فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة وقبلها

( بابُُ مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ دُبُرَ الصَّلاَةِ وقَبْلَهَا)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من لم يتَطَوَّع فِي السّفر عقيب الصَّلَوَات، والدبر، بِضَمَّتَيْنِ وبإسكان الْبَاء أَيْضا، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ: ( دبر الصَّلَوَات وَقبلهَا) ، ويروى: ( دبر الصَّلَاة) بِصِيغَة الْإِفْرَاد.



[ قــ :1063 ... غــ :1101 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدَّثني ابنُ وَهَبٍ قَالَ حدَّثني عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ أنَّ حَفْصَ بنَ عاصِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ سافَرَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ صَحِبْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمْ أرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ.
.

     وَقَالَ  الله جَلَّ ذِكْرُهُ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أسْوَةٌ حَسَنَةٌ.

( الحَدِيث 1011 طرفه فِي: 2011) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: يحيى بن سُلَيْمَان بن يحيى أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي، سكن مصر وَمَات بهَا سنة ثَمَان، وَيُقَال: سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقد مر ذكره فِي كتاب الْعلم.
الثَّانِي: عبد الله بن وهب، وَقد مر غير مرّة.
الثَّالِث: عمر بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب الْعَسْقَلَانِي، كَانَ ثِقَة جَلِيلًا مرابطا من أطول الرِّجَال، مَاتَ بعد سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة.
الرَّابِع: حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، مر فِي: بابُُ الصَّلَاة بعد الْفجْر.
الْخَامِس: عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين.
وَفِيه: السُّؤَال.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ كُوفِي وَابْن وهب مصري وَعمر بن مُحَمَّد مدنِي نزل عسقلان، وَحَفْص بن عَاصِم أَيْضا مدنِي، رَحمَه الله.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن القعْنبِي عَن عِيسَى بن حَفْص وَعَن قُتَيْبَة عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن عمر بن مُحَمَّد بِهِ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن نوح بن حبيب عَن يحيى بن سعيد بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن خَلاد عَن أبي عَامر الْعَقدي عَن عِيسَى بِهِ، يزِيد بَعضهم على بعض.

ذكر مَعْنَاهُ وَمَا يستنبط مِنْهُ: قَوْله: ( فَلم أره يسبح) أَي: لم أر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَال كَونه يسبح، أَي يتَنَفَّل بالنوافل الرَّوَاتِب الَّتِي قبل الْفَرَائِض وَبعدهَا،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: اخْتلف أهل الْعلم بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَأى بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَطَوَّع الرجل فِي السّفر، وَبِه يَقُول أَحْمد وَإِسْحَاق، وَلم تَرَ طَائِفَة من أهل الْعلم أَن يُصَلِّي قبلهَا وَلَا بعْدهَا، وَمعنى: من لم يتَطَوَّع فِي السّفر، قبُول الرُّخْصَة، وَمن تطوع فَلهُ فِي ذَلِك فضل كثير، وَقَول أَكثر أهل الْعلم يختارون التَّطَوُّع فِي السّفر.
.

     وَقَالَ  السَّرخسِيّ فِي ( الْمَبْسُوط) والمرغيناني: لَا قصر فِي السّنَن، وَتَكَلَّمُوا فِي الْأَفْضَل، قيل: التّرْك ترخصا، وَقيل: الْفِعْل تقربا،.

     وَقَالَ  الهندواني: الْفِعْل أفضل فِي حَال النُّزُول وَالتّرْك فِي حَال السّير، قَالَ هِشَام: رَأَيْت مُحَمَّدًا كثيرا لَا يتَطَوَّع فِي السّفر قبل الظّهْر وَلَا بعْدهَا وَلَا يدع رَكْعَتي الْفجْر وَالْمغْرب، وَمَا رَأَيْته يتَطَوَّع قبل الْعَصْر وَلَا قبل الْعشَاء وَيُصلي الْعشَاء ثمَّ يُوتر.





[ قــ :1064 ... غــ :110 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى عَنْ عِيساى بنِ حَفْصٍ بنِ عاصِمٍ قَالَ حدَّثني أبي أنَّهُ سَمعَ ابنَ عُمَرَ يَقُولُ صَحِبْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكانَ لاَ يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وأبَا بَكْرٍ وعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذالِكَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

( أنظر الحَدِيث 1011) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى شيخ مُسَدّد هُوَ الْقطَّان، وَعِيسَى بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب مَاتَ سنة خمس أَو سبع وَخمسين وَمِائَة.

قَوْله: ( وَأَبا بكر) عطف على قَوْله: ( رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: وصحبت أَبَا بكر وصحبت عمر وصحبت عُثْمَان كَذَلِك، أَي: كَمَا صَحِبت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر صحبتهم، وَكَانُوا لَا يزِيدُونَ فِي السّفر على رَكْعَتَيْنِ.
فَإِن قلت: كَانَ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي آخر أمره يتم الصَّلَاة فَكيف قَالَ ابْن عمر: إِن عُثْمَان لَا يزِيد فِي السّفر على رَكْعَتَيْنِ؟ قلت: يحمل قَوْله على الْغَالِب، أَو كَانَ عُثْمَان لَا يتَنَفَّل فِي أول أمره وَلَا فِي آخِره وَإِن كَانَ يتم.
فَإِن قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن حجر حَدثنَا حَفْص بن غياث عَن الْحجَّاج عَن عَطِيَّة ( عَن ابْن عمر، قَالَ: صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ) ،.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن،.

     وَقَالَ : حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد الْمحَاربي أَبُو يعلى الْكُوفِي حَدثنَا عَليّ بن هَاشم عَن ابْن أبي ليلى عَن عَطِيَّة وَعَن نَافِع.
( عَن ابْن عمر، قَالَ: صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَضَر وَالسّفر، فَصليت مَعَه فِي الْحَضَر الظّهْر أَرْبعا وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ، وَصليت مَعَه الظّهْر فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ، وَالْعصر رَكْعَتَيْنِ وَلم يصل بعْدهَا شَيْئا، وَالْمغْرب فِي الْحَضَر وَالسّفر سَوَاء ثَلَاث رَكْعَات لَا تنقص فِي الْحَضَر وَلَا فِي السّفر، وَهِي وتر النَّهَار، وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ) .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن، سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول: مَا روى ابْن أبي ليلى، حَدِيثا أعجب إِلَيّ من هَذَا، فَمَا التَّوْفِيق بَين هَذَا وَبَين حَدِيث الْبابُُ؟ قلت: هَذَانِ الحديثان تفرد بإخراجهما التِّرْمِذِيّ، أما وَجه التَّوْفِيق فقد قَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: الْجَواب أَن النَّفْل الْمُطلق وَصَلَاة اللَّيْل لم يمنعهما ابْن عمر وَلَا غَيره، فَأَما السّنَن الرَّوَاتِب فَيحمل حَدِيثه الْمُتَقَدّم، يَعْنِي حَدِيث الْبابُُ، على الْغَالِب من أَحْوَاله فِي أَنه لَا يُصَلِّي الرَّوَاتِب، وَحَدِيثه فِي هَذَا الْبابُُ أَي: الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، على أَنه فعله فِي بعض الْأَوْقَات لبَيَان استحبابُها فِي السّفر، وَإِن لم يتَأَكَّد فعلهَا فِيهِ كتأكده فِي الْحَضَر، أَو أَنه كَانَ نازلاً فِي وَقت الصَّلَاة وَلَا شغل لَهُ يشْتَغل بِهِ عَن ذَلِك، أَو سائرا وَهُوَ على رَاحِلَته، وَلَفظه فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم: يَعْنِي حَدِيث الْبابُُ، هُوَ بِلَفْظ: كَانَ، وَهِي لَا تَقْتَضِي الدَّوَام بل وَلَا التّكْرَار على الصَّحِيح، فَلَا تعَارض بَين حديثيه.
فَإِن قيل: الذّهاب إِلَى تَرْجِيح تعارضهما.
قُلْنَا: التَّرْجِيح بِحَدِيث الْبابُُ أصح لكَونه فِي الصَّحِيح.
فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ أَيْضا: حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا اللَّيْث بن سعد عَن صَفْوَان ابْن سليم عَن أبي بشر الْغِفَارِيّ ( عَن الْبَراء بن عَازِب، قَالَ: صَحِبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة عشر سفرا فَمَا رَأَيْته ترك الرَّكْعَتَيْنِ إِذا زاغت الشَّمْس قبل الظّهْر) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن قُتَيْبَة.
قلت: هَذَا لَا يُعَارض حَدِيث ابْن عمر الَّذِي رُوِيَ عَنهُ فِي هَذَا الْبابُُ، لِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون الْبَراء مَا رَآهُ ترك أَن لَا يكون ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَيْضا كَذَلِك مَا ترك، وَجَوَاب آخر: لَا نسلم أَن هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ من السّنَن الرَّوَاتِب، وَإِنَّمَا هِيَ سنة الزَّوَال الْوَارِدَة فِي حَدِيث أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.