فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إتمام التكبير في الركوع

(بابُُ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ)

أَي: هَذَا بابُُ ي بَيَان إتْمَام التَّكْبِير فِي الرُّكُوع.
قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت: التَّرْجَمَة تَامَّة بِدُونِ لفظ: الْإِتْمَام، بِأَن يَقُول: بابُُ التَّكْبِير فِي الرُّكُوع، فَلَا فَائِدَة فِيهِ، بل هُوَ مخل لِأَن حَقِيقَة التَّكْبِير لَا تزيد وَلَا تنقص.
قلت: المُرَاد مِنْهُ أَن يمد التَّكْبِير الَّذِي هُوَ للانتقال من الْقيام إِلَى الرُّكُوع بِحَيْثُ يتمه فِي الرُّكُوع بِأَن تقع وَرَاء الله أكبر فِيهِ، وإتمام الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوع، أَو إتْمَام عدد تَكْبِيرَات الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوع.
قلت: يجوز أَن يكون المُرَاد من: إتْمَام التَّكْبِير فِي الرُّكُوع، هُوَ تَبْيِين حُرُوفه من غير هذّ فِيهِ، والإتمام يرجع إِلَى صفته لَا إِلَى حَقِيقَته.
فَإِن قلت: هَذَا لَا بُد مِنْهُ فِي سَائِر تَكْبِيرَات الصَّلَاة، فَمَا معنى تَخْصِيصه بِالرُّكُوعِ هُنَا؟ ثمَّ بِالسُّجُود فِي الْبابُُ الَّذِي بعده؟ قلت: لما كَانَ الرُّكُوع وَالسُّجُود من أعظم أَرْكَان الصَّلَاة خصهما بِالذكر، وَإِن كَانَ الحكم فِي تَكْبِيرَات غَيرهمَا مثله فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أَبْزي، قَالَ: (صليت خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يتم التَّكْبِير) ، فَهَذَا يُخَالف التَّرْجَمَة؟ قلت: روى البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ) عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ أَنه قَالَ: هَذَا عندنَا حَدِيث بَاطِل،.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ وَالْبَزَّار: تفرد بِهِ الْحسن بن عمرَان، وَهُوَ مَجْهُول.

قالَ ابنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: قَالَ بإتمام التَّكْبِير فِي الرُّكُوع عبد الله بن عَبَّاس، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن ابْن عَبَّاس قَالَ ذَلِك بِالْمَعْنَى فِي الْبابُُ الَّذِي يَلِيهِ، وَفِي الْبابُُ الَّذِي بعده، أما الأول: فَهُوَ قَوْله: حَدثنَا عَمْرو بن عون، قَالَ: حَدثنَا هشيم عَن أبي بشر عَن عِكْرِمَة، قَالَ: (رَأَيْت رجلا عِنْد الْمقَام يكبر فِي كل خفض وَرفع) الحَدِيث.
وَأما الثَّانِي: فَهُوَ قَوْله: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، قَالَ: أخبرنَا همام عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة، قَالَ: (صليت خلف شيخ بِمَكَّة فَكبر اثْنَتَيْنِ وَعشْرين تَكْبِيرَة) الحَدِيث.

وفِيِه مالِكُ بنُ الحُوَيْرِثِ
أَي: فِي هَذَا الْبابُُ حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث، وَسَيَأْتِي حَدِيثه فِي: بابُُ الْمكْث بَين السَّجْدَتَيْنِ، وَفِيه: (فَقَامَ ثمَّ ركع فَكبر) .



[ قــ :763 ... غــ :784 ]
- حدَّثنا أسْحَاقُ الوَاسِطِيُّ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ عنِ الجُرَيْرِيِّ عنْ أبي العَلاءِ عنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قَالَ صَلى معَ عَلِيٍّ رَضِي الله عنْهُ فقالَ ذَكَّرَنَا هَذَا الرَّجُلُ صَلاَةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَكَرَ أنَّهُ كانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وكُلَّمَا وضعَ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ يكبر كلما رفع) ، فَإِنَّهُ عبارَة عَن تَكْبِير الرُّكُوع فَإِن قلت: الحَدِيث يدل على مُجَرّد التَّكْبِير، والترجمة على إتْمَام التَّكْبِير.
قلت: لَا شكّ أَن تَكْبِير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بإتمامه إِيَّاه فِي الْمَعْنى، فالترجمة تَشْمَل الْوَجْهَيْنِ.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: إِسْحَاق بن شاهين أَبُو بشر الوَاسِطِيّ.
الثَّانِي: خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان.
الثَّالِث: سعيد بن إِيَاس الْجريرِي، بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء الأولى.
الرَّابِع: أَبُو الْعَلَاء يزِيد بن عبد الله بن الشخير، بِكَسْر الشين وَتَشْديد الْخَاء الْمُعْجَمَة.
الْخَامِس: مطرف، بِضَم الْمِيم وَفتح الطَّاء وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وَفِي آخِره فَاء: هُوَ أَخُو يزِيد بن عبد الله الْمَذْكُور.
السَّادِس: عمرَان بن الْحصين، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده.
وَفِيه: أَن الْأَوَّلين من الروَاة واسطيان والبقية بصريون.
وَفِيه: رِوَايَة الْأَخ عَن الْأَخ، وَهِي رِوَايَة أبي الْعَلَاء عَن أَخِيه مطرف.
.

     وَقَالَ  الْبَزَّار فِي (سنَنه) : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ غير وَاحِد عَن مطرف عَن عمرَان، وَعَن الْحسن عَن عمرَان.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (صلى) أَي: عمرَان.
قَوْله: (مَعَ عَليّ) أَي: ابْن أبي طَالب.
قَوْله: (بِالْبَصْرَةِ) ، بِتَثْلِيث الْبَاء ثَلَاث لُغَات، ذكرهَا الْأَزْهَرِي، وَالْمَشْهُور الْفَتْح، وَحكى الْخَلِيل فِيهَا ثَلَاث لُغَات أُخْرَى: البصْرة والبصَرة والبصِرة، الأولى بِسُكُون الصَّاد، وَالثَّانيَِة بِفَتْحِهَا، وَالثَّالِثَة بِكَسْرِهَا.
.

     وَقَالَ  السَّمْعَانِيّ: يُقَال لَهَا: قبَّة الْإِسْلَام وخزانة الْعَرَب بناها عتبَة بن غَزوَان فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلم يعبد الصَّنَم قطّ على أرْضهَا، وَكَانَ بناؤها فِي سنة سبع عشرَة، وطولها فرسخان فِي فَرسَخ.
.

     وَقَالَ  الرشاطي: الْبَصْرَة فِي الْعرَاق، وَالْبَصْرَة أَيْضا مَدِينَة فِي الْمغرب بِقرب طنجة، وَهِي الْآن خراب، وَالْبَصْرَة هِيَ الْحِجَارَة الرخوة تضرب إِلَى الْبيَاض، وَسميت الْبَصْرَة بِهَذَا لِأَن أرْضهَا الَّتِي بَين العقيق وَأَعْلَى المربد حِجَارَة، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا: بَصرِي وبصري بِفَتْح الْبَاء وَكسرهَا، وَكَانَت صَلَاة عمرَان مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، بِالْبَصْرَةِ بعد وقْعَة الْجمل.
قَوْله: (ذكرنَا) ، بتَشْديد الْكَاف وَفتح الرَّاء، وَهِي جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول، وَالْفَاعِل، هُوَ قَوْله: (هَذَا الرجل) ، وَأَرَادَ عَليّ بن أبي طَالب.
وَقَوله: (ذكرنَا) يدل على أَن التَّكْبِير قد ترك، وَقد روى أَحْمد والطَّحَاوِي بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، قَالَ: (ذكرنَا عَليّ صَلَاة كُنَّا نصليها مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِمَّا نسيناها وَإِمَّا تركناها عمدا) .
قَوْله: (صَلَاة) بِالنّصب مفعول: ذكر، قَوْله: (كُنَّا نصليها) ، جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا صفة لقَوْله: (صَلَاة) .
قَوْله: (كلما رفع وَكلما وضع) يَعْنِي: فِي جَمِيع الِانْتِقَالَات، وَلَكِن خص مِنْهُ الرّفْع من الرُّكُوع بِالْإِجْمَاع، فَإِنَّهُ شرع فِيهِ التَّحْمِيد.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن التَّكْبِير فِي كل خفض وَرفع، وَإِلَيْهِ ذهب عَطاء بن أبي رَبَاح وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وأصحابهم، ويحكى ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَقيس بن عبَادَة وَآخَرين، وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَمُحَمّد بن سِيرِين وَالقَاسِم وَسَالم بن عبد الله وَسَعِيد بن جُبَير وَقَتَادَة لَا يكبرُونَ فِي الصَّلَاة إِذا خفضوا.
.

     وَقَالَ  ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا أَبُو دَاوُد عَن شُعْبَة عَن الْحسن بن عمرَان أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كَانَ لَا يتم التَّكْبِير.
حَدثنَا يحيى بن سعيد (عَن عبيد الله بن عمر، قَالَ: صليت خلف الْقَاسِم وَسَالم فَكَانَا لَا يتمان التَّكْبِير) .
حَدثنَا غنْدر عَن شُعْبَة عَن عمر بن مرّة، قَالَ: (صليت مَعَ سعيد بن جُبَير فَكَانَ لَا يتم التَّكْبِير) .
حَدثنَا عَبدة بن سُلَيْمَان عَن مسعر عَن يزِيد الْفَقِير، قَالَ: كَانَ ابْن عمر ينقص التَّكْبِير فِي الصَّلَاة.
.

     وَقَالَ  مسعر: إِذا انحط بعد الرُّكُوع للسُّجُود لم يكبر فَإِذا أَرَادَ أَن يسْجد الثَّانِيَة لم يكبر، ويحكى عَن عمر بن الْخطاب أَيْضا.
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) : عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن أبي الْوَلِيد قَالَ: أَخْبرنِي شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن رجل عَن ابْن ابزى عَن أَبِيه أَن عمر بن الْخطاب أمّهم فَلم يكبر هَذَا التَّكْبِير، ويحكى عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا.
وَأخرج عبد الرَّزَّاق بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن يزِيد، قَالَ: صليت مَعَ ابْن عَبَّاس بِالْبَصْرَةِ فَلم يكبر هَذَا التَّكْبِير بِالرَّفْع والخفض.
قلت: الْمَشْهُور عَن هَؤُلَاءِ التَّكْبِير فِي الْخَفْض وَالرَّفْع، وَرِوَايَات هَؤُلَاءِ مَحْمُولَة على أَنهم تَرَكُوهُ أَحْيَانًا بَيَانا للْجُوَاز، أَو الرَّاوِي لم يسمع ذَلِك مِنْهُم لخفا الصَّوْت، وَكَانَت بَنو أُميَّة يتركون التَّكْبِير فِي الْخَفْض وهم مثل مُعَاوِيَة وَزِيَاد وَعمر بن عبد الْعَزِيز.
قَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا جرير عَن مَنْصُور عَن أبراهيم قَالَ: أول من نقص التَّكْبِير زِيَاد،.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: إِن أَبَا هُرَيْرَة سُئِلَ: مَن أول من ترك التَّكْبِير إِذا رفع رَأسه وَإِذا وَضعه؟ قَالَ: مُعَاوِيَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبد الله الْعَدنِي فِي (مُسْنده) : حَدثنَا بشر بن الْحَارِث حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن ثُوَيْر عَن أَبِيه عَن عبد الله قَالَ: أول من نقص التَّكْبِير الْوَلِيد بن عقبَة، فَقَالَ عبد الله: نقصوها نقصهم الله، فقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يكبر كلما ركع وَكلما سجد وَكلما رفع رَأسه، وَعَن بعض السّلف: انه كَانَ لَا يكبر سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، وَفرق بَعضهم بَين الْمُنْفَرد وَغَيره.
.
فَإِن قلت: مَا تَقول فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أَبْزي الْخُزَاعِيّ: (أَنه صلى مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ لَا يتم التَّكْبِير) ؟ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والطَّحَاوِي؟ قلت: قَالُوا: إِنَّه ضَعِيف ومعلول بالْحسنِ بن عمرَان أحد رُوَاته.
قَالَ الطَّبَرِيّ: هُوَ مَجْهُول لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ.
.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه) ، عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: إِنَّه حَدِيث بَاطِل، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب فَإِن قلت: شَكَوْت أبي دَاوُد والطَّحَاوِي يدل على الصِّحَّة عِنْدهمَا؟ قلت: وَلَئِن سلمنَا صِحَّته فَالْجَوَاب مَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وتأوله الْكَرْخِي على حذفه، وَذَلِكَ نُقْصَان صفة عدد، وَأجَاب الطَّحَاوِيّ: أَن الْآثَار المتواترة على خِلَافه، وَأَن الْعَمَل على غَيره.
فَإِن قلت: تَكْبِيرَة الِانْتِقَالَات سنة أم وَاجِبَة؟ قلت: اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ قوم: هِيَ سنة، قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَبِه قَالَ أَبُو بكر الصّديق وَعمر وَجَابِر وَقيس بن عبَادَة وَالشعْبِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة، وَنَقله ابْن بطال أَيْضا عَن عُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة وَابْن الزبير وَمَكْحُول وَالنَّخَعِيّ وَأبي ثَوْر،.

     وَقَالَ ت الظَّاهِرِيَّة وَأحمد فِي رِوَايَة: كلهَا وَاجِبَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: قد قَالَ قوم من أهل الْعلم: إِن التَّكْبِير أَنما هُوَ أذن بحركات الإِمَام وشعار الصَّلَاة وَلَيْسَ بِسنة إلاّ فِي الْجَمَاعَة، فَأَما من صلى وَحده فَلَا بَأْس عَلَيْهِ أَن يكبر.
.

     وَقَالَ  سعيد بن جُبَير: إِنَّمَا هُوَ شَيْء يزين بِهِ الرجل صلَاته،.

     وَقَالَ  ابْن حزم فِي (الْمحلى) : وَالتَّكْبِير للرُّكُوع فرض، وَقَول: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم فِي الرُّكُوع فرض، وَالْقِيَام إِثْر الرُّكُوع فرض لمن قدر عَلَيْهِ حَتَّى يعتدل قَائِما، وَقَول: سمع الله لمن حَمده، عِنْد الْقيام من الرُّكُوع فرض، فَإِن كَانَ مَأْمُوما فَفرض عَلَيْهِ أَن يَقُول بعد ذَلِك، رَبنَا لَك الْحَمد، أَو: وَلَك الْحَمد، وَلَيْسَ هَذَا فرضا على إِمَام وَلَا فذ، فَإِن قَالَاه كَانَ حسنا وَسنة، وَالتَّكْبِير لكل سَجْدَة مِنْهَا فرض، وَقَول: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، فِي كل سَجْدَة فرض، وَوضع الْجَبْهَة وَالْيَدَيْنِ وَالْأنف والركبتين وصدور الْقَدَمَيْنِ على مَا هُوَ قَائِم عَلَيْهِ مِمَّا أُبِيح لَهُ التَّصَرُّف عَلَيْهِ فرض، كل ذَلِك، وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ فرض، والطمأنينة فِيهِ فرض، وَالتَّكْبِير لَهُ فرض لَا تجزىء صَلَاة لأحد من أَن يدع من هَذَا كُله عَامِدًا، فَإِن لم يَأْتِ بِهِ نَاسِيا ألغى ذَلِك وأتى بِهِ كَمَا أَمر ثمَّ سجد للسَّهْو، فَإِن عجز عَن شَيْء مِنْهُ لجهل أَو عذر مَانع سقط عَنهُ، وتمت صلَاته.
انْتهى.
.

     وَقَالَ  السفاقسي: وَاخْتلفُوا فِيمَن ترك التَّكْبِير فِي الصَّلَاة، فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: من أسقط ثَلَاث تَكْبِيرَات فَأكْثر، أَو التَّكْبِير كُله سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام يسْجد قبل السَّلَام، وَإِن لم يسْجد قبل السَّلَام سجد بعده، وَإِن لم يسْجد حَتَّى طَال بطلت صلَاته.
وَفِي (الْمُوَضّحَة) : وَإِن نسي تكبيرتين سجد قبل أَن يسلم، فَإِن لم يسْجد لم تبطل صلَاته، وَإِن ترك تَكْبِيرَة وَاحِدَة فَاخْتلف قَوْله: هَل عَلَيْهِ سُجُود أم لَا؟.

     وَقَالَ  ابْن عبد الحكم وَأصبغ: لَيْسَ على من ترك التَّكْبِير سوى السُّجُود، فَإِن لم يفعل حَتَّى تبَاعد فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَفِي (شرح الْمُهَذّب) : فَلَو ترك التَّكْبِير عمدا أَو سَهوا حَتَّى ركع لم يَأْتِ بِهِ لفَوَات مَحَله.
.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: لَا يجب السُّجُود بترك الْأَذْكَار: كالثناء والتعوذ وتكبيرات الرُّكُوع وَالسُّجُود وتسبيحاتهما.

وَفِيه: فِي قَوْله: (يكبر كلما رفع وَكلما خفض مُتَعَلق لأبي حنيفَة وَأَصْحَابه أَنه يكبر مَعَ فعل الْخَفْض وَالرَّفْع، سَوَاء لَا يتقدمه وَلَا يتأخره فِيمَا ذكره الطَّحَاوِيّ من غير مد، وَالشَّافِعِيّ يَقُول: ينحط للرُّكُوع وَهُوَ يكبر وَكَذَا فِي الرّفْع وَشبهه، ويمد التَّكْبِير إِلَى أَن يصل إِلَى حد الراكعين وَقيل: يحرم، وَالْقَوْلَان جائزان فِي جَمِيع تَكْبِيرَات الِانْتِقَالَات، وَالصَّحِيح الْمَدّ، قَالَه فِي (شرح الْمُهَذّب) : فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي مَشْرُوعِيَّة التَّكْبِير فِي الْخَفْض وَالرَّفْع لكل مصل؟ قلت: قيل: إِن الْمُكَلف أَمر بِالنِّيَّةِ أول الصَّلَاة مقرونة بِالتَّكْبِيرِ، وَكَانَ من حَقه أَن يستصحب النِّيَّة إِلَى آخر الصَّلَاة، فَأمر أَن يجدد الْعَهْد فِي أَثْنَائِهَا بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي هُوَ شعار النِّيَّة.





[ قــ :764 ... غــ :785 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ كانَ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ ورَفَعَ فَإذَا انْصَرَفَ قَالَ إنِّي لأَشْبَهُكُمْ صَلاةً بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَابْن شهَاب هُوَ: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.

وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك، وَالنَّسَائِيّ أَيْضا عَن قُتَيْبَة عَن مَالك.

قَوْله: ( يُصَلِّي بهم) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( يُصَلِّي لَهُم) .
قَوْله: ( فَإِذا انْصَرف) ، أَي: عَن الصَّلَاة.
قَوْله: ( إِنِّي لأشبهكم صَلَاة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يَعْنِي: فِي تَكْبِيرَات الِانْتِقَالَات والإتيان بِهِ فِيهَا.