فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب السواك يوم الجمعة

( بابُُ السِّوَاكِ يَوْمَ الجُمُعَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان اسْتِعْمَال السِّوَاك يَوْم الْجُمُعَة، والسواك إسم لما يدلك بِهِ الْأَسْنَان من العيدان، يُقَال: ساك فَاه يسوكه إِذا دلكه بِالسِّوَاكِ، فَإذْ لم يذكر الْفَم.
يُقَال: استاك،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: السِّوَاك المسواك.

وقَالَ أبُو سَعِيدٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَن
أَبُو سعيد هُوَ الْخُدْرِيّ، واسْمه سعد بن مَالك، وَهَذَا تَعْلِيق وَهُوَ طرف من حَدِيث أبي سعيد ذكره فِي: بابُُ الطّيب للجمة، وَفِي الحَدِيث ذكر الْجُمُعَة، وَبِه يَقع التطابق بَين هَذَا الْمُعَلق والترجمة.
قَوْله: ( يستن) من الاستنان وَهُوَ الاستياك.



[ قــ :861 ... غــ :887 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قالَ أخْبَرَنَا مالِكٌ عنْ أبِي الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَوْلاَ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كلِّ صَلاةٍ.
( الحَدِيث 887 طرفه فِي: 7240) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن السِّوَاك عِنْد كل صَلَاة، وَصَلَاة الْجُمُعَة من كل صَلَاة.

وَرِجَاله: قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَن أبي هُرَيْرَة جَعْفَر بن ربيعَة بِلَفْظ: ( على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ) ، وَعند النَّسَائِيّ من رِوَايَة قُتَيْبَة عَن مَالك: ( مَعَ كل صَلَاة) ، وَزعم أَبُو عمر أَن رِوَايَة عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك: ( لَوْلَا أَن أشق على الْمُؤمنِينَ أَو على النَّاس لأمرتهم بِالسِّوَاكِ) ، وَكَذَا قَالَه القعْنبِي وَأَيوب بن صَالح ومعن، وَزَاد: ( عِنْد كل صَلَاة) ، وَكَذَلِكَ قَالَ قُتَيْبَة فِيهِ: ( عِنْد كل صَلَاة) ، وَلم يقل: أَو على النَّاس، وَذكر أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن طَاهِر فِي آخر كِتَابه ( أَطْرَاف الْمُوَطَّأ) أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: ( لَوْلَا أَن يشق على أمته لأمرهم بِالسِّوَاكِ مَعَ كل وضوء) ، وَأَنه مَوْقُوف عِنْد يحيى بن يحيى وَطَائِفَة، وَرَفعه روح وَسَعِيد بن عفير ومطرف وَجَمَاعَة عَن مَالك، قَالَ، وَرِوَايَة معن ومطرف وَجُوَيْرِية: ( مَعَ كل صَلَاة) ، وَأما الدَّارَقُطْنِيّ فَذكر فِي ( الْمُوَطَّأ) : أَن ابْن يُوسُف وَمُحَمّد بن يحيى قَالَا: ( لَوْلَا أَن أشق على أمتِي أَو على النَّاس) .

     وَقَالَ  معن: ( على الْمُؤمنِينَ أَو على النَّاس لأمرتهم بِالسِّوَاكِ) ، وَزَاد معن: ( عِنْد كل صَلَاة) .
انْتهى.
وَكَأن قَول الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ الصَّوَاب، كَمَا ذكره البُخَارِيّ وَغَيره، وَادّعى ابْن التِّين أَنه لَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث فِي ( الْمُوَطَّأ) : ( مَعَ كل صَلَاة) ، وَلَا قَوْله: ( أَو على النَّاس) ، وَقد ظهر لَك خِلَافه،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : وَفِي الْبابُُ عَن سَبْعَة عشر صحابيا ذكرهم التِّرْمِذِيّ.
فَإِن قلت: كَيفَ التَّوْفِيق بَين رِوَايَة: عِنْد كل وضوء، وَرِوَايَة: عِنْد كل صَلَاة؟ قلت: السِّوَاك الْوَاقِع عِنْد الْوضُوء وَاقع للصَّلَاة لِأَن الْوضُوء مشرع لَهَا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( لَوْلَا) كلمة لربط امْتنَاع الثَّانِيَة لوُجُود الأولى، نَحْو: لَوْلَا زيد لأكرمتك، أَي: لَوْلَا زيد مَوْجُود، وَالْمعْنَى هَهُنَا، لَوْلَا مَخَافَة أَن أشق لأمرتهم أَمر إِيجَاب، وإلاّ لانعكس مَعْنَاهَا إِذْ الْمُمْتَنع: الْمَشَقَّة، وَالْمَوْجُود: الْأَمر.
.

     وَقَالَ  القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: لَوْلَا، كلمة تدل على انْتِفَاء الشَّيْء لثُبُوت غَيره، وَالْحق أَنَّهَا مركبة من: لَو، الدَّالَّة على انْتِفَاء الشَّيْء لانْتِفَاء غَيره، و: لَا، النافية، فَدلَّ الحَدِيث على انْتِفَاء الْأَمر لثُبُوت الْمَشَقَّة، لِأَن انْتِفَاء النَّفْي ثُبُوت، فَيكون الْأَمر منفيا لثُبُوت الْمَشَقَّة.
قَوْله: ( أَن أشق) كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة، وَهِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء، وَخَبره مَحْذُوف وَاجِب الْحَذف، وَالتَّقْدِير: لَوْلَا الْمَشَقَّة مَوْجُودَة لأمرتهم.
قَوْله: ( أَو على النَّاس) ، شكّ من الرَّاوِي.
قَوْله: ( بِالسِّوَاكِ) أَي: بِاسْتِعْمَال السِّوَاك، لِأَن السِّوَاك آلَة.

ذكر الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِهِ: وَهُوَ على وُجُوه.

الأول: ان اسْتِعْمَال السِّوَاك، هَل هُوَ وَاجِب أم سنة؟ فَذهب أَكثر أهل الْعلم إِلَى عدم وُجُوبه، بل ادّعى بَعضهم فِيهِ الْإِجْمَاع، وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَالْمَاوَرْدِيّ عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أَنه قَالَ: هُوَ وَاجِب لكل صَلَاة فَمن تَركه عَامِدًا بطلت صلَاته، وَعَن دَاوُد: أَنه وَاجِب وَلكنه لَيْسَ بِشَرْط، وَاحْتج من قَالَ بِوُجُوبِهِ بورود الْأَمر بِهِ، فَعِنْدَ ابْن مَاجَه فِي حَدِيث أبي أُمَامَة مَرْفُوعا: ( تسوكوا) ، وَلأَحْمَد نَحوه من حَدِيث الْعَبَّاس، وَقَالُوا: فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور دَلِيل على أَن الْأَمر للْوُجُوب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه نفي الْأَمر مَعَ ثُبُوت الندبية، وَلَو كَانَ للنَّدْب لما جَازَ النَّفْي.
وَالْآخر: أَنه جعل الْأَمر مشقة عَلَيْهِم، وَذَلِكَ إِنَّمَا يتَحَقَّق أذا كَانَ الْأَمر للْوُجُوب، إِذْ النّدب لَا مشقة فِيهِ لِأَنَّهُ جَائِز التّرْك.
قلت: الْجَواب أَن شَيْئا من الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة لم يثبت، وَثُبُوت الندبية بِدَلِيل آخر، والْحَدِيث نفي الْفَرْضِيَّة بِمَا ذكرنَا والسنية أَو الندبية بدلائل أُخْرَى.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: فِيهِ دَلِيل على أَن السِّوَاك لَيْسَ بِوَاجِب، لِأَنَّهُ لَو كَانَ وَاجِبا لأمرهم بِهِ، شقّ عَلَيْهِم أَو لم يشق، وَالْعجب من صَاحب ( الْهِدَايَة) يَقُول: السِّوَاك سنة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يواظب عَلَيْهِ، وَلم يذكر شَيْئا من الْأَحَادِيث الدَّالَّة على الْمُوَاظبَة، وَقد علم أَن مواظبة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فعل شَيْء يدل على أَن ذَلِك وَاجِب، وأعجب مِنْهُ مَا قَالَه الشُّرَّاح ( للهداية) : أَن الْمُوَاظبَة مَعَ التّرْك دَلِيل السّنيَّة، وَقد دلّ على تَركه حَدِيث الْأَعرَابِي، فَإِنَّهُ لم ينْقل فِيهِ تَعْلِيم السِّوَاك، فَلَو كَانَ وَاجِبا لعلمه.
قلت: فِيهِ نظر من وَجْهَيْن.
الأول: أَنهم لم يَأْتُوا بِحَدِيث فِيهِ تَصْرِيح بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَركه فِي الْجُمْلَة.
وَالثَّانِي: أَن حَدِيث الْأَعرَابِي لَا يتم بِهِ استدلالهم، لِأَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي السِّوَاك، فَقَالَ بَعضهم: هُوَ من سنة الدّين،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هُوَ من سنة الْوضُوء،.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: من سنة الصَّلَاة.
وَقَول من قَالَ: إِنَّه من سنة الدّين أقوى، نقل ذَلِك عَن أبي حنيفَة.
وَفِيه أَحَادِيث تدل على ذَلِك.
مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي أَيُّوب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( أَربع من سنَن الْمُرْسلين: الْخِتَان والسواك والتعطر وَالنِّكَاح) وَرَوَاهُ ابْن أبي خَيْثَمَة وَغَيره من حَدِيث فليح بن عبد الله عَن أَبِيه عَن جده نَحوه، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: ( عشر من الْفطْرَة) فَذكر فِيهَا السِّوَاك.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: ( الطهارات أَربع: قصّ الشَّارِب وَحلق الْعَانَة وتقليم الأظافر والسواك) ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء.

الْوَجْه الثَّانِي: فِي بَيَان وَقت الاستياك.
فَعِنْدَ أَكثر أَصْحَابنَا وقته وَقت الْمَضْمَضَة، وَذكر صَاحب ( الْمُحِيط) وَغَيره: إِن وقته وَقت الْوضُوء، إِلَّا أَن الْمَنْقُول عَن أبي حنيفَة أَنه من سنَن الدّين، فَحِينَئِذٍ يَسْتَوِي فِيهِ كل الْأَحْوَال، وَذكر فِي ( كِفَايَة المنتهي) : أَنه يستاك قبل الْوضُوء، وَعند الشَّافِعِي: هُوَ سنة الْقيام إِلَى الصَّلَاة وَعند الْوضُوء وَعند كل حَال يتَغَيَّر فِيهَا الْفَم.

الْوَجْه الثَّالِث: فِي كَيْفيَّة الاستياك: قَالَ أَصْحَابنَا يستاك عرضا لَا طولا، عِنْد مضمضة الْوضُوء.
وَأخرج أَبُو نعيم من حَدِيث عَائِشَة، قَالَت: ( كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستاك عرضا لَا طولا) .
وَفِي ( مَرَاسِيل) أبي دَاوُد ( إِذا استكتم فاستاكوا عرضا) وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى بهز، قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستاك عرضا) .
وَعَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه يمر السِّوَاك على طول الْأَسْنَان وعرضها، فَإِن اقْتصر على أَحدهمَا فالعرض أولى.
.

     وَقَالَ  غَيره من أَصْحَاب الشَّافِعِي: يستاك عرضا لَا طولا، وَيَأْخُذ السِّوَاك باليمنى، وَالْمُسْتَحب فِيهِ ثَلَاث بِثَلَاث مياه.

الْوَجْه الرَّابِع: فِي أَنه لَا تَقْدِير فِي السِّوَاك، بل يستاك إِلَى أَن يطمئن قلبه بِزَوَال النكهة واصفرار السن، وَيَقُول عِنْد الاستياك، اللَّهُمَّ طهر فمي وَنور قلبِي وطهر بدني وَحرم جَسَدِي على النَّار وأدخلني بِرَحْمَتك فِي عِبَادك الصَّالِحين.
وَفِي ( الْمُحِيط) : العلك للْمَرْأَة يقوم مقَام السِّوَاك لِأَن أسنانها ضَعِيفَة يخَاف مِنْهَا السُّقُوط، وَهِي ينقي الْأَسْنَان ويشد اللثة كالسواك.

الْوَجْه الْخَامِس: فِيمَن لَا يجد السِّوَاك يعالج بالأصبع، لما روى الْبَيْهَقِيّ فِي ( سنَنه) من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( يجزىء من السِّوَاك الْأَصَابِع) ، وَضَعفه.
وروى الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: ( قلت: يَا رَسُول الله! الرجل يدهن فوه أيستاك؟ قاال: نعم.
قلت: كَيفَ يصنع؟ قَالَ: يدْخل إصبعه فِي فِيهِ)
.

الْوَجْه السَّادِس: فِيمَا يستاك بِهِ وَمَا لَا يستاك بِهِ: الْمُسْتَحبّ أَن يستاك بِعُود من أَرَاك، وروى البُخَارِيّ فِي ( تَارِيخه) وَغَيره من حَدِيث أبي خيرة الصباحي: ( كنت فِي الْوَفْد فزودنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالأراك،.

     وَقَالَ : استاكوا بِهَذَا)
.
وروى الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) من حَدِيث معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: ( سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: ( نعم السِّوَاك الزَّيْتُون من شَجَرَة مباركة يطيب الْفَم وَيذْهب بالخفر وَهُوَ سِوَاكِي وَسوَاك الْأَنْبِيَاء قبلي) .
وروى الْحَارِث فِي ( مُسْنده) عَن ضَمرَة بن حبيب، قَالَ: ( نهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السِّوَاك بِعُود الريحان،.

     وَقَالَ : إِنَّه يُحَرك الجذام)
.

الْوَجْه السَّابِع: فِي الْحِكْمَة فِي الاستياك: قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: الْحِكْمَة فِي اسْتِحْبابُُ الاستياك عِنْد الْقيام إِلَى الصَّلَاة كَونهَا حَال تقرب إِلَى الله تَعَالَى، فَاقْتضى أَن تكون حَال كَمَال ونظافة إِظْهَارًا لشرف الْعِبَادَة.
وَقد ورد من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد الْبَزَّار مَا يدل على أَنه لأمر يتَعَلَّق بِالْملكِ الَّذِي يستمع الْقُرْآن من الْمُصَلِّي فَلَا يزَال يدنو مِنْهُ حَتَّى يضع فَاه على فِيهِ، وروى أَبُو نعيم من حَدِيث جَابر برواة ثقاة: ( إِذا قَامَ أحدكُم من اللَّيْل يُصَلِّي فليستك، فَإِنَّهُ إِذا قَامَ يُصَلِّي أَتَاهُ ملك فَيَضَع فَاه على فِيهِ فَلَا يخرج شَيْء من فِيهِ إلاّ وَقع فِي الْملك) .
وروى الْقشيرِي بِلَا إِسْنَاد عَن أبي الدَّرْدَاء، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: ( عَلَيْكُم بِالسِّوَاكِ فَإِن فِي السِّوَاك أَرْبعا وَعشْرين خصْلَة أفضلهَا أَن يرضى الرَّحْمَن، وتضاعف صلَاته سبعا وَسبعين ضعفا، وَيُورث السعَة والغنى ويطيب النكهة ويشد اللثة ويسكن الصداع وَيذْهب وجع الضرس وتصافحه الْمَلَائِكَة لنُور وَجهه وبرق أَسْنَانه) ،
الْوَجْه الثَّامِن: فِي فَضِيلَة السِّوَاك.
مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( السِّوَاك مطهرة للفم مرضاة للرب) .
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن حبَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَفظه: ( عَلَيْكُم بِالسِّوَاكِ فَإِنَّهُ مطهرة للفم مرضاة للرب) .
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي ( الشّعب) وَأَبُو نعيم من حَدِيث عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( فضل الصَّلَاة الَّتِي يستاك لَهَا على الصَّلَاة الَّتِي لَا يستاك لَهَا سَبْعُونَ ضعفا) .
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: فضل السِّوَاك مجمع عَلَيْهِ لَا اخْتِلَاف فِيهِ، وَالصَّلَاة عِنْد الْجَمِيع بِهِ أفضل مِنْهَا بِغَيْرِهِ، حَتَّى قَالَ الْأَوْزَاعِيّ: هُوَ شطر الْوضُوء، ويتأكد طلبه عِنْد إِرَادَة الصَّلَاة وَعند الْوضُوء وَقِرَاءَة الْقُرْآن والاستيقاظ من النّوم وَعند تغير الْفَم، وَيسْتَحب بَين كل رَكْعَتَيْنِ من صَلَاة اللَّيْل وَيَوْم الْجُمُعَة وَقبل النّوم وَبعد الْوتر وَعند الْأكل فِي السحر.

الْوَجْه التَّاسِع: فِي حَدِيث الْبابُُ بَيَان مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ من الشَّفَقَة على أمته لِأَنَّهُ لم يَأْمر بِالسِّوَاكِ على سَبِيل الْوُجُوب مَخَافَة الْمَشَقَّة عَلَيْهِم.

الْوَجْه الْعَاشِر فِيهِ: جَوَاز الِاجْتِهَاد مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا لم ينزل عَلَيْهِ فِيهِ نَص، لكَونه جعل الْمَشَقَّة سَببا لعدم أمره، فَلَو كَانَ الحكم متوقفا على النَّص لَكَانَ سَبَب انْتِفَاء الْوُجُوب عدم وُرُود النَّص لَا وجود الْمَشَقَّة، فَيكون معنى قَوْله: ( لأمرتهم) أَي: عَن الله بِأَنَّهُ وَاجِب.
قلت: هَذَا احْتِمَال بعيد، وَالظَّاهِر أَنه ترك الْأَمر بِهِ لخوف الْمَشَقَّة، وَالْأَمر مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر من الله فِي الْحَقِيقَة لِأَنَّهُ لَا ينْطق عَن الْهوى.

الثَّانِي عشر: اسْتدلَّ بِهِ النَّسَائِيّ على اسْتِحْبابُُ السِّوَاك للصَّائِم بعد الزَّوَال لعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( عِنْد كل صَلَاة) .

الثَّانِي عشر: اسْتدلَّ بِهَذِهِ اللَّفْظَة على اسْتِحْبابُُ السِّوَاك للفرائض والنوافل وَصَلَاة الْعِيد وَالِاسْتِسْقَاء والكسوف والخسوف لاقْتِضَاء الْعُمُوم ذَلِك.

الثَّالِث عشر: قَالَ الْمُهلب فِيهِ: إِن السّنَن والفضائل ترْتَفع عَن النَّاس إِذا خشِي مِنْهَا الْحَرج على النَّاس، وَإِنَّمَا أكد فِي السِّوَاك لمناجاة الرب وتلقي الْمَلَائِكَة، فَلَزِمَ تَطْهِير النكهة وتطييب الْفَم.

الرَّابِع عشر فِيهِ: إِبَاحَة السِّوَاك فِي الْمَسْجِد لِأَن: عِنْد، تَقْتَضِي الظَّرْفِيَّة حَقِيقَة فتقتضي اسْتِحْبابُُه فِي كل صَلَاة، وَعند بعض الْمَالِكِيَّة كَرَاهَته فِي الْمَسْجِد لاستقذاره، وَالْمَسْجِد ينزه عَنهُ.





[ قــ :86 ... غــ :888 ]
-
حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قالَ حدَّثنا شُعَيْبُ بنُ الحَبْحَابِ قَالَ حدَّثنا أنَسٌ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْإِكْثَار فِي السِّوَاك الَّذِي هُوَ الْمُبَالغَة فِي الْحَث عَلَيْهِ يتَنَاوَل فعلهَا عِنْد سَائِر الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَة، وَالْجُمُعَة أقواها لِأَنَّهَا يَوْم ازدحام، فَكَمَا أَن الِاغْتِسَال مُسْتَحبّ فِيهِ لتنظيف الْبدن وَإِزَالَة الرَّائِحَة الكريهة رفعا لأذاها عَن النَّاس، فَكَذَلِك تَطْهِير النكهة، بل هُوَ أقوى على مَا لَا يخفى، وَلَقَد أبعد ابْن رشيد فِي تَوْجِيه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث وَبَين التَّرْجَمَة، وَاسْتَحْسنهُ بَعضهم حَتَّى نَقله فِي كِتَابه، فَمن نظر فِيهِ عرف وَجه الاستبعاد فِيهِ.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: أَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج، واسْمه ميسرَة التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ.
الثَّانِي: عبد الْوَارِث بن سعيد وَهُوَ رِوَايَة.
الثَّالِث: شُعَيْب بن الحبحاب، بِفَتْح الحاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ بَينهمَا بَاء مُوَحدَة سَاكِنة وَبعد الْألف بَاء أُخْرَى: أَبُو صَالح الْبَصْرِيّ.
الرَّابِع: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي كل الْإِسْنَاد.
وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون.
وَفِيه: أَنه فِي أَفْرَاده، قَالَه صَاحب ( التَّوْضِيح) وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن النَّسَائِيّ أخرجه أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن حميد بن مسْعدَة وَعمْرَان بن مُوسَى عَن عبد الْوَارِث.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أكثرت عَلَيْكُم) أَي: بالغت مَعكُمْ فِي أَمر السِّوَاك.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروى بِصِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي، أَي: بولغت من عِنْد الله.
قَالَ الْجَوْهَرِي، يُقَال: فلَان مكثور عَلَيْهِ إِذا نفذ مَا عِنْده، وَفِي ( التَّوْضِيح) : مَعْنَاهُ حقيق أَن أفعل وحقيق أَن تسمعوا وتطيعوا.
قَوْله: ( فِي السِّوَاك) أَي: فِي اسْتِعْمَال السِّوَاك، هَذَا إِذا كَانَ المُرَاد من السِّوَاك الْآلَة، وَإِذا كَانَ المُرَاد مِنْهُ الْفِعْل فَلَا حَاجَة إِلَى التَّقْدِير.
فَافْهَم.





[ قــ :863 ... غــ :889 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ قالَ أخبرنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ وَحُصَيْنٍ عَنْ أبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا قامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فاهُ.
( انْظُر الحَدِيث 45 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن قِيَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللَّيْل يحْتَمل أَن يكون للصَّلَاة، وَهُوَ الظَّاهِر من حَاله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يشوص فَاه لأجل التَّنْظِيف، وَقد علم من زِيَادَة اهتمامه بِالْجمعَةِ فِي تنظيفها، وَكَانَت لَهُ مزية فَضِيلَة، وَكَانَ السِّوَاك مُسْتَحبا لكل صَلَاة فَكَانَت الْجُمُعَة أولى بذلك، خُصُوصا لِأَنَّهُ يَوْم ازدحام من النَّاس وَحُضُور من الْمَلَائِكَة، فدلالته على مطابقته للتَّرْجَمَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة، وَإِن لم يكن صَرِيحًا، لِأَن الْأُمُور الاعتبارية تراعى فِي مثل هَذِه الْمَوَاضِع.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن كثير ضد الْقَلِيل مر فِي: بابُُ الْغَضَب فِي الموعظة.
الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ.
الثَّالِث: مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر.
الرَّابِع: حُصَيْن، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة: ابْن عبد الرَّحْمَن مر فِي: بابُُ الْأَذَان بعد الْوَقْت.
الْخَامِس: أَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة الْكُوفِي.
السَّادِس: حُذَيْفَة بن الْيَمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: رِوَايَة وَاحِد عَن اثْنَيْنِ.
وَفِيه: شيخ البُخَارِيّ بَصرِي والبقية كوفيون، وَفِيه: ثَلَاثَة غير منسوبين وَوَاحِد مكي.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي آخر كتاب الْوضُوء فِي: بابُُ السِّوَاك، عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير عَن مَنْصُور عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة.
.
إِلَى آخِره نَحوه، وَفِي آخِره بِالسِّوَاكِ، وَقد تكلمنا هُنَاكَ على جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء.

قَوْله: ( يشوص فَاه) أَي: يدلك أَسْنَانه وينقيها.
وَقيل: هُوَ أَن يستاك من سفل إِلَى علو، وأصل الشوص الْغسْل، قَالَه ابْن الْأَثِير.
وَمِنْهُم من فسر الشوص بِأَن يستاك طولا، وَهُوَ غير مرضِي، وَالْوَجْه مَا ذَكرْنَاهُ.