فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: يهوي بالتكبير حين يسجد

(بابٌُ يَهْوِي بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَسْجُدُ)

أَي: هَذَا بابُُ تَرْجَمته: يهوي الْمُصَلِّي بِالتَّكْبِيرِ وَقت سجدته.
قَوْله: (يهوي) ، رُوِيَ بِضَم الْيَاء وَفتحهَا، وَمعنى يهوي: ينحط، يُقَال: هوى يهوي هويا، بِالْفَتْح إِذا هَبَط، وَهوى يهوى هويا بِالضَّمِّ إِذا صعد.
وَقيل بِالْعَكْسِ، وَفِي صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّمَا يهوي من صبب أَي ينحط.
وَفِي حَدِيث الْبراق: (ثمَّ انْطلق يهوي) أَي: يسْرع، وَهُوَ يهوَى هوى: إِذا أحب.

وَقَالَ نافِعٌ كانَ ابنُ عُمَرَ يَضَعُ يدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ اشتمالها عَلَيْهِ لِأَنَّهَا فِي الْهوى بِالتَّكْبِيرِ إِلَى السُّجُود، فالهوي فعل، وَالتَّكْبِير قَول، فَكَمَا أَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبابُُ يدل على القَوْل، يدل أثر ابْن عمر على الْفِعْل، لِأَن للهوي إِلَى السُّجُود صفتين: صفة قولية وَصفَة فعلية، فأثر ابْن عمر إِشَارَة إِلَى الصّفة الفعلية، وَأثر أبي هُرَيْرَة إِلَى الفعلية والقولية جَمِيعًا، فَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي هَذَا الْموضع.
وَقَول بَعضهم: إِن أثر ابْن عمر من جملَة التَّرْجَمَة فَهُوَ مترجم بِهِ لَا مترجم لَهُ، غير موجه، بل وَلَا يَصح ذَلِك، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ من جملَة التَّرْجَمَة يحْتَاج إِلَى شَيْء يذكرهُ يكون مطابقا لَهَا، وَلَيْسَ ذَلِك بموجود، ثمَّ أَن هَذَا الْأَثر الْمُعَلق أخرجه ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ والطَّحَاوِي من طَرِيق عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي، فَقَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْمُغيرَة، قَالَ: حَدثنَا أصبغ بن الْفرج، قَالَ: حَدثنَا الدَّرَاورْدِي عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع (عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أَنه إِذا كَانَ سجد بَدَأَ بِوَضْع يَدَيْهِ قبل رُكْبَتَيْهِ، وَكَانَ يَقُول: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل ذَلِك) .
ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَاهُ ابْن وهب وَأصبغ بن الْفرج عَن عبد الْعَزِيز، وَلَا أرَاهُ إلاّ وهما، فَالْمَشْهُور عَن ابْن عمر مَا رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد وَابْن علية عَن أَيُّوب عَن نَافِع.
عَنهُ قَالَ: (إِذا سجد أحدكُم فليضع يَدَيْهِ، فَإِذا رفع فليرفعهما فَإِن الْيَدَيْنِ يسجدان كَمَا يسْجد الْوَجْه) .
قلت: الَّذِي أخرجه الطَّحَاوِيّ أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه).

     وَقَالَ : صَحِيح على شَرط مُسلم، وَلم يخرجَاهُ.
والْحَدِيث الَّذِي علله بِهِ فِيهِ نظر، لِأَن كلا مِنْهُمَا مُنْفَصِل عَن الآخر.
.

     وَقَالَ  الْحَازِمِي: اخْتلف أهل الْعلم فِي هَذَا الْبابُُ، فَذهب بَعضهم إِلَى أَن وضع الْيَدَيْنِ قبل الرُّكْبَتَيْنِ أولى، وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن.
وَفِي (المغنى) ، وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد وَبِه قَالَ ابْن حزم وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ وَرَأَوا وضع الرُّكْبَتَيْنِ قبل الْيَدَيْنِ أولى.
مِنْهُم: عمر بن الْخطاب وَالنَّخَعِيّ وَمُسلم بن يسَار وسُفْيَان بن سعيد وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَإِسْحَاق وَأهل الْكُوفَة.
وَفِي (المُصَنّف) زَاد: أَبَا قلَابَة وَمُحَمّد بن سِيرِين،.

     وَقَالَ  أَبُو إِسْحَاق: كَانَ أَصْحَاب عبد الله أذا انحطوا للسُّجُود وَقعت ركبهمْ قبل أَيْديهم، وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن ابْن مَسْعُود، وَحَكَاهُ القَاضِي أَبُو الطّيب عَن عَامَّة الْفُقَهَاء، وَحَكَاهُ ابْن بطال عَن ابْن وهب.
قَالَ: وَهِي رِوَايَة ابْن شعْبَان عَن مَالك،.

     وَقَالَ  قَتَادَة: يضع أَهْون ذَلِك عَلَيْهِ، وَفِي الأسبيجاني عَن أبي حنيفَة: من آدَاب الصَّلَاة وضع الرُّكْبَتَيْنِ قبل الْيَدَيْنِ، وَالْيَدَيْنِ قبل الْجَبْهَة، والجبهة قبل الْأنف، فَفِي الْوَضع يقدم الْأَقْرَب إِلَى الأَرْض، وَفِي الرّفْع يقدم الْأَقْرَب إِلَى السَّمَاء: الْوَجْه ثمَّ اليدان ثمَّ الركبتان، وَإِن كَانَ لابس خف يضع يَدَيْهِ أَولا.



[ قــ :782 ... غــ :803 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ حدَّثنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي أبُو بكْرِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ وَأبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كانَ يُكَبِّرُ فِي كلِّ صَلاَةٍ مِن المَكْتُوبَةِ وغيْرِهَا فِي رَمَضَانَ وغَيْرِهِ فيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ يَقُولُ رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ قَبْلَ أنْ يَسْجُدَ ثُمَّ يَقُولُ الله أكبَرُ حِينَ يَهْوِي ساجِدا ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأسَهُ مِنَ السُّجُودِ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الجُلُوسِ فِي الاثْنَتَيْنِ ويَفْعَلُ ذلِكَ فِي كلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الصَّلاةِ ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لأَقْرَبُكُمْ شَبَها بِصَلاةِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنْ كانتْ هذِهِ لَصَلاتَهُ حَتَّى فارَقَ الدُّنْيا.
قَالَا.

     وَقَالَ  أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين يرفع رَأسه يَقُول سمع الله لمن حَمده رَبنَا وَلَك الْحَمد يَدْعُو لرجال فيسميهم بِأَسْمَائِهِمْ فَيَقُول اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد ابْن الْوَلِيد وَسَلَمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِم سِنِين كَسِنِي يُوسُف وَأهل الْمشرق يَوْمئِذٍ من مُضر مخالفون لَهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " ثمَّ يَقُول الله أكبر حِين يهوي سَاجِدا " (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة كلهم ذكرُوا غيرَة مرّة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع والإخبار بِصُورَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه ثَلَاثَة بالكنى وَفِيه الزُّهْرِيّ يرْوى عَن اثْنَيْنِ وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين حمصيين ومدنيين والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن عَمْرو بن عُثْمَان عَن أَبِيه وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن نصر بن عَليّ وسوار بن عبد الله (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يكبر " وَزَاد النَّسَائِيّ من طَرِيق يُونُس عَن الزُّهْرِيّ حِين اسْتَخْلَفَهُ مَرْوَان على الْمَدِينَة قَوْله " ثمَّ يَقُول الله أكبر " إِنَّمَا قَالَ هُنَا " الله أكبر " بِالْجُمْلَةِ الاسمية وَفِي سَائِر الْمَوَاضِع " ثمَّ يكبر " بِالْجُمْلَةِ الفعلية المضارعية لِأَن سِيَاق الْكَلَام يدل على مَا يدل عَلَيْهِ عقد الْبابُُ على هَذَا التَّكْبِير فَأَرَادَ أَن يُصَرح بِمَا هُوَ الْمَقْصُود نصا على لَفْظَة قَوْله " حِين ينْصَرف " أَي من الصَّلَاة قَوْله " إِن كَانَت هَذِه لصلاته " كلمة إِن هَذِه مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَأَصلهَا أَنه أَي أَن الشَّأْن وَقَوله " هَذِه " اسْم كَانَت إِشَارَة إِلَى الصَّلَاة الَّتِي صلاهَا أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَوله " لصلاته " خبر كَانَت وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد وَهِي مَفْتُوحَة.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بعد أَن روى هَذَا الحَدِيث هَذَا الْكَلَام الْأَخير يَجعله مَالك والزبيدي وَغَيرهمَا عَن الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَعْنِي يَجعله مُرْسلا قَالَه بَعضهم (قلت) هُوَ قسم من أَقسَام المدرج وَلَكِن لَا يلْزم من ذَلِك أَن لَا يكون الزُّهْرِيّ رَوَاهُ أَيْضا عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث وَغَيره عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَعلي بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب الْقرشِي الْهَاشِمِي أَبُو الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَو أَبُو الْحسن الْمدنِي وَهُوَ زين العابدين رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

     وَقَالَ  أَحْمد بن عبد الله هُوَ تَابِعِيّ ثِقَة توفّي بِالْمَدِينَةِ سنة أَربع وَتِسْعين روى لَهُ الْجَمَاعَة قَوْله " قَالَا " يَعْنِي أَبَا بكر بن عبد الرَّحْمَن وَأَبا سَلمَة الْمَذْكُورين وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور إِلَيْهِمَا قَوْله " يَدْعُو " قَالَ الْكرْمَانِي هُوَ خبر آخر أَو هُوَ عطف على بقول بِدُونِ حرف الْعَطف (قلت) الْأَوْجه أَن يكون حَالا من الضَّمِير الَّذِي فِي يَقُول من الْأَحْوَال الْمقدرَة قَوْله " الرِّجَال " أَي من الْمُسلمين وَاللَّام تتَعَلَّق بقوله " يَدْعُو " قَوْله " فيسميهم " الْفَاء فِيهِ للتفسير قَوْله " أَنْج " بِفَتْح الْهمزَة أَمر من أنجى يُنجي إنجاء وَالْأَمر فِي مثل هَذَا التمَاس وَطلب قَوْله " الْوَلِيد " بِفَتْح الْوَاو وَكسر اللَّام فِي اللَّفْظَيْنِ والوليد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة بن عبد الله المَخْزُومِي أَخُو خَالِد بن الْوَلِيد أسر يَوْم بدر كَافِرًا فَلَمَّا أفدي أسلم فَقيل لَهُ هلا أسلمت قبل أَن تفتدى فَقَالَ كرهت أَن يظنّ بِي أَنِّي أسلمت جزعا فحبس بِمَكَّة ثمَّ أفلت من أسارتهم بِدُعَاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلحق برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ أسره عبد الله بن جحش يَوْم بدر وذهبوا بِهِ إِلَى مَكَّة فَأسلم فحبسوه بِمَكَّة وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَدْعُو لَهُ فِي الْقُنُوت ثمَّ أَنه نجا فتوصل إِلَى الْمَدِينَة فَمَاتَ بهَا فِي حَيَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " وَسَلَمَة بن هِشَام " بِالنّصب عطفا على مَا قبله أَي أَنْج سَلمَة بن هِشَام بن الْمُغيرَة الْمَذْكُور آنِفا أَخُو أبي جهل وَكَانَ قديم الْإِسْلَام وعذب فِي الله ومنعوه أَن يُهَاجر إِلَى الْمَدِينَة قَالَ الذَّهَبِيّ هَاجر إِلَى الْحَبَشَة ثمَّ قدم مَكَّة فمنعوه من الْهِجْرَة وعذبوه ثمَّ هَاجر بعد الخَنْدَق وَشهد مُؤْتَة وَاسْتشْهدَ بمرج الصُّفْرَة وَقيل بأجنادين قَوْله " وَعَيَّاش " بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف شين مُعْجمَة ابْن أبي ربيعَة وَاسم أبي ربيعَة عَمْرو بن الْمُغيرَة الْمَذْكُور وَهُوَ أَخُو أبي جهل أَيْضا لأمه أسلم قَدِيما وأوثقه أَبُو جهل بِمَكَّة قتل يَوْم اليرموك بِالشَّام وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة أَسْبَاط الْمُغيرَة كل وَاحِد مِنْهُم ابْن عَم الآخر قَوْله " وَالْمُسْتَضْعَفِينَ " أَي وأنج الْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ وَهُوَ من قبيل عطف الْعَام على الْخَاص عكس قَوْله " وَمَلَائِكَته وَجِبْرِيل " قَوْله " اشْدُد " بِضَم الْهمزَة أَمر من شدّ قَوْله " وطأتك " بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة وَفتح الْهمزَة من الْوَطْء وَهُوَ الدوس بالقدم فِي الأَصْل وَمَعْنَاهُ هَهُنَا خذهم أخذا شَدِيدا وَمِنْه قَول الشَّاعِر
(ووطئتنا وطأ على حنق ... وطأ الْمُقَيد ثَابت الْهَرم)
وَكَانَ حَمَّاد بن سَلمَة يرويهِ اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر الوطأ الْإِثْبَات والغمز فِي الأَرْض وَمُضر بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن نزار بن معد بن عدنان وَهُوَ شعب عَظِيم فِيهِ قبائل كَثِيرَة كقريش وهذيل وَأسد وَتَمِيم وضبة ومزبنة والضبابُ وَغَيرهم وَمُضر شعب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - واشتقاقه من اللَّبن المضير وَهُوَ الحامض قَالَه ابْن دُرَيْد قَوْله " اجْعَلْهَا " أَي الْوَطْأَة قَوْله " كَسِنِي يُوسُف " أَي كالسنين الَّتِي كَانَت فِي زمن يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مقحطة وَوجه الشّبَه امتداد زمَان المحنة وَالْبَلَاء وَالْبُلُوغ غَايَة الشدَّة وَالضَّرَّاء وَجمع السّنة بِالْوَاو وَالنُّون شَاذ من جِهَة أَنه لَيْسَ لِذَوي الْعُقُول وَمن جِهَة تغير مفرده بِكَسْر أَوله وَلِهَذَا جعل بَعضهم حكمه كَحكم الْمُفْردَات وَجعل نونه متعقب الْإِعْرَاب كَقَوْل الشَّاعِر
(دَعَاني من نجد فَإِن سنينه ... لعبن بِنَا شيبا وشيبننا مردا)
(ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ إِثْبَات التَّكْبِير فِي كل خفض وَرفع إِلَّا فِي رَفعه من الرُّكُوع يَقُول سمع الله لمن حَمده.
وَفِيه فِي قَوْله " ثمَّ يكبر حِين يرْكَع " إِلَى آخِره دَلِيل على مُقَارنَة التَّكْبِير لهَذِهِ الحركات وَبسطه عَلَيْهَا فَيبْدَأ بِالتَّكْبِيرِ حِين يسْرع فِي الِانْتِقَال إِلَى الرُّكُوع ويمده حَتَّى يصل إِلَى حد الراكعين ثمَّ يشرع فِي تَسْبِيح الرُّكُوع وَيبدأ بِالتَّكْبِيرِ حِين يشرع فِي الْهوى إِلَى السُّجُود ويمده حَتَّى يضع جَبهته على الأَرْض ثمَّ يشرع فِي تَسْبِيح السُّجُود.
وَفِيه يبْدَأ فِي قَوْله سمع الله لمن حَمده حَتَّى يشرع فِي الرّفْع من الرُّكُوع ويمده حَتَّى ينْتَصب قَائِما.
ثمَّ هَل يجمع بَين التسميع والتحميد قد ذكرنَا الْخلاف فِيهِ وَظَاهر هَذَا الحَدِيث أَنه يجمع بَينهمَا وَعند أبي حنيفَة يَكْتَفِي بالتسميع إِن كَانَ إِمَامًا وَقد مر وَجهه.
وَفِيه أَنه يشرع فِي التَّكْبِير للْقِيَام من التَّشَهُّد الأول ويمده حَتَّى ينْتَصب قَائِما هَذَا مَذْهَب الْعلمَاء كَافَّة إِلَّا مَا رُوِيَ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه كَانَ لَا يكبر للْقِيَام من الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى يَسْتَوِي قَائِما وَبِه قَالَ مَالك.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ فِيهِ إِثْبَات الْقُنُوت وَأَن مَوْضِعه عِنْد الرّفْع من الرُّكُوع وَقد قُلْنَا أَن هَذَا مَنْسُوخ وَبينا وَجهه.
.

     وَقَالَ  وَفِيه أَن تَسْمِيَة الرِّجَال بِأَسْمَائِهِمْ فِيمَا يدعى لَهُم وَعَلَيْهِم لَا تفْسد الصَّلَاة قُلْنَا النّسخ شَمل الْكل


[ قــ :784 ... غــ :805 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ سَقَطَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ فَرَسٍ ورُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ مِنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شَقُّهُ الأيْمَنُ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ فَحَضَرَتِ الصَّلاَةْ فَصَلَّى بِنَا قاعَدا وقَعَدْنا.
.

     وَقَالَ  سُفْيَانُ مَرَّةً صليْنَا قُعُودا فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَالَ إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وإذَا رَكَعَ فارْكَعُوا وإذَا رَفعَ فارْفَعْوا وإذَا قالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنا ولكَ الحَمْدُ وإذَا سجَدَ فاسْجُدوا قَالَ سُفيانُ كَذا جاءَ بهِ مَعْمَرٌ.

قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَقدْ حَفِظَ كذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ ولَكَ الحمْدُ حَفِظْتُ مِنْ شِقِّهِ الأيْمَنُ فلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ الزُّهْرِيِّ قَالَ ابنُ جُرَيْجٍ وأنَا عِنْدَهُ فَجُحِشَ سَاقُهُ الأَيْمَنُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ بالتعسف، لِأَن قَوْله: ( وَإِذا سجد فاسجدوا) يَقْتَضِي أَن يسْجد الْقَوْم حِين يسْجد الإِمَام، وَلَا يكون ذَلِك إلاّ بالهوي، وَقد ذكرنَا فِي أول الْبابُُ أَن للهوي صفتين: قولية وفعلية، وَحَدِيث أنس هَذَا يدل على الصّفة الفعلية، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، السَّابِق يدل عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَكِلَاهُمَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقد علم أَن هوي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السُّجُود كَانَ مُشْتَمِلًا على الْفِعْل وَالْقَوْل، وَحَدِيث أنس هَذَا أَيْضا يدل عَلَيْهِمَا بِهَذِهِ الطَّرِيقَة، لِأَنَّهُ يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة وأمورها.
فَافْهَم.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: عَليّ بن عبد الله بن جَعْفَر أَبُو الْحسن الْمدنِي، يُقَال لَهُ: ابْن الْمَدِينِيّ الْبَصْرِيّ، وَقد مر غير مرّة.
الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الرَّابِع: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: تَأْكِيد رِوَايَة سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ بقوله: غير مرّة، لِأَنَّهُ يدل على التّكْرَار.
وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومكي ومدني.

وَقد روى البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي: بابُُ إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن أنس.
وَأخرجه أَيْضا عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فِي هَذَا الْبابُُ، وَقد ذكرنَا فِيهِ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا، وَنَذْكُر هَهُنَا مَا لم نذْكر هُنَاكَ.

فَقَوله: ( رُبمَا) ، كلمة: رُبمَا، فِي الأَصْل للتقليل، وَلَكِن تسْتَعْمل كثيرا للتكثير.
قَوْله: ( من فرس) يَعْنِي بِلَفْظ: من، لَا بِلَفْظ: عَن، وَفِيه إِشَارَة إِلَى مُحَافظَة عَليّ بن عبد الله على الْإِتْيَان بِأَلْفَاظ الحَدِيث، وتنبيه على تثبته فِي هَذَا الْبابُُ.
قَوْله: ( فجحش) ، بِضَم الجم وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة أَي: خدش، وَوَقع فِي قصر الصَّلَاة عَن ابْن عُيَيْنَة بِلَفْظ: ( جحش أَو خدش) على الشَّك.
قَوْله: ( نعوده) ، جملَة وَقعت حَالا.
قَوْله: ( قعُودا) ، يجوز أَن يكون مصدرا بِمَعْنى: قَاعِدين، وَيجوز أَن يكون جمع قَاعد، كالركوع جمع رَاكِع، وَالسُّجُود جمع ساجد.
وعَلى كل حَال انتصابه على الحالية.
قَوْله: ( قَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( معمر) ، بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد الْبَصْرِيّ، أَي: قَالَ سُفْيَان سَائِلًا: من ابْن الْمَدِينِيّ عَليّ بن عبد الله الْمَذْكُور مثل الَّذِي رويته أَنا؟ أوردهُ معمر أَيْضا، وهمزة الِاسْتِفْهَام مقدرَة قبل قَوْله: كَذَا، قَوْله: ( قلت: نعم) الْقَائِل عَليّ بن عبد الله.
قَوْله: ( قَالَ: لقد حفظ) أَي: قَالَ سُفْيَان: وَالله لقد حفظ معمر عَن الزُّهْرِيّ حفظا صَحِيحا مضبوطا.
قَوْله: ( كَذَا قَالَ الزُّهْرِيّ) أَي: كَمَا قَالَ معمر قَالَ الزُّهْرِيّ: ( وَلَك الْحَمد) أَي: بِالْوَاو، وَهَذَا تَفْسِير وَبَيَان لقَوْله: ( كَذَا قَالَ) أَي: حفظ كَمَا قَالَ الزُّهْرِيّ بِالْوَاو، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن بعض أَصْحَاب الزُّهْرِيّ لم يذكرُوا الْوَاو فِي: وَلَك الْحَمد، كَمَا وَقع فِي رِوَايَة اللَّيْث وَغَيره عَن الزُّهْرِيّ، وَقد تقدم ذَلِك فِي: بابُُ أيجاب التَّكْبِير.
قَوْله: ( حفظت) ، أَي: قَالَ سُفْيَان: حفظت من الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ فجحش من شقَّه الْأَيْمن، ( فَلَمَّا خرجنَا من عِنْد الزُّهْرِيّ قَالَ ابْن جريج) ، وَهُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج: قَوْله: ( وَأَنا عِنْده) أَي: وَأَنا كنت عِنْد الزُّهْرِيّ، فَقَالَ: فجحش سَاقه الْأَيْمن، بِلَفْظ السَّاق بدل الشق،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ( وَأَنا عِنْده) عطف على مُقَدّر، أَو هُوَ جملَة حَالية من فَاعل قَالَ مُقَدرا، إِذْ تَقْدِيره: قَالَ الزُّهْرِيّ: وَأَنا عِنْده.
وَيحْتَمل أَن يكون هُوَ مقول سُفْيَان لَا مقول ابْن جريج، وَالضَّمِير حِينَئِذٍ رَاجع إِلَى ابْن جريج لَا إِلَى الزُّهْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قلت: يجوز الْوَجْهَانِ، وَلَكِن الْوَجْه الثَّانِي هُوَ الْأَوْجه، ومقول ابْن جريج هُوَ قَوْله: ( جحش) إِلَى آخِره.