فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يقال إذا مطرت

( بابُُ مَا يُقَال إِذا مطرَت)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يُقَال إِذا مطرَت أَي السَّمَاء وَفِي بعض النّسخ إِذا مطرَت السَّمَاء بِإِظْهَار الْفَاعِل.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي كلمة مَا مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة أَو استفهامية وَأَخذه بَعضهم فِي شَرحه وَلم يبين وَاحِد مِنْهُمَا حَقِيقَة هَذَا الْكَلَام فَنَقُول إِذا كَانَت مَوْصُولَة يكون التَّقْدِير بابُُ فِي بَيَان الَّذِي يُقَال عِنْد الْمَطَر وَأما إِذا كَانَت مَوْصُوفَة فَيكون التَّقْدِير بابُُ فِي بَيَان شَيْء يُقَال إِذا مطرَت فَيكون مَا الَّذِي بِمَعْنى شَيْء قد اتّصف بقوله يُقَال إِذا مطرَت وَذَلِكَ كَمَا فِي قَول الشَّاعِر
( رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأَمر ... لَهُ فُرْجَة كحل العقال)
أَي رب شَيْء تكرره النُّفُوس وَأما الاستفهامية فَيكون التَّقْدِير بابُُ فِي بَيَان أَي شَيْء يُقَال إِذا مطرَت قَوْله " مطرَت " بِلَا ألف من الثلاثي الْمُجَرّد رِوَايَة أبي ذَر وَعند الْبَقِيَّة " إِذا أمْطرت " بِالْألف من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ يُقَال مطرَت السَّمَاء تمطر ومطرتهم تمطرهم مَطَرا وأمطرتهم أَصَابَتْهُم بالمطر وأمطرهم الله فِي الْعَذَاب خَاصَّة ذكره ابْن سَيّده قَالَ الْفراء مطرَت السَّمَاء تمطر مَطَرا أَو مَطَرا فالمطر الْمصدر والمطر الِاسْم وناس يَقُولُونَ مطرَت السَّمَاء وأمطرت بِمَعْنى ( وَقَالَ ابْن عَبَّاس كصيب الْمَطَر) أَي قَالَ ابْن عَبَّاس الصيب الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى { أَو كصيب من السَّمَاء} المُرَاد مِنْهُ الْمَطَر وَإِنَّمَا ذكر البُخَارِيّ هَذَا لمناسبته لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صيبا نَافِعًا " وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنَا مُعَاوِيَة عَن عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الصيب الْمَطَر وَعَن قَتَادَة وَمُجاهد وَعَطَاء وَالربيع بن أنس الصيب الْمَطَر.

     وَقَالَ  عبد الرَّحْمَن بن زيد { أَو كصيب من السَّمَاء} قَالَ أَو كغيث من السَّمَاء وَفِي تَفْسِير الضَّحَّاك الصيب الرزق.

     وَقَالَ  سُفْيَان الصيب الَّذِي فِيهِ الْمَطَر ( وَقَالَ غَيره صاب وَأصَاب يصوب) أَي قَالَ غير ابْن عَبَّاس كَأَنَّهُ يُشِير بِهِ إِلَى أَن اشتقاقه من الأجوف الواوي وَلَكِن لَا يُقَال أصَاب يصوب وَإِنَّمَا يُقَال صاب يصوب وَأصَاب يُصِيب.

     وَقَالَ  بَعضهم لَعَلَّه كَانَ فِي الأَصْل صاب وانصاب كَمَا حَكَاهُ صَاحب الْمُحكم فَسَقَطت النُّون ( قلت) لَا يَزُول بِهَذَا الْإِشْكَال بل زَاد الْإِشْكَال إشْكَالًا لِأَنَّهُ لَا يُقَال انصاب يصوب بل يُقَال انصاب ينصاب انصبابُا وَالظَّاهِر أَن النساخ قدمُوا لَفْظَة أصَاب على لَفْظَة يصوب وَمَا كَانَ إِلَّا صاب يصوب وَأصَاب وَأَشَارَ بِهِ إِلَى الثلاثي الْمُجَرّد والمزيد فِيهِ وَقد قُلْنَا أَنه أجوف واوي وأصل صاب صوب قلبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا ويصوب أَصله يصوب بِسُكُون الصَّاد وَضم الْوَاو فاستثقلت الضمة على الْوَاو فنقلت إِلَى مَا قبلهَا فَصَارَ يصوب وأصل صيب صيوب اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء كسيد وميت وَيُقَال مطر صيب وصيوب وَصوب

[ قــ :998 ... غــ :1032 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد هُوَ ابْن مقَاتل أَبُو الْحسن الْمروزِي قَالَ أخبرنَا عبد الله قَالَ أخبرنَا عبيد الله عَن نَافِع عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا رأى الْمَطَر قَالَ اللَّهُمَّ صيبا نَافِعًا) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ مَا يُقَال عِنْد رُؤْيَة الْمَطَر.
( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة الأول مُحَمَّد بن مقَاتل أَبُو الْحسن الْمروزِي وَقد مر ذكره.
الثَّانِي عبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك.
الثَّالِث عبيد الله بن عمر الْعمريّ.
الرَّابِع نَافِع مولى ابْن عمر.
الْخَامِس الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق.
السَّادِس أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه الْإِخْبَار كَذَلِك فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَفِيه أَنه بَينه بقوله هُوَ ابْن مقَاتل وَفِيه عبد الله بِالتَّكْبِيرِ وَعبيد الله بِالتَّصْغِيرِ وَفِيه أَن نَافِعًا من جملَة من روى عَن عَائِشَة وَفِيه نزل عَنْهَا وَفِيه عبيد الله من جملَة من سمع عَن الْقَاسِم وَفِيه نزل عَنهُ مَعَ أَن معمرا قد رَوَاهُ عَن عبيد الله بن عمر عَن الْقَاسِم نَفسه بِإِسْقَاط نَافِع من السَّنَد أخرجه عبد الرَّزَّاق عَنهُ وَفِيه أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه رازيان وَالثَّلَاثَة الْبَقِيَّة مدنيون وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية ( ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مَحْمُود بن خَالِد وَعَن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب وَعَن عَبدة بن عبد الرَّحِيم وَعَن عَمْرو بن عَليّ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدُّعَاء عَن هِشَام بن عمار ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " اللَّهُمَّ صيبا نَافِعًا " كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَة لَيست لَفْظَة اللَّهُمَّ وصيبا مَنْصُوب بِفعل مُقَدّر تَقْدِيره يَا الله اجْعَل صيبا نَافِعًا ونافعا صفة صيبا.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَفِي بعض الرِّوَايَات " صبا نَافِعًا " من الصب أَي اصببه صبا نَافِعًا وَاحْترز بقوله " نَافِعًا " عَن الصيب الضار.

     وَقَالَ  ابْن قرقول ضَبطه الْقَابِسِيّ صيبا بِالتَّخْفِيفِ وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا رأى ناشئا فِي أفق السَّمَاء ترك الْعَمَل وَإِن كَانَ فِي صَلَاة ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من شَرها فَإِن مُطِرْنَا قَالَ اللَّهُمَّ صيبا هَنِيئًا " وَعند النَّسَائِيّ " كَانَ إِذا مُطِرُوا قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ سيبا نَافِعًا " وَعند ابْن مَاجَه " إِذا رأى سحابا مُقبلا من أفق من الْآفَاق ترك مَا هُوَ فِيهِ وَإِن كَانَ فِي صَلَاة حَتَّى يستقبله فَيَقُول اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من شَرّ من أرسل بِهِ فَإِن أمطر قَالَ اللَّهُمَّ سيبا نَافِعًا مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَإِن كشفه الله تَعَالَى وَلم يمطروا حمد الله على ذَلِك ".

     وَقَالَ  الْخطابِيّ السيب الْعَطاء والسيب مجْرى المَاء وَالْجمع سيوب وَقد سَاب يسوب إِذا جرى
( تَابعه الْقَاسِم بن يحيى عَن عبيد الله وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ وَعقيل عَن نَافِع) الْقَاسِم بن يحيى بن عَطاء بن مقدم أَبُو مُحَمَّد الْهِلَالِي الوَاسِطِيّ مَاتَ سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْمَذْكُور.

     وَقَالَ  صَاحب التَّلْوِيح هَذِه الْمُتَابَعَة ذكرهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي الغرائب عَن الْمحَامِلِي حَدثنَا حَفْص بن عمر أخبرنَا يحيى عَن عبيد الله وَلَفظه " صيبا هَنِيئًا " انْتهى ( قلت) لم يظْهر لي وَجه هَذِه الْمُتَابَعَة قَوْله " وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ " أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ عَن نَافِع وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مَحْمُود بن خَالِد عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن نَافِع وَلَفظه " هَنِيئًا " بدل " نَافِعًا " ( فَإِن قلت) الْوَلِيد مُدَلّس ( قلت) رُوِيَ فِي الغيلانيات من طَرِيق دُحَيْم عَن الْوَلِيد وَشُعَيْب بن إِسْحَق قَالَا حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ حَدثنِي نَافِع وَأمن بِهَذَا عَن تَدْلِيس الْوَلِيد واستبعد صِحَة سَماع الْأَوْزَاعِيّ من نَافِع خلافًا لمن نَفَاهُ قَوْله " وَعقيل " بِالرَّفْع عطف على الْأَوْزَاعِيّ أَي وَرَوَاهُ أَيْضا عقيل بن خَالِد عَن نَافِع وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ وَذكر فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا فَمرَّة ذكر رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن نَافِع وَمرَّة عَن رجل عَنهُ وَمرَّة عَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد عَن نَافِع وَذكره مرّة عَن عقيل عَن نَافِع.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي ( فَإِن قلت) لم قَالَ أَولا تَابعه وَثَانِيا رَوَاهُ وَمَا فَائِدَة تَغْيِير الأسلوب ( قلت) إِمَّا لإِرَادَة التَّعْمِيم لِأَن الرِّوَايَة أَعم من أَن تكون على سَبِيل الْمُتَابَعَة أم لَا وَإِمَّا لِأَنَّهُمَا لم يرويا عَن نَافِع بِوَاسِطَة عبيد الله بِخِلَاف الْقَاسِم فَلَا يَصح عطفهما عَلَيْهِ وَالله المتعال سُبْحَانَهُ هُوَ يعلم بِحَقِيقَة الْحَال