فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب صلاة الخوف

( بابُُ القَائِلَةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم القائلة بعد صَلَاة الْجُمُعَة، والقائلة على وزن الفاعلة بِمَعْنى: القيلولة، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.



[ قــ :912 ... غــ :940 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُقْبَةَ الشِّيبَانِيُّ قَالَ حدَّثنا أبُو إسْحَاقَ الفَزَارِيُّ عنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أنسا يقُولُ كُنَّا نُبَكِّرُ إلَى الجُمُعَةِ ثُمَّ نَقِيلُ ( انْظُر الحَدِيث 905) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن ظَاهر الحَدِيث أَنهم كَانُوا يصلونَ الْجُمُعَة ثمَّ يقيلون.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: مُحَمَّد بن عقبَة أَبُو عبد الله الشَّيْبَانِيّ الْكُوفِي، أَخُو الْوَلِيد.
الثَّانِي: أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَزارِيّ، بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الزَّاي وبالراء، المصِّيصِي بإهمال الصادين، مَاتَ سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة.
الثَّالِث: حميد بِضَم الْحَاء: ابْن أبي حميد الطَّوِيل الْبَصْرِيّ.
الرَّابِع: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده.
وَفِيه: أَن رُوَاته كُوفِي ومصيصي وبصري.

قَوْله: ( نبكر) من التبكير وَهُوَ الْإِسْرَاع إِلَى الشَّيْء.

وَفِيه: نوم القائلة وَهُوَ مُسْتَحبّ، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: { وَحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} ( النُّور: 58) .
أَي: من القائلة.





[ قــ :913 ... غــ :941 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ قَالَ حدَّثنا أبُو غسَّانَ قَالَ حدَّثني أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلٍ.
قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجُمُعَةَ ثُمَّ تَكُونُ القائِلَةُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو غَسَّان مُحَمَّد بن مطرف، وَقد مر فِي الْبابُُ السَّابِق، وَكَذَلِكَ أَبُو حَازِم وَهُوَ: سَلمَة بن دِينَار.
قَوْله: ( ثمَّ تكون القائلة) أَي: تقع القيلولة، وَالْكَلَام فِيهِ قد مر عَن قريب مُسْتَوفى.

هَذَا آخر كتاب الْجُمُعَة .


(بابُ صلاة الخوف)

أبْوَابُ صَلاَةِ الخَوْفِ وقَوْلِ الله تَعَالَى: { وإذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إنْ خِفْتُمْ أنْ يَفْتِنَكُمْ الذِينَ كَفَرُوا إنَّ الكَافِرينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوا مُبِينا وإذَا كُنْتَ فِيهِمْ فأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأخُذُوا أسْلِحَتَهُمْ فإذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأتِ طائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فلْيُصَلُّوا مَعَكَ ولْيَأخُذُوا حِذْرَهُمْ وأسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفَلُونَ عنْ أسْلِحَتِكُمْ وَأمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً ولاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ كانَ بِكُم أذا مِنْ مَطَرٍ أوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أنْ تَضَعُوا أسْلِحَتَكُمْ وخُذُوا حِذْرَكُمْ إنَّ الله أعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابا مُهِينا} (النِّسَاء: 101 و 10) [/ ح.

أَي: هَذِه أَبْوَاب فِي بَيَان حكم صَلَاة الْخَوْف، كَذَا وَقع لَفْظَة أَبْوَاب بِصِيغَة الْجمع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَأبي الْوَقْت، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة: بابُُ، بِالْإِفْرَادِ، وَسقط فِي رِوَايَة البَاقِينَ.
قَوْله: (وَقَول الله) بِالْجَرِّ، عطف على مَا قبله، وَثبتت الْآيَتَانِ بتمامهما إِلَى قَوْله: { عذَابا مهينا} فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ اقْتصر على قَوْله: { وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض فيس عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} ثمَّ قَالَ: إِلَى قَوْله: { عذَابا مهينا} وَأما فِي رِوَايَة، أبي ذَر فساق الْآيَة الأولى بِتَمَامِهَا، وَمن الْآيَة الثَّانِيَة سَاق إِلَى قَوْله: { مَعَك} ثمَّ قالإلى قَوْله (عذبا مهينا) وَإِنَّمَا ذكر هَاتين الْآيَتَيْنِ الكريمتين فِي هَذِه التَّرْجَمَة إِشَارَة إِلَى أَن صَلَاة الْخَوْف فِي هَيْئَة خَارِجَة عَن هيئات بَقِيَّة الصَّلَوَات، إِنَّمَا ثبتَتْ بِالْكتاب، وَأما بَيَان صورتهَا على اختلافها فبالسنة.
قَوْله: { وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض} الضَّرْب فِي الأَرْض السّفر، وَيُقَال: ضربت فِي الأَرْض إِذا سَافَرت، وَتَأْتِي هَذِه الْمَادَّة لمعان كَثِيرَة.
قَوْله: { جنَاح} أَي: إِثْم.
قَوْله: { أَن تقصرُوا} ظَاهره التَّخْيِير بَين الْقصر والإتمام، وَأَن الْإِتْمَام أفضل، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي، وَعَن أبي حنيفَة: الْقصر فِي السّفر عَزِيمَة غير رخصَة، لَا يجوز غَيره.
وقرىء: إِن تقصرُوا، بِضَم التَّاء من: الإقصار، وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ ان تقصرُوا، بِالتَّشْدِيدِ، وَالْقصر ثَابت بِنَصّ الْكتاب فِي حَال الْخَوْف خَاصَّة.
وَهُوَ قَوْله: { إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا} وَأما فِي حَال الْأَمْن فبالسنة، وَاحْتج الشَّافِعِي أَيْضا بِمَا رَوَاهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة عَن يعلى بن أُميَّة.
قَالَ: قلت لعمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: قَالَ الله تَعَالَى: { فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ} فقد أَمن النَّاس، قَالَ: عجبت مِمَّا عجبت مِنْهُ، فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (صَدَقَة تصدق الله تَعَالَى بهَا عَلَيْكُم، فاقبلوا صدقته) .
فقد علق الْقصر بِالْقبُولِ وَسَماهُ صَدَقَة والمتصدق عَلَيْهِ مُخَيّر فِي قبُول الصَّدَقَة، فَلَا يلْزمه الْقبُول حتما.

وَلنَا أَحَادِيث: مِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: (فرضت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فأقرت صَلَاة السّفر، وَزيد فِي صَلَاة الْحَضَر) .
رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.
وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: (فرض الله الصَّلَاة على لِسَان نَبِيكُم فِي الْحَضَر أَربع رَكْعَات، وَفِي السّفر رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْف رَكْعَة) .
رَوَاهُ مُسلم.
وَمِنْهَا: حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (صَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الضُّحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الْفطر رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الْجُمُعَة رَكْعَتَانِ، تَمام غير قصر على لِسَان نَبِيكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَالْجَوَاب عَن حَدِيث يعلى بن أُميَّة أَنه دليلنا لِأَنَّهُ أَمر بِالْقبُولِ وَالْأَمر للْوُجُوب.

قَوْله: (أَن يَفْتِنكُم) ، المُرَاد من الْفِتْنَة هَهُنَا الْقِتَال والتعرض لما يكره.
قَوْله: (وَإِذا كنت فيهم) تعلق بِهِ أَبُو يُوسُف وَذهب إِلَى أَن صَلَاة الْخَوْف غير مَشْرُوعَة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِه قَالَ الْحسن بن زِيَادَة والمزني وَإِبْرَاهِيم بن علية، فعلل الْمُزنِيّ بالنسخ فِي زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَيْثُ أَخّرهَا يَوْم الخَنْدَق، وَعلل أَبُو يُوسُف بِأَن الله شَرط كَون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم لإقامتها، ورد مَا قَالَه الْمُزنِيّ بِمَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَة فِي هَذَا الْبابُُ بعد الخَنْدَق، وَالْخَنْدَق مقدم على الْمَشْهُور، فَكيف ينْسَخ الْمُتَأَخر؟ ذكره النَّوَوِيّ وَغَيره، ورد مَا قَالَه أَبُو يُوسُف بِأَن الصَّحَابَة فَعَلُوهَا بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَن سَببهَا الْخَوْف وَهُوَ مُتَحَقق بعده، كَمَا فِي حَيَاته، ثمَّ إعلم أَن الْخَوْف لَا يُؤثر فِي نُقْصَان عدد الرَّكْعَات إلاّ عِنْد ابْن عَبَّاس وَالْحسن الْبَصْرِيّ وطاووس حَيْثُ قَالُوا: إِنَّهَا رَكْعَة، وروى مُسلم من حَدِيث مُجَاهِد، (عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فرض الله الصَّلَاة على لِسَان نَبِيكُم فِي الْحَضَر أَرْبعا وَفِي السّفر رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْف رَكْعَة) .
وَأخرجه الْأَرْبَعَة أَيْضا، وَإِلَيْهِ ذهب أَيْضا عَطاء وطاووس وَمُجاهد وَالْحكم بن عتيبة وَقَتَادَة وَإِسْحَاق وَالضَّحَّاك.
.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة: وَالَّذِي قَالَ مِنْهُم: رَكْعَة، إِنَّمَا جعلهَا عِنْد شدَّة الْقِتَال، وَرُوِيَ مثله عَن زيد بن ثَابت وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر، قَالَ جَابر: إِنَّمَا الْقصر رَكْعَة عِنْد الْقِتَال،.

     وَقَالَ  إِسْحَاق: يجْزِيك عَن الشدَّة رَكْعَة تومىء إِيمَاء فَإِن لم تقدر فسجدة وَاحِدَة، فَإِن لم تقدر فتكبيرة لِأَنَّهَا ذكر الله تَعَالَى.
وَعَن الضَّحَّاك أَنه قَالَ: رَكْعَة، فَإِن لم تقدر كبر تَكْبِيرَة حَيْثُ كَانَ وَجهك،.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: لَا تَأْثِير للخوف فِي عدد الرَّكْعَات، وَهَذَا قَول أَكثر أهل الْعلم، مِنْهُم ابْن عمر وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه، وَسَائِر أهل الْعلم من عُلَمَاء الْأَمْصَار لَا يجيزون رَكْعَة.



[ قــ :914 ... غــ :94 ]
-
حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سألْتُهُ هَلْ صَلَّى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي صلاَةَ الخَوْفِ قَالَ أَخْبرنِي سالِمٌ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ غَزَوْتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِبَلَ نَجْدٍ فَوَازَيْنَا العَدُوَّ فصَافَفْنَا لَهُمْ فقامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي لَنَا فقَامَتْ طائِفَةٌ مَعهُ تُصَلِّي وَأقْبَلَتْ طائِفَةٌ عَلَى العَدُوِّ ورَكَعَ رسولْ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَنْ مَعَهُ وسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ فجَاؤُا فرَكَعَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِمْ رَكْعَةً وسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فقامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وسَجدَ سَجْدتَيْنِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِيهَا مَشْرُوعِيَّة صَلَاة الْخَوْف، والْحَدِيث فِيهِ كَذَلِك مَعَ بَيَان صفتهَا.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.
الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي حَمْزَة.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الرَّابِع: سَالم بن عبد الله بن عمر.
الْخَامِس: أَبوهُ عبد الله بن عمر.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن الْأَوَّلين من الروَاة حمصيان والإثنين بعدهمَا مدنيان.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن أبي الْيَمَان.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن عبد ابْن حميد عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد بن عبد الْملك عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ، وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن كثير ابْن عبيد عَن بَقِيَّة عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن عبد الْأَعْلَى بن وَاصل عَن يحيى بن آدم عَن سُفْيَان عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَلما أخرج التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عمر قَالَ: وَفِي الْبابُُ عَن جَابر وَحُذَيْفَة وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَابْن مَسْعُود سهل ابْن أبي حثْمَة وَأبي عَيَّاش الزرقي، واسْمه زيد بن صَامت وَأبي بكرَة.
قلت: وَفِيه أَيْضا عَن على وَعَائِشَة وخوات بن جُبَير وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
فَحَدِيث جَابر عِنْد مُسلم مَوْصُولا، وَعند البُخَارِيّ مُعَلّقا فِي الْمَغَازِي.
وَحَدِيث حُذَيْفَة عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ.
وَحَدِيث زيد بن ثَابت عِنْد النَّسَائِيّ.
وَحَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ.
وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير وَالنَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة.
وَحَدِيث ابْن مَسْعُود عِنْد أبي دَاوُد.
وَحَدِيث سهل بن أبي حثْمَة عِنْد التِّرْمِذِيّ.
وَحَدِيث أبي عَيَّاش عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ.
وَحَدِيث أبي بكرَة عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ.
وَحَدِيث عَليّ عِنْد الْبَزَّار.
وَحَدِيث عَائِشَة عِنْد أبي دَاوُد.
وَحَدِيث خَوات بن جُبَير عِنْد ابْن مَنْدَه فِي (معرفَة الصَّحَابَة) وَحَدِيث أَبُو مُوسَى عِنْد ابْن الْبر فِي (التَّمْهِيد) [/ ح.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (سَأَلته) السَّائِل هُوَ: شُعَيْب، أَي: سَأَلت الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (هَل صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟) وَفِي رِوَايَة السراج: عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن أبي الْيَمَان شيخ البُخَارِيّ: (سَأَلته هَل صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف وَكَيف صلاهَا إِن كَانَ صلاهَا؟ قَوْله: (قبل نجد) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء، أَي: جِهَة نجد، والنجد كل مَا ارْتَفع من تهَامَة إِلَى أَرض الْعرَاق فَهُوَ نجد، وَهَذِه الْغَزْوَة هِيَ غَزْوَة ذَات الرّقاع.
.

     وَقَالَ  ابْن أسْحَاق: أَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ بعد غَزْوَة بني النَّضِير شَهْري ربيع وَبَعض جُمَادَى، ثمَّ غزا نجدا يُرِيد بني محَارب وَبني ثَعْلَبَة من غطفان، وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة أَبَا ذَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ ابْن هِشَام: وَيُقَال: عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَالَ ابْن إِسْحَاق: فَسَار حَتَّى نزل نجدا وَهِي غَزْوَة ذَات الرّقاع، قلت: ذكرهَا فِي السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة، وَكَانَت فِيهَا غَزْوَة بني النَّضِير أَيْضا، وَهِي الَّتِي أنزل الله تَعَالَى فِيهَا سُورَة الْحَشْر، وَحكى البُخَارِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة أَنه قَالَ: كَانَت غَزْوَة بني النَّضِير أَيْضا بعد بدر بِسِتَّة أشهر قبل أحد، وَكَانَت غَزْوَة أحد فِي شَوَّال سنة ثَلَاث.

وَاخْتلفُوا فِي أَي سنة نزل بَيَان صَلَاة الْخَوْف؟ فَقَالَ الْجُمْهُور: إِن أول مَا صليت فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع، قَالَه مُحَمَّد بن سعد وَغَيره.
وَاخْتلف أهل السّير فِي أَي سنة كَانَت؟ فَقيل: سنة أَربع، وَقيل: سنة خمس، وَقيل: سنة سِتّ، وَقيل: سنة سبع، فَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق كَانَت أول مَا صليت قبل بدر الْموعد، وَذكر ابْن إِسْحَاق وَابْن عبد الْبر أَن بدر الْموعد كَانَت فِي شعْبَان من سنة أَربع.
.

     وَقَالَ  إِبْنِ إِسْحَاق: وَكَانَت ذَات الرّقاع فِي جمادي الأولى، وَكَذَا قَالَ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر: إِنَّهَا فِي جُمَادَى الأولى سنة أَربع.
فَإِن قلت: قَالَ الْغَزالِيّ فِي (الْوَسِيط) وَتَبعهُ عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ: إِن غَزْوَة ذَات الرّقاع آخر الْغَزَوَات.
قلت: هَذَا غير صَحِيح، وَقد أنكر عَلَيْهِ ابْن الصّلاح فِي (مُشكل الْوَسِيط).

     وَقَالَ : لَيست آخرهَا وَلَا من أواخرها، وَإِنَّمَا آخر غَزَوَاته: تَبُوك، وَهُوَ كَمَا ذكره أهل السّير، وَإِن أَرَادَ أَنَّهَا آخر غزَاة صلى فِيهَا صَلَاة الْخَوْف فَلَيْسَ بِصَحِيح أَيْضا، فقد صلى مَعَه صَلَاة الْخَوْف أَبُو بكرَة، وَإِنَّمَا نزل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة الطَّائِف، تدلى ببكرة فكنى بهَا، وَلَيْسَ بعد غَزْوَة الطَّائِف إلاّ غَزْوَة تَبُوك، وَلِهَذَا قَالَ ابْن حزم: إِن صفة صَلَاة الْخَوْف فِي حَدِيث أبي بكرَة أفضل صَلَاة الْخَوْف، لِأَنَّهَا آخر فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهَا.

قَوْله: (فوازينا الْعَدو) أَي: قابلنا من الموازاة، وَهِي الْمُقَابلَة والمحاذاة وَأَصله من الإزاء: بِالْهَمْزَةِ، فِي أَوله يُقَال: هُوَ بإزائه: أَي: بحذائه، وَقد آزيته إِذا حاذيته.
وَلَا تقل: وازيته، قَالَه الْجَوْهَرِي.
قلت: فعلى هَذَا أصل.
قَوْله: (فوازينا) أَي: فآزينا قلبت الْهمزَة واوا كَمَا أَن الوار تقلب همزَة فِي مَوَاضِع مِنْهَا: أواقي أَصله وواقي.
قَوْله: (فصاففناهم) ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: (فصاففنا لَهُم) ، ويروى: (فصففناهم) .
قَوْله: (يُصَلِّي لنا) ، أَي: لأجلنا أَو يُصَلِّي بِنَا.
قَوْله: (رَكْعَة وسجدتين) ، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ: مثل نصف صَلَاة الصُّبْح، وَهَذِه الزِّيَادَة تدل على أَن الصَّلَاة الْمَذْكُورَة كَانَت غير الصُّبْح: فَتكون ربَاعِية، وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي مَا يدل على أَنَّهَا كَانَت صَلَاة الْعَصْر، وَصرح فِي رِوَايَة مُسلم فِي حَدِيث جَابر بالعصر، وَفِي حَدِيث أبي بكرَة بِالظّهْرِ.
قَوْله: (ثمَّ انصرفوا مَكَان الطَّائِفَة الَّتِي لم تصل) أَي: فَقَامُوا فِي مكانهم، وَصرح فِيهِ فِي رِوَايَة بَقِيَّة عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن النَّسَائِيّ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: هَذَا الحَدِيث حجَّة لِأَصْحَابِنَا الْحَنَفِيَّة فِي صَلَاة الْخَوْف، وَحَدِيث ابْن مَسْعُود أَيْضا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عمرَان بن ميسرَة حَدثنَا ابْن فُضَيْل حَدثنَا خصيف عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ (صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف فَقَامُوا صفا خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصف مُسْتَقْبل الْعَدو، فصلى بهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَة ثمَّ جَاءَ الْآخرُونَ فَقَامُوا مقامهم فَاسْتقْبل هَؤُلَاءِ الْعَدو فصلى بهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَة ثمَّ سلم فَقَامَ هَؤُلَاءِ فصلوا الأنفسهم رَكْعَة ثمَّ ذَهَبُوا فَقَامُوا مقَام أُولَئِكَ مستقبلي الْعَدو، وَرجع أُولَئِكَ إِلَى مقامهم فصلوا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة ثمَّ سلمُوا) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا،.

     وَقَالَ : أَبُو عُبَيْدَة لم يسمع من أَبِيه، وخصيف لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
قلت: أَبُو عُبَيْدَة أخرج لَهُ البُخَارِيّ محتجا بِهِ فِي غير مَوضِع، وروى لَهُ مُسلم،.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: كَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَوْم مَاتَ أَبوهُ ابْن سبع سِنِين مُمَيّزا، وَابْن سبع سِنِين يحْتَمل السماع وَالْحِفْظ، وَلِهَذَا يُؤمر الصَّبِي ابْن سبع سِنِين بِالصَّلَاةِ تخلقا وتأدبا، وخصيف، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة وَالْعجلِي وَابْن معِين وَابْن سعد،.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: صَالح، وَجعل الْمَازرِيّ حَدِيث ابْن عمر قَول الشَّافِعِي وَأَشْهَب، وَحَدِيث جَابر قَول أبي حنيفَة، وَهُوَ سَهْو فيهمَا، بل أَخذ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَأَشْهَب بِرِوَايَة ابْن عمر، وَالشَّافِعِيّ بِرِوَايَة سهل بن أبي حثْمَة،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَلَو فعل مثل رِوَايَة ابْن عمر فَفِي صِحَّته قَولَانِ، وَالصَّحِيح الْمَشْهُور صِحَّته.
قَالَ: وَقَول الْغَزالِيّ قَالَه بعض أَصْحَابنَا، بعيد وَغلط فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا: نسبته إِلَى بعض الْأَصْحَاب، بل نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي (الْجَدِيد) وَفِي (الرسَالَة) وَفِي الثَّانِي: تَضْعِيفه انْتهى.
قلت: هم يَقُولُونَ: قَالَ الشَّافِعِي: إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي، وَأي شَيْء يكون أصح من حَدِيث ابْن عمر وَقد خرجته الْجَمَاعَة؟.

     وَقَالَ  الْقَدُورِيّ فِي (شرح مُخْتَصر الْكَرْخِي) وَأَبُو نصر الْبَغْدَادِيّ فِي (شرح مُخْتَصر الْقَدُورِيّ) : الْكل جَائِز، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الأولى.

فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ: صَلَاة الْخَوْف أَنْوَاع صلاهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَيَّام مُخْتَلفَة وأشكال متباينة يتحَرَّى فِي كلهَا مَا هُوَ أحوط للصَّلَاة وأبلغ فِي الخراسة، فَهِيَ على اخْتِلَاف صورها متفقة الْمَعْنى.
.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) : رُوِيَ فِي صَلَاة الْخَوْف عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وُجُوه كَثِيرَة فَذكر مِنْهَا سِتَّة أوجه: الأول: مَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث ابْن عمر، قَالَ بِهِ من الْأَئِمَّة الْأَوْزَاعِيّ وَأَشْهَب.
قلت: قَالَ بِهِ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه على مَا ذكرنَا.
الثَّانِي: حَدِيث صَالح بن خَوات عَن سهل بن أبي حثْمَة، قَالَ بِهِ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر.
الثَّالِث: حَدِيث ابْن مَسْعُود قَالَ بِهِ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إلاّ أَبَا يُوسُف.
الرَّابِع: حَدِيث أبي عَيَّاش الزرقي، قَالَ بِهِ ابْن أبي ليلى وَالثَّوْري.
الْخَامِس: حَدِيث حُذَيْفَة قَالَ بِهِ الثَّوْريّ فِي (مجيزه) وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم: حُذَيْفَة وَابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت وَجَابِر بن عبد الله.
السَّادِس: حَدِيث أبي بكرَة أَنه صلى بِكُل طَائِفَة رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يُفْتِي بِهِ، وَقد حكى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي: أَنه لَو صلى فِي الْخَوْف بطَائفَة رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم فصلى بالطائفة الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم كَانَ جَائِزا.
قَالَ: وَهَكَذَا صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَطن نخل، قَالَ ابْن عبد الْبر: وَرُوِيَ أَن صلَاته هَكَذَا كَانَت يَوْم ذَات الرّقاع، وَذكر أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) لصَلَاة الْخَوْف ثَمَانِيَة صور، وَذكرهَا ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) تِسْعَة أَنْوَاع، وَذكر القَاضِي عِيَاض فِي (الْإِكْمَال) لصَلَاة الْخَوْف ثَلَاثَة عشر وَجها، وَذكر الثَّوْريّ أَنَّهَا تبلغ سِتَّة عشر وَجها، وَلم يبين شَيْئا من ذَلِك.
.

     وَقَالَ  شَيخنَا الْحَافِظ زين الدّين فِي (شرح التِّرْمِذِيّ) : قد جمعت طرق الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي صَلَاة الْخَوْف فبلغت سَبْعَة عشر وَجها، وبيّنها، لَكِن يُمكن التَّدَاخُل فِي بَعْضهَا.
وَحكى ابْن الْقصار الْمَالِكِي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلاهَا عشر مَرَّات،.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: صلاهَا أَرْبعا وَعشْرين مرّة وبيّن القَاضِي عِيَاض تِلْكَ المواطن، فَقَالَ: وَفِي حَدِيث ابْن أبي حثْمَة وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر أَنه صلاهَا فِي يَوْم ذَات الرّقاع سنة خمس من الْهِجْرَة، وَفِي حَدِيث أبي عَيَّاش الزرقي أَنه صلاهَا بعسفان وَيَوْم بني سليم، وَفِي حَدِيث جَابر فِي غزَاة جُهَيْنَة وَفِي غزَاة بني محَارب بِنَخْل، وروى أَنه صلاهَا فِي غَزْوَة نجد يَوْم ذَات الرّقاع، وَهِي غَزْوَة نجد وغزوة غطفان.
.

     وَقَالَ  الْحَاكِم فِي (الإكليل) حِين ذكر غَزْوَة ذَات الرّقاع: وَقد تسمى هَذِه الْغَزْوَة غَزْوَة محَارب، وَيُقَال: غَزْوَة خصفة، وَيُقَال: غَزْوَة ثَعْلَبَة، وَيُقَال: غطفان، وَالَّذِي صَحَّ أَنه صلى بهَا صَلَاة الْخَوْف من الْغَزَوَات: ذَات الرّقاع وَذُو قرد وَعُسْفَان وغزوة الطَّائِف، وَلَيْسَ بعد غَزْوَة الطَّائِف إلاّ تَبُوك وَلَيْسَ فِيهَا لِقَاء الْعَدو، وَالظَّاهِر أَن غَزْوَة نجد مَرَّتَانِ، وَالَّذِي شَهِدَهَا أَبُو مُوسَى وَأَبُو هُرَيْرَة هِيَ غَزْوَة نجد الثَّانِيَة لصِحَّة حديثيهما فِي شهودها.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد من حَدِيث الْبابُُ من قَوْله: (طَائِفَة) أَنه لَا فرق بَين أَن تكون إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَكثر من الْأُخْرَى عددا أَو تساوى عددهما، لِأَن الطَّائِفَة تطلق على الْقَلِيل وَالْكثير حَتَّى على الْوَاحِد، فَلَو كَانُوا ثَلَاثَة وَوَقع عَلَيْهِم الْخَوْف جَازَ لأَحَدهم أَن يُصَلِّي بِوَاحِد ويحرس وَاحِد، ثمَّ يُصَلِّي الآخر، وَهُوَ أقل مَا يتَصَوَّر فِي صَلَاة الْخَوْف جمَاعَة، على القَوْل: بِأَن أقل الْجَمَاعَة ثَلَاثَة، لَكِن الشَّافِعِي قَالَ: أكره أَن تكون كل طَائِفَة أقل من ثَلَاثَة، لِأَنَّهُ أعَاد عَلَيْهِم ضمير الْجمع بقوله: (أسلحتهم) ، ذكره النَّوَوِيّ.

وَمن ذَلِك أَنهم كَانُوا مسافرين، فَلَو كَانُوا مقيمين فحكمهم حكم الْمُسَافِرين عِنْد الْخَوْف، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ، وَعنهُ: لَا تجوز صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر.
.

     وَقَالَ  أَصْحَابه: تجوز خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تجوز، وَنقل النَّوَوِيّ عَن مَالك عدم الْجَوَاز فِي الْحَضَر على الْإِطْلَاق غير صَحِيح، لِأَن الْمَشْهُور عَنهُ الْجَوَاز.