فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب

( بابُُ تَحْرِيضِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى صَلاَةِ اللَّيْلِ والنَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان تحريض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته أَو الْمُؤمنِينَ على قيام اللَّيْل، أَي: على صَلَاة اللَّيْل، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة على صَلَاة اللَّيْل، وَهَذَا الْبابُُ يشْتَمل على أَرْبَعَة أَحَادِيث: الأول: لأم سَلمَة.
وَالثَّانِي: لعَلي بن أبي طَالب.
وَالثَّالِث وَالرَّابِع: لأم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، قيل: اشْتَمَلت التَّرْجَمَة على أَمريْن: التحريض وَنفي الْإِيجَاب، فَحَدِيث أم سَلمَة وَعلي للْأولِ، وحديثا عَائِشَة للثَّانِي،.

     وَقَالَ  بَعضهم: بل يُؤْخَذ من الْأَحَادِيث الْأَرْبَعَة نفي الْإِيجَاب، وَيُؤْخَذ التحريض من حَدِيث عَائِشَة من قَوْلهَا: ( كَانَ يدع الْعَمَل وَهُوَ يُحِبهُ) ، لِأَن كل شَيْء أحبه استلزم التحريض عَلَيْهِ لَوْلَا مَا عَارضه من خشيَة الإفتراض.
انْتهى.
قلت: لَا نسلم أَن حَدِيث أم سَلمَة يدل على نفي الْإِيجَاب، بل ظَاهره يُوهم الْإِيجَاب على مَا لَا يخفى على المتأمل، وَلكنه سَاكِت عَنهُ، وَظَاهره التحريض، وَلَا نسلم أَيْضا استلزام التحريض فِي شَيْء أحبه، وَكَذَلِكَ ظَاهر حَدِيث عَليّ يُوهم الْإِيجَاب بِدَلِيل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين ولي: { وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلا} ( الْكَهْف: 45) .
وَلَكِن ظَاهره التحريض.
قَوْله: ( والنوافل) جمع نَافِلَة عطف على: قيام اللَّيْل، أَي: والتحريض على النَّوَافِل، فَإِن كَانَ المُرَاد من قيام اللَّيْل الصَّلَاة فَقَط، يكون من عطف الْعَام على الْخَاص، وَإِن كَانَ المُرَاد من قيام الَّيْلِ أَعم من الصَّلَاة وَالْقُرْآن وَالذكر والتفكر فِي الملكوت العلوية والسفلية وَغير ذَلِك، يكون من عطف الْخَاص على الْعَام.

وَطَرَقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاطِمَةَ وَعَلِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ لَيْلَةً لِلصَّلاَةِ
هَذَا التَّعْلِيق ذكره عقيب هَذَا بقوله: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان ... إِلَى آخِره.
قَوْله: ( طرق) ، من الطروق، وَهُوَ الْإِتْيَان بِاللَّيْلِ، يَعْنِي: أتاهما بِاللَّيْلِ للتحريض على الْقيام للصَّلَاة.



[ قــ :1087 ... غــ :1126 ]
- حدَّثنا ابنُ مُقَاتِل قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ هِنْدٍ بِنْتِ الحَارِثِ عنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَيْقظَ لَيْلَةً فَقَالَ سُبْحَانَ الله ماذَا أُنْزِلَ اللَّيلَةَ مِنَ الفتْنَةِ مَاذَا أنزل مِنَ الخَزَائِنِ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ يَا رُبَّ كاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ تحريضا على قيام اللَّيْل، والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ الْعلم والعظة بِاللَّيْلِ، قَالَ: حَدثنَا صَدَقَة، قَالَ: أخبرنَا ابْن عُيَيْنَة عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام هُنَاكَ مستقصىً.
وَعبد الله هَهُنَا: هُوَ ابْن الْمُبَارك.

قَوْله: ( يَا رُبَّ) المنادى مَحْذُوف أَي: يَا قوم رب كاسية.
قَوْله: ( عَارِية) بِالْجَرِّ صفة ( كاسية) والْحَدِيث، وَإِن صدر فِي حق أَزوَاجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَكِن الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ لَا لخُصُوص السَّبَب، وَالتَّقْدِير: رب نفس كاسية، وَفِيه أَنه أعلمهُ الله أَنه يفتح على أمته من الخزائن، وَأَن الْفِتَن مقرونة بهَا، وَلذَلِك آثر كثير من السّلف الْقلَّة على الْغنى خوف فتْنَة المَال، وَقد استعاذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فتْنَة الْغنى كَمَا استعاذ من فتْنَة الْفقر.





[ قــ :1088 ... غــ :117 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي علِيُّ بنُ حُسَيْنٍ أنَّ حُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ أخْبَرَهُ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ أخبرهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَرَقَهُ وفاطِمَةَ بِنْتَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةً فَقَالَ ألاَ تُصَلِّيانِ فَقُلْتُ يَا رسولَ الله أنْفُسُنا بِيَدِ الله فإذَا شاءَ أنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذالِكَ ولَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شَيْئا ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهْوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وهْوَ يَقُولُ وَكانَ الإنْسَانُ أكْثرَ شيءٍ جدَلاً..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طرق عليا وَفَاطِمَة لَيْلَة وحرضهما على قيام اللَّيْل بقوله: ( أَلا تصليان؟) .

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي حَمْزَة.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الرَّابِع: عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب الْمَشْهُور بزين العابدين، تقدم فِي: بابُُ من قَالَ فِي الْخطْبَة أما بعد فِي الْجُمُعَة.
الْخَامِس: أَبوهُ الْحُسَيْن بن عَليّ.
السَّادِس: جده عَليّ بن أبي طَالب.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع كَذَلِك فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه حمصيان والبقية مدنيون.
وَفِيه: إِن إِسْنَاد زين العابدين من أصح الْأَسَانِيد وَأَشْرَفهَا الْوَارِدَة فِيمَن روى عَن أَبِيه عَن جده.
.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ اللَّيْث عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن الْحسن بن عَليّ، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة حجاج بن أبي منيع عَن جده عَن الزُّهْرِيّ فِي ( تَفْسِير ابْن مرْدَوَيْه) وَلَيْسَ كَذَلِك، وَالصَّوَاب عَن الْحُسَيْن بتصغير اللَّفْظ.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وَرِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي الْيَمَان فِي الِاعْتِصَام وَفِي التَّوْحِيد أَيْضا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَأخرجه أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن عبد الله، وَفِي الِاعْتِصَام أَيْضا عَن مُحَمَّد بن سَلام، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن لَيْث.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن عبيد الله بن سعيد وَأَعَادَهُ فِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( طرقه) أَي: أَتَاهُ لَيْلًا.
قَوْله: ( وَفَاطِمَة) بِالنّصب عطفا على الضَّمِير الْمَنْصُور فِي: طرقه.
قَوْله: ( لَيْلَة) ، أَي: لَيْلَة من اللَّيَالِي فَإِن قلت: مَا فَائِدَة ذكر لَيْلَة والطروق هُوَ الْإِتْيَان بِاللَّيْلِ؟ قلت: يكون للتَّأْكِيد، وَذكر ابْن فَارس ان معنى: طرق أَتَى من غير تَقْيِيد بِشَيْء، فعلى هَذَا تكون لَيْلَة لبَيَان وَقت الْمَجِيء،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بقوله: لَيْلَة، أَي: مرّة وَاحِدَة.
قلت: هَذَا غير موجه لِأَن أحدا لم يقل: إِن التَّنْوِين فِيهِ للمرة، فَظن أَن كَون لَيْلَة على وزن فعلة يدل على الْمرة وَلَيْسَ كَذَلِك، وَالْمعْنَى مَا ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: ( أَلا تصليان؟) كلمة: أَلا، للحث والتحريض وَالْخطاب لعَلي وَفَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَوْله: ( أَنْفُسنَا بيد الله) اقتباس من قَوْله تَعَالَى: { الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} ( الزمر: 4) .
كَذَا قيل، وَفِيه نظر.
قَوْله: ( بعثنَا) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول، أَي: لَو شَاءَ الله أَن يوقظنا أيقظنا، وأصل الْبَعْث إثارة الشَّيْء من مَوْضِعه.
قَوْله: ( فَانْصَرف) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( حِين قلت) ، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: ( حِين قُلْنَا) قَوْله: ( ذَلِك) إِشَارَة إِلَى قَوْله: ( انفسنا بيد الله) .
قَوْله: ( وَلم يرجع إِلَيّ شَيْئا) ، بِفَتْح الْيَاء مَعْنَاهُ: لم يجبني، وَرجع يَأْتِي لَازِما ومتعديا.
قَوْله: ( وَهُوَ مول) جملَة إسمية وَقعت حَالا أَي: معرض عَنَّا مُدبرا.
وَكَذَا قَوْله: ( يضْرب فَخذه) ، جملَة حَالية، وَيفْعل ذَلِك عِنْد التوجع والتأسف.
قَوْله: ( وَهُوَ يَقُول كَذَلِك) جملَة حَالية، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك تَعَجبا من سرعَة جوابة، وَقيل: إِنَّمَا قَالَه تَسْلِيمًا لعذره وَأَنه لَا عتب عَلَيْهِ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن السُّكُوت يكون جَوَابا.
وَفِيه: جَوَاز ضرب الْفَخْذ عِنْد التأسف.
وَفِيه: جَوَاز الانتزاع من الْقُرْآن.
وَفِيه: تَرْجِيح قَول من قَالَ: إِن اللَّام فِي قَوْله: ( وَكَانَ الْإِنْسَان) للْعُمُوم لَا لخُصُوص الْكفَّار.
وَفِيه: منقبة لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَيْثُ نقل مَا فِيهِ عَلَيْهِ أدنى غَضَاضَة، فَقدم مصلحَة نشر الْعلم وتبليغه على كتمه.
وَفِيه: مَا نقل ابْن بطال عَن الْمُهلب أَنه: لَيْسَ للْإِمَام أَن يشدد فِي النَّوَافِل حَيْثُ قنع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقول عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( أَنْفُسنَا بيد الله) ، لِأَنَّهُ كَلَام صَحِيح فِي الْعذر عَن التَّنَفُّل، وَلَو كَانَ فرضا مَا أعذره.
وَفِيه: إِشَارَة إِلَى أَن نفس النَّائِم ممسكة بيد الله تَعَالَى.





[ قــ :1089 ... غــ :118 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ إنْ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيَدَعَ العَمَلَ وَهْوَ يُحِبُّ أنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ وَمَا سَبَّحَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُبْحَةَ الضُّحاى قَطُّ وإنِّي لأُسَبِّحُهَا.

(الحَدِيث 811 طرفه فِي: 7711) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْعَمَل الَّذِي كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب أَن يعْمل بِهِ لَا يَخْلُو عَن تحريض أمته عَلَيْهِ، غير أَنه كَانَ يتْركهُ خشيَة أَن يعْمل بِهِ النَّاس فيفرض عَلَيْهِم، وَيحْتَمل أَن تكون الْمُطَابقَة للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة، وَهُوَ قَوْله: (والنوافل) فَإِنَّهَا أَعم من أَن تكون بِاللَّيْلِ أَو بِالنَّهَارِ، فَيكون مَحل الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَإِنِّي لأُسبحها) ، وَفِيه تحريض على ذَلِك، وَقد تكَرر ذكر رِجَاله.

وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة، أربعتهم عَن مَالك عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.

قَوْله: (أَن كَانَ) ، كلمة: إِن، بِكَسْر الْهمزَة مُخَفّفَة عَن الثَّقِيلَة، وَأَصله: إِنَّه كَانَ، فَحذف ضمير الشان وخففت النُّون.
قَوْله: (ليَدع) ، بِفَتْح اللَّام الَّتِي للتَّأْكِيد، أَي: ليترك.
قَوْله: (خشيَة) بِالنّصب أَي: لأجل خشيَة أَن يعْمل بِهِ النَّاس، وَهُوَ مُتَعَلق بقوله: (ليَدع) .
قَوْله: (فيفرض) ، بِالنّصب عطفا على: (أَن يعْمل.
قَوْله: (وَمَا سبح) أَي: وَمَا تفل، وَأَرَادَ بسبحة الضُّحَى: صَلَاة الضُّحَى.
قَوْله: (وَإِنِّي لأسبحها) أَي: أصليها، ويروى لاستحبها من الِاسْتِحْبابُُ،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَذَا من عَائِشَة إِخْبَار عَمَّا عَلمته دون مَا لم تعلم، وَقد ثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة الضُّحَى يَوْم الْفَتْح، وَأوصى أَبَا ذَر وَأَبا هُرَيْرَة،.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: أما قَوْلهَا: مَا سبح سبْحَة الضُّحَى قطّ، فَهُوَ أَن من علم من السّنَن علما خَاصّا يَأْخُذ عَنهُ بعض أهل الْعلم دون بعض، فَلَيْسَ لأحد من الصَّحَابَة إلاّ وَقد فَاتَهُ من الحَدِيث مَا أَحْصَاهُ غَيره، والإحاطة ممتنعة، وَإِنَّمَا حصل الْمُتَأَخّرُونَ علم ذَلِك مُنْذُ صَار الْعلم فِي الْكتب، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ يكون عِنْد عَائِشَة فِي وَقت الضُّحَى إِلَّا فِي نَادِر من الْأَوْقَات، فإمَّا مُسَافر أَو حَاضر فِي الْمَسْجِد أَو غَيره أَو عِنْد بعض نِسَائِهِ، وَمَتى يَأْتِي يَوْمهَا بعد تِسْعَة فَيصح قَوْلهَا: مَا رَأَيْته يُصليهَا، وَتَكون قد علمت بِخَبَرِهِ أَو بِخَبَر غَيره أَنه صلاهَا، أَو المُرَاد بِمَا يُصليهَا؛ مَا يداوم عَلَيْهَا.
فَيكون نفيا للمداومة لَا لأصلها.
.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ، رَحمَه الله قَوْله: (فيفرض عَلَيْهِم) ، يحْتَمل على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: فيفرضه الله تَعَالَى.
وَالثَّانِي: فيعملوا بِهِ اعتقادا أَنه مَفْرُوض.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: يحْتَمل حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، مَعْنيين: أَحدهمَا: أَنه يُمكن أَن يكون هَذَا القَوْل مِنْهُ فِي وَقت فرض عَلَيْهِ قيام اللَّيْل دون أمته، لقَوْله فِي الحَدِيث الآخر: (لم يَمْنعنِي من الْخُرُوج إِلَيْكُم إلاّ أَنِّي خشيت أَن تفرض عَلَيْكُم) ، فَدلَّ على أَنه كَانَ فرضا عَلَيْهِ وَحده، فَيكون معنى قَول عَائِشَة: (إِن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَدع الْعَمَل) أَنه كَانَ يدع عمله لأمته ودعاءهم إِلَى فعلهم مَعَه، لَا أَنَّهَا أَرَادَت أَنه كَانَ يدع الْعَمَل أصلا، وَقد فَرْضه الله عَلَيْهِ، أَو نَدبه إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ أتقى أمته وأشدهم إجتهادا.
ألاَ ترَى أَنه لما اجْتمع النَّاس من اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة لم يخرج إِلَيْهِم؟ وَلَا شكّ أَنه صلى حزبه تِلْكَ اللَّيْلَة فِي بَيته، فخشي إِن خرج إِلَيْهِم والتزموا مَعَه صَلَاة اللَّيْل أَن يُسَوِّي الله، عز وَجل، بَينه وَبينهمْ فِي حكمهَا، فيفرضها عَلَيْهِم من أجل أَنَّهَا فرض عَلَيْهِ إِذْ الْمَعْهُود فِي الشَّرِيعَة مُسَاوَاة حَال الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة، فَمَا كَانَ مِنْهَا فَرِيضَة فالإمام وَالْمَأْمُوم فِيهِ سَوَاء، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهَا سنة أَو نَافِلَة.
الثَّانِي: أَن يكون خشِي من مواظبتهم على صَلَاة اللَّيْل مَعَه أَن يضعفوا عَنْهَا فَيكون من تَركهَا عَاصِيا لله فِي مُخَالفَته لنَبيه وَترك أَتْبَاعه متوعدا بالعقاب على ذَلِك، لِأَن الله تَعَالَى فرض اتِّبَاعه، فَقَالَ: { واتبعوه لَعَلَّكُمْ تهتدون} (الْأَعْرَاف: 851) .
.

     وَقَالَ  فَيتْرك أَتْبَاعه { فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} (النُّور: 36) .
فخشي على تاركها أَن يكون كتارك مَا فرض الله عَلَيْهِ، لِأَن طَاعَة الرَّسُول كطاعته، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَفِيقًا بِالْمُؤْمِنِينَ رحِيما بهم.
فَإِن قيل: كَيفَ يجوز أَن تكْتب عَلَيْهِم صَلَاة اللَّيْل وَقد أكملت الْفَرَائِض؟ قيل لَهُ: صَلَاة اللَّيْل كَانَت مَكْتُوبَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأفعاله الَّتِي تتصل بالشريعة وَاجِب على أمته الِاقْتِدَاء بِهِ فِيهَا، وَكَانَ أَصْحَابه إِذا رَأَوْهُ يواظب على فعل فِي وَقت مَعْلُوم يقتدون بِهِ ويرونه وَاجِبا، فَالزِّيَادَة إِنَّمَا يتَّصل وُجُوبهَا عَلَيْهِم من جِهَة وجوب الِاقْتِدَاء بِفِعْلِهِ، لَا من جِهَة ابْتِدَاء فرض زَائِد على الْخمس، أَو يكون أَن الله تَعَالَى لما فرض الْخمسين وحطها بِشَفَاعَتِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا عَادَتْ الْأمة فِيمَا استوهبت والتزمت متبرعة مَا كَانَت استعفت مِنْهُ، لم يستنكر ثُبُوته فرضا عَلَيْهِم، وَقد ذكر الله تَعَالَى فريقا من النَّصَارَى وَأَنَّهُمْ ابتدعوا رَهْبَانِيَّة مَا كتبناها عَلَيْهِم، ثمَّ لامهم لما قصروا فِيهَا بقوله تَعَالَى: { فَمَا رعوها حق رعايتها} (الْحَدِيد: 7) .
فخشي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَكُونُوا مثلهم، فَقطع الْعَمَل شَفَقَة على أمته.





[ قــ :1090 ... غــ :119 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ.
قالَ أخْبرنا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عَائِشةَ أمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي المَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ ناسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ فكَثُرَ النَّاسُ ثُم اجتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةَ أوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلمَّا أصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأيْتُ الذِي صَنَعْتُمْ ولَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلاَّ أنِّي خَشِيتُ أنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ وَذالِكَ فِي رَمَضَانَ..
هَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مثل إِسْنَاد الحَدِيث الأول.

قَوْله: ( صلى ذَات لَيْلَة فِي الْمَسْجِد) أَي: صلى صَلَاة اللَّيْل فِي لَيْلَة من ليَالِي رَمَضَان.
قَوْله: ( ثمَّ صلى من الْقَابِلَة) أَي: من اللَّيْلَة الثَّانِيَة، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: ( ثمَّ صلى من الْقَابِل) أَي: من الْوَقْت الْقَابِل من اللَّيْلَة الْقَابِلَة.
قَوْله: ( من اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة) ، كَذَا رَوَاهُ مَالك بِالشَّكِّ، وَفِي رِوَايَة عقيل عَن ابْن شهَاب: ( فصلى النَّاس بِصَلَاتِهِ فَأصْبح النَّاس فتحدثوا) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب: ( يتحدثون بذلك) ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن ابْن جريج عَن ابْن شهَاب: ( فَلَمَّا أصبح تحدثُوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي الْمَسْجِد من جَوف اللَّيْل، فَاجْتمع أَكثر مِنْهُم) ، وَزَاد يُونُس ( فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة فصلوا مَعَه، فَأصْبح النَّاس يذكرُونَ ذَلِك، فَكثر أهل الْمَسْجِد فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة، فَخرج فصلوا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَت الرَّابِعَة عجز الْمَسْجِد عَن أَهله) .
وَفِي رِوَايَة ابْن جريج أَيْضا: ( حَتَّى كَاد الْمَسْجِد يعجز عَن أَهله) ، وَلأَحْمَد فِي رِوَايَة عَن معمر عَن ابْن شهَاب: امْتَلَأَ الْمَسْجِد حَتَّى اغتص بأَهْله) ، وَله من رِوَايَة سُفْيَان بن حُسَيْن عَنهُ: ( فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الرَّابِعَة غص الْمَسْجِد بأَهْله) .
قَوْله: ( فَلم يخرج إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن ابْن جريج: ( حَتَّى سَمِعت نَاسا مِنْهُم يَقُولُونَ: الصَّلَاة) ، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان بن حُسَيْن عَنهُ: ( فَقَالُوا مَا شَأْنه؟) وَفِي حَدِيث زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَام: حَدثنَا إِسْحَاق أخبرنَا عَفَّان حَدثنَا وهيب حَدثنَا مُوسَى بن عقبَة سَمِعت أَبَا النَّضر يحدث عَن بسر بن سعيد، ( عَن زيد بن ثَابت: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخذ حجرَة فِي الْمَسْجِد من حَصِير، فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا ليَالِي حَتَّى اجْتمع إِلَيْهِ نَاس، ثمَّ فقدوا صَوته لَيْلَة فظنوا أَنه قد نَام، فَجعل بَعضهم يَتَنَحْنَح ليخرج إِلَيْهِم فَقَالَ: مَا زَالَ بكم الَّذِي رَأَيْت من صنيعكم حَتَّى خشيت أَن يكْتب عَلَيْكُم، وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بِهِ، فصلوا أَيهَا النَّاس فِي بُيُوتكُمْ فَإِن أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إلاّ الْمَكْتُوبَة) .
وَأخرجه أَيْضا فِي الْأَدَب، وَلَفظه: ( احتجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجيرة مخصفة، أَو حجيرا فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِيهَا فتتبع إِلَيْهِ رجال فجاؤا يصلونَ بصلاتهم، ثمَّ جاؤا لَيْلَة فَحَضَرُوا وَأَبْطَأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُم، فَلم يخرج إِلَيْهِم، فَرفعُوا أَصْوَاتهم وحصبوا الْبابُُ، فَخرج إِلَيْهِم مغضبا فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا زَالَ بكم صنيعكم حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيكتب عَلَيْكُم، فَعَلَيْكُم بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتكُمْ فَإِن خير صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إلاّ الْمَكْتُوبَة) .
وَأخرجه مُسلم أَيْضا وَفِيه: ( فَأَبْطَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُم فَلم يخرج إِلَيْهِم، فَرفعُوا أَصْوَاتهم وحصبوا الْبابُُ.
.
)
وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا وَفِيه: ( حَتَّى إِذا كَانَ لَيْلَة من اللَّيَالِي لم يخرج إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فتنحنحوا وَرفعُوا أَصْوَاتهم وحصبوا بابُُه.
.
)
الحَدِيث.
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ.
قَوْله: ( فَلَمَّا أصبح قَالَ: قد رَأَيْت الَّذِي صَنَعْتُم) وَفِي رِوَايَة عقيل: ( فَلَمَّا قضى صَلَاة الْفجْر أقبل على النَّاس وَتشهد ثمَّ قَالَ: أما بعد، فَإِنَّهُ لم يخف على مَكَانكُمْ) .
وَفِي رِوَايَة يُونُس وَابْن جريج: ( لم يخف عَليّ شَأْنكُمْ) ، وَفِي رِوَايَة أبي سَلمَة: ( أكلفوا من الْعَمَل مَا تطيقون، وَفِي رِوَايَة معمر أَن الَّذِي سَأَلَهُ عَن ذَلِك بعد أَن أصبح عمر بن الْخطاب.
قَوْله: ( أَن تفرض عَلَيْكُم) أَي: بِأَن تفرض عَلَيْكُم صَلَاة اللَّيْل، يدل عَلَيْهِ رِوَايَة يُونُس: ( وَلَكِنِّي خشيت أَن تفرض عَلَيْكُم صَلَاة اللَّيْل فتعجزوا عَنْهَا) ، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي سَلمَة الْمَذْكُور قبيل صفة الصَّلَاة، ( خشيت أَن تكْتب عَلَيْكُم صَلَاة اللَّيْل) ، فدلت هَذِه الرِّوَايَات على أَن عدم خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم كَانَ للخشية عَن فَرضِيَّة هَذِه الصَّلَاة لَا لعِلَّة أُخْرَى.
قَوْله: ( وَذَلِكَ فِي رَمَضَان) كَلَام عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، ذكرته إدراجا لتبين أَن هَذِه الْقَضِيَّة كَانَت فِي شهر رَمَضَان.
فَإِن قلت: لم يبين فِي الرِّوَايَات الْمَذْكُورَة عدد هَذِه الصَّلَاة الَّتِي صلاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تِلْكَ اللَّيَالِي؟ قلت: روى ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان من حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: ( صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان ثَمَان رَكْعَات ثمَّ أوتر) .
( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ جَوَاز النَّافِلَة جمَاعَة وَلَكِن الْأَفْضَل فِيهَا الِانْفِرَاد وَفِي التَّرَاوِيح اخْتلف الْعلمَاء فَذهب اللَّيْث بن سعد وَعبد الله بن الْمُبَارك وَأحمد وَإِسْحَق إِلَى أَن قيام التَّرَاوِيح مَعَ الإِمَام فِي شهر رَمَضَان أفضل مِنْهُ فِي الْمنَازل.

     وَقَالَ  بِهِ قوم من الْمُتَأَخِّرين من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَأَصْحَاب الشَّافِعِي فَمن أَصْحَاب أبي حنيفَة عِيسَى بن أبان وبكار بن قُتَيْبَة وَأحمد بن أبي عمرَان أحد مَشَايِخ الطَّحَاوِيّ وَمن أَصْحَاب الشَّافِعِي إِسْمَاعِيل بن يحيى الْمُزنِيّ وَمُحَمّد بن عبد الله بن الحكم وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث أبي ذَر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " صمت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَمَضَان فَلم يقم بِنَا حَتَّى بَقِي سبع من الشَّهْر فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة السَّابِعَة خرج فصلى بِنَا حَتَّى مضى ثلث اللَّيْل ثمَّ لم يصل بِنَا السَّادِسَة ثمَّ خرج لَيْلَة الْخَامِسَة فصلى بِنَا حَتَّى مضى شطر اللَّيْل فَقُلْنَا يَا رَسُول الله لَو نفلتنا فَقَالَ إِن الْقَوْم إِذا صلوا مَعَ الإِمَام حَتَّى ينْصَرف كتب لَهُم قيام تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ لم يصل بِنَا الرَّابِعَة حَتَّى إِذا كَانَت لَيْلَة الثَّالِثَة خرج وَخرج بأَهْله فصلى بِنَا حَتَّى خشينا أَن يفوتنا الْفَلاح فَقلت وَمَا الْفَلاح قَالَ السّحُور " أخرجه الطَّحَاوِيّ وأخره التِّرْمِذِيّ نَحوه غير أَن فِي لَفظه " من قَامَ مَعَ الإِمَام حَتَّى ينْصَرف كتب لَهُ قيام لَيْلَة " وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا ويحكى ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَمُحَمّد بن سِيرِين وَطَاوُس ( قلت) هُوَ مَذْهَب أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة.

     وَقَالَ  صَاحب الْهِدَايَة يسْتَحبّ أَن يجْتَمع النَّاس فِي شهر رَمَضَان بعد الْعشَاء فَيصَلي بهم إمَامهمْ خمس ترويحات ثمَّ قَالَ وَالسّنة فِيهَا الْجَمَاعَة لَكِن على وَجه الْكِفَايَة حَتَّى لَو امْتنع أهل الْمَسْجِد من إِقَامَتهَا كَانُوا مسيئين وَلَو أَقَامَهَا الْبَعْض فالمتخلف عَن الْجَمَاعَة تَارِك للفضيلة لِأَن أَفْرَاد الصَّحَابَة يرْوى عَنْهُم التَّخَلُّف ( قلت) روى الطَّحَاوِيّ عَن نَافِع " عَن ابْن عمر أَنه كَانَ لَا يُصَلِّي خلف الإِمَام فِي شهر رَمَضَان " وَأخرج ابْن أبي شيبَة أَيْضا فِي مُصَنفه " عَن ابْن عمر أَنه كَانَ لَا يقوم مَعَ النَّاس فِي شهر رَمَضَان قَالَ وَكَانَ الْقَاسِم وَسَالم لَا يقومان مَعَ النَّاس " وَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَرَبِيعَة إِلَى أَن صلَاته فِي بَيته أفضل من صلَاته مَعَ الإِمَام وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالْأسود وعلقمة.

     وَقَالَ  أَبُو عمر اخْتلفُوا فِي الْأَفْضَل من الْقيام مَعَ النَّاس أَو الِانْفِرَاد فِي شهر رَمَضَان فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ صَلَاة الْمُنْفَرد فِي بَيته أفضل.

     وَقَالَ  مَالك وَكَانَ ربيعَة وَغير وَاحِد من عُلَمَائِنَا يَنْصَرِفُونَ وَلَا يقومُونَ مَعَ النَّاس.

     وَقَالَ  مَالك وَأَنا أفعل ذَلِك وَمَا قَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا فِي بَيته وَإِلَيْهِ مَال الطَّحَاوِيّ وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَسَالم وَالقَاسِم وَنَافِع أَنهم كَانُوا يَنْصَرِفُونَ وَلَا يقومُونَ مَعَ النَّاس.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ وَاخْتَارَ الشَّافِعِي أَن يُصَلِّي الرجل وَحده إِذا كَانَ قَارِئًا وَالْكَلَام فِي التَّرَاوِيح على أَنْوَاع.
الأول أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِيهَا هَل هِيَ سنة أَو تطوع مُبْتَدأ فَقَالَ الإِمَام حميد الدّين الضزيري رَحمَه الله نفس التَّرَاوِيح سنة وَأما أَدَاؤُهَا بِالْجَمَاعَة فمستحب وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن نفس التَّرَاوِيح سنة لَا يجوز تَركهَا.

     وَقَالَ  الصَّدْر الشَّهِيد هُوَ الصَّحِيح وَفِي جَوَامِع الْفِقْه التَّرَاوِيح سنة مُؤَكدَة وَالْجَمَاعَة فِيهَا وَاجِبَة وَفِي رَوْضَة الْحَنَفِيَّة وَالْجَمَاعَة فَضِيلَة وَفِي الذَّخِيرَة لنا عَن أَكثر الْمَشَايِخ أَن إِقَامَتهَا بِالْجَمَاعَة سنة على الْكِفَايَة الثَّانِي أَن عَددهَا عشرُون رَكْعَة وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَنَقله القَاضِي عَن جُمْهُور الْعلمَاء وَحكي أَن الْأسود بن يزِيد كَانَ يقوم بِأَرْبَعِينَ رَكْعَة ويوتر بِسبع وَعند مَالك سِتَّة وَثَلَاثُونَ رَكْعَة غير الْوتر وَاحْتج على ذَلِك بِعَمَل أهل الْمَدِينَة وَاحْتج أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيَّة والحنابلة بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح " عَن السَّائِب بن يزِيد الصَّحَابِيّ قَالَ كَانُوا يقومُونَ على عهد عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِعشْرين رَكْعَة وعَلى عهد عُثْمَان وَعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مثله " وَفِي الْمُغنِي عَن عَليّ أَنه أَمر رجلا أَن يُصَلِّي بهم فِي رَمَضَان بِعشْرين رَكْعَة قَالَ وَهَذَا كالإجماع ( فَإِن قلت) قَالَ فِي الْمُوَطَّأ عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ كَانَ النَّاس فِي زمن عمر يقومُونَ فِي رَمَضَان بِثَلَاث وَعشْرين رَكْعَة ( قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَالثَّلَاث هُوَ الْوتر وَيزِيد لم يدْرك عمر فَيكون مُنْقَطِعًا وَالْجَوَاب عَمَّا قَالَه مَالك أَن أهل مَكَّة كَانُوا يطوفون بَين كل ترويحتين وَيصلونَ رَكْعَتي الطّواف وَلَا يطوفون بعد الترويحة الْخَامِسَة فَأَرَادَ أهل الْمَدِينَة مساواتهم فَجعلُوا مَكَان كل طواف أَربع رَكْعَات فزادوا سِتّ عشرَة رَكْعَة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحَق وَأولى أَن يتبع الثَّالِث فِي وَقتهَا وَهُوَ بعد الْعشَاء وَقبل الْوتر عندنَا وَهُوَ قَول عَامَّة مَشَايِخ بُخَارى وَالأَصَح أَن وَقتهَا بعد الْعشَاء إِلَى آخر اللَّيْل قبل الْوتر وَبعده وَفِي الْمَبْسُوط الْمُسْتَحبّ فعلهَا إِلَى نصف اللَّيْل أَو ثلثه كَمَا فِي الْعشَاء وَفِي الْمُحِيط لَا يجوز قبل الْعشَاء وَيجوز بعد الْوتر وَلم يحك فِيهِ خلافًا.
الرَّابِع أَن أَكثر الْمَشَايِخ على أَن السّنة فِيهَا الْخَتْم فَلَا يتْرك لكسل الْقَوْم وَقيل يقْرَأ مِقْدَار مَا يقْرَأ فِي الْمغرب تَحْقِيقا للتَّخْفِيف قَالَ شمس الْأَئِمَّة هَذَا غير مستحسن وَقيل يقْرَأ من عشْرين آيَة إِلَى ثَلَاثِينَ آيَة كَمَا أَمر عمر بن الْخطاب أحد الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة على مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ دَعَا عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بذلك من الْقُرَّاء فاستقرأهم فَأمر أسرعهم قِرَاءَة أَن يقْرَأ للنَّاس بِثَلَاثِينَ آيَة فِي كل رَكْعَة وأوسطهم بِخمْس وَعشْرين آيَة وأبطأهم بِعشْرين آيَة ( وَمن فَوَائِد الحَدِيث الْمَذْكُور) جَوَاز الِاقْتِدَاء بِمن لم ينْو إِمَامَته وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور إِلَّا رِوَايَة عَن الشَّافِعِي.
وَفِيه إِذا تَعَارَضَت مصلحَة وَخَوف مفْسدَة أَو مصلحتان اعْتبر أهمهما لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ رأى الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد لبَيَان الْجَوَاز أَو أَنه كَانَ معتكفا فَلَمَّا عَارضه خوف الافتراض عَلَيْهِم تَركه لعظم الْمفْسدَة الَّتِي تخَاف من عجزهم وتركهم الْفَرْض.
وَفِيه أَن الإِمَام أَو كَبِير الْقَوْم إِذا فعل شَيْئا خلاف مَا يتوقعه أَتْبَاعه وَكَانَ لَهُ عذر فِيهِ يذكرهُ لَهُم تطييبا لقُلُوبِهِمْ وإصلاحا لذات الْبَيْت لِئَلَّا يَظُنُّوا خلاف هَذَا وَرُبمَا ظنُّوا ظن السوء وَفِيه جَوَاز الْفِرَار من قدر الله إِلَى قدر الله قَالَه الْمُهلب.
وَفِيه مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الزهادة فِي الدُّنْيَا والاكتفاء بِمَا قل مِنْهَا والشفقة على أمته والرأفة بهم.
وَفِيه الْأَذَان وَالْإِقَامَة للنوافل إِذا صليت جمَاعَة قَالَ ابْن بطال.
وَفِيه أَن قيام رَمَضَان سنة بِالْجَمَاعَة وَلَيْسَ كَمَا زَعمه بَعضهم أَنه سنة عمر رَضِي الله عَنهُ.

     وَقَالَ  أَجمعُوا على أَنه لَا يجوز تَعْطِيل الْمَسَاجِد عَن قيام رَمَضَان فَهُوَ وَاجِب على الْكِفَايَة ( بابُُ قيام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى ترم قدماه)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان قيام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَعْنِي صَلَاة اللَّيْل هَذِه التَّرْجَمَة على هَذَا الْوَجْه رِوَايَة كَرِيمَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بابُُ قيام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اللَّيْل قَوْله " حَتَّى ترم " كلمة حَتَّى للغاية وَمَعْنَاهَا إِلَى أَن ترم وَلَفْظَة ترم مَنْصُوبَة بِأَن الْمقدرَة وَهُوَ بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق فعل مضارع للمؤنث وماضيه ورم وَهُوَ من بابُُ فعل يفعل بِالْكَسْرِ فيهمَا تَقول ورم يرم ورما وَمعنى ورم انتفخ وأصل ترم تورم فحذفت الْوَاو مِنْهُ كَمَا حذفت من بعد ويمق وَنَحْوهمَا فِي كل مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبابُُ قيل هَذَا شَاذ وَقيل نَادِر وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ قَلِيل لِأَنَّهُ لَا يدْخل فِي دعائم الْأَبْوَاب وَقَوله " قدماه " مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل ترم.

( وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَامَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى تفطر قدماه والفطور الشقوق انفطرت انشقت) ويروى " قَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني قَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا " كَانَ يقوم " وَهَذَا التَّعْلِيق أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير مُسْندًا فِي سُورَة الْفَتْح " حَتَّى تفطر " على وزن تفعل بِالتَّشْدِيدِ بتاء وَاحِدَة وَهُوَ على صِيغَة الْمَاضِي فَتكون الرَّاء مَفْتُوحَة وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ تتفطر بتاءين وَقد يَأْتِي فِيمَا كَانَ بتاءين حذف إِحْدَاهمَا كَمَا فِي قَوْله " نَار تلظى " أَصله تتلظى بتاءين فَلم تحذف هَهُنَا فعلى هَذَا تكون الرَّاء مَضْمُومَة وعَلى الأَصْل رِوَايَة الْأصيلِيّ وَقَوله " قدماه " مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل " تفطر ".

( حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا مسعر عَن زِيَاد قَالَ سَمِعت الْمُغيرَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول إِن كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليقوم أَو ليُصَلِّي حَتَّى ترم قدماه أَو ساقاه فَيُقَال لَهُ فَيَقُول أَفلا أكون عبدا شكُورًا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
( ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة.
الأول أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن.
الثَّانِي مسعر بِكَسْر الْمِيم بن كدام العامري الْهِلَالِي مر فِي بابُُ الْوضُوء بِالْمدِّ.
الثَّالِث زِيَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن علاقَة الثَّعْلَبِيّ مر فِي آخر كتاب الْإِيمَان.
الرَّابِع الْمُغيرَة بن شُعْبَة.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَفِيه السماع وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رجال إِسْنَاده كوفيون وَهُوَ من الرباعيات وَفِيه مسعر عَن زِيَاد.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ فِي الرقَاق عَن خَلاد بن يحيى عَن مسعر حَدثنَا زِيَاد بن علاقَة والحفاظ من أَصْحَاب مسعر رووا عَنهُ عَن زِيَاد وَخَالفهُم مُحَمَّد بن بشر وَحده فَرَوَاهُ عَن مسعر عَن قَتَادَة عَن أنس أخرجه الْبَزَّار.

     وَقَالَ  الصَّوَاب عَن مسعر عَن زِيَاد وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة أبي قَتَادَة الْحَرَّانِي عَن مسعر عَن عَليّ بن الْأَقْمَر عَن أبي جُحَيْفَة قيل أَخطَأ فِيهِ أَيْضا وَالصَّوَاب مسعر عَن زِيَاد بن علاقَة ( قلت) مسعر كَمَا روى عَن زِيَاد روى أَيْضا عَن عَليّ بن الْأَقْمَر فَمَا وَجه التخطئة وَلم يبين مدعيها ( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق عَن خَلاد بن يحيى وَفِي التَّفْسِير عَن صَدَقَة ابْن الْفضل عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأخرجه مُسلم فِي أَوَاخِر الْكتاب عَن قُتَيْبَة وَعَن ابْن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة وَبشر بن معَاذ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَعمر بن مَنْصُور وَفِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة أَيْضا عَن أبي عوَانَة بِهِ وَفِي الرقَاق عَن سُوَيْد بن نصر وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن هِشَام بن عمار ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " إِن كَانَ ليقوم " كلمة إِن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَهِي بِكَسْر الْهمزَة وَضمير الشَّأْن فِيهِ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير أَنه كَانَ وَاللَّام فِي ليقوم مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة " ليقوم يُصَلِّي " وَفِي حَدِيث عَائِشَة " كَانَ يقوم من اللَّيْل " قَوْله " أَو ليُصَلِّي " شكّ من الرَّاوِي قَوْله " حَتَّى ترم " قد مر تَفْسِيره عَن قريب وَفِي رِوَايَة خَلاد بن يحيى " حَتَّى ترم أَو تنتفخ " وَعند التِّرْمِذِيّ " حَتَّى انتفخت قدماه " وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي تَفْسِير الْفَتْح " حَتَّى تورمت " وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة حَتَّى تزلع وَلَا اخْتِلَاف فِي الْحَقِيقَة فِي هَذِه الرِّوَايَة لِأَن كلهَا ترجع إِلَى معنى وَاحِد وروى الْبَزَّار من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سفينة عَن أَبِيه عَن جده " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تعبد قبل أَن يَمُوت وَاعْتَزل النِّسَاء حَتَّى صَار كَأَنَّهُ شن " وَفِي سَنَده مُحَمَّد بن الْحجَّاج قَالَ ابْن معِين لَيْسَ بِثِقَة قَوْله " أَو ساقاه " شكّ من الرَّاوِي وَفِي رِوَايَة خَلاد " قدماه " من غير شكّ قَوْله " فَيُقَال لَهُ " لم يذكر الْمَقُول وَلَا بَين الْقَائِل من هُوَ أما الْمَقُول فمقدر تَقْدِيره فَيُقَال لَهُ غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه الْبَزَّار " فَقيل لَهُ يَا رَسُول الله أتفعل هَذَا وَقد جَاءَك من الله أَن قد غفر لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر " وَفِي حَدِيث أنس أخرجه الْبَزَّار أَيْضا وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط " فَقيل لَهُ أَلَيْسَ قد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر " وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أخرجه الطَّبَرَانِيّ الصَّغِير " فَقيل لَهُ يَا رَسُول الله أوليس الله قد غفر لَك " وَفِي حَدِيث النُّعْمَان بن بشير أخرجه الطَّبَرَانِيّ " فَقيل يَا رَسُول الله أوليس الله قد غفر لَك " وَفِي حَدِيث أبي جُحَيْفَة أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير " فَقيل يَا رَسُول الله قد غفر الله لَك " وَأما بَيَان الْقَائِل فَفِي حَدِيث عَائِشَة " لم تصنع هَذَا يَا رَسُول الله وَقد غفر الله لَك " وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة " فَقيل لَهُ أتتكلف هَذَا " قَوْله " أَفلا أكون عبدا شكُورًا " الْفَاء فِيهِ للسَّبَبِيَّة بَيَان أَن الشُّكْر سَبَب للمغفرة والتهجد هُوَ الشُّكْر فَلَا يتْركهُ ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) قَالَ ابْن بطال فِيهِ أَن أَخذ الْإِنْسَان على نَفسه بالشدة فِي الْعِبَادَة وَإِن أضرّ ذَلِك بِبدنِهِ وَله أَن يَأْخُذ بِالرُّخْصَةِ ويكلف نَفسه بِمَا سمحت إِلَّا أَن الْأَخْذ بالشدة أفضل لِأَنَّهُ إِذا فعل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد غفر لَهُ فَكيف من لم يعلم أَنه اسْتحق النَّار أم لَا وَإِنَّمَا ألزم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أنفسهم شدَّة الْخَوْف لعلمهم عَظِيم نعْمَة الله عَلَيْهِم وَأَنه ابتدأهم بهَا قبل اسْتِحْقَاقهَا فبذلوا مجهودهم فِي شكره مَعَ أَن حُقُوق الله تَعَالَى أعظم من أَن يقوم بهَا الْعباد.

     وَقَالَ  بعض الْعلمَاء مَا ورد فِي الْقُرْآن وَالسّنة من ذكر ذَنْب لبَعض الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام كَقَوْلِه { وَعصى آدم ربه فغوى} وَنَحْو ذَلِك فَلَيْسَ لنا أَن نقُول ذَلِك فِي غير الْقُرْآن وَالسّنة حَيْثُ ورد ويؤول ذَلِك على ترك الأولى وَسميت ذنوبا لعظم مقدارهم كَمَا قَالَ بَعضهم حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين وعَلى هَذَا فَمَا وَجه قَول من سَأَلَهُ من الصَّحَابَة بقوله " أتتكلف هَذَا وَقد غفر لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر " وَالْجَوَاب أَن من سَأَلَهُ عَن ذَلِك إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا وَقع فِي سُورَة الْفَتْح وَلَعَلَّ بعض الروَاة اختصر عزو ذَلِك إِلَى الله لما جَاءَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة " تفعل ذَلِك وَقد جَاءَك من الله أَن قد غفر لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر " وَلَك أَن تَقول دلّ قَوْله " وَمَا تَأَخّر " على انْتِفَاء الذَّنب لِأَن مَا لم يَقع إِلَى الْآن لَا يُسمى ذَنبا فِي الْخَارِج وَأَرَادَ الله تأمينه بذلك لشدَّة خَوفه حَيْثُ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنِّي لأعلمكم بِاللَّه وأشدكم لَهُ خشيَة " فَأَرَادَ لَو وَقع مِنْك ذَنْب لَكَانَ مغفورا وَلَا يلْزم من فرض ذَلِك وُقُوعه وَالله تَعَالَى أعلم.
وَفِي " أَفلا أكون عبدا شكُورًا " أَن الشُّكْر يكون بِالْعَمَلِ كَمَا يكون بِاللِّسَانِ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى { اعْمَلُوا آل دَاوُد شكرا} فَإِذا وَفقه الله تَعَالَى لعمل صَالح شكر ذَلِك بِعَمَل آخر ثمَّ يكون شكر ذَلِك الْعلم الثَّانِي بِعَمَل آخر ثَالِث فيتسلسل ذَلِك إِلَى غير نِهَايَة