فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب سجدة إذا السماء انشقت

(بابُُ سَجْدَةِ إذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم سَجْدَة سُورَة إِذا السَّمَاء انشقت.



[ قــ :1038 ... غــ :1074 ]
- حدَّثنا مُسْلِم بنُ إبْرَاهِيمَ وَمَعَاذُ بنُ فَضَالَةَ قالاَ أخبرنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيى عنْ أبي سَلَمَة قَالَ رَأيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَرَأَ إِذا السَّماءُ انْشَقَّتْ فَسَجدَ بِهَا فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ألَمْ أرَكَ تَسْجُدُ قَالَ لَوْ لَمْ أرَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْجُدُ لَمْ أسْجُدْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الحَدِيث يبين أَن هَذِه السُّورَة فِيهَا السَّجْدَة، والترجمة فِي بَيَان هَذِه السَّجْدَة.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُسلم بن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ القصاب الْبَصْرِيّ.
الثَّانِي: معَاذ بن فضَالة أَبُو زيد الزهْرَانِي الْبَصْرِيّ.
الثَّالِث: هِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي.
الرَّابِع: يحيى بن أبي كثير.
الْخَامِس: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: الرُّؤْيَة.
وَفِيه: أَنه روى عَن شيخين.
وَفِيه: أَن الثَّلَاثَة الأول من الروَاة بصريون وَالرَّابِع يمامي وَالْخَامِس مدنِي.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن المثني عَن ابْن أبي عدي عَن هِشَام، وَرُوِيَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة من طرق كَثِيرَة، فَأخْرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن أبي رَافع واسْمه نفيع، قَالَ: (صليت مَعَ أبي هُرَيْرَة الْعَتَمَة فَقَرَأَ: إِذا السَّمَاء انشقت، فَسجدَ فِيهَا.
فَقلت: مَا هَذِه؟ قَالَ: سجدت بهَا خلف أبي الْقَاسِم فَلَا أَزَال أَسجد فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ) .
وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عبد الله بن يزِيد عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَأخرجه مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن من رِوَايَة سعيد بن مينا: (عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: سجدنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي { إِذا السَّمَاء انشقت} و { اقْرَأ باسم رَبك} وَأخرج مُسلم من رِوَايَة صَفْوَان بن سليم وَعبيد الله بن أبي جَعْفَر عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، وروى فِي هَذَا الْبابُُ عَن غير أبي هُرَيْرَة، فَأخْرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى فِي (مسنديهما) من حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه: (عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِي { إِذا السَّمَاء انشقت} وَاخْتلف فِيهِ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، وأختلف فِي سَماع أبي سَلمَة عَن أَبِيه، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة ذَر بن حُبَيْش (عَن صَفْوَان بن عَسَّال أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي { إِذا السَّمَاء انشقت} .
وَإِسْنَاده ضَعِيف.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَرَأَ: { إِذا السَّمَاء انشقت} ) أَي: قَرَأَ سُورَة: { إِذا السَّمَاء انشقت} .
قَوْله: (فَسجدَ بهَا) أَي: سجد فِيهَا، وَالْبَاء للظرفية، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (فَسجدَ فِيهَا) .
قَوْله: (لم أرك تسْجد) اسْتِفْهَام استخبار لَا اسْتِفْهَام إِنْكَار، كَمَا قَالَه الْبَعْض، وَهُوَ غير صَحِيح.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: احْتج بِهَذَا الحَدِيث أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي على أَن فِي سُورَة { إِذا السَّمَاء انشقت} سَجْدَة تِلَاوَة.
فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن رَافع حَدثنَا أَزْهَر بن الْقَاسِم قَالَ مُحَمَّد: رَأَيْته بِمَكَّة، حَدثنَا أَبُو قدامَة عَن مطر الْوراق عَن عِكْرِمَة (عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْجد فِي شَيْء من الْمفصل مُنْذُ تحول إِلَى الْمَدِينَة) ، وَذهب إِلَيْهِ مُجَاهِد وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَبَعض الشَّافِعِيَّة.
فَقَالُوا: قد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِي الْمفصل بِمَكَّة، فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة ترك ذَلِك، وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيث.
قلت: قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَهَذَا ضَعِيف، وَلَو ثَبت لَكَانَ فَاسِدا، وَذَلِكَ أَن أَبَا هُرَيْرَة قد روينَا عَنهُ، وَأَشَارَ إِلَى الحَدِيث الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبابُُ، وَغَيره مِمَّا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَهُوَ قَوْله: (سجدنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي { إِذا السَّمَاء انشقت} و { اقْرَأ باسم رَبك} ) وَإِسْلَام أبي هُرَيْرَة ولقاؤه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ قبل وَفَاته بِثَلَاث سِنِين، فَدلَّ ذَلِك على فَسَاد مَا ذهب إِلَيْهِ أهل تِلْكَ الْمقَالة.
.

     وَقَالَ  عبد الْحق فِي أَحْكَامه: إِسْنَاد حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا لَيْسَ بِقَوي، ويروى مُرْسلا، وَالصَّحِيح حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَأَبُو قدامَة لَيْسَ بِشَيْء.
.

     وَقَالَ  ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه: وَأَبُو قدامَة الْحَارِث بن عبيد قَالَ فِيهِ ابْن حَنْبَل: مُضْطَرب الحَدِيث، وَضَعفه ابْن معِين،.

     وَقَالَ  السَّاجِي: صَدُوق وَعِنْده مَنَاكِير،.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: كَانَ شَيخا صَالحا وَكثر وهمه، ومطر الْوراق كَانَ سيىء الْحِفْظ حَتَّى كَانَ يشبه فِي سوء الْحِفْظ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَقد عيب على مُسلم إِخْرَاج حَدِيثه.