَلمَة بن كهيل فَقَالُوا: وَرفع بهَا صَوته، وَهُوَ الصَّوَاب، وَطعن صَاحب ( التَّنْقِيح) فِي حَدِيث شُعْبَة هَذَا بِأَنَّهُ: قد رُوِيَ عَنهُ خِلَافه، كَمَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي ( سنَنه) عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا شُعْبَة عَن سَلمَة بن كهيل سَمِعت حجرا أَبَا العنبس يحدث ( عَن وَائِل الْحَضْرَمِيّ أَنه: صلى خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قَالَ: { وَلَا الضَّالّين} قَالَ: آمين، رَافعا صَوته) ، قَالَ: فَهَذِهِ الرِّوَايَة توَافق رِوَايَة سُفْيَان.
.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ فِي ( الْمعرفَة) إِسْنَاد هَذِه الرِّوَايَة صَحِيح، وَكَانَ شُعْبَة يَقُول: سُفْيَان أحفظ.
.

     وَقَالَ  يحيى بن معِين: إِذا خَالف شُعْبَة قَول سُفْيَان فَالْقَوْل قَول سُفْيَان: قَالَ: وَقد أجمع الْحفاظ: البُخَارِيّ وَغَيره، أَن شُعْبَة أَخطَأ قلت: قَول الدَّارَقُطْنِيّ: وهم شُعْبَة، يدل على قلَّة اعتنائه بِكَلَام هَذَا الْقَائِل وَإِثْبَات الْوَهم لَهُ، لكَونه غير مَعْصُوم مَوْجُود فِي سُفْيَان، فَرُبمَا يكون هُوَ وهم، وَيُمكن أَن يكون كلا الإسنادين صَحِيحا.
وَقد قَالَ بعض الْعلمَاء: وَالصَّوَاب أَن الْخَبَرَيْنِ بالجهر بهَا وبالمخافتة صَحِيحَانِ، وَعمل بِكُل مِنْهُمَا جمَاعَة من الْعلمَاء.
فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه هَذَا: الحَدِيث فِيهِ أَرْبَعَة أُمُور: اخْتِلَاف سُفْيَان وَشعْبَة فِي اللَّفْظ وَفِي الكنية.
وَحجر لَا يعرف حَاله.
واختلافهما أَيْضا حَيْثُ جعل سُفْيَان من رِوَايَة حجر عَن عَلْقَمَة بن وَائِل عَن وَائِل.
قلت: الْجَواب عَن الأول: لَا يضر اختلا سُفْيَان وَشعْبَة، لِأَن كلا مِنْهُمَا إِمَام عَظِيم الشَّأْن، فَلَا تسْقط رِوَايَة أَحدهمَا بروية الآخر، وَمَا يُقَال من الْوَهم فِي أَحدهمَا يصدق فِي الآخر، فَلَا ينْتج من ذَلِك شَيْء.
وَعَن الثَّانِي: أَيْضا، لَا يضر الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور فِي الِاسْم والكنية، كَمَا شرحناه الْآن.
وَعَن الثَّالِث: أَنه مَمْنُوع، وَكَيف لَا يعرف حَاله وَقد ذكره الْبَغَوِيّ وَأَبُو الْفرج وَابْن الْأَثِير وَغَيرهم فِي جملَة الصَّحَابَة، وَلَئِن نزلناه من رُتْبَة الصَّحَابَة إِلَى رُتْبَة التَّابِعين فقد وجدنَا جمَاعَة أثنوا عَلَيْهِ ووثقوه، مِنْهُم: الْخَطِيب أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ.
قَالَ: صَار مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى النهروان وَورد الْمَدَائِن فِي صحبته، وَهُوَ ثِقَة احْتج بحَديثه غير وَاحِد من الْأَئِمَّة، وَذكره ابْن حبَان فِي ( الثِّقَات) ،.

     وَقَالَ  ابْن معِين: كُوفِي ثِقَة مَشْهُور.
وَعَن الرَّابِع: إِن دُخُول عَلْقَمَة فِي الْوسط لَيْسَ بِعَيْب لِأَنَّهُ سَمعه من عَلْقَمَة أَولا بنزول، ثمَّ رَوَاهُ عَن وَائِل بعلوِّ، بَين ذَلِك الْكَجِّي فِي ( سنَنه الْكَبِير) .
وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَفِي إِسْنَاده بشر بن رَافع الْحَارِثِيّ، وَقد ضعفه البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأحمد وَابْن معِين،.

     وَقَالَ  ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه: بشر بن رَافع أَبُو الأسباط الْحَارِثِيّ ضَعِيف، وَهُوَ يروي هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله ابْن عَم أبي هُرَيْرَة، وَأَبُو عبد الله هَذَا لَا يعرف لَهُ حَال، وَلَا روى عَنهُ غير بشر، والْحَدِيث لَا يَصح من أَجله، فَسقط بذلك قَول الْحَاكِم: على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وتحسين الدَّارَقُطْنِيّ إِيَّاه.

وَاحْتج أَصْحَابنَا أَيْضا بِمَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْحسن فِي كتاب الْآثَار: حَدثنَا أَبُو حنيفَة حَدثنَا حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: ( أَربع يخفيهم الإِمَام: التَّعَوُّذ.
وبسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وسبحانك اللَّهُمَّ.
وآمين)
.
وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي ( مُصَنفه) : أخبرنَا معمر عَن حَمَّاد بِهِ فَذكره إلاّ أَنه قَالَ عوض قَوْله: ( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ.
اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد)
.
ثمَّ قَالَ: أخبرنَا الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: ( خمس يخفيهن الإِمَام) ، فَذكرهَا وَزَاد: ( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك) .
وَبِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي ( تَهْذِيب الْآثَار) : حَدثنَا أَبُو بكر ابْن عَيَّاش عَن أبي سعيد عَن أبي وَائِل، قَالَ: ( لم يكن عمر وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يجهران بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَلَا بآمين) ، وَقَالُوا أَيْضا: آمين دُعَاء، وَالْأَصْل فِي الدُّعَاء الْإخْفَاء.

وَفِيه: من الْفَضَائِل: تَفْضِيل الْإِمَامَة، لِأَن تَأْمِين الإِمَام يُوَافق تَأْمِين الْمَلَائِكَة، وَلِهَذَا شرعت للْإِمَام مُوَافَقَته.