فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من نام أول الليل وأحيا آخره

(بابُُ منْ نامَ أوَّلَ اللَّيْلِ وَأحْيَا آخِرَهُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان شَأْن من نَام أول اللَّيْل وأحي آخِره بِالصَّلَاةِ أَو بِقِرَاءَة الْقُرْآن أَو بِالذكر.

وقالَ سَلْمَانُ لأِبِي الدَّرّدَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا نَمْ فَلَمَّا كانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ قُمْ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَ سَلْمَانُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن سلمَان الْفَارِسِي أَمر لأبي الدَّرْدَاء بِالنَّوْمِ فِي أول اللَّيْل، ويالقيام فِي آخِره، وَهَذَا التَّعْلِيق مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل أوردهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَدَب من حَدِيث أبي جُحَيْفَة، قَالَ: (آخى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين سلمَان وَأبي الدَّرْدَاء، أقرى سلمَان أَبَا الدَّرْدَاء فَرَأى أم الدَّرْدَاء مبتذلة، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنك، قَالَت: أَخُوك أَبُو الدَّرْدَاء لَيْسَ لَهُ حَاجَة فِي الدُّنْيَا، فجَاء أَبُو الدَّرْدَاء فَصنعَ لَهُ طَعَاما، فَقَالَ: كل فَإِنِّي صَائِم، قَالَ: مَا أَنا بآكل حَتَّى تَأْكُل، فَأكل، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل ذهب أَبُو الدَّرْدَاء يقوم، فَقَالَ: نم، فَنَامَ فَذهب يقوم، فَقَالَ: نم، فَلَمَّا كَانَ آخر اللَّيْل قَالَ سلمَان: قُم الْآن.
قَالَ: فصلينا، فَقَالَ سلمَان: إِن لِرَبِّك عَلَيْك حَقًا.
وَلِنَفْسِك حَقًا، ولأهلك عَلَيْك حَقًا، فأعط كل ذِي حق حَقه، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق سلمَان) .



[ قــ :1107 ... غــ :1146 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حَدثنَا شُعْبَةُ وحدَّثني سُلَيْمَانُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ الأسْوَدِ قَالَ سألْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَيْفَ كانَ صَلاةُ النبيِّ بِاللَّيْلِ قالَتْ كانَ يَنامُ أوَّلَهُ ويَقُومُ آخِرَهُ فَيُصَلِّي ثُمَّ يرْجِعُ إلَى فِراشِهِ فإذَا أذَّنَ المُؤَذَّنُ وَثَبَ فَإِن كانَ بِهِ حاجَةٌ اغْتَسَلَ وَإلاَّ تَوَضِّأَ وخَرَجَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ ينَام أَوله وَيقوم آخِره) .

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثالثٍّ سُلَيْمَان بن حَرْب الواشحي.
الرَّابِع: أَبُو إِسْحَاق السبيعِي عَمْرو بن عبد الله.
الْخَامِس: الْأسود بن يزِيد.
السَّادِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: السُّؤَال.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: شَيْخَانِ للْبُخَارِيّ كِلَاهُمَا بصريان وَشعْبَة واسطي وَأَبُو إِسْحَاق وَالْأسود كوفيان.
وَفِيه: حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد: وَفِي رِوَايَة أبي ذَر قَالَ أَبُو الْوَلِيد: وَهَذَا يدل على شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه مُعَلّق.
وَالثَّانِي: أَن سِيَاق البُخَارِيّ الحَدِيث على لفظ سُلَيْمَان بن حَرْب، وَالتَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي خَليفَة عَن أبي الْوَلِيد.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن بنْدَار.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، كِلَاهُمَا عَن غنْدر عَن شُعْبَة، وَأخرجه مُسلم: حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس، قَالَ: حَدثنَا زُهَيْر، قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق (ح) وَحدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: أخبرنَا أَبُو خَيْثَمَة (عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: سَأَلت الْأسود بن يزِيد عَمَّا حدثته عَائِشَة عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَت: كَانَ ينَام أول اللَّيْل ويحيي آخِره، ثمَّ إِن كَانَت لَهُ حَاجته ثمَّ ينَام، فَإِذا كَانَ عِنْد النداء الأول قَالَت: وثب، وَلَا وَالله مَا قَالَت: قَامَ، فَأَفَاضَ عَلَيْهِ المَاء، وَلَا وَالله مَا قَالَت: اغْتسل، وَأَنا أعلم مَا تُرِيدُ، وَإِن لم يكن جنبا تَوَضَّأ وضوء الرجل للصَّلَاة ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فَإِن كَانَ لَهُ حَاجَة قضى حَاجته) ، يَعْنِي: الْجِمَاع، وَجَوَاب: إِن الَّذِي هُوَ جَزَاء الشَّرْط مَحْذُوف، تَقْدِيره: فَإِن كَانَت لَهُ حَاجَة قضى حَاجته.
وَقَوله: (اغْتسل) ، لَيْسَ بِجَوَاب، وَإِنَّمَا هُوَ يدل على الْمَحْذُوف، وَفِي رِوَايَة مُسلم الْجَواب مَذْكُور كَمَا ترَاهُ،.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: هَذَا حَدِيث يغلط فِي مَعْنَاهُ الْأسود، فَإِن الْأَخْبَار الْجِيَاد: (كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب تَوَضَّأ وَأمر بذلك من سَأَلَهُ) .
قيل: لم يرد الْإِسْمَاعِيلِيّ بِهَذَا أَن حَدِيث الْبابُُ غلط، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن أَبَا إِسْحَاق حدث بِهِ عَن الْأسود بِلَفْظ آخر غلط فِيهِ، وَالَّذِي أنكرهُ الْحفاظ على أبي إِسْحَاق فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ مَا رَوَاهُ الثَّوْريّ عَنهُ بِلَفْظ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينَام وَهُوَ جنب من غير أَن يمس مَاء) .
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: يرَوْنَ هَذَا غَلطا من أبي إِسْحَاق.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينَام جنبا قبل أَن يغْتَسل.
وَفِيه: الاهتمام فِي الْعِبَادَة والإقبال عَلَيْهَا بالنشاط، وَلَفْظَة الْوُثُوب تدل عَلَيْهِ.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَكلمَة: الْفَاء، تدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْضِي حَاجته من نِسَائِهِ بعد إحْيَاء اللَّيْل، وَهُوَ الجدير بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ الْعِبَادَة مُقَدّمَة على غَيرهَا.