فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء

( بابُُ صَلاَةِ الطَّالِبِ والمَطْلُوبِ رَاكبا وَإيمَاءً)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان صَلَاة الطَّالِب وَصَلَاة الْمَطْلُوب.
قَوْله: ( رَاكِبًا) حَال.
قَوْله: ( وَقَائِمًا) عطف عَلَيْهِ، وَفِي بعض النّسخ: أَو قَائِما، من الْقيام بِالْقَافِ فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: ( رَاكِبًا وإيماء) أَي: حَال كَونه موميا.

وقالَ الوَلِيدُ ذَكَرْتُ لِلأوزَاعِيِّ صَلاَةَ شُرَحْبِيلَ بنِ السِّمْطِ وأصْحَابِهِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ فَقَالَ كذالِكَ الأمْرُ عِنْدَنَا إذَا تُخُوِّفَ الفَوْتَ واحْتَجَّ الوَلِيدُ بِقَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُصَلِّيَنَّ أحَدٌ العَصْرَ إلاّ فِي بَنِي قرَيْظَةَ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن شُرَحْبِيل وَمن مَعَه كَانُوا ركبانا، وَالْإِجْمَاع على أَن الْمَطْلُوب لَا يُصَلِّي إلاّ رَاكِبًا، فَكَانُوا مطلوبين راكبين، وَلَو كَانُوا طَالِبين أَيْضا فالمطابقة حَاصِلَة، والوليد، بِفَتْح الْوَاو: وَهُوَ ابْن مُسلم الْقرشِي الْأمَوِي الدِّمَشْقِي يكنى أَبَا الْعَبَّاس،،.

     وَقَالَ  كَاتب الْوَاقِدِيّ: حج سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة.
ثمَّ انْصَرف فَمَاتَ فِي الطَّرِيق قبل أَن يصل إِلَى دمشق، وَالْأَوْزَاعِيّ: هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو، وشرحبيل، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن السمط، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْمِيم، على وزن: الْكَتف، قَالَه الغساني.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: بِكَسْر السِّين وَسُكُون الْمِيم: ابْن الْأسود بن جبلة بن عدي بن ربيعَة بن مُعَاوِيَة الأكرمين بن الْحَارِث بن مُعَاوِيَة بن ثَوْر بن مرتع بن كِنْدَة الْكِنْدِيّ أَبُو يزِيد، وَيُقَال: أَبُو السمط الشَّامي، مُخْتَلف فِي صحبته، ذكره فِي ( الْكَمَال) من التَّابِعين.
.

     وَقَالَ : وَيُقَال: لَهُ صُحْبَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَيُقَال: لَا صُحْبَة لَهُ، وَذكره مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَة الرَّابِعَة:.

     وَقَالَ : جاهلي إسلامي، وَفد إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأسلم، وَقد شهد الْقَادِسِيَّة وَولي حمص، وَهُوَ الَّذِي افتتحها وَقسمهَا منَازِل،.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: ثِقَة،.

     وَقَالَ  أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى الْبَغْدَادِيّ صَاحب ( تَارِيخ الحمصيين) : توفّي بسلمية سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ، وَيُقَال: سنة أَرْبَعِينَ، وَيُقَال: مَاتَ بصفين، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ فِي غير هَذَا الْموضع، وَهُوَ تَعْلِيق رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَابْن عبد الْبر من وَجه آخر: ( عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: قَالَ شُرَحْبِيل بن السمط لأَصْحَابه: لَا تصلوا الصُّبْح إلاّ على ظهر، فَنزل الأشتر يَعْنِي: النَّخعِيّ فصلى على الأَرْض، فَقَالَ شُرَحْبِيل: مُخَالف خَالف الله بِهِ) .
وروى ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع: حَدثنَا ابْن عون ( عَن رَجَاء بن حَيْوَة الْكِنْدِيّ، قَالَ: كَانَ ثَابت بن السمط أَو السمط بن ثَابت فِي مسير فِي خوف، فَحَضَرت الصَّلَاة فصلوا ركبانا، فَنزل الأشتر، فَقَالَ مَاله؟ فَقَالُوا: نزل يُصَلِّي.
قَالَ: مَاله خَالف؟ خُولِفَ بِهِ)
انْتهى.
وَذكر ابْن حبَان أَن ثَابت بن السمط أَخُو شُرَحْبِيل بن السمط، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيُشبه أَن يَكُونَا كَانَا فِي ذَلِك الْجَيْش فنسب إِلَى كل مِنْهُمَا، وَقد ذكر شُرَحْبِيل جمَاعَة فِي الصَّحَابَة، وثابتا فِي التَّابِعين،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: طلبت قصَّة شُرَحْبِيل بن السمط بِتَمَامِهَا لأتبيّن هَل كَانُوا طَالِبين أم لَا؟ فَذكر الْفَزارِيّ فِي ( السّنَن) عَن ابْن عون: ( عَن رَجَاء عَن ثَابت بن السمط أَو السمط بن ثَابت قَالَ: كَانُوا فِي السّفر فِي خوف فصلوا ركبانا، فَالْتَفت فَرَأى الأشتر قد نزل للصَّلَاة، فَقَالَ: خَالف خُولِفَ بِهِ، فجرح الأشتر فِي الْفِتْنَة) .
قَالَ: فَبَان بِهَذَا الْخَبَر أَنهم كَانُوا حِين صلوا ركبانا لِأَن الْإِجْمَاع حَاصِل على أَن الْمَطْلُوب لَا يُصَلِّي إلاّ رَاكِبًا، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي الطَّالِب فَقَالَ ابْن التِّين: صَلَاة ابْن السمط ظَاهرهَا إِنَّهَا كَانَت فِي الْوَقْت، وَهُوَ من قَوْله تَعَالَى: { رجَالًا أَو ركبانا} ( الْبَقَرَة: 239) [/ ح.

قَوْله: ( كَذَلِك الْأَمر) أَي: أَدَاء الصَّلَاة على ظهر الدَّابَّة بِالْإِيمَاءِ، وَهُوَ الشان وَالْحكم عِنْد خوف فَوَات الْوَقْت أَو فَوَات الْعَدو أَو فَوَات النَّفس.
قَوْله: ( وَاحْتج الْوَلِيد) أَي: الْوَلِيد الْمَذْكُور،.

     وَقَالَ  بَعضهم: مَعْنَاهُ أَن الْوَلِيد قوى مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ فِي مَسْأَلَة الطَّالِب بِهَذِهِ الْقِصَّة.
قلت: لَا يفهم من احتجاج الْوَلِيد بِالْحَدِيثِ تَقْوِيَة مَا ذهب إِلَيْهِ الْأَوْزَاعِيّ صَرِيحًا وَإِنَّمَا وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ بطرِيق الْأَوْلَوِيَّة، لِأَن الَّذين أخروا الصَّلَاة حَتَّى وصلوا إِلَى بني قُرَيْظَة لم يعنفهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ كَونهم فوتوا الْوَقْت، فَصَلَاة من لَا يفوت الْوَقْت بِالْإِيمَاءِ أَو كَيفَ مَا تمكن، أولى من تَأْخِير الصَّلَاة حَتَّى يخرج وَقتهَا.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: احتجاج الْوَلِيد بِحَدِيث بني قُرَيْظَة لَيْسَ فِيهِ حجَّة، لِأَنَّهُ قبل نزُول صَلَاة الْخَوْف قَالَ: وَقيل: إِنَّمَا صلى شُرَحْبِيل على ظهر الدَّابَّة لِأَنَّهُ طمع فِي فتح الْحصن، فصلى إِيمَاء ثمَّ فَتحه.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَأما اسْتِدْلَال الْوَلِيد بِقصَّة بني قُرَيْظَة على صَلَاة الطَّالِب رَاكِبًا، فَلَو وجد فِي بعض طرق الحَدِيث أَن الَّذين صلوا فِي الطَّرِيق صلوا ركبانا لَكَانَ بَينا، وَلما لم يُوجد ذَلِك احْتمل أَن يُقَال: إِنَّه يسْتَدلّ بِأَنَّهُ كَمَا سَاغَ للَّذين صلوا فِي بني قُرَيْظَة مَعَ ترك الْوَقْت، وَهُوَ فرض، كَذَلِك سَاغَ للطَّالِب أَن يُصَلِّي فِي الْوَقْت رَاكِبًا بِالْإِيمَاءِ، وَيكون تَركه للرُّكُوع وَالسُّجُود كَتَرْكِ الْوَقْت وَيُقَال: لَا حجَّة فِي حَدِيث بني قُرَيْظَة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أَرَادَ سرعَة سيرهم، وَلم يَجْعَل لَهُم بني قُرَيْظَة موضعا للصَّلَاة، ومذاهب الْفُقَهَاء فِي هَذَا الْبابُُ، فَعِنْدَ أبي حنيفَة: إِذا كَانَ الرجل مَطْلُوبا فَلَا بَأْس بِصَلَاتِهِ سائرا، وَإِن كَانَ طَالبا فَلَا.
.

     وَقَالَ  مَالك وَجَمَاعَة من أَصْحَابه: هما سَوَاء، كل وَاحِد مِنْهُمَا يُصَلِّي على دَابَّته.
.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ فِي آخَرين كَقَوْل أبي حنيفَة، وَهُوَ قَول عَطاء وَالْحسن وَالثَّوْري وَأحمد وَأبي ثَوْر وَعَن الشَّافِعِي: إِن خَافَ الطَّالِب فَوت الْمَطْلُوب أَوْمَأ وإلاّ فَلَا.


[ قــ :918 ... غــ :946 ]
-
( حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء قَالَ حَدثنَا جوَيْرِية عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لنا لما رَجَعَ من الْأَحْزَاب لَا يصلين أحد الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة فَأدْرك بَعضهم الْعَصْر فِي الطَّرِيق فَقَالَ بَعضهم لَا نصلي حَتَّى نأتيها.
.

     وَقَالَ  بَعضهم بل نصلي لم يرد منا ذَلِك فَذكر للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يعنف وَاحِدًا مِنْهُم)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه يدل على أَن الْمَطْلُوب إِذا صلى فِي الْوَقْت بِالْإِيمَاءِ جَازَ كَمَا أَن الَّذين صلوا فِي بني قُرَيْظَة مَعَ ترك الْوَقْت جَازَ لَهُم ذَلِك وَلِهَذَا لم يعنفهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعلى هَذَا فالجواز فِي الْمَطْلُوب أقوى ( فَإِن قلت) فِيهِ ترك الرُّكُوع وَالسُّجُود وهما فرضان ( قلت) كَذَلِك فِي صلَاتهم فِي بني قُرَيْظَة ترك الْوَقْت وَالْوَقْت فرض وَلما ذكر البُخَارِيّ احتجاج الْوَلِيد بِحَدِيث قصَّة بني قُرَيْظَة ذكره مُسْندًا عَقِيبه ليعلم صِحَة الحَدِيث عِنْده وَصِحَّة الِاسْتِدْلَال بِهِ فَافْهَم.
( ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة.
الأول عبد الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء بن عبيد بن مُخَارق الضبعِي الْبَصْرِيّ ابْن أخي جوَيْرِية الْمَذْكُور وَهُوَ مصغر جَارِيَة بِالْجِيم ابْن أَسمَاء روى عَنهُ مُسلم أَيْضا مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي جوَيْرِية بن أَسمَاء يكنى أَبَا مِخْرَاق الْبَصْرِيّ.
الثَّالِث نَافِع مولى ابْن عمر.
الرَّابِع عبد الله بن عمر.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن النّصْف الأول من الروَاة بصريان وَالنّصف الثَّانِي مدنيان وَفِيه رِوَايَة الرجل عَن عَمه وَفِيه اسْم أحد الروَاة بِالتَّصْغِيرِ وَالْحَال أَن أصل وَضعه للْأُنْثَى.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن شيخ البُخَارِيّ عَن جوَيْرِية بِهِ ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " من الْأَحْزَاب " هِيَ غَزْوَة الخَنْدَق وَقد أنزل الله فِيهَا سُورَة الْأَحْزَاب وَكَانَت فِي شَوَّال سنة خمس من الْهِجْرَة نَص على ذَلِك ابْن إِسْحَاق وَعُرْوَة بن الزبير وَقَتَادَة.

     وَقَالَ  مُوسَى بن عقبَة عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ ثمَّ كَانَت الْأَحْزَاب فِي شَوَّال سنة أَربع وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك بن أنس فِيمَا رَوَاهُ أَحْمد عَن مُوسَى بن دَاوُد عَنهُ وَالْجُمْهُور على قَول ابْن إِسْحَق وَسميت بالأحزاب لِأَن الْكفَّار تألفوا من قبائل الْعَرَب وهم عشرَة آلَاف نفس وَكَانُوا ثَلَاثَة عَسَاكِر وَجَنَاح الْأَمر إِلَى أبي سُفْيَان وَسميت أَيْضا بغزوة الخَنْدَق لِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما سمع بهم وَمَا جمعُوا لَهُ من الْأَمر ضرب الخَنْدَق على الْمَدِينَة قَالَ ابْن هِشَام يُقَال أَن الَّذِي أَشَارَ بِهِ سلمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ الطَّبَرِيّ والسهيلي أول من حفر الْخَنَادِق منوجهر بن أيرج وَكَانَ فِي زمن مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَذكر ابْن إِسْحَق لما انْصَرف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الخَنْدَق رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة والمسلمون قد وضعُوا السِّلَاح فَلَمَّا كَانَ الظّهْر أَتَى جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لَهُ مَا وضعت الْمَلَائِكَة السِّلَاح بعد وَإِن الله يَأْمُرك أَن تسير إِلَى بني قُرَيْظَة فَإِنِّي عَائِد إِلَيْهِم فَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِلَالًا فَأذن فِي النَّاس من كَانَ سَامِعًا مُطيعًا فَلَا يصلين الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة قَالَ ابْن سعد ثمَّ سَار إِلَيْهِم وهم ثَلَاثَة آلَاف وَذَلِكَ يَوْم الْأَرْبَعَاء لتسْع بَقينَ من ذِي الْقعدَة عقيب الخَنْدَق قَوْله " لَا يصلين " بالنُّون الثَّقِيلَة الْمُؤَكّدَة قَوْله " فِي بني قُرَيْظَة " بِضَم الْقَاف وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره هَاء وهم فرقة من الْيَهُود وَقُرَيْظَة وَالنضير والنحام وَعَمْرو وَهُوَ هدل بَين الْخَزْرَج بن الصَّرِيح بن نومان بن السمط يَنْتَهِي إِلَى إِسْرَائِيل بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد الْقرظ ضرب من الشّجر يدبغ بِهِ يُقَال أَدِيم مقروظ وتصغيره قُرَيْظَة وَبِه سمي الْبَطن من الْيَهُود وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ التَّنْصِيص على الْعَصْر وَكَذَا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ الْعَصْر وَفِي صَحِيح مُسلم التَّنْصِيص على الظّهْر وَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن حبَان ومستخرج أبي نعيم قبل التَّوْفِيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ إِن هَذَا الْأَمر كَانَ بعد دُخُول وَقت الظّهْر وَقد صلى الظّهْر بَعضهم دون بعض فَقيل للَّذين لم يصلوا الظّهْر لَا تصلوا الظّهْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة وللذين صلوها بِالْمَدِينَةِ لَا تصلوا الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة وَقيل يحْتَمل أَنه قَالَ للْجَمِيع لَا تصلوا الْعَصْر وَلَا الظّهْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة وَقيل يحْتَمل أَنه قيل للَّذين ذَهَبُوا أَولا لَا تصلوا الظّهْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة وللذين ذَهَبُوا بعدهمْ لَا تصلوا الْعَصْر إِلَّا بهَا قَوْله " فَأدْرك بَعضهم " الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى لفظ أحد وَفِي بَعضهم الثَّانِي وَالثَّالِث إِلَى الْبَعْض قَوْله " لم يرد منا " على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُضَارع أَي المُرَاد من قَوْله " لَا يصلين أحد " لَازمه وَهُوَ الاستعجال فِي الذّهاب إِلَى بني قُرَيْظَة لَا حَقِيقَة ترك الصَّلَاة أصلا وَلم يُعِنْهُمْ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على مُخَالفَة النَّهْي لأَنهم فَهموا مِنْهُ الْكِنَايَة عَن العجلة وَلَا التاركين للصَّلَاة المؤخرين عَن أول وَقتهَا لحملهم النَّهْي على ظَاهره ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) من ذَلِك مَا استنبط مِنْهُ ابْن حبَان معنى حسنا حَيْثُ قَالَ لَو كَانَ تَأْخِير الْمَرْء للصَّلَاة عَن وَقتهَا إِلَى أَن يدْخل وَقت الصَّلَاة الْأُخْرَى يلْزمه بذلك اسْم الْكفْر لما أَمر الْمُصْطَفى بذلك.
وَمِنْه مَا قَالَه السُّهيْلي فِيهِ دَلِيل على أَن كل مُخْتَلفين فِي الْفُرُوع من الْمُجْتَهدين مُصِيب إِذْ لَا يَسْتَحِيل أَن يكون الشَّيْء صَوَابا فِي حق إِنْسَان خطأ فِي حق غَيره فَيكون من اجْتهد فِي مَسْأَلَة فأداه اجْتِهَاده إِلَى الْحل مصيبا فِي حلهَا وَكَذَا الْحُرْمَة وَإِنَّمَا الْمحَال أَن يحكم فِي النَّازِلَة بحكمين متضادين فِي حق شخص وَاحِد وَإِنَّمَا عسر فهم هَذَا الأَصْل على طائفتين الظَّاهِرِيَّة والمعتزلة أما الظَّاهِرِيَّة فَإِنَّهُم عَلقُوا الْأَحْكَام بالنصوص فاستحال عِنْدهم أَن يكون النَّص يَأْتِي بحظر وَإِبَاحَة مَعًا إِلَّا على وَجه النّسخ وَأما الْمُعْتَزلَة فَإِنَّهُم عَلقُوا الْأَحْكَام بتقبيح الْعقل وتحسينه فَصَارَ حسن الْفِعْل عِنْدهم أَو قبحه صفة عين فاستحال عِنْدهم أَن يَتَّصِف فعل بالْحسنِ فِي حق زيد والقبح فِي حق عَمْرو كَمَا يَسْتَحِيل ذَلِك فِي الألوان وَغَيرهَا من الصِّفَات الْقَائِمَة بالذوات وَأما مَا عدا هَاتين الطَّائِفَتَيْنِ فَلَيْسَ الْحَظْر عِنْدهم وَالْإِبَاحَة بِصِفَات أَعْيَان وَإِنَّمَا هِيَ صِفَات أَحْكَام وَزعم الْخطابِيّ أَن قَول الْقَائِل فِي هَذَا كل مُجْتَهد مُصِيب لَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ ظَاهر خطاب خص بِنَوْع من الدَّلِيل أَلا ترَاهُ قَالَ بل نصلي لم يرد منا ذَلِك يُرِيد أَن طَاعَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا أمره بِهِ من إِقَامَة الصَّلَاة فِي بني قُرَيْظَة لَا يُوجب تَأْخِيرهَا عَن وَقتهَا على عُمُوم الْأَحْوَال وَإِنَّمَا هُوَ كَأَنَّهُ قَالَ صلوا فِي بني قُرَيْظَة إِلَّا أَن يدرككم وَقتهَا قبل أَن تصلوا إِلَيْهَا وَكَذَا الطَّائِفَة الْأُخْرَى فِي تأخيرهم الصَّلَاة كَأَنَّهُ قيل لَهُم صلوا الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا إِلَّا أَن يكون لكم عذر فأخروها إِلَى آخر وَقتهَا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى لَا احتجاج فِيهِ على إِصَابَة كل مُجْتَهد لِأَنَّهُ لم يُصَرح بِإِصَابَة الطَّائِفَتَيْنِ بل بِإِصَابَة ترك تعنيفهما وَلَا خلاف فِي ترك تعنيف الْمُجْتَهد وَإِن أَخطَأ إِذا بذل وَسعه وَأما اخْتلَافهمْ فسببه أَن الْأَدِلَّة تَعَارَضَت فَإِن الصَّلَاة مَأْمُور بهَا فِي الْوَقْت وَالْمَفْهُوم من " لَا يصلين " الْمُبَادرَة بالذهاب إِلَيْهِم فَأخذ بَعضهم بذلك فصلوا حِين خَافُوا فَوت الْوَقْت وَالْآخرُونَ بِالْآخرِ فأخروها وَيُقَال اخْتِلَاف الصَّحَابَة فِي الْمُبَادرَة بِالصَّلَاةِ عِنْد ضيق وَقتهَا وتأخيرها سَببه أَن أَدِلَّة الشَّرْع تَعَارَضَت عِنْدهم فَإِن الصَّلَاة مَأْمُور بهَا فِي الْوَقْت مَعَ أَن الْمَفْهُوم من قَوْله " لَا يصلين أحد إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة " الْمُبَادرَة بالذهاب إِلَيْهِ وَأَن لَا يشْتَغل عَنهُ بِشَيْء لَا أَن تَأْخِير الصَّلَاة مَقْصُود فِي نَفسه من حَيْثُ أَنه تَأْخِير فَأخذ بعض الصَّحَابَة بِهَذَا الْمَفْهُوم نظرا إِلَى الْمَعْنى لَا إِلَى اللَّفْظ فصلوا حِين خَافُوا فَوَات الْوَقْت وَأخذ آخَرُونَ بِظَاهِر اللَّفْظ وَحَقِيقَته وَلم يعنف الشَّارِع وَاحِدًا مِنْهُمَا لأَنهم مجتهدون فَفِيهِ دَلِيل لمن يَقُول بِالْمَفْهُومِ وَالْقِيَاس ومراعاة الْمَعْنى وَلمن يَقُول بِالظَّاهِرِ أَيْضا ( قلت) هَذَا القَوْل مثل مَا قَالَ النَّوَوِيّ مَعَ بعض زِيَادَة فِيهِ.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ فِيهِ أَن المتؤول إِذا لم يبعد فِي التَّأْوِيل لَيْسَ بمخطىء وَأَن السُّكُوت على فعل أَمر كالقول بإجازته -