فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من تمطر في المطر حتى يتحادر على لحيته

( بابُُ من تمطر فِي الْمَطَر حَتَّى يتحادر على لحيته)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان من تمطر إِلَى آخِره قَوْله " تمطر " بتَشْديد الطَّاء على وزن تفعل وَبابُُ تفعل يَأْتِي لمعان للتكلف كتشجع لِأَن مَعْنَاهُ كلف نَفسه الشجَاعَة وللاتخاذ نَحْو توسدت التُّرَاب أَي أَخَذته وسَادَة وللتجنب نَحْو تأثم أَي جَانب الْإِثْم وللعمل يَعْنِي فَيدل على أَن أصل الْفِعْل حصل مرّة بعد مرّة نَحْو تجرعته أَي شربته جرعة بعد جرعة.

     وَقَالَ  بَعضهم أليق الْمعَانِي هُنَا أَنه بِمَعْنى مُوَاصلَة الْعَمَل فِي مهلة نَحْو تفكر وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى مَا أخرجه مُسلم من طَرِيق جَعْفَر بن سُلَيْمَان عَن ثَابت " عَن أنس قَالَ حسر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَوْبه حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَر ".

     وَقَالَ  لِأَنَّهُ حَدِيث عهد بربه قَالَ الْعلمَاء مَعْنَاهُ قريب الْعَهْد بتكوين ربه فَكَأَن المُصَنّف أَرَادَ أَن يبين أَن تحادر الْمَطَر على لحيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يكن اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا كَانَ قصدا فَلذَلِك ترْجم بقوله " من تمطر " أَي قصد نزُول الْمَطَر عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَو لم يكن بِاخْتِيَارِهِ لنزل عَن الْمِنْبَر أول مَا وكف السّقف لكنه تَمَادى فِي خطبَته حَتَّى كثر نُزُوله بِحَيْثُ تحادر على لحيته انْتهى ( قلت) الَّذِي ذكره أهل الصّرْف فِي مَعَاني تفعل هُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَالَّذِي ذكره هَذَا الْقَائِل يقرب من الْمَعْنى الرَّابِع وَلَكِن لَا يدل على هَذَا شَيْء مِمَّا فِي حَدِيث الْبابُُ وَقَوله وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى أَن مَا أخرجه مُسلم لَا يساعده لِأَن حَدِيث مُسلم لَا يدل على مُوَاصلَة الْعَمَل فِي مهلة وَإِنَّمَا الَّذِي يدل هُوَ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كشف ثَوْبه ليصيبه الْمَطَر لما ذكره من الْمَعْنى وَهَذَا لَا يدل على أَنه وَاصل ذَلِك وَتَمَادَى فِيهِ حَتَّى يُطلق عَلَيْهِ أَنه تمطر وَقصد هَذَا الْمَعْنى فِي الحَدِيث غير صَحِيح وَلَا وضع التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة على هَذَا الْمَعْنى وَقَوله " تحادر الْمَطَر على لحيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لم يكن اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا كَانَ قصدا غَيره مُسلم من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الَّذِي تحادر على لحيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يكن إِلَّا من المَاء النَّازِل من وكف السّقف وَإِن كَانَ هُوَ من الْمَطَر فِي الأَصْل وَلم يكن فِي الْمَطَر الَّذِي أصَاب ثَوْبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَدِيث مُسلم حاجز بَينه وَبَين الْموضع الَّذِي وصل إِلَيْهِ وَالْآخر أَن قَوْله إِنَّمَا كَانَ قصدا دَعْوَى بِلَا برهَان وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على ذَلِك واستدلاله على مَا ادَّعَاهُ بقوله لِأَنَّهُ لَو لم يكن بِاخْتِيَارِهِ لنزل عَن الْمِنْبَر إِلَى آخِره لَا يساعده لِأَن لقَائِل أَن يَقُول عدم نُزُوله من الْمِنْبَر إِنَّمَا كَانَ لِئَلَّا تَنْقَطِع الْخطْبَة

[ قــ :999 ... غــ :1033 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن مقَاتل قَالَ أخبرنَا عبد الله قَالَ أخبرنَا الْأَوْزَاعِيّ قَالَ حَدثنَا إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ قَالَ حَدثنِي أنس بن مَالك قَالَ أَصَابَت النَّاس سنة على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَبينا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب على الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة قَامَ أَعْرَابِي فَقَالَ يَا رَسُول الله هلك المَال وجاع الْعِيَال فَادع الله لنا أَن يسقينا قَالَ فَرفع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَدَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاء قزعة قَالَ فثار سَحَاب أَمْثَال الْجبَال ثمَّ لم ينزل عَن منبره حَتَّى رَأَيْت الْمَطَر يتحادر على لحيته قَالَ فمطرنا يَوْمنَا ذَلِك وَفِي الْغَد وَمن بعد الْغَد وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى فَقَامَ ذَلِك الْأَعرَابِي أَو رجل غَيره فَقَالَ يَا رَسُول الله تهدم الْبناء وغرق المَاء فَادع الله لنا فَرفع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَدَيْهِ.

     وَقَالَ  اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا.
قَالَ فَمَا جعل يُشِير بِيَدِهِ إِلَى نَاحيَة من السَّمَاء إِلَّا تفرجت حَتَّى صَارَت الْمَدِينَة فِي مثل الجوبة حَتَّى سَالَ الْوَادي وَادي قناة شهرا قَالَ فَلم يَجِيء أحد من نَاحيَة إِلَّا حدث بالجود)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " حَتَّى رَأَيْت الْمَطَر يتحادر على لحيته " وَلكنهَا غير ظَاهِرَة لِأَن هَذَا الْكَلَام لَا يدل على التمطر الَّذِي هُوَ من التفعل الدَّال على التَّكَلُّف وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْجُمُعَة وَكتاب الاسْتِسْقَاء مطولا ومختصرا برواة مُخْتَلفَة ومتون مُتَغَايِرَة بِزِيَادَة ونقصان وَقد استقصينا الْكَلَام فِي تَفْسِيره بِجَمِيعِ مَا يتَعَلَّق بِهِ قَوْله " بالجود " بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو الْمَطَر الْكثير