فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم

بابٌُ يَسْتَقْبِلُ الإمَامُ النَّاسَ إذَا سَلَّمَ
أَي: هَذَا بابُُ تَرْجَمَة يسْتَقْبل الإِمَام النَّاس إِذا سلم فِي آخر صلَاته.


[ قــ :822 ... غــ :845 ]
- ( حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا جرير بن حَازِم قَالَ حَدثنَا أَبُو رَجَاء عَن سَمُرَة بن جُنْدُب.
قَالَ كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا صلى صَلَاة أقبل علينا بِوَجْهِهِ)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن الإقبال إِلَيْهِم بِوَجْهِهِ هُوَ الِاسْتِقْبَال إيَّاهُم ( ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة كلهم قد ذكرُوا وَأَبُو رَجَاء بخفة الْجِيم وبالمد اسْمه عمرَان بن تيم وَيُقَال ابْن ملْحَان العطاردي وَفِيه التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع ( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ مقطعا فِي الصَّلَاة وَفِي الْجِنَازَة وَفِي الْبيُوع وَفِي الْجِهَاد وَفِي بَدْء الْخلق وَفِي صَلَاة اللَّيْل وَفِي الْأَدَب عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي الصَّلَاة وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي التَّفْسِير وَفِي التَّعْبِير عَن مُؤَمل بن هِشَام عَن إِسْمَاعِيل بن علية وَأخرجه مُسلم فِي الرُّؤْيَا عَن مُحَمَّد بن بشار عَن بنْدَار عَن وهب بن جرير عَن أَبِيه بِهِ مُخْتَصرا كَمَا هَا هُنَا وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار بِهِ مُخْتَصرا.

     وَقَالَ  حسن صَحِيح وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَفِي التَّفْسِير عَن بنْدَار.
وَالْحكمَة فِي اسْتِقْبَال الْمَأْمُومين أَن يعلمهُمْ مَا كَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ كَذَا قيل ( قلت) فعلى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يفعل هَذَا من كَانَ حَاله مثل حَال النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من قصد التَّعْلِيم وَالْمَوْعِظَة وَقيل الْحِكْمَة فِيهِ تَعْرِيف الدَّاخِل لِأَن الصَّلَاة انْقَضتْ إِذْ لَو اسْتمرّ الإِمَام على حَاله لأوهم أَنه فِي التَّشَهُّد مثلا -



[ قــ :83 ... غــ :846 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مَالِكٍ عنْ صالِحِ بنِ كَيْسَانَ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عبْد الله بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ عنْ زيْدِ بنِ خالدٍ الجُهَنِيِّ أنَّهُ قالَ صلَّى لَنَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلاةَ الصُّبْحِ بالحُدَيْبِيَةِ علَى إثْرِ سَماءٍ كانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ فلمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فقالَ هَلْ تَدْرُونَ ماذَا قَالَ ربُّكُمْ قالُو الله ورسولُهُ أعْلَمُ قَالَ أصْبَحَ مِنْ عِبَادي مُؤْمِنٌ بِي وكافِرٌ فأمَّا منْ قالَ مُطِرْنا بفَضْلِ الله ورَحْمَتِهِ فذلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وكافِرٌ بالكوْكَبِ وأمَّا مَنْ قَالَ بنَوْءٍ كَذَا وكذَا فذَلِكَ كافِرٌ بِي ومُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَلَمَّا انْصَرف أقبل على النَّاس) أَي: فَلَمَّا انْصَرف من الصَّلَاة اسْتقْبل النَّاس
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد ذكرُوا غير مرّة، وَعبيد الله بن عبد الله بتصغير العَبْد فِي الابْن وتكبيره فِي الْأَب.

وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
غير أَن صَالح بن كيسَان صرح بِسَمَاعِهِ لَهُ من عبيد الله عِنْد أبي عوَانَة.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الاسْتِسْقَاء عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك، وَفِي الْمَغَازِي عَن خَالِد بن مخلد وَفِي التَّوْحِيد عَن مُسَدّد مُخْتَصرا.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطِّبّ عَن القعْنبِي بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن قُتَيْبَة وَعَن مُحَمَّد بن مسلمة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( صلى لنا) أَي: لأجلنا، وَيجوز أَن تكون: اللَّام، بِمَعْنى: الْبَاء، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ صلى بِنَا.
قَوْله: ( بِالْحُدَيْبِية) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف المخففة عِنْد الْبَعْض وبتشديدها عِنْد أَكثر الْمُحدثين، وَفِي كتاب ( الْعِلَل) لعَلي الْمَدِينِيّ: الحجازيون ويخففون الْيَاء والعراقيون من الْمُحدثين يشددونها،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الْحُدَيْبِيَة قَرْيَة قريبَة من مَكَّة سميت ببئر هُنَاكَ، وَهِي مُخَفّفَة، وَكثير من الْمُحدثين يشددونها.
قلت: الصَّوَاب بِالتَّخْفِيفِ لِأَنَّهَا تَصْغِير: حدباء، سميت بشجرة هُنَاكَ حدباء بَعْضهَا فِي الْحل وَبَعضهَا فِي الْحرم، وَهِي أبعد أَطْرَاف الْحرم عَن الْبَيْت، وَهِي الْموضع الَّذِي صد فِيهِ الْمُشْركُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن زِيَارَة الْبَيْت.
وَفِي الْحُدَيْبِيَة كَانَت بيعَة الرضْوَان تَحت الشَّجَرَة.
قَالَ الرشاطي: وَفِي كتاب البُخَارِيّ، قَالَ اللَّيْث: عَن يحيى عَن ابْن الْمسيب، قَالَ: وَقعت الْفِتْنَة الأولى يَعْنِي: بقتل عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَلم تبْق من أَصْحَاب بدر وَاحِدًا، ثمَّ وَقعت الثَّانِيَة، يَعْنِي الْحرَّة، فَلم تبقِ من أَصْحَاب الْحُدَيْبِيَة أحدا، ثمَّ وَقعت الثَّالِثَة فَلم ترْتَفع وَلِلنَّاسِ طباخ.
قلت: الطباخ، بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف خاء مُعْجمَة، وأصل الطباخ: الْقُوَّة وَالسمن، ثمَّ اسْتعْمل فِي غَيره، فَقيل: فلَان لَا طباخ لَهُ، أَي: لَا عقل لَهُ وَلَا خير عِنْده، وَالْمعْنَى هَهُنَا، أَن الْفِتْنَة الثَّالِثَة لم تبقِ فِي النَّاس من الصَّحَابَة أحدا، وَكَانَت غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ من الْهِجْرَة بِلَا خلاف، وَمِمَّنْ نَص على ذَلِك الزُّهْرِيّ وَنَافِع مولى ابْن عمر وَقَتَادَة ومُوسَى بن عقبَة وَمُحَمّد بن إِسْحَاق.
قَوْله: ( على إِثْر سَمَاء) ، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة على الْمَشْهُور، وَرُوِيَ، بأثر سَمَاء، بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الثَّاء أَيْضا، وَهُوَ: مَا يكون عقيب الشَّيْء، وَالْمرَاد من السَّمَاء: الْمَطَر، وَأطلق عَلَيْهَا: سَمَاء، لكَونهَا تنزل من جِهَة السَّمَاء، وكل جِهَة علو تسمى: سَمَاء.
قَوْله: ( كَانَت من اللَّيْل) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي: ( من اللَّيْلَة) بِالْإِفْرَادِ، وَالسَّمَاء تذكر وتؤنث إِذا لم يرد بهَا الْمَطَر.
فَإِن قلت: هَهُنَا قد أُرِيد بهَا الْمَطَر، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن تذكر؟ قلت: ذَاك على لَفظهَا لَا مَعْنَاهَا.
قَوْله: ( فَلَمَّا انْصَرف) أَي: من صلَاته.
قَوْله: ( هَل تَدْرُونَ؟) اسْتِفْهَام على سَبِيل التَّنْبِيه، وَوَقع عِنْد النَّسَائِيّ فِي رِوَايَة سُفْيَان عَن صَالح: ( ألم تسمعوا مَا قَالَ ربكُم اللَّيْلَة؟) وَهَذَا من الْأَحَادِيث القدسية.
قَوْله: ( أصبح من عبَادي) ، هَذِه الْإِضَافَة فِيهِ تدل على الْعُمُوم بِدَلِيل التَّقْسِيم إِلَى مُؤمن وَكَافِر، بِخِلَاف مثل الْإِضَافَة فِي قَوْله: { إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان} ( الْحجر: 4، والإسراء: 65) .
فَإِن الْإِضَافَة فِيهِ للتشريف.
قَوْله: ( مُؤمن بِي وَكَافِر) ، يحْتَمل أَن يكون المُرَاد من الْكفْر كفر الشّرك بِقَرِينَة مُقَابلَته بِالْإِيمَان، وَيُقَوِّي هَذَا مَا رَوَاهُ أَحْمد من رِوَايَة نصر بن عَاصِم اللَّيْثِيّ عَن مُعَاوِيَة اللَّيْثِيّ مَرْفُوعا: ( يكون النَّاس مجدبين فَينزل الله عَلَيْهِم رزقا من رزقه، فيصبحون مُشْرِكين يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا) .
وَعَن هَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيّ: مَعْنَاهُ الْكفْر الْحَقِيقِيّ، لِأَنَّهُ قابله بِالْإِيمَان حَقِيقَة، وَذَاكَ فِي حق من اعْتقد أَن الْمَطَر من فعل الْكَوَاكِب، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ كفر النِّعْمَة إِذا اعْتقد أَن الله تَعَالَى هُوَ الَّذِي خلق الْمَطَر واخترعه، ثمَّ تكلم بِهَذَا القَوْل، فَهُوَ مخطىء لَا كَافِر، وخطؤه من وَجْهَيْن: الأول: مُخَالفَته للشَّرْع.
وَالثَّانِي: تشبهه بِأَهْل الْكفْر فِي قَوْلهم، وَذَلِكَ لَا يجوز، لأَنا أمرنَا بمخالفتهم.
فَقَالَ: ( خالفوا الْمُشْركين وخالفوا الْيَهُود) ، ونهينا عَن التَّشَبُّه بهم، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْأَمر بمخالفتهم فِي الْأَفْعَال والأقوال، فَلَو قَالَ: نَظِير هَذَا اللَّفْظ الْمَمْنُوع مِنْهُ يُرِيد الْإِخْبَار عَمَّا أجْرى الله بِهِ سنته جَازَ، كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِذا أنشأت بحريّة ثمَّ تشاءمت فَتلك عين غديقة) .
قَوْله: ( بِنَوْء كَذَا وَكَذَا) ، النوء، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره همزَة، قَالَ الْخطابِيّ: النوء: الْكَوْكَب، وَلذَلِك سموا نُجُوم منَازِل الْقَمَر: الأنواء، وَإِنَّمَا سمي النَّجْم نوأ لِأَنَّهُ ينوء طالعا عِنْد مغيب مُقَابِله نَاحيَة الْمغرب.
.

     وَقَالَ  ابْن الصّلاح: النوء فِي أَصله لَيْسَ نفس الْكَوْكَب، فَإِنَّهُ مصدر: ناء النَّجْم إِذا سقط وَغَابَ، وَقيل: أَي نَهَضَ وطلع.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: الأنواء ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ نجما مَعْرُوفَة الْمطَالع فِي أزمنة السّنة كلهَا، يسْقط مِنْهَا فِي كل ثَلَاث عشرَة لَيْلَة نجم فِي الْمغرب مَعَ طُلُوع الْفجْر، ويطلع آخر مُقَابِله فِي الْمشرق من سَاعَته، وَإِنَّمَا سمي نوأً لِأَنَّهُ إِذا سقط السَّاقِط ناء الطالع، وَذَلِكَ النهوض هُوَ النوء، وانقضاء هَذِه الثَّمَانِية وَالْعِشْرين مَعَ انْقِضَاء السّنة، وَكَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا سقط مِنْهَا نجم وطلع آخر يَقُولُونَ: لَا بُد أَن يكون عِنْد ذَلِك مطر أَو ريح فَيَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا، أَي: الْمَطَر كَانَ من أجل أَن الْكَوْكَب ناء، وَأَنه هُوَ الَّذِي هاجه.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي: الساقطة مِنْهَا فِي الْمغرب هِيَ: الأنواء، والطالعة مِنْهَا هِيَ: البوارح،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْمطَالع) : وَقد أجَاز الْعلمَاء أَن يُقَال: مُطِرْنَا فِي نوء كَذَا، وَلَا يُقَال بِنَوْء كَذَا، ويحكى عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ يَقُول: مُطِرْنَا بِنَوْء الله تَعَالَى، وَفِي رِوَايَة: مُطِرْنَا بِنَوْء الْفَتْح، ثمَّ يَتْلُو: { مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا} ( فاطر: ) .
وَفِي ( الأنواء الْكَبِير) لأبي حنيفَة: الَّذِي عِنْدِي فِي الحَدِيث أَن الْمَطَر كَانَ من أجل أَن الْكَوْكَب ناء، وَأَنه هُوَ الَّذِي هاجه.
وَأما من زعم أَن الْغَيْث يحصل عِنْد سُقُوط الثريا فَهَذَا، وَمَا أشبهه، إِنَّمَا هُوَ إِعْلَام للأوقات والفصول، وَلَيْسَ من وَقت وَلَا زمن إلاّ وَهُوَ مَعْرُوف بِنَوْع من مرافق الْعباد يكون فِيهِ دون غَيره، وَقد قَالَ عمر للْعَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهُوَ يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ: يَا عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم! كم بَقِي علينا من نوء الثريا؟ فَإِن الْعلمَاء يَزْعمُونَ أَنَّهَا تعترض بالأفق سبعا.
قَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لأمر أَخطَأ الله نوأها، يُرِيد أخطأها الْغَيْث، فَلَو لم يدلك على افْتِرَاق المذهبين فِي ذكر الأنواء، إلاّ هَذَانِ الخبران لكفى بهما دَلِيلا.
قَوْله: ( مُطِرْنَا بِنَوْء كدا وَكَذَا) قد عرف أَن كَذَا يرد على ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن تكون كَلِمَتَيْنِ باقيتين على أَصلهمَا وهما: كَاف، التَّشْبِيه.
و: ذَا، الإشارية، كَقَوْلِك: رَأَيْت زيدا فَاضلا، وَرَأَيْت عمرا كَذَا، وَيدخل عَلَيْهَا: هَاء التَّنْبِيه كَقَوْلِه تَعَالَى: { هَكَذَا عرشك} ( النَّمْل: 4) .
الثَّانِي: أَن تكون كلمة وَاحِدَة مركبة من كَلِمَتَيْنِ مكنيا بهَا عَن غير عدد، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث: أَنه يُقَال للْعَبد يَوْم الْقِيَامَة: ( أَتَذكر يَوْم كَذَا وَكَذَا؟ فعلت كَذَا وَكَذَا؟) .
وَالثَّالِث: أَن تكون كلمة وَاحِدَة مركبة مكنيا بهَا عَن الْعدَد، وَالَّذِي هَهُنَا من هَذَا الْقسم، وَفِي حَدِيث أبي سعيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد النَّسَائِيّ ( مُطِرْنَا بِنَوْء المجدح) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَفتح الدَّال بعْدهَا حاء مُهْملَة.
وَيُقَال: بِضَم أَوله، وَهُوَ: الدبران، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا رَاء، سمي بذلك لاستدباره الثريا، وَهُوَ نجم أَحْمَر مُنِير.
.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة: كل النُّجُوم الْمَذْكُورَة لَهَا نوء، وَغير أَن بَعْضهَا أَحْمَر وأغزر من غَيره، ونوء الدبران غير مَحْمُود عِنْدهم.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: طرح الإِمَام الْمَسْأَلَة على أَصْحَابه تَنْبِيها لَهُم أَن يتأملوا مَا فِيهَا من الدقة.
وَفِيه: أَن الله تَعَالَى خلق لكل شَيْء سَببا يُضَاف إِلَيْهِ، حكم، وَفِي الْحَقِيقَة الْفَاعِل هُوَ الله تَعَالَى الْقَادِر على كل شَيْء.
وَفِيه: أَن النَّاس فِي الِاعْتِقَاد فِي هَذَا الْبابُُ على نَوْعَيْنِ، كَمَا قد بَيناهُ.
وَفِيه: بَيَان جلالة قدر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ أخبر عَن الله عز وَجل بِلَا وَاسِطَة.





[ قــ :84 ... غــ :847 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله سَمِعَ يَزِيدَ قَالَ أخبرنَا حُمَيْدٌ عنْ أنَسٍ قَالَ أخَّرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلاةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إلَى شَطرِ اللَّيْلِ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فلمَّا صَلَّى أقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ إنَّ النَّاسَ قدْ صَلُّوا ورَقَدُوا وإنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتظَرْتُمُ الصَّلاَةَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَلَمَّا صلى أقبل علينا بِوَجْهِهِ) .
وَرِجَاله قد مضوا فِيمَا مضى، وَعبد الله بن الْمُنِير، بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون قد مر فِي: بابُُ الْغسْل وَالْوُضُوء فِي المخضب، وَفِي بعض النّسخ: مُنِير، بِدُونِ الْألف وَاللَّام، لِأَن الِاسْم إِذا كَانَ فِي الأَصْل صفة يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ.
وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي: بابُُ وَقت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل، أخرجه عَن عبد الرَّحِيم الْمحَاربي عَن زَائِدَة عَن حميد عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( ذَات لَيْلَة) لفظ: ذَات، مقحم، أَو هُوَ من بابُُ إِضَافَة الْمُسَمّى إِلَى اسْمه، وَالْألف وَاللَّام فِي: النَّاس، للْعهد على غير الْحَاضِرين فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فِي صَلَاة) أَي: فِي ثَوَابهَا.
قَوْله: ( مَا انتظرتم) أَي: مُدَّة انْتِظَار الصَّلَاة.
وَالْمعْنَى: أَن الرجل إِذا انْتظر الصَّلَاة فَكَأَنَّهُ فِي نفس الصَّلَاة.