فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ساعات الوتر

(بابُُ ساعاتِ الوِتْرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان سَاعَات الْوتر، أَي: أوقاته.

قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ أوْصَانِي النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ

مطابقته هَذَا التَّعْلِيق للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن قبل النّوم سَاعَة من سَاعَات الْوتر، وساعات الْوتر هُوَ اللَّيْل كُله، غير أَن أَوله من مغيب الشَّفق على الِاخْتِلَاف، وَلَكِن لَا يجوز تَقْدِيمه على صَلَاة الْعشَاء.
وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي الْبابُُ الَّذِي قبله، وَهَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث أوردهُ البُخَارِيّ من طَرِيق أبي عُثْمَان عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: (وَأَن أوتر قبل أَن نَام) .
وَوجه أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالوتر لأبي هُرَيْرَة قبل النّوم خشيَة أَن يستولي عَلَيْهِ النّوم، فَأمره بِالْأَخْذِ بالثقة، وَبِهَذَا وَردت الْأَخْبَار عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة: (من خَافَ أَن لَا يَسْتَيْقِظ آخر اللَّيْل فليوتر أول اللَّيْل، وَمن علم أَن يَسْتَيْقِظ آخر اللَّيْل فَإِن صلَاته آخر اللَّيْل محضورة، وَذَلِكَ أفضل) .



[ قــ :964 ... غــ :995 ]
- حدَّثنا أبُو النعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ قَالَ حدَّثنا أنَسُ بنُ سِيرِينَ قَالَ.

قُلْتُ لابنِ عُمَرَ أرَأيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الغَدَاةِ نُطِيلُ فِيهِمَا القِرَاءَةَ فَقَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ ويُصَلِّي الرَّكّعَتِيْنِ قَبّلَ صَلاَةَ الغَدَاةِ وَكَانَ الأذَانَ بِأُذُنَيْهِ قَالَ حَمَّادٌ أيْ سُرْعَةً..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يُصَلِّي من اللَّيْل) ، فَإِن قَوْله: (من اللَّيْل) مَجْمُوع اللَّيْل لِأَنَّهُ مُبْهَم يصلح لجَمِيع أَجزَاء اللَّيْل حَيْثُ لم يعين بَعْضًا مِنْهُ، وَهُوَ سَاعَات الْوتر، وَعَن هَذَا قَالَ ابْن بطال: لَيْسَ للوتر وَقت معِين لَا يجوز فِي غَيره، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوتر كل اللَّيْل.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: أَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي: الثَّانِي: حَمَّاد بن زيد.
الثَّالِث: أنس بن سِيرِين أَخُو مُحَمَّد بن سِيرِين أَبُو حَمْزَة، مَاتَ بعد أَخِيه مُحَمَّد، وَمَات مُحَمَّد سنة عشر وَمِائَة.
الرَّابِع: عب الله بن عمر.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون.
وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور بكنيته.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة: عَن خلف بن هِشَام وَأبي كَامِل الجحدري عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَنهُ بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أَحْمد بن عَبدة عَن حَمَّاد بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أريت؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام مَعْنَاهُ: أَخْبرنِي.
قَوْله: (نطيل) ، بنُون الْجمع من: أَطَالَ يُطِيل إِذا طول، وَهَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (أطيل) ، بِهَمْزَة الْمُتَكَلّم وَحده.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: (أطيل) بِلَفْظ مَجْهُول الْمَاضِي ومعروف الْمُضَارع.
قلت: لَا أَدْرِي مَجْهُول الْمَاضِي رِوَايَة أم لَا؟ قَوْله: (وَكَانَ) ، بتَشْديد النُّون.
قَوْله: (بأذنيه) بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الذَّال وَضمّهَا تَثْنِيَة أذن، ويروى: (بِإِذْنِهِ) بِالْإِفْرَادِ وَقَوله: (وَكَأن الْأَذَان بأذنه) عبارَة عَن سرعته بركعتي الْفجْر، وَالْمرَاد من الْأَذَان الْإِقَامَة، وَالْحَاصِل أَنه: كَانَ يُخَفف الْقِرَاءَة فِي رَكْعَتي الْفجْر مثل من كَانَ يسمع إِقَامَة الصَّلَاة ويسرع خشيَة فَوَات الْوَقْت عَنهُ.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: وَكَأن الْأَذَان بِإِذْنِهِ يُرِيد الْإِقَامَة من أجل التغليس بِالصَّلَاةِ.
قَوْله: قَالَ حَمَّاد) ، وَهُوَ ابْن زيد الرَّاوِي.
قيل: وَهُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قلت: وَفِيه نظر.
قَوْله: (بِسُرْعَة) بِالْبَاء الْمُوَحدَة فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي الْوَقْت وَابْن شبويه، وَفِي رِوَايَة غَيرهم (سرعَة) بِغَيْر الْبَاء وَهُوَ تَفْسِير من الرَّاوِي لقَوْله: (كَأَن الْأَذَان بأذنيه) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: أَن صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
الثَّانِي: اسْتدلَّ بِهِ الشَّافِعِي على أَن الْوتر رَكْعَة وَاحِدَة، وَقد ذكرنَا الْجَواب عَنهُ مستقصىً فِي الْبابُُ الَّذِي قبله.
الثَّالِث: فِيهِ الصَّلَاة بِرَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الصُّبْح.
الرَّابِع: تَخْفيف الْقِرَاءَة فيهمَا.





[ قــ :965 ... غــ :996 ]
- حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ قَالَ حدَّثنا أبي قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ حدَّثني مُسْلِمٌ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عائِشَةَ قالَتْ كُلَّ اللَّيْلِ أوْتَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَانْتَهَى وِتْرُهُ إلَى السَّحَرِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ يدل على أَن كل اللَّيْل سَاعَات الْوتر، وأولها من بعد صَلَاة الْعشَاء، وَآخِرهَا إِلَى طُلُوع الْفجْر الصَّادِق.
وَقد روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث خَارِجَة: أَن وقته مَا بَين الْعشَاء وطلوع الْفجْر، وَاسْتَغْرَبَهُ التِّرْمِذِيّ.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عمر بن حَفْص النَّخعِيّ الْكُوفِي، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّانِي: أَبوهُ حَفْص بن غياث بن طلق بن مُعَاوِيَة أَبُو عَمْرو النَّخعِيّ الْكُوفِي، قاضيها.
الثَّالِث: سُلَيْمَان الْأَعْمَش.
الرَّابِع: مُسلم بن صبيح أَبُو الضُّحَى الْكُوفِي.
الْخَامِس: مَسْرُوق بن عبد الرَّحْمَن، وَيُقَال: ابْن الأجدع، وَهُوَ لقب عبد الرَّحْمَن الْكُوفِي.
السَّادِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كوفيون.
وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين يروي بَعضهم عَن بعض وهم: الْأَعْمَش وَمُسلم ومسروق.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي كريب، كِلَاهُمَا عَن أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش بِهِ وَعَن عَليّ بن حجر وَعَن يحيى بن يحيى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن يُونُس عَن أبي بكر بن عَيَّاش عَن الْأَعْمَش بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( كل اللَّيْل) ، يجوز فِي: كل، الرّفْع وَالنّصب.
أما الرّفْع فعلى أَنه مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة بعده خَبره، وَأما النصب فعلى الظَّرْفِيَّة لقَوْله: ( أوتر) ، وَالْمرَاد مِنْهُ أَنه أوتر فِي جَمِيع اللَّيْل أَو فِي جَمِيع سَاعَات اللَّيْل، يَعْنِي: إِمَّا أَن يُرَاد بِهِ جزئيات اللَّيْل أَو أجزاؤه.
وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن مَسْرُوق، ( عَن عَائِشَة قَالَت: من كل اللَّيْل قد أوتر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وانْتهى وتره إِلَى السحر) .
وَله عَن عَائِشَة: ( من كل اللَّيْل، قد أوتر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من أول اللَّيْل وأوسطه وَآخره، فَانْتهى وتره إِلَى السحر) ، وَله فِي رِوَايَة أُخْرَى قَالَت: ( كل اللَّيْل قد أوتر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْتهى وتره إِلَى آخر اللَّيْل) .
وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن مَسْرُوق قَالَ: قلت لعَائِشَة: مَتى كَانَ يُوتر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَت: كل ذَلِك قد فعل: أوتر أول اللَّيْل وأوسطه وَآخره، وَلَكِن انْتهى وتره حِين مَاتَ إِلَى السحر) .
انْتهى.
قلت: قد يكون أوتر من أَوله لشكوى حصلت، وَفِي وَسطه لاستيقاظه إِذْ ذَاك وَآخره غَايَة لَهُ، وَمعنى قَوْله: وانْتهى وتره إِلَى السحر أَي: كَانَ آخر أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أخر الْوتر إِلَى آخر اللَّيْل، وَيُقَال: فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول اللَّيْل وأوسطه، بَيَان للْجُوَاز، وتأخيره إِلَى آخر اللَّيْل تَنْبِيه على الْأَفْضَل لمن يَثِق بالانتباه، وَكَانَ بعض السّلف يوترون أول اللَّيْل، مِنْهُم: أَبُو بكر وَعُثْمَان وَأَبُو هُرَيْرَة وَرَافِع بن خديج، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَبَعْضهمْ يوترون آخر اللَّيْل مِنْهُم: عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود وَأَبُو الدَّرْدَاء وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَغَيرهم من التَّابِعين، وَأما أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي هُرَيْرَة بالوتر قبل النّوم فَهُوَ اخْتِيَار مِنْهُ لَهُ حِين خشِي عَلَيْهِ من اسْتِيلَاء النّوم، فَأمره بِالْأَخْذِ بالثقة، وَالتَّرْغِيب فِي الْوتر فِي آخر اللَّيْل هُوَ لمن قوي عَلَيْهِ، وَلم تكن عَادَته أَن تغلبه عَيناهُ، وَعند ابْن خُزَيْمَة من حَدِيث أبي قَتَادَة: ( أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر، مَتى توتر؟ قَالَ: قبل أَن أَنَام.
.

     وَقَالَ  لعمر: مَتى توتر؟ فَقَالَ: أَنَام ثمَّ أوتر.
فَقَالَ لأبي بكر أخذت بالحزم أَو بالوثيقة،.

     وَقَالَ  لعمر: أخذت بِالْقُوَّةِ،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن هِشَام حَدثنَا الديري عَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج أَخْبرنِي ابْن شهَاب عَن ابْن الْمسيب: ( أَن أَبَا بكر وَعمر تذاكرا الْوتر عِنْد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ أَبُو بكر: أما أَنا فَإِنِّي أَنَام على وتر فَإِن استيقظت صليت شفعا حَتَّى الصَّباح.
.

     وَقَالَ  عمر: لَكِن أَنَام على شفع ثمَّ أوتر فِي السحر.
فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر: حذر هَذَا، ولعمر: قوي هَذَا)
.
وَفِي فَوَائِد سمويه من حَدِيث ابْن عقيل ( عَن جَابر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر: أَي حِين توتر؟ قَالَ: أول اللَّيْل بعد الْعَتَمَة) .
وَقد ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِي أول وَقت الْوتر، وَآخره فِي الْبابُُ الَّذِي قبله.