فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب السجود على سبعة أعظم

( بابُُ السجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أعْظُمٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن السُّجُود فِي الصَّلَاة على سَبْعَة أعظم، وَالْمرَاد من الْأَعْظَم هِيَ الْأَعْضَاء الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث الْبابُُ، وَفِي حَدِيث الْبابُُ الَّذِي يَلِيهِ أَيْضا.


[ قــ :788 ... غــ :809 ]
- ( حَدثنَا قبيصَة قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس أَمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يسْجد على سَبْعَة أَعْضَاء وَلَا يكف شعرًا وَلَا ثوبا الْجَبْهَة وَالْيَدَيْنِ والركبتين وَالرّجلَيْنِ) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ الْمَعْنى لِأَن المُرَاد من الْأَعْظَم الْأَعْضَاء كَمَا ذكرنَا على أَن الْمَذْكُور فِي أحد طريقي حَدِيث ابْن عَبَّاس لفظ الْأَعْضَاء مُصَرح على مَا يَجِيء إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول قبيصَة بِفَتْح الْقَاف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عقبَة بن عَامر الْكُوفِي.
الثَّانِي سُفْيَان الثَّوْريّ.
الثَّالِث عَمْرو بن دِينَار الرَّابِع طَاوس بن كيسَان.
الْخَامِس عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومكي ويماني.
( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن شُعْبَة وَعَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة وَعَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد بن زيد كلهم عَن عَمْرو بن دِينَار بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن يحيى بن يحيى وَعَن مُحَمَّد بن بشار وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ كِلَاهُمَا عَن قُتَيْبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن حميد بن مسْعدَة وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن بشر بن معَاذ ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " على صِيغَة الْمَجْهُول فِي جَمِيع الرِّوَايَات وَالْمعْنَى أَمر الله تَعَالَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيّ عرف ذَلِك بِالْعرْفِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُجُوب قيل فِيهِ نظر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صِيغَة الْأَمر ( قلت) فِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " أمرت " قَالَ حَمَّاد أَمر نَبِيكُم أَن يسْجد على سَبْعَة وَلَا يكف شعرًا وَلَا ثوبا انْتهى فَهَذَا قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أمرت " يدل على أَن الله تَعَالَى أمره وَالْأَمر من الله تَعَالَى يدل على الْوُجُوب وَفِي رِوَايَة مُسلم " أمرت أَن أَسجد على سَبْعَة الْجَبْهَة وَالْأنف وَالْيَدَيْنِ والركبتين والقدمين " ( فَإِن قلت) رِوَايَة البُخَارِيّ هَذِه تحْتَمل الخصوصية ( قلت) رِوَايَته الْأُخْرَى الَّتِي ذكرهَا عقيب هَذَا الحَدِيث وَهِي قَوْله " أمرنَا " تدل على أَنه لعُمُوم الْأمة.
وَاخْتلف النَّاس فِيمَا فرض على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَل تدخل مَعَه الْأمة فَقيل نعم وَالأَصَح لَا إِلَّا بِدَلِيل وَقيل إِذا خُوطِبَ بِأَمْر أَو نهي فَالْمُرَاد بِهِ الْأمة مَعَه وَهَذَا لَا يثبت إِلَّا بِدَلِيل وَرِوَايَة " أمرنَا " تدل على أَن ابْن عَبَّاس تَلقاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِمَّا سَمَاعا مِنْهُ وَإِمَّا بلاغا عَنهُ وَبِهَذَا يرد كَلَام الْكرْمَانِي حَيْثُ قَالَ ظَاهره الْإِرْسَال أَي ظَاهر هَذَا الحَدِيث ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي ( فَإِن قلت) بِمَ عرف ابْن عَبَّاس أَنه أَمر بذلك ( قلت) إِمَّا بإخباره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُ أَو لغيره أَو بِاجْتِهَادِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا ينْطق عَن الْهوى انْتهى ( قلت) على تَقْدِير إخْبَاره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِابْنِ عَبَّاس كَيفَ يكون الحَدِيث مُرْسلا وَقد قَالَ ظَاهره الْإِرْسَال قَوْله " وَلَا يكف شعرًا " عطف على قَوْله " أَن يسْجد " وَفِي رِوَايَة " لَا يكفت الثِّيَاب وَلَا الشّعْر " والكفت والكف بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ الْجمع وَالضَّم وَمِنْه قَوْله تَعَالَى { ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا} أَي نجمع النَّاس فِي حياتهم وموتهم والكفات بِمَعْنى الْكَفّ قَوْله " وَلَا ثوبا " أَي وَلَا يكف ثوبا قَوْله " الْجَبْهَة " بِالْجَرِّ عطف بَيَان لقَوْله " على سَبْعَة أَعْضَاء " وَمَا بعْدهَا عطف عَلَيْهَا قَوْله " وَالْيَدَيْنِ " يُرِيد الْكَفَّيْنِ خلافًا لمن زعم أَنه يحمل على ظَاهره لِأَنَّهُ لَو حمل على ذَلِك لدخل تَحت الْمنْهِي عَنهُ الافتراش كافتراش السَّبع وَالْكَلب قَوْله " وَالرّجلَيْنِ " يُرِيد أَطْرَاف الْقَدَمَيْنِ وَبَين ذَلِك رِوَايَة ابْن طَاوس عَنهُ كَذَلِك قَوْله " وَلَا يكف شعرًا وَلَا ثوبا " جملتان معترضتان بَين قَوْله " على سَبْعَة أَعْضَاء " وَبَين قَوْله " الْجَبْهَة " ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) احْتج بِهِ أَحْمد وَإِسْحَق على أَنه لَا يجْزِيه من ترك السُّجُود على شَيْء من الْأَعْضَاء السَّبْعَة وَهُوَ الْأَصَح من قولي الشَّافِعِي فِيمَا رَجحه الْمُتَأَخّرُونَ خلاف مَا رَجحه الرَّافِعِيّ وَهُوَ مَذْهَب ابْن حبيب وَكَأن البُخَارِيّ مَال إِلَى هَذَا القَوْل وَلم يذكر الْأنف فِي هَذَا الحَدِيث وَذكر الْأنف فِي حَدِيث آخر لِابْنِ عَبَّاس على مَا يَأْتِي عَن قريب.
وَاخْتلفُوا فِي السُّجُود على الْأنف هَل هُوَ فرض مثل غَيرهَا فَقَالَت طَائِفَة إِذا سجد على جَبهته دون أَنفه أَجزَأَهُ رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَعَطَاء وَطَاوُس وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَالقَاسِم وَسَالم وَالشعْبِيّ وَالزهْرِيّ وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر قوليه وَمَالك وَأبي يُوسُف وَأبي ثَوْر وَالْمُسْتَحب أَن يسْجد على أَنفه مَعَ الْجَبْهَة.

     وَقَالَ ت طَائِفَة يجْزِيه أَن يسْجد على أَنفه دون جَبهته وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَهُوَ الصَّحِيح من مذْهبه وروى أَسد بن عمر وَعنهُ لَا يجوز الِاقْتِصَار على الْأنف إِلَّا من عذر.

     وَقَالَ  ابْن بطال اخْتلف الْعلمَاء فِيمَا يجزىء السُّجُود عَلَيْهِ من الْآرَاب السَّبْعَة بعد إِجْمَاعهم على أَن السُّجُود على الأَرْض فَرِيضَة.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ أَعْضَاء السُّجُود سَبْعَة وَيَنْبَغِي للساجد أَن يسْجد عَلَيْهَا كلهَا وَأَن يسْجد على الْجَبْهَة وَالْأنف جَمِيعًا وَأما الْجَبْهَة فَيجب وَضعهَا مكشوفة على الأَرْض وَيَكْفِي بَعْضهَا وَالْأنف مُسْتَحبّ فَلَو تَركه جَازَ وَلَو اقْتصر عَلَيْهِ وَترك الْجَبْهَة لم يجزه هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَمَالك والأكثرين.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَابْن الْقَاسِم من أَصْحَاب مَالك لَهُ أَن يقْتَصر على أَيهمَا شَاءَ.

     وَقَالَ  أَحْمد وَابْن حبيب من أَصْحَاب مَالك يجب أَن يسْجد على الْجَبْهَة وَالْأنف جَمِيعًا لظَاهِر الحَدِيث.

     وَقَالَ  الْأَكْثَرُونَ بل ظَاهر الحَدِيث أَنَّهُمَا فِي حكم عُضْو وَاحِد لِأَنَّهُ قَالَ فِي الحَدِيث سَبْعَة فَإِن جعلا عضوين صَارَت ثَمَانِيَة وَذكر الْأنف اسْتِحْبابُُا وَذكر أَصْحَاب التشريح أَن عظمي الْأنف يبتدئان من قرنة الْحَاجِب وينتهيان إِلَى الْموضع الَّذِي فَوق الثنايا والرباعيات فعلى هَذَا يكون الْأنف والجبهة الَّتِي هِيَ أَعلَى الخد وَاحِدًا.

     وَقَالَ  ابْن بطال أَن فِي بعض طرق حَدِيث ابْن عَبَّاس " أمرت أَن أَسجد على سَبْعَة أعظم مِنْهَا الْوَجْه " ( قلت) يُؤَيّدهُ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ ساجد فِيمَا رَوَاهُ مُسلم " سجد وَجْهي للَّذي خلقه " الحَدِيث وَأما اليدان وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ فَهَل يجب السُّجُود عَلَيْهَا فَقَالَ النَّوَوِيّ فِيهِ قَولَانِ للشَّافِعِيّ أَحدهمَا لَا يجب لَكِن يسْتَحبّ اسْتِحْبابُُا متأكدا وَالثَّانِي يجب وَهُوَ الْأَصَح وَهُوَ الَّذِي رَجحه الشَّافِعِي فَلَو أخل بعضو مِنْهَا لم تصح صلَاته وَإِذا أَوجَبْنَا لم يجب كشف الْقَدَمَيْنِ والركبتين وَفِي الْكَفَّيْنِ قَولَانِ للشَّافِعِيّ أَحدهمَا يجب كشفه كالجبهة وَالأَصَح لَا يجب وَفِي شرح الْهِدَايَة السُّجُود على الْيَدَيْنِ والركبتين والقدمين غير وَاجِب وَفِي الْوَاقِعَات لَو لم يضع رُكْبَتَيْهِ على الأَرْض عِنْد السُّجُود لَا يجْزِيه.

     وَقَالَ  أَبُو الطّيب مَذْهَب الشَّافِعِي أَنه لَا يجب وضع هَذِه الْأَعْضَاء وَهُوَ قَول عَامَّة الْفُقَهَاء وَعند زفر وَأحمد بن حَنْبَل يجب وَعَن أَحْمد فِي الْأنف رِوَايَتَانِ.

     وَقَالَ  ابْن الْقصار الْإِجْمَاع حجَّة وَوجدنَا التَّابِعين على قَوْلَيْنِ فَمنهمْ من أوجب السُّجُود على الْجَبْهَة وَالْأنف.
وَمِنْهُم من جوز الِاقْتِصَار على الْجَبْهَة وَمن جوز الِاقْتِصَار على الْأنف خرج عَن إِجْمَاعهم ( قلت) يُشِير بذلك إِلَى قَول أبي حنيفَة وَمَا قَالَه غير موجه لِأَن الْمَأْمُور بِهِ فِي السَّجْدَة وضع بعض الْوَجْه على الأَرْض لِأَنَّهُ لَا يُمكن بكله فَيكون بِالْبَعْضِ مَأْمُورا وَالْأنف بعضه فَكَمَا أَن الِاقْتِصَار على الْجَبْهَة يجوز بِلَا خلاف لكَونهَا بعض الْوَجْه ومسجدا فَكَذَا الِاقْتِصَار على الْأنف لِأَنَّهَا بعض الْوَجْه وَمَسْجِد إِلَّا أَنه يكره لمُخَالفَته السّنة وَذكر الطَّبَرِيّ فِي تَهْذِيب الْآثَار أَن حكم الْجَبْهَة وَالْأنف سَوَاء.

     وَقَالَ  أَيُّوب نبئت عَن طَاوس أَنه سُئِلَ عَن السُّجُود على الْأنف فَقَالَ أَلَيْسَ أكْرم الْوَجْه.

     وَقَالَ  أَبُو هِلَال سُئِلَ ابْن سِيرِين عَن الرجل يسْجد على أَنفه فَقَالَ أوما تقْرَأ { يخرون للأذقان سجدا} فَالله مدحهم بخرورهم على الأذقان فِي السُّجُود فَإِذا سقط السُّجُود على الذقن بِالْإِجْمَاع يصرف الْجَوَاز إِلَى الْأنف لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْحَقِيقَة لعدم الْفَصْل بَينهمَا بِخِلَاف الْجَبْهَة إِذْ الْأنف فاصل بَينهمَا فَكَانَ من الْجَبْهَة ( فَإِن قلت) روى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَاصِم الْأَحول عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا صَلَاة لمن لَا يُصِيب أَنفه من الأَرْض مَا يُصِيب الجبين " ( قلت) قَالُوا الصَّحِيح أَنه مُرْسل ( فَإِن قلت) أخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل عَن الضَّحَّاك بن حَمْزَة عَن مَنْصُور بن زَاذَان عَن عَاصِم البَجلِيّ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من لم يلصق أَنفه مَعَ جَبهته بِالْأَرْضِ إِذا سجد لم تجز صلَاته " ( قلت) أعله بِالضحاكِ بن حَمْزَة وَأسْندَ إِلَى النَّسَائِيّ لَيْسَ بِثِقَة.

     وَقَالَ  ابْن معِين لَيْسَ بِشَيْء ( فَإِن قلت) أخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ناشب بن عَمْرو الشَّيْبَانِيّ حَدثنَا مقَاتل بن حَيَّان عَن عُرْوَة " عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت أبْصر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - امْرَأَة من أَهله تصلي وَلَا تضع أنفها بِالْأَرْضِ فَقَالَ يَا هَذِه ضعي أَنْفك بِالْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاة لمن لم يضع أَنفه بِالْأَرْضِ مَعَ جَبهته فِي الصَّلَاة " ( قلت) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ناشب ضَعِيف وَلَا يَصح مقَاتل عَن عُرْوَة.
وَفِيه كَرَاهَة كف الثَّوْب وَالشعر وَظَاهر الحَدِيث النَّهْي عَنهُ فِي حَال الصَّلَاة وَإِلَيْهِ مَال الدَّاودِيّ ورده عِيَاض بِأَنَّهُ خلاف مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور فَإِنَّهُم كَرهُوا ذَلِك للْمُصَلِّي سَوَاء فعله فِي الصَّلَاة أَو قبل أَن يدْخل فِيهَا.
وَاتَّفَقُوا أَنه لَا يفْسد الصَّلَاة إِلَّا مَا حُكيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وجوب الْإِعَادَة فِيهِ وَفِي التَّلْوِيح اتّفق الْعلمَاء على النَّهْي عَن الصَّلَاة وثوبه مشمر أَو كمه أَو رَأسه معقوص أَو مَرْدُود شعره تَحت عمَامَته أَو نَحْو ذَلِك وَهُوَ كَرَاهَة تَنْزِيه فَلَو صلى كَذَلِك فقد أَسَاءَ وَصحت صلَاته وَاحْتج الطَّبَرِيّ فِي ذَلِك بِالْإِجْمَاع.

     وَقَالَ  ابْن التِّين هَذَا مَبْنِيّ على الِاسْتِحْبابُُ فَأَما إِذا فعله فَحَضَرت الصَّلَاة فَلَا بَأْس أَن يُصَلِّي كَذَلِك وَعند أبي دَاوُد بِسَنَد جيد رأى أَبُو رَافع الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يُصَلِّي وَقد غرز ضفيرته فِي قَفاهُ فَحلهَا.

     وَقَالَ  سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول ذَلِك كفل الشَّيْطَان أَو قَالَ مقْعد الشَّيْطَان يَعْنِي مغرز ضفيرته وَفِي الْمعرفَة روينَا فِي الحَدِيث الثَّابِت " عَن ابْن عَبَّاس أَنه رأى عبد الله بن الْحَارِث يُصَلِّي وَرَأسه معقوص من وَرَائه فَقَامَ وَرَاءه فَجعل يحله.

     وَقَالَ  سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا مثل هَذَا كَمثل الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مكتوف " فَدلَّ الحَدِيث على كَرَاهَة الصَّلَاة وَهُوَ معقوص الشّعْر وَلَو عقصه وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَسدتْ صلَاته والعقص أَن يجمع شعره على وسط رَأسه ويشده بخيط أَو بصمغ ليتلبد وَافق الْجُمْهُور من الْعلمَاء أَن النَّهْي لكل من يُصَلِّي كَذَلِك سَوَاء تَعَمّده للصَّلَاة أَو كَانَ كَذَلِك قبلهَا لِمَعْنى آخر.

     وَقَالَ  مَالك النَّهْي لمن فعل ذَلِك للصَّلَاة وَالصَّحِيح الأول لإِطْلَاق الْأَحَادِيث.
قيل الْحِكْمَة فِي هَذَا النَّهْي عَنهُ أَن الشّعْر يسْجد مَعَه وَلِهَذَا مثله بِالَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مكتوف.

     وَقَالَ  ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لرجل رَآهُ يسْجد وَهُوَ معقوص الشّعْر أرْسلهُ يسْجد مَعَك.
وَفِيه من جملَة أَعْضَاء السُّجُود اليدان فَإِن صلى وهما فِي الثِّيَاب فَذكر ابْن بطال الْإِجْمَاع على جَوَازه وَكَرِهَهُ بَعضهم لِأَن حكمهمَا حكم الْوَجْه لَا حكم الرُّكْبَتَيْنِ وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ فِي وجوب كشفهما


[ قــ :789 ... غــ :810 ]
- ( حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن عَمْرو عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ أمرنَا أَن نسجد على سَبْعَة أعظم وَلَا نكف ثوبا وَلَا شعرًا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهَا على سَبْعَة أعظم وَلَفظ الحَدِيث كَذَلِك وَهَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث ابْن عَبَّاس وَالْمرَاد بالأعظم هِيَ الْأَعْضَاء الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث السَّابِق وسمى كل عُضْو عظما وَإِن كَانَ فِيهِ عِظَام كَثِيرَة وَيجوز أَن يكون من بابُُ تَسْمِيَة الْجُمْلَة باسم بَعْضهَا



[ قــ :790 ... غــ :811 ]
- حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنْ أبي إسحاقَ عنْ عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ الخَطْمِيِّ قالَ حدَّثنا البَرَاءُ بنُ عَازِبٍ وَهْوَ غَيْرُ كذُوبٍ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإذَا قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ لَم يَحْن أحدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَضَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَبْهَتَهُ علَى الأرْضِ.
( انْظُر الحَدِيث 690 وطرفه) .


قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت: كَيفَ دلَالَته على التَّرْجَمَة؟ قلت: الْعَادة على أَن وضع الْجَبْهَة، إِنَّمَا هُوَ باستعانة السَّبْعَة الْبَاقِيَة غَالِبا.
قلت: هَذَا لَا يَخْلُو عَن تعسف، وَالْوَجْه فِيهِ أَنه إِنَّمَا أورد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبابُُ للْإِشَارَة إِلَى أَن السَّجْدَة بالجبهة أَدخل فِي الْوُجُوب من بَقِيَّة الْأَعْضَاء، وَلِهَذَا لم يخْتَلف فِي وُجُوبهَا بالجبهة، وَاخْتلف فِي غَيرهَا من بَقِيَّة السَّبْعَة كَمَا ذكرنَا.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد ذكرُوا غير مرّة، وآدَم ابْن أبي إِيَاس، وَإِسْرَائِيل بن يُونُس وَأَبُو إِسْحَاق، عَمْرو بن عبد الله الْكُوفِي.

وَهَذَا لحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي: بابُُ مَتى يسْجد من خلف الإِمَام، عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد عَن سُفْيَان حَدثنِي أَبُو إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن يزِيد، قَالَ: حَدثنِي الْبَراء.
.
إِلَى آخِره.
وَقد ذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ من الإشياء.

قَوْله: ( لم يحن) ، بِفَتْح الْيَاء وَكسر النُّون وَضمّهَا أَي: لم يقوس ظَهره.
قَوْله: ( أحدٌ منَّا) ويروى: ( أَحَدنَا) .