فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام

( بابُُ مكْثِ الإمامِ فِي مُصَلاَّهُ بَعْدَ السَّلاَمِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مكث الإِمَام، أَي: تَأَخره فِي مُصَلَّاهُ، أَي: فِي مَوْضِعه الَّذِي صلى فِيهِ الْفَرْض بعد السَّلَام، أَي: بعد فَرَاغه من الصَّلَاة بِالسَّلَامِ، ثمَّ الْمكْث أَعم من أَن يكون بِذكر أَو دُعَاء أَو تَعْلِيم علم للْجَمَاعَة أَو لوَاحِد مِنْهُم أَو صَلَاة نَافِلَة.
وَلم يبين البُخَارِيّ حكم هَذَا الْمكْث: هَل هُوَ مُسْتَحبّ أَو مَكْرُوه؟ لأجل الِاخْتِلَاف بَين السّلف على مَا نبينه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.


[ قــ :40745 ... غــ :40746 ]
- وقالَ لَنَا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أيُّوبَ عَنْ نافِعٍ قَالَ كانَ ابنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الَّذِي صلَّى فِيِ الفَرِيضَةَ
قَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ لنا آدم، وَلم يقل: حَدثنَا آدم، لِأَنَّهُ لم يذكرهُ لَهُم نقلا وتحميلاً، بل مذاكرة ومحاورة، ومرتبته أحط دَرَجَة من مرتبَة التحديث.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: هُوَ مُحْتَمل لكنه لَيْسَ بمطرد، لِأَنِّي وجدت كثيرا مِمَّا قَالَ فِيهِ: قَالَ لنا، فِي ( الصَّحِيح) قد أخرجه فِي تصانيف أُخْرَى بِصِيغَة: حَدثنَا.
انْتهى.
قلت: الصَّوَاب مَا ذكره الْكرْمَانِي، أَنه من بابُُ المذاكرة، وَهَكَذَا قَالَ صَاحب ( التَّوْضِيح) : إِنَّه من بابُُ المذاكرة، والكرماني مَا ادّعى الاطراد فِيهِ حَتَّى يكون هَذَا مُحْتملا، بل الظَّاهِر مِنْهُ أَنه غير مَوْصُول وَلَا مُسْند، وَلَا يلْزم من قَوْله: لِأَنِّي وجدت كثيرا.
.
إِلَى آخِره، أَن يكون قد أسْند أثر ابْن عمر هَذَا فِي تصنيف آخر غَيره بِصِيغَة التحديث، وَلِهَذَا قَالَ صَاحب ( التَّلْوِيح) : هَذَا التَّعْلِيق أسْندهُ ابْن أبي شيبَة عَن ابْن علية عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يُصَلِّي سبحته مَكَانَهُ.

وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبابُُ، فأكثرهم، كَمَا نَقله ابْن بطال عَنْهُم، على كَرَاهَة مكث الإِمَام إِذا كَانَ إِمَامًا راتبا، إلاّ إِن يكون مكثه لعِلَّة، كَمَا فعله الشَّارِع.
قَالَ: وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: كل صَلَاة يتَنَفَّل بعْدهَا يقوم، وَمَا لَا يتَنَفَّل بعْدهَا كالعصر وَالصُّبْح فَهُوَ مُخَيّر، وَهُوَ قَول أبي مجلز: لَاحق بن أبي حميد.
.

     وَقَالَ  أَبُو مُحَمَّد من الْمَالِكِيَّة: ينْتَقل فِي الصَّلَوَات كلهَا ليتَحَقَّق الْمَأْمُوم أَنه لم يبْق عَلَيْهِ شَيْء من سُجُود السَّهْو وَلَا غَيره، وَحكى الشَّيْخ قطب الدّين الْحلَبِي فِي ( شَرحه) هَكَذَا: عَن مُحَمَّد بن الْحسن، وَذكره ابْن التِّين أَيْضا، وَذكر ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَا: ( كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سلم لم يقْعد إلاّ مِقْدَار مَا يَقُول: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام تَبَارَكت يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام) .
.

     وَقَالَ  ابْن مَسْعُود أَيْضا: ( كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قضى صلَاته انْتقل سَرِيعا إِمَّا أَن يقوم وَإِمَّا أَن ينحرف) .
.

     وَقَالَ  سعيد بن جُبَير: ( شَرق أَو غرب وَلَا يسْتَقْبل الْقبْلَة) .
.

     وَقَالَ  قَتَادَة: ( كَانَ الصّديق إِذا سلم كَانَ على الرضف حَتَّى ينْهض) ،.

     وَقَالَ  ابْن عمر: الإِمَام إِذا سلم قَامَ.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: جُلُوس الإِمَام بعد السَّلَام بِدعَة.
وَذهب جمَاعَة من الْفُقَهَاء إِلَى أَن الإِمَام إِذا سلم قَامَ، وَمن صلى خَلفه من الْمَأْمُومين يجوز لَهُم الْقيام قبل قِيَامه إلاّ رِوَايَة عَن الْحسن وَالزهْرِيّ، ذكره عبد الرَّزَّاق.
.

     وَقَالَ : لَا تنصرفوا حَتَّى يقوم الإِمَام.
قَالَ الزُّهْرِيّ: إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، وَجَمَاعَة النَّاس على خلافهما.
وروى ابْن شاهين فِي كتاب ( الْمَنْسُوخ) من حَدِيث سُفْيَان عَن سماك: ( عَن جَابر: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الْغَدَاة لم يبرح من مَجْلِسه حَتَّى تطلع الشَّمْس حسناء) .
وَمن حَدِيث ابْن جريج عَن عَطاء ( عَن ابْن عَبَّاس: صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ سَاعَة يسلم يقوم، ثمَّ صليت مَعَ أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ إِذا سلم وثب من مَكَانَهُ، وَكَأَنَّهُ يقوم عَن رضفة) .
ثمَّ حمل ابْن شاهين الأول على صَلَاة لَا يعقبها نَافِلَة، وَالثَّانِي على مُقَابِله.

ثمَّ إعلم أَن الْجُمْهُور على أَن الإِمَام لَا يتَطَوَّع فِي مَكَانَهُ الَّذِي صلى فِيهِ الْفَرِيضَة، وَذكر ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا يتَطَوَّع الإِمَام حَتَّى يتَحَوَّل من مَكَان أَو يفصل بَينهمَا بِكَلَام، وَكَرِهَهُ ابْن عمر للْإِمَام، وَلم ير بِهِ بَأْسا لغيره، وَعَن عبد الله بن عمر وَمثله، وَعَن الْقَاسِم: أَن الإِمَام إِذا سلم فواسع أَن يتنقل فِي مَكَانَهُ.
قَالَ ابْن بطال: وَلم أجد لغيره من الْعلمَاء.
قلت: ذكر ابْن التِّين أَنه قَول أَشهب.

وفَعَلَهُ القاسِمُ
أَي: فعل الصَّلَاة النَّفْل فِي الْمَكَان الَّذِي صلى فِيهِ الْفَرِيضَة الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة: ( عَن مُعْتَمر عَن عبيد الله بن عمر قَالَ: رَأَيْت الْقَاسِم وسالما يصليان الْفَرِيضَة ثمَّ يتطوعان فِي مكانهما) .

ويُذْكَرُ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لاَ يَتَطَوَّعُ الإمَامُ فِي مَكَانِهِ ولَمْ يَصِحَّ
إِنَّمَا قَالَ: يذكر، بِصِيغَة الْمَجْهُول من الْمُضَارع لِأَنَّهُ صِيغَة التَّعْلِيق التمريضي.
قَوْله: ( رَفعه) ، مُضَاف إِلَى الْفَاعِل، وَهُوَ الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ مَرْفُوع بِأَنَّهُ مفعول مَا لم يسم فَاعله.
قَوْله: ( لَا يتَطَوَّع الإِمَام) ، جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا مفعول الْمصدر الْمَذْكُور، أَعنِي قَوْله: ( رَفعه) .
وَذكر أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه هَذَا بِالْمَعْنَى، فَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد أخبرنَا حَمَّاد وَعبد الْوَارِث عَن لَيْث عَن الْحجَّاج بن عبيد عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَيعْجزُ أحدكُم؟ قَالَ عَن عبد الْوَارِث، أَن يتَقَدَّم أَو يتَأَخَّر أَو عَن يمينة أَو عَن شِمَاله؟) زَاد حَمَّاد: فِي الصَّلَاة، يَعْنِي فِي السبحة.
انْتهى.
يَعْنِي فِي التَّطَوُّع، وَبِهَذَا اسْتدلَّ أَصْحَابنَا أَن الرجل لَا يتَطَوَّع فِي مَكَان الْفَرْض، واليه ذهب ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَأَبُو سعيد وَعَطَاء وَالشعْبِيّ.

     وَقَالَ  صَاحب الْمُحِيط وَلَا يتَطَوَّع فِي مَكَان الْفَرْض لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَيعْجزُ أحدكُم إِذا فرغ من صلَاته أَن يتَقَدَّم أَو يتَأَخَّر بسبحته؟) وَلِأَنَّهُ رُبمَا يشْتَبه حَاله على الدَّاخِل فيحسب أَنه فِي الْفَرْض فيقتدي بِهِ فِي الْفَرْض، وَأَنه لَا يجوز.
قَوْله: ( وَلم يَصح) من كَلَام البُخَارِيّ، أَي: لم يثبت هَذَا الحَدِيث لضعف إِسْنَاده، لِأَن فِيهِ إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل.
قَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ مَجْهُول، وَتفرد بِهِ لَيْث بن أبي سليم وَهُوَ ضَعِيف، وَاخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَكِن أَبَا دَاوُد لما رَوَاهُ سكت عَنهُ وسكوته دَلِيل رِضَاهُ بِهِ.
وَفِي ( صَحِيح مُسلم) مَا يشده، وَهُوَ: أَن مُعَاوِيَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رأى السَّائِب بن يزِيد ابْن أُخْت نمر صلى بعد الْجُمُعَة فِي الْمَقْصُورَة.
قَالَ: فَلَمَّا سلم الإِمَام قُمْت فِي مقَامي فَصليت، فَأرْسل إِلَيّ: لَا تعد لما فعلت، إِذا صليت الْجُمُعَة فَلَا تصلها بِصَلَاة حَتَّى تَتَكَلَّم أَو تخرج، فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أمرنَا بذلك.





[ قــ :85 ... غــ :849 ]
- حدَّثنا أبوُ الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ قَالَ حدَّثنا الزُّهْرِيُّ عنْ هِنْدٍ بِنْتَ الحارثِ عنْ أمِّ سلَمَةَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مكَانِهِ يَسِيرا.
قالَ ابنُ شُهَابٍ فَنُرَى وَالله أعْلَمُ لِكَيْ يَنْفُذَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنَ النِّسَاءِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهِي فِي قَوْله: ( كَانَ إِذا سلم يمْكث فِي مَكَانَهُ يَسِيرا) .

ذكر رِجَاله: وهم قد ذكرُوا غير مرّة، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَهِنْد بنت الْحَارِث، بالثاء الْمُثَلَّثَة: تقدّمت فِي: بابُُ التَّسْلِيم، وَقَبله فِي: بابُُ الْعلم والعظة بِاللَّيْلِ.
والْحَدِيث أَيْضا مضى فِي: بابُُ التَّسْلِيم.
قَوْله: ( قَالَ ابْن شهَاب) ، هُوَ الزُّهْرِيّ، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، قَوْله: ( فنرى) ، بِضَم النُّون أَي: نظن أَن مكثه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَكَانَهُ كَانَ لأجل أَن ينْفد النِّسَاء المنصرفات من الصَّلَاة إِلَى مساكنهن.





[ قــ :85 ... غــ :850 ]
- وَقَالَ ابنُ أبِي مَرْيَمَ أخبرنَا نافِعُ بنُ يَزِيد قَالَ أَخْبرنِي جَعْفَرُ بنُ رَبِيعَةَ أنَّ شهَابٍ كتَبَ إلَيْهِ.
قَالَ حدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الحَارِثِ الفِرَاسِيَّةُ عنْ أمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكانَتْ منْ صَوَاحِبَاتهَا قالَتْ كانَ يُسلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ قَبْلَ أنْ منْ يَنْصَرِفَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.


هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَهُوَ مُعَلّق وَصله مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي ( الزهريات) .
قَالَ: حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم فَذكره إِلَى آخِره.
قَوْله: ( الفراسية) ، بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وَكسر السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: نِسْبَة إِلَى بني فراس، وهم بطن من كنَانَة، وفراس هُوَ ابْن غنم بن ثَعْلَبَة بن مَالك بن كنَانَة.
قَالَ ابْن دُرَيْد: فراس مُشْتَقّ من الْفرس، وَهُوَ دق الْعُنُق، وَهَذَا كَمَا رَأَيْت ذكرهَا البُخَارِيّ فِي الطَّرِيق الأول الْمَوْصُول بِلَا نِسْبَة حَيْثُ قَالَ: عَن هِنْد بنت الْحَارِث عَن أم سَلمَة، وَهنا الَّذِي هُوَ الطَّرِيق الثَّانِي الْمُعَلق ذكرهَا بنسبتها إِلَى بني فراس، وَذكرهَا فِي الطَّرِيق الثَّالِث: عَن ابْن وهب عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب، كَذَلِك: الفراسية، وَذكرهَا فِي الطَّرِيق الرَّابِع: عَن عُثْمَان بن عمر عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ: القرشية فِي بعض الرِّوَايَات، وَفِي أُخْرَى الفراسية، وَذكرهَا فِي الطَّرِيق الْخَامِس: عَن الزبيدِيّ عَن الزُّهْرِيّ: الفراسية، وَفِي بَعْضهَا: القرشية مَعَ زِيَادَة ذكر فِي وصفهَا على مَا يَأْتِي.
وَذكرهَا فِي الطَّرِيق السَّادِس: عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ: القرشية.
وَقد ذكرهَا الفراسية فِي الطَّرِيق السَّابِع: عَن ابْن أبي عَتيق عَن الزُّهْرِيّ.
وَذكرهَا فِي الطَّرِيق الثَّامِن: عَن اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن ابْن شهَاب عَن امْرَأَة من قُرَيْش، وَأَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا إِلَى بَيَان الِاخْتِلَاف فِي نِسْبَة هِنْد بنت الْحَارِث الْمَذْكُورَة، وَالْحَاصِل أَن مِنْهُم من قَالَ: الفراسية، وَمِنْهُم من قَالَ: القرشية، والتوفيق بَينهمَا من حَيْثُ قَالَ: إِن كنَانَة جماع قُرَيْش فَلَا مُغَايرَة بَين النسبتين، وَمن قَالَ: إِن جماع قُرَيْش فهر بن مَالك فَيحمل على أَن اجْتِمَاع النسبتين لهِنْد يكون إِحْدَاهمَا بطرِيق الْأَصَالَة، وَالْأُخْرَى بطرِيق المحالفة،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: وَلَيْسَ هَذَا الِاخْتِلَاف بمانع من أَن تكون: فراسية من بني فراس، ثمَّ من بني فَارس، ثمَّ من بني قُرَيْش، فنسبت مرّة إِلَى أَب من آبائها، وَمرَّة إِلَى أَب آخر، وَمرَّة إِلَى غَيره من آبائها، كَمَا يُقَال فِي جَابر بن عبد الله السّلمِيّ والأنصاري، وَسعد بن سَاعِدَة السَّاعِدِيّ والأنصاري، وَاعْترض ابْن التِّين على قَول الدَّاودِيّ ثمَّ من بني فَارس،.

     وَقَالَ : مَا علمت لَهُ وَجها لِأَن فَارس أعجمي، وفراس وقريش عرب، وَلَيْسَ فِي البُخَارِيّ ذكر فَارس، ثمَّ ذكر عَن أبي عمر أَنه قَالَ: جعلت قرشية لما حالفها زَوجهَا.
قَوْله: ( من صواحباتها) الصواحبات جمع: صَوَاحِب، وَهُوَ جمع الْجمع، وَلَيْسَ بِجمع: صَاحِبَة، كَمَا قَالَ بَعضهم.
قَوْله: ( كَانَ يسلم) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَقَالَ ابنُ وَهْبٍ عنْ يُونُسَ عَنِ ابنِ شِهَابٍ أخْبَرَتْنِي هِنْدُ الفِرَاسِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيق وَصله النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن عبد الله بن وهب عَن يُونُس بن يزِيد ... إِلَى آخِره، وَلَفظه: ( أَن النِّسَاء كن إِذا سلمن قمن، وَثَبت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن صلى من الرِّجَال مَا شَاءَ الله، فَإِذا قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَامَ الرِّجَال) .

وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ حدَّثَتْنِي هِنْدُ الفِرَاسِيَّةُ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي: بابُُ خُرُوج النِّسَاء إِلَى الْمَسَاجِد بِاللَّيْلِ والغلس، وَهُوَ الْبابُُ الْخَامِس بعد هَذَا الْبابُُ، رَوَاهُ عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن عُثْمَان بن عمر عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، فَفِي رِوَايَة ابْن وهب عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب: أَخْبَرتنِي، وَفِي رِوَايَة عُثْمَان: عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ: حَدَّثتنِي، وَقد ذكرنَا الْفرق بَين اللَّفْظَيْنِ مستقصًى فِي أَوَائِل الْكتاب.

وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبرنِي الزُّهْرِيُّ أنَّ هِنْدَ بِنْتَ الحَارِثِ القُرَشِيَّةَ أخبَرَتْهُ وكانَتْ تَحْتَ معْبَد بنِ المِقْدَادِ وَهْوَ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وكانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أزْوَاجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

الزبيدِيّ، بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: نِسْبَة إِلَى زبيد، وَهُوَ: مُنَبّه بن صَعب، وَهُوَ: زبيد الْأَكْبَر، وَإِلَيْهِ ترجع قبائل زبيد.
وَمن وَلَده مُنَبّه بن ربيعَة وَهُوَ زبيد الْأَصْغَر مِنْهُم: مُحَمَّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ هَذَا وَهُوَ صَاحب الزُّهْرِيّ.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الطَّبَرَانِيّ فِي ( مُسْند الشاميين) من طَرِيق عبد الله بن سَالم عَنهُ.
وَفِيه: ( أَن النِّسَاء كن يشهدن الصَّلَاة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا سلم قَامَ النِّسَاء فانصرفن إِلَى بُيُوتهنَّ قبل أَن يقوم الرِّجَال) .
قَوْله: ( معبد بن الْمِقْدَاد) معبد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره دَال مُهْملَة.
والمقداد، بِكَسْر الْمِيم: ابْن الْأسود الصَّحَابِيّ.
قَوْله: ( وَهُوَ حَلِيف) أَي: معبد هُوَ حَلِيف لبني زهرَة، وَكَانَ الْمِقْدَاد حليفا لكندة.

وَقَالَ شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ القُرَشِيَّةُ
شُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُحَمَّد بن يحي فِي ( الزهريات) .

وَقَالَ ابنُ عَتِيقٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ هِنْدَ الفِرَاسِيَّةِ
عَتيق، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عتيقة، وَهَذَا التَّعْلِيق أَيْضا مَوْصُول فِي ( الزهريات) ، وَهَهُنَا يروي الزُّهْرِيّ بالعنعنة.

وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَدَّثَتْهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَذَا غير مَوْصُول لِأَن هِنْد بنت الْحَارِث تابعية، وَلَيْسَت بصحابية، وَفِيه: رِوَايَة يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن ابْن شهَاب من رِوَايَة الأقران.
قَوْله: ( عَن امْرَأَة) هِيَ، هِنْد بنت الْحَارِث، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( أَن امْرَأَة من قُرَيْش) .