فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ترك القيام للمريض

(بابُُ تَرْكِ القِيَامِ لِلْمَرِيضِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان ترك قيام اللَّيْل للْمَرِيض.



[ قــ :1085 ... غــ :1124 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنِ الأسْوَدِ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدبا يَقُولُ اشْتَكَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أوْ لَيْلَتَيْنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: الْفضل بن دُكَيْن.
الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ، وَكَذَلِكَ فِي إِسْنَاد الحَدِيث الْآتِي، سُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، نَص عَلَيْهِ الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) وَصرح فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
الثَّالِث: الْأسود بن قيس.
الرَّابِع: جُنْدُب، بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال وَضمّهَا وبالباء الْمُوَحدَة: ابْن عبد الله، وَقد تقدم فِي: بابُُ النَّحْر فِي الْمصلى، فِي كتاب الْعِيد، وَوَقع فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي كتاب التَّفْسِير فِي { وَالضُّحَى} جُنْدُب بن أبي سُفْيَان وَهُوَ جُنْدُب بن عبد الله بن أبي سُفْيَان إِلَّا أَنه تَارَة ينْسب إِلَى أَبِيه وَتارَة إِلَى جده، وَلَا يظنّ أَن جُنْدُب ابْن أبي سُفْيَان غير جُنْدُب ابْن عبد الله فَافْهَم.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رِجَاله كوفيون.
والْحَدِيث من الرباعيات.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي قيام اللَّيْل عَن مُحَمَّد بن كثير وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن أبي نعيم أَيْضا وَفِي التَّفْسِير عَن أَحْمد بن يُونُس وَعَن بنْدَار عَن غنْدر، وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن إِسْحَاق عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَن إِسْحَاق وَمُحَمّد بن رَافع وَعَن أبي بكر وَأبي مُوسَى وَبُنْدَار، ثَلَاثَتهمْ عَن غنْدر وَعَن إِسْحَاق عَن الْملَائي.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (اشْتَكَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: مرض، وَكَذَلِكَ: تشكى، قَالَ الْجَوْهَرِي: اشْتَكَى عضوا من أَعْضَائِهِ وتشكى بِمَعْنى، وَأَصله من الشكو، قَالَ ابْن الْأَثِير: الشكو والشكوى والشكاة والشكاية: الْمَرَض.
وَفِي (الصِّحَاح) : شَكَوْت فلَانا أشكوه شكوى وشكاية وشكية وشكاة إِذا أخْبرت عَنهُ بِسوء فعله بك، فَهُوَ مشكو ومشكي، والإسم: الشكوى.
قَوْله: (فَلم يقم) ، من الْقيام، وانتصاب لَيْلَة على الظَّرْفِيَّة، وَهَكَذَا وَقع مُخْتَصرا هَهُنَا، وَقد سَاقه فِي فَضَائِل الْقُرْآن تَاما من شَيْخه أبي نعيم أَيْضا، قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا سُفْيَان (عَن الْأسود بن قيس، قَالَ: سَمِعت جندبا يَقُول: اشْتَكَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يقم لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَة، فَقَالَت: يَا مُحَمَّد مَا أرى شَيْطَانك إلاّ قد تَركك؟ فَأنْزل الله، عز وَجل: { وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} (وَالضُّحَى: 1 3) .
وَرَوَاهُ أَيْضا فِي كتاب التَّفْسِير فِي { وَالضُّحَى} : حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس حَدثنَا زُهَيْر حَدثنَا الْأسود بن قيس قَالَ: سَمِعت جُنْدُب بن سُفْيَان (قَالَ: اشْتَكَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يقم لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، فَجَاءَت امْرَأَة فَقَالَت: يَا مُحَمَّد إِنِّي لأرجو أَن يكون شَيْطَانك قد تَركك؟ لم أره قربك مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا؟ فَأنْزل الله عز وَجل: { وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} (وَالضُّحَى: 3) .
وَرَوَاهُ أَيْضا فِي { وَالضُّحَى} : حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا غنْدر حَدثنَا شُعْبَة (عَن الْأسود بن قيس قَالَ: سَمِعت جندبا البَجلِيّ.
.
قَالَت امْرَأَة: يَا رَسُول الله مَا أرى صَاحبك إلاّ أَبْطَأَ عَنْك؟ فَنزلت: { مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} (وَالضُّحَى: 3) .
وَرَوَاهُ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن كثير، وَيَأْتِي عَن قريب فِي هَذَا الْبابُُ، وروى مُسلم: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم أخبرنَا سُفْيَان (عَن الْأسود بن قيس أَنه سمع جندبا يَقُول: أَبْطَأَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ الْمُشْركُونَ: قد ودع مُحَمَّد، فَأنْزل الله تَعَالَى: { وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} (وَالضُّحَى: 1 3) .
وروى مُسلم أَيْضا من رِوَايَة زُهَيْر (عَن الْأسود بن قيس، قَالَ: سَمِعت جُنْدُب بن سُفْيَان يَقُول: اشْتَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا.
.
) الحَدِيث، مثل رِوَايَة البُخَارِيّ عَن أَحْمد بن يُونُس، وروى التِّرْمِذِيّ.

     وَقَالَ : حَدثنَا ابْن أبي عمر، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة (عَن الْأسود بن قيس عَن جُنْدُب البَجلِيّ، قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَنْمَار، فدميت إصبعه فَقَالَ: هَل أَنْت إِلَّا اصبع دميت.
وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت، قَالَ: وَأَبْطَأ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَالَ الْمُشْركُونَ: قد ودع مُحَمَّد، فَأنْزل الله تبَارك وَتَعَالَى: { مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} (الضُّحَى: 3) .
وروى الواحدي من حَدِيث هِشَام ابْن عُرْوَة عَن أَبِيه: (أَبْطَأَ جِبْرِيل على النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فجزع جزعا شَدِيدا فَقَالَت خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: قد قلاك رَبك لما يرى من جزعك، فَنزلت السُّورَة) .
وروى الْحَاكِم من حَدِيث عبد الله بن مُوسَى أخبرنَا إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق (عَن زيد بن أَرقم: لما نزلت { تبت} جَاءَت امْرَأَة أبي لَهب فَقَالَت: يَا مُحَمَّد على مَا تهجوني؟ فَقَالَ: مَا هجوتك، مَا هجاك إلاّ الله، وَمكث رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَيَّامًا لَا ينزل عَلَيْهِ وَحي، فَأَتَتْهُ فَقَالَت: يَا مُحَمَّد مَا أرى صَاحبك إلاّ قد قلاك؟ فَنزلت السُّورَة) .
وَفِي (تَفْسِير ابْن عَبَّاس) رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد الشَّامي: (أَبْطَأَ الْوَحْي عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَالَ كَعْب بن الْأَشْرَف: قد أطفأ الله نور مُحَمَّد وَانْقطع الْوَحْي عَنهُ، فهبط جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بعد الْأَرْبَعين يَوْمًا فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أبطأك عني فَنزلت: { وَمَا نَتَنَزَّل إلاّ بِأَمْر رَبك} (مَرْيَم: 46) .
وَأنزل سُورَة الضُّحَى وتكذيبا لكعب: { يُرِيدُونَ ليطفئوا نور الله بأفواههم} (الصَّفّ: 8) .
وَفِي (الْمعَانِي) للفراء و (الْإِيضَاح) تَفْسِير الْقُرْآن لأبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْجَوْزِيّ: قيل (سَبَب نُزُولهَا أَن الْوَحْي كَانَ تَأَخّر خَمْسَة عشر يَوْمًا فَتكلم الْكفَّار) الحَدِيث.
وَزعم ابْن إِسْحَاق أَن سَبَب تَأْخِير جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَن الْمُشْركين لما سَأَلُوهُ عَن ذِي القرنين وَالروح وعدهم بِالْجَوَابِ إِلَى غَد، وَلم يسْتَثْن، فَنزل عَلَيْهِ بعد بطئه سُورَة الضُّحَى، وبجواب سُؤَاله.
قَوْله: { وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إلاّ أَن يَشَاء الله} (الْكَهْف: 32) .
قَالَ الواحدي: وَعَن خَوْلَة خادمة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَن جروا دخل تَحت السرير، فَمَكثَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيَّامًا لَا ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي، فَقَالَ: يَا خَوْلَة مَا حدث فِي بَيْتِي؟ جِبْرِيل لَا يأتيني؟ قَالَت خَوْلَة: فَقلت لَو هيأت الْبَيْت وكنسته، قَالَت: فَأَهْوَيْت بالمكنسة تَحت السرير فَإِذا شَيْء ثقيل، فَإِذا هُوَ جرو ميت، فألقيته خلف الْجِدَار.
قَالَت: فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرعد فَقَالَ: يَا خَوْلَة دثريني فَأنْزل الله تَعَالَى: { وَالضُّحَى وَاللَّيْل} (الضُّحَى: 1 و 2) .
زَاد ابْن إِسْحَاق: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبريل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: مَا أخرك؟ فَقَالَ: أما علمت أَنا لَا ندخل بَيْتا فِيهِ كلب وَلَا صُورَة؟ وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) قَالَ ابْن جرير: قَالَ الْمُشْركُونَ: أَن مُحَمَّدًا ودعه ربه وقلاه، وَلَو كَانَ امْرَهْ من الله لتتابع عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يفعل بِمن كَانَ قبله من الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام،.

     وَقَالَ  الْمُسلمُونَ: يَا رَسُول الله أما ينزل عَلَيْك الْوَحْي؟ فَقَالَ: وَكَيف ينزل عَليّ الْوَحْي وَأَنْتُم لَا تنتقون براجمكم وَلَا تقلمون أظافركم؟ فَأنْزل الله تَعَالَى، جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِهَذِهِ السُّورَة، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا جِبْرِيل مَا جِئْت حَتَّى اشْتقت إِلَيْك { فَقَالَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: وَأَنا كنت أَشد شوقا، وَلَكِنِّي عبد مَأْمُور { وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْر رَبك} (مَرْيَم: 46) [/ ح.

ثمَّ الْكَلَام فِي هَذَا الْبابُُ على أَنْوَاع.
الأول: أَن اشتكاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يبين فِي شَيْء من طرق هَذَا الحَدِيث، قيل: وَظن بعض الشُّرَّاح أَن الَّذِي وَقع فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة من الحَدِيث، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب: هُوَ بَيَان للشكاية المجملة فِي الصَّحِيح، وَلَيْسَ كَمَا ظن، فءن فِي طَرِيق عبد الله بن شَدَّاد الَّتِي يَأْتِي التَّنْبِيه عَلَيْهَا أَن نزُول هَذِه السُّورَة كَانَ فِي أَوَائِل الْبعْثَة، وجندب لم يصحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاّ مُتَأَخِّرًا، حَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي (مُعْجم الصَّحَابَة) عَن الإِمَام أَحْمد، وَيُقَال: يحْتَمل أَن يكون سَبَب الشكاية بطء الْوَحْي.

الثَّانِي: أَن هَذِه الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة فِي الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة مُخْتَلف فِيهَا، فَفِي رِوَايَة الْحَاكِم: امْرَأَة أبي لَهب، وَهِي أم جميل العوراء بنت حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف، وَهِي أُخْت أبي سُفْيَان بن حَرْب، وَقيل: امْرَأَة من أَهله أَو من قومه.
قلت: لَا شكّ أَن أم جميلَة من قومه لِأَنَّهَا من بني عبد منَاف، وَفِي رِوَايَة سنيد بن دَاوُد: إِنَّهَا عَائِشَة، وَقد غلط سنيد فِيهِ، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ عَن أبي كريب عَن وَكِيع، فَقَالَ فِيهِ: قَالَت خَدِيجَة.
وَكَذَلِكَ أخرجه ابْن أبي حَاتِم، وَقد أنكر ذَلِك، لِأَن خَدِيجَة قَوِيَّة الْإِيمَان فَلَا يَلِيق نِسْبَة هَذَا القَوْل إِلَيْهَا وَإِن كَانَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيل القَاضِي فِي (أَحْكَامه) بِإِسْنَاد صَحِيح، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرِيّ فِي (تَفْسِيره) وَأَبُو دَاوُد فِي (أَعْلَام النُّبُوَّة) لَهُ، كلهم من طَرِيق عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد، وَمَعَ هَذَا لَيْسَ فِي رِوَايَة وَاحِد مِنْهُم أَنَّهَا عبرت بقولِهَا: شَيْطَانك، وَهَذِه لَفْظَة مستنكرة جدا، وَزعم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن عَسْكَر أَن القائلة ذَاك إِحْدَى عماته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ الظَّاهِر أَن الْمَرْأَة الَّتِي قَالَت: يَا مُحَمَّد}
مَا أرى شَيْطَانك إلاّ قد تَركك؟ ير الْمَرْأَة الَّتِي قَالَت: مَا أرى صَاحبك إلاّ قد أَبْطَأَ عَنْك؟ لِأَن هَذِه قَالَت: يَا رَسُول الله، وَتلك قَالَت: يَا مُحَمَّد، وَالَّتِي قَالَت: شَيْطَانك قَالَت تهكما وشماتة، وَالَّتِي قَالَت: صَاحبك، قَالَت تأسفا وتوجعا.

الثَّالِث: أَن مُدَّة بطء الْوَحْي اخْتلف فِيهَا، فَقيل: أَرْبَعُونَ يَوْمًا، كَمَا ذكر فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد، وَقيل: خَمْسَة عشر يَوْمًا، كَمَا ذكر فِي (كتاب الْمعَانِي) للفراء، وَقيل: خَمْسَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَعَن ابْن جريج: اثْنَي عشر يَوْمًا.





[ قــ :1086 ... غــ :115 ]
-
حدَّثنا محَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ قَالَ أخبرنَا سُفْيَانُ عنِ الأسْوَدِ بنِ قَيْسٍ عنْ جُنْدَبِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَالَ احْتَبَسَ جِبْرِيلُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ امْرَأةٌ مِنْ قُرَيْشٍ أبْطأَ عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ فَنَزَلَتْ وَالضُّحَى واللَّيْلِ إذَا سَجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن هَذَا من تَتِمَّة الحَدِيث السَّابِق، وَيدْفَع بِهَذَا مَا قَالَه ابْن التِّين: ذكر احتباس جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي هَذَا الْبابُُ لَيْسَ فِي مَوْضِعه، وَذَلِكَ لِأَن الحَدِيث وَاحِد لِاتِّحَاد مخرجه، وَإِن كَانَ السَّبَب مُخْتَلفا، وسُفْيَان فِيهِ هُوَ الثَّوْريّ، كَمَا فِي الحَدِيث الأول، وَقد ذكرنَا أَن فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة مُسلم، وَلَا يضر هَذَا لِأَن الظَّاهِر أَن الْأسود حدث بِهِ على الْوَجْهَيْنِ، فَحمل عَنهُ كل وَاحِد مَا لم يحملهُ الآخر، وَحمل عَنهُ الثَّوْريّ الْأَمريْنِ، فَحدث بِهِ مرّة كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث الأول، وَمرَّة كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث.

قَوْله: ( شَيْطَانه) ، بِرَفْع النُّون لِأَنَّهُ فَاعل: أَبْطَأَ.
قَوْله: ( فَنزلت وَالضُّحَى) أَي: نزلت سُورَة وَالضُّحَى إِلَى آخرهَا، وَفِي ( تَفْسِير النَّسَفِيّ) و { الضُّحَى} قيل: أَرَادَ النَّهَار كُله، وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى: { وَاللَّيْل إِذا سجى} ( الضُّحَى: ) .
فقابله بِاللَّيْلِ،.

     وَقَالَ  قَتَادَة وَمُقَاتِل: أَرَادَ وَقت الضُّحَى، وَهُوَ صدر النَّهَار حِين ترْتَفع الشَّمْس، ويعتدل النَّهَار من الْحر وَالْبرد فِي الشتَاء والصيف، وَقيل: هِيَ السَّاعَة الَّتِي كلم الله تَعَالَى فِيهَا مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، والساعة الَّتِي ألْقى فِيهَا السَّحَرَة سجدا بَيَانه { وان يحْشر النَّاس ضحى} ( طه: 95) .
وَقيل فِيهِ وَفِي أَمْثَاله إِضْمَار: رب، أَي: وَرب الضُّحَى.
قَوْله: ( وَاللَّيْل إِذا سجى) أَي: أقبل بظلامه،.

     وَقَالَ  الضَّحَّاك: غطى كل شَيْء،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد وَقَتَادَة: سكن بالخلق وَاسْتقر ظلامه، يُقَال: ليل سَاج وبحر سَاج إِذا كَانَ سَاكِنا.
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: أولى اوقوال عِنْدِي هَذَا،.

     وَقَالَ  الراجز:
( يَا حبذا القمراء وَاللَّيْل الساج ... وطرق مثل ملاء النساج)

وَعَن الْحسن: سجى جَاءَ، وَعَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: سجى بِمَعْنى ذهب.
قَوْله: ( مَا وَدعك) جَوَاب الْقسم أَي: مَا قَطعك رَبك قطع الْمُودع،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: معنى التَّشْدِيد مَا هُوَ آخر عَهْدك بِالْوَحْي، وَمعنى التَّخْفِيف مَا تَركك، وَالْمعْنَى وَاحِد.
.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: خبر أبي نعيم عَن سُفْيَان وَجه الْقِرَاءَة فِيهِ بِالتَّخْفِيفِ، وَوجه الْقِرَاءَة فِي رِوَايَة وَكِيع عَن سُفْيَان: وَدعك بِالتَّشْدِيدِ،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: التوديع مُبَالغَة فِي الودع، لِأَن من وَدعك مفارقا فقد بَالغ فِي تَركك.
قلت: قِرَاءَة التَّخْفِيف شَاذَّة، وَالْعرب أماتوا ماضي: يدع، ويورد قِرَاءَة التَّخْفِيف وَيُجَاب بالشذوذ.
قَوْله: ( وَمَا قلى) أَي: وَمَا قلاك، أَي: وَمَا بغضك من: القلى، بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام وَهُوَ: البغض.
فَإِن فتحت الْقَاف مددت تَقول: قلاه يقليه قلى وقلاء ويقلاه، لُغَة طي، وتقلى أَي: تبغض، وَإِنَّمَا حذف الْمَفْعُول حَيْثُ لم يقل: وَمَا قلاك، رِعَايَة للفواصل.