فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد

( بابٌُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبابٌُُ فِي العِيدِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حَال الْمَرْأَة إِذا لم يكن لَهَا جِلْبابُُ فِي الْعِيد، وَلم يذكر جَوَاب الشَّرْط اعْتِمَادًا على مَا ورد فِي حَدِيث الْبابُُ، وَالتَّقْدِير: إِذا لم يكن لَهَا جِلْبابُُ فِي يَوْم الْعِيد تلبسها صاحبتها من جلبابُها، كَمَا ذكر فِي متن الحَدِيث، وَيجوز أَن يقدر هَكَذَا، إِذا لم يكن لَهَا جِلْبابُُ فِي يَوْم الْعِيد تستعير من غَيرهَا جلبابُا فَتخرج فِيهِ.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: تعيرها من جنس ثِيَابهَا، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد: تشركها مَعهَا فِي ثوبها، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة أبي دَاوُد: ( تلبسها صاحبتها طَائِفَة من ثوبها) .
وَيُؤْخَذ مِنْهُ: جَوَاز اشْتِمَال الْمَرْأَتَيْنِ فِي ثوب وَاحِد.
قلت: الَّذِي قَالَ هَذَا الْقَائِل لم يقل بِهِ أحد مِمَّن لَهُ ذوق من مَعَاني التَّرْكِيب.
وَإنَّهُ ظن أَن معنى قَوْله فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: ( طَائِفَة من ثوبها) ، بَعْضًا من ثوبها بِأَن تدْخلهَا فِي ثوبها حَتَّى تصير كلتاهما فِي ثوب وَاحِد، وَهَذَا لم يقل بِهِ أحد، ويعسر ذَلِك عَلَيْهِمَا جدا فِي الْحَرَكَة، وَإِنَّمَا معنى: طَائِفَة من ثوبها، يَعْنِي: قِطْعَة من ثِيَابهَا من الَّتِي لَا تحْتَاج إِلَيْهَا، مثل الجلبابُ والخمار والمقنعة، وَنَحْو ذَلِك.
وَكَذَا فسروا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حَدِيث الْبابُُ: ( لتلبسها صاحبتها من جلبابُها) ، يَعْنِي: لتعيرها جلبابُا لَا تحْتَاج إِلَيْهِ، والجلبابُ: ثوب أقصر وَأعْرض من الْخمار.
قَالَ النَّضر: هُوَ المقنعة.
وَقيل: ثوب وَاسع يُغطي صدرها وظهرها، وَقيل: هُوَ كالملحفة.
وَقيل: الْإِزَار.
وَقيل: الْخمار.



[ قــ :951 ... غــ :980 ]
- حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سيرِينَ قالَتْ كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِينَا أنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ العِيدِ فَجَاءَتْ امْرَأةٌ فنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فأتَيْتُهَا فَحَدَّثَتْ أنَّ زَوْجَ اخْتِهَا غَزَا معَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً فَكانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سَتِّ غزَوَاتٍ فقَالَتْ فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى المَرْضَى وَنُدَاوِي الكَلْمَى فقَالَتْ يَا رسولَ الله عَلَى إحْدَانَا بَأْسٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبابٌُُ أنْ لاَ تَخْرُجَ فَقَالَ لِتُلْبِسْهَا صاحِبتُهَا منْ جِلْبابُُِهَا فَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ قالَتْ حَفْصَةُ فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أتَيْتُهَا فسَألْتُهَا أسَمِعْتِ فِي كَذَا وكذَا قالَتْ نَعَمْ بِأبِي وَقَلَّمَا ذَكَرَتِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاّ قالَتْ بِأبِي قَالَ لِيَخْرُجِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ أوْ قَالَ العَوَاتِقُ وذَوَاتُ الخُدُورِ شَكَّ أيُّوبُ والحُيَّضُ ويَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى ولْيَشْهَدْنَ الخيْرِ ودَعْوَةَ المُؤمِنِينَ قالَتْ فَقُلْتُ لَهَا آلحُيَّضُ قالَتْ نَعَمْ ألَيْسَ الحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ وتَشْهَدُ كَذَا وتَشْهَدُ كَذَا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لتلبسها صاحبتها من جلبابُها) ، وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي أول: بابُُ شُهُود الْحَائِض الْعِيدَيْنِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن عبد الْوَهَّاب عَن أَيُّوب عَن حَفْصَة، وَأخرجه هُنَا: عَن أبي معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله ابْن عَمْرو المقعد عَن عبد الْوَارِث بن سعيد التَّمِيمِي عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ.
وَقد ذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء.

قَوْله: ( قصر بني خلف) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام: هُوَ بِالْبَصْرَةِ مَنْسُوب إِلَى خلف جد طَلْحَة بن عبد الله بن خلف، جمع: الكليم، وَهُوَ الْمَجْرُوح.
قَوْله: ( أسمعت؟) بِهَمْزَة الإستفهام.
قَوْله: ( قَالَت: نعم، بِأبي) أَي: مفدى بِأبي، أَو: أفديه بِأبي، وَهَذِه رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي الْوَقْت.
وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: ( قَالَت: نعم بأبا) ، وَقد ذكرنَا أَن فِيهِ أَربع رِوَايَات: الأولى: هَذِه، وَالثَّانيَِة: بأبا، وَالثَّالِثَة: بيبي.
وَالرَّابِعَة: بيبا.
قَوْله: ( لتخرج الْعَوَاتِق ذَوَات الْخُدُور) هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( أَو قَالَ: الْعَوَاتِق وَذَوَات الْخُدُور) .
شكّ أَيُّوب، هَل هُوَ بواو الْعَطف أَو لَا؟ .
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذَا الْكَلَام مَوْقُوف عَلَيْهَا أَو مَرْفُوع إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: مَرْفُوع، إِذْ معنى قَوْلهَا: نعم، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لتخرج الْعَوَاتِق.
قَوْله: ( فَقلت لَهَا) القائلة الْمَرْأَة، وَالْمقول لَهَا: أم عَطِيَّة، قيل: يحْتَمل أَن تكون القائلة حَفْصَة وَالْمقول لَهَا امْرَأَة، وَهِي أُخْت أم عَطِيَّة.
قَوْله: ( وَتشهد كَذَا وَتشهد كَذَا) يُرِيد: مُزْدَلِفَة وَرمي الْجمار.

قَالَ ابْن بطال: فِيهِ تَأْكِيد خروجهن إِلَى الْعِيد لِأَنَّهُ إِذا أَمر من لَا جِلْبابُُ لَهَا، فَمن لَهَا جِلْبابُُ بِالطَّرِيقِ الأولى.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: الملازمات الْبيُوت لَا يخْرجن.
.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: يحْتَمل أَن يكون هَذَا الْأَمر فِي أول الْإِسْلَام والمسلمون قَلِيل، فَأُرِيد التكثير بحضورهن ترهيبا لِلْعَدو، فَأَما الْيَوْم فَلَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَهُوَ مَرْدُود لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى معرفَة تَارِيخ الْوَقْت، والنسخ لَا يثبت إِلَّا بِالْيَقِينِ، وَأَيْضًا فَإِن التَّرْهِيب لَا يحصل بهم، وَلذَلِك لم يلزمهن الْجِهَاد.
قلت: رده مَرْدُود.
وَقَوله: فَإِن التَّرْهِيب لَا يحصل بِهن غير مُسلم، لِأَنَّهُنَّ يكثرن السوَاد، والعدو يخَاف من كَثْرَة السوَاد، بل فِيهِنَّ من هِيَ أقوى قلبا من كثير من الرِّجَال الَّذين لَيْسَ لَهُم ثبات عِنْد الْحَرْب.
وَقَوله: وَلذَلِك لم يلزمهن الْجِهَاد.
قُلْنَا: لَا نسلم ذَلِك، فَعِنْدَ النفير الْعَام يلْزم سَائِر النَّاس حَتَّى تخرج الْمَرْأَة من غير إِذن زَوجهَا، وَالْعَبْد من غير إِذن مَوْلَاهُ، على مَا عرف فِي بابُُه.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَقد أفتت بِهِ أم عَطِيَّة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمدَّة، وَلم يثبت عَن أحد من الصَّحَابَة مخالفتها فِي ذَلِك، والاستنصار بِالنسَاء والتكثر بِهن فِي الْحَرْب دَال على الضعْف.
قلت: هَذِه عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، صَحَّ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: ( لَو رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أحدث النِّسَاء لمنعهن عَن الْمَسَاجِد كَمَا منعت نسَاء بني إِسْرَائِيل) .
فَإِذا كَانَ الْأَمر فِي خروجهن إِلَى الْمَسَاجِد هَكَذَا، فبالأحرى أَن يكون ذَلِك فِي خروجهن إِلَى الْمصلى، فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل: لم يثبت عَن أحد من الصَّحَابَة مخالفتها، وَأَيْنَ أم عَطِيَّة من عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا؟ وَلم يكن فِي حضورهن الْمصلى فِي ذَلِك الْوَقْت استنصار بِهن، بل كَانَ الْقَصْد تَكْثِير السوَاد أثرا فِي إرهاب الْعَدو.
أَلا ترى أَن أَكثر الصَّحَابَة كَيفَ كَانُوا يَأْخُذُونَ نِسَاءَهُمْ مَعَهم فِي بعض الفتوحات لتكثير السوَاد؟ بل وَقع مِنْهُنَّ فِي بعض الْمَوَاضِع نصْرَة لَهُم بقتالهن وتشجيعهن الرِّجَال، وَهَذَا لَا يخفى على من لَهُ اطلَاع فِي السّير والتواريخ.