فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب

( بابٌُ إِذا لَمْ يُطِقْ قَاعِدا صَلَّى عَلَى جَنْبٍ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا لم يطق الْمُصَلِّي أَن يُصَلِّي قَاعِدا صلى على جنب.

وَقَالَ عَطَاءٌ إنْ لَمْ يَقْدِرْ أنْ يَتَحَوَّلَ إلَى القِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ

مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْعَاجِز عَن أَدَاء فرض ينْتَقل إِلَى فرض دونه، وَلَا يتْرك، بَيَان ذَلِك أَن التَّرْجَمَة تدل على أَن الْمُصَلِّي إِذا عجز عَن الصَّلَاة قَاعِدا يُصَلِّي على جنبه، والأثر يدل على أَنه إِذا عجز عَن التَّحَوُّل إِلَى الْقبْلَة يُصَلِّي إِلَى أَي جِهَة كَانَ وَجهه، وَأثر عَطاء بن أبي رَبَاح هَذَا وَصله عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَنهُ بِمَعْنَاهُ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: فِيهِ حجَّة على من زعم أَن الْعَاجِز عَن الْقعُود فِي الصَّلَاة سَقَطت عَنهُ الصَّلَاة، وَقد حَكَاهُ الْغَزالِيّ عَن أبي حنيفَة قلت: لَيْسَ هَذَا بِأول مَا قَالَ الْغَزالِيّ فِي أبي حنيفَة، وَهُوَ غير صَحِيح، وَلَا هُوَ مَنْقُول عَن أبي حنيفَة، وَقد مر هَذَا عَن قريب.



[ قــ :1079 ... غــ :1117 ]
- حدَّثنا عَبْدَانُ عنْ عَبْدِ الله بنِ المُبَارَكِ عنْ إبْرَاهِيمَ بنِ طَهْمَان قَالَ حدَّثني الحُسَيْنُ المُكْتِبُ عنِ ابنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَتْ بِي بَوَاسِيرْ فسألْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ الصَّلاَةِ فَقَالَ صَلِّ قائِما فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدا فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ.

( أنظر الحَدِيث 5111 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ الطَّرِيق الثَّالِث لحَدِيث عمرَان، كَمَا ذكرنَا، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وعبدان لقب عبد الله ابْن عُثْمَان الْمروزِي.

قَوْله: ( عَن عبد الله بن الْمُبَارك) ، قد مر غير مرّة وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي.
وَذكر ابْن الْمُبَارك، وَالْمَذْكُور هُوَ: عبد الله بِلَا نِسْبَة.
قَوْله: ( الْمكتب) ، اسْم فَاعل من التكتيب، وَهُوَ صفة الْحُسَيْن بن ذكْوَان، وَقد مر ذكره فِي الْبابُُ الَّذِي قبله، وَلَكِن الْمَذْكُور هُنَاكَ: حُسَيْن الْمعلم، لِأَنَّهُ مَشْهُور بالمكتب، والمعلم وَابْن بُرَيْدَة هُوَ عبد الله، وَقد مر.
قَوْله: ( عَن الصَّلَاة) أَي: عَن صَلَاة الَّذِي بِهِ عِلّة، وَفِي رِوَايَة وَكِيع: ( عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، سَأَلت عَن صَلَاة الْمَرِيض؟) أخرجه التِّرْمِذِيّ وَغَيره.
قَوْله: ( فعلى جنب) ، أَي: فعلى جَنْبك، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاطب لعمران بقوله: ( فَإِن لم تستطع) .

     وَقَالَ  أَولا فِي جَوَابه: ( صل قَائِما) ، وَلَكِن لم يبين فِيهِ على أَي جنب، وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يتَنَاوَل الْجنب الْأَيْمن والأيسر، وَبِه جزم الرَّافِعِيّ،.

     وَقَالَ : إلاّ أَنه لَو اضْطجع على جنبه الْأَيْسَر ترك السّنة، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ( عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن لم يسْتَطع فعلى جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة بِوَجْهِهِ) ، الحَدِيث، وَاسْتدلَّ بَعضهم على اسْتِحْبابُُ كَونه على الْجنب الْأَيْمن بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: ( قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أتيت مضجعك فَتَوَضَّأ وضوءك للصَّلَاة ثمَّ اضْطجع على شقك الْأَيْمن، وَقل: اللَّهُمَّ أسلمت نَفسِي إِلَيْك.
.
)
الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله، وَفِي قَوْله: ( فَإِن لم يسْتَطع فعلى جنبه) حجَّة لأصح الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا أَو الْقَوْلَيْنِ للشَّافِعِيّ أَنه: يضطجع على جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة، وَهُوَ قَول أَحْمد بن حَنْبَل، كَمَا يُوَجه الْمَيِّت فِي اللَّحْد، لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أثْنَاء حَدِيث الْبَيْت الْحَرَام: ( قبلتكم أَحيَاء وأمواتا) .
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه يستلقي على ظَهره وَيجْعَل رجلَيْهِ إِلَى الْقبْلَة ويومىء بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود إِلَى الْقبْلَة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة.
وَفِي الْمَسْأَلَة.
وَجه ثَالِث، حَكَاهُ الرَّافِعِيّ وَضَعفه، وَصفته: أَنه يضطجع على جنبه الْأَيْمن وأخمصاه إِلَى الْقبْلَة.
قلت: اخْتلفت الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا فِي الْقعُود إِذا عجز عَن الْقيام كَيفَ يقْعد؟ فروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا افْتتح الصَّلَاة يجلس كَيفَ مَا شَاءَ، وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يتربع، وَإِذا ركع يفترش رجله الْيُسْرَى وَيجْلس عَلَيْهَا، وَعَن أبي يُوسُف أَنه يتربع فِي جَمِيع صلَاته، وَعَن زفر أَنه يفترش رجله الْيُسْرَى فِي جَمِيع صلَاته، وَالصَّحِيح رِوَايَة مُحَمَّد لِأَن عذر الْمَرَض يسْقط الْأَركان عَنهُ، فَلِأَن يسْقط عَنهُ الهيئات أولى، وَيجْعَل سُجُوده أَخفض من رُكُوعه، وَلَا يرفع إِلَى وَجهه شَيْئا يسْجد عَلَيْهِ، وَإِن فعل ذَلِك وَهُوَ يخْفض رَأسه أَجزَأَهُ، وَيكون مسيئا.
وَفِي ( الْيَنَابِيع) : إِن وجد مِنْهُ تَحْرِيك رَأسه يجوز وإلاّ لَا، ثمَّ اخْتلفُوا: هَل يعد هَذَا سجودا أَو إِيمَاء؟ قيل: هُوَ إِيمَاء وَهُوَ الْأَصَح، وَإِن لم يسْتَطع الْقعُود اسْتلْقى على ظَهره وَجعل رجلَيْهِ إِلَى الْقبْلَة، وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود.
.

     وَقَالَ  الشَّيْخ حميد الدّين الضريري، رَحمَه الله: تُوضَع وسَادَة تَحت رَأسه حَتَّى يكون شبه الْقَاعِد ليتَمَكَّن من الْإِيمَاء بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود.
إِذْ حَقِيقَة الاستلقاء تمنع الأصحاء عَن الْإِيمَاء، فَكيف المرضى؟ وَاخْتلفت الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا فِي كَيْفيَّة الاستلقاء، فَفِي ظَاهر الرِّوَايَة يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ وَرجلَاهُ إِلَى الْقبْلَة، وروى ابْن كاس عَنْهُم أَنه: يُصَلِّي على جنبه الْأَيْمن وَوَجهه إِلَى الْقبْلَة، فَإِن عجز عَن ذَلِك اسْتلْقى على قَفاهُ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَقَول مَالك وَأحمد كظاهر الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة.