فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب صلاة الضحى في السفر

( بابُُ صَلاةِ الضُّحى فِي السَّفَرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان صَلَاة الضُّحَى حَال كَون الَّذِي يُصَلِّي فِي السّفر، وَالضُّحَى، بِالضَّمِّ وَالْقصر: فَوق الضحوة، وَهِي ارْتِفَاع أول النَّهَار، و: الضحاء، بِالْفَتْح وَالْمدّ هُوَ إِذا علت الشَّمْس إِلَى ربع السَّمَاء فَمَا بعده.



[ قــ :1135 ... غــ :1175 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدثنَا يَحْيى عنْ شُعْبَةَ عنْ تَوْبَةَ عنْ مُورِّقٍ قَالَ.

قُلْتُ ل ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أتُصَلِّي الضُّحَى قَالَ لاَ.

قُلْتُ فَعُمَرُ قَالَ لاَ.

قُلْتُ فأبُو بَكْرٍ قَالَ لاَ.

قُلْتُ فالنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ إخالُهُ.

قَالَ ابْن بطال: لَيْسَ هَذَا الحَدِيث من هَذَا الْبابُُ، وَإِنَّمَا يصلح فِي: بابُُ من لم يصل الضُّحَى، وَأَظنهُ من غلط النَّاسِخ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يَلِيق بِالْبابُُِ الَّذِي بعده لَا بِهَذَا الْبابُُ،.

     وَقَالَ  غَيرهمَا: إِن فِي تَوْجِيه ذَلِك مَا فِيهِ من التعسفات الَّتِي لَا تشفي العليل، وَلَا تروي الغليل، حَتَّى قَالَ بَعضهم: يظْهر لي أَن البُخَارِيّ أَشَارَ بالترجمة الْمَذْكُورَة إِلَى مَا رَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق الضَّحَّاك بن عبد الله الْقرشِي ( عَن أنس بن مَالك قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صلى فِي السّفر سبْحَة الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات) ، فَأَرَادَ أَن تردد ابْن عمر فِي كَونه صلاهَا أَولا، لَا يَقْتَضِي رد مَا جزم بِهِ أنس، بل يُؤَيّدهُ حَدِيث أم هانىء فِي ذَلِك.
انْتهى.
قلت: لَو ظهر لَهُ تَوْجِيه هَذِه التَّرْجَمَة على وَجه يقبله السَّامع لما قَالَ قولا تنفر عَنهُ سجية ذَوي الأفهام، فليت شعري كَيفَ يَقُول: إِن البُخَارِيّ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى حَدِيث أنس الَّذِي فِيهِ الْإِثْبَات الْمُقَيد، وَحَدِيث الْبابُُ الَّذِي فِيهِ النَّفْي الْمُطلق؟ ثمَّ يَقُول: فَأَرَادَ أَن تردد ابْن عمر.
.
إِلَى آخِره؟ فَكيف يَقُول: إِنَّه تردد؟ بل جزم بِالنَّفْيِ فَيَقْتَضِي ظَاهرا رد مَا جزم بِهِ أنس بالإثبات.
فَمن لَهُ نظر وَمَعْرِفَة بهيئة التَّرْكِيب.
كَيفَ يَقُول بِأَن ابْن عمر تردد فِي هَذَا؟ والتردد لَا يكون إلاَّ بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات.
وَهُوَ قد جزم بِالنَّفْيِ مَعَ تكْرَار حرف النَّفْي أَربع مَرَّات، وَيُمكن أَن يُوَجه وَجه بالاستئناس بَين التَّرْجَمَة وحديثي الْبابُُ اللَّذين أَحدهمَا: عَن ابْن عمر، وَالْآخر عَن أم هانىء، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، بِأَن يُقَال: معنى التَّرْجَمَة: بابُُ صَلَاة الضُّحَى فِي السّفر هَل يُصَلِّي أَو لَا؟ فَذكر حَدِيث ابْن عمر إِشَارَة إِلَى النَّفْي مُطلقًا، وَحَدِيث أم هانىء إِشَارَة إِلَى الْإِثْبَات مُطلقًا، ثمَّ يبْقى طلب التَّوْفِيق بَين الْحَدِيثين، فَيُقَال: عدم رُؤْيَة ابْن عمر من الشَّيْخَيْنِ وَمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الضُّحَى لَا يسْتَلْزم عدم الْوُقُوع مِنْهُم فِي نفس الْأَمر، أَو يكون المُرَاد من نفي ابْن عمر نفي المداومة لَا نفي الْوُقُوع أصلا، وَنَظِير ذَلِك مَا قَالَت عَائِشَة فِي حَدِيثهَا الْمُتَّفق عَلَيْهِ: ( مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسبح سبْحَة الضُّحَى وَإِنِّي لأسبحها) ، وَفِي رِوَايَة: ( لاستحبها) ، وَمَعَ هَذَا ثَبت عَنْهَا فِي ( صَحِيح مُسلم) أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبعا، فمرادها من النَّفْي عدم المداومة.
وَحكى النَّوَوِيّ فِي ( الْخُلَاصَة) عَن الْعلمَاء: أَن معنى قَول عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: ( مَا رَأَيْته يسبح سبْحَة الضُّحَى) ، أَي: لم يداوم عَلَيْهَا، وَكَانَ يُصليهَا فِي بعض الْأَوْقَات فَتَركهَا فِي بَعْضهَا خشيَة أَن تفرض.
قَالَ: وَبِهَذَا يجمع بَين الْأَحَادِيث.
فَإِن قلت: يُعَكر على هَذَا مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر من الْجَزْم بِكَوْنِهَا محدثة، وَكَونهَا بِدعَة أما الأول: فَمَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور بِإِسْنَاد صَحِيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: إِنَّهَا محدثة، وَإِنَّهَا لمن أحسن مَا أَحْدَثُوا.
وَأما الثَّانِي: فَمَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَن الحكم بن الْأَعْرَج، قَالَ: سَأَلت ابْن عمر عَن صَلَاة الضُّحَى؟ فَقَالَ: بِدعَة، نعمت الْبِدْعَة.
قلت: أجَاب القَاضِي عَنهُ: أَنَّهَا بِدعَة، أَي: ملازمتها وإظهارها فِي الْمَسَاجِد مِمَّا لم يكن يعْهَد، لَا سِيمَا وَقد قَالَ: ونعمت الْبِدْعَة، قَالَ: وَرُوِيَ عَنهُ: مَا ابتدع الْمُسلمُونَ بِدعَة أفضل من صَلَاة الضُّحَى، كَمَا قَالَ عمر فِي صَلَاة التَّرَاوِيح: لَا إِنَّهَا بِدعَة مُخَالفَة للسّنة.
قَالَ: وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود لما أنكرها على هَذَا الْوَجْه،.

     وَقَالَ : إِن كَانَ وَلَا بُد فَفِي بُيُوتكُمْ، لم تحملون عباد الله مَا لم يحملهم الله، كل ذَلِك خيفة أَن يحسبها الْجُهَّال من الْفَرَائِض.

( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة.
الأول مُسَدّد وَقد تكَرر ذكره.
الثَّانِي يحيى بن سعيد الْقطَّان الْأَحول.
الثَّالِث شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الرَّابِع تَوْبَة بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن كيسَان أَبُو الْمُوَرِّع بِفَتْح الْوَاو وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة الْعَنْبَري مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة.
الْخَامِس مُورق بِضَم الْمِيم وَفتح الْوَاو وَتَشْديد الرَّاء المكسوة ابْن المشمرج بِضَم الْمِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وَفتح الرَّاء وبالجيم كَذَا ضَبطه الْكرْمَانِي بِفَتْح الرَّاء وَضبط غَيره بِكَسْرِهَا.
السَّادِس عبد الله بن عمر بن الْخطاب ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي عشرَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته كلهم بصريون مَا خلا الْحجَّاج فَإِنَّهُ واسطي وَقيل مُورق كُوفِي وَفِيه أَنه لَيْسَ للْبُخَارِيّ عَن تَوْبَة إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث آخر وَفِيه أَنه لَيْسَ للْبُخَارِيّ عَن مُورق عَن ابْن عمر غير هَذَا الحَدِيث وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ لِأَن تَوْبَة من التَّابِعين الصغار وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَفِيه أَن هَذَا الحَدِيث أَيْضا من أَفْرَاده ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " تصلي الضُّحَى " أَي أَتُصَلِّي صَلَاة الضُّحَى قَوْله " قَالَ لَا " أَي قَالَ ابْن عمر لَا أُصَلِّي قَوْله " فعمر " أَي أفيصلي عمر قَالَ لَا أَي لم يكن يُصَلِّي قَوْله " فَأَبُو بكر " أَي أفيصلي أَبُو بكر الصّديق قَالَ لَا أَي لم يكن يُصَلِّي قَوْله " فالنبي " أَي أفيصلي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَالَ لَا أخاله " أَي لَا أَظُنهُ إِنَّه صلى وَهُوَ بِكَسْر الْهمزَة وَهُوَ الْأَفْصَح وَجَاز فِي جَمِيع حُرُوف المضارعة الْكسر إِلَّا الْيَاء فَإِنَّهُ اخْتلف فِيهِ وَبَنُو أَسد يَقُولُونَ أخال بِالْفَتْح وَهُوَ الْقيَاس وَهُوَ من خلت الشَّيْء خُيَلَاء وخيلة ومخيلة وخيلولة أَي ظننته وَهُوَ من بابُُ ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا الَّتِي تدخل على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر فَإِن ابتدأت بهَا أعلمت وَإِن وسطتها أَو أخرت فَأَنت بِالْخِيَارِ بَين الإعمال والإلغاء وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومفعوله الثَّانِي مَحْذُوف تَقْدِيره لَا أَظُنهُ مُصَليا أَو لَا أَظُنهُ صلى



[ قــ :1136 ... غــ :1176 ]
- ( حَدثنَا آدم قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن مرّة قَالَ سَمِعت عبد الرَّحْمَن ابْن أبي ليلى يَقُول مَا حَدثنَا أحد أَنه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الضُّحَى غير أم هانىء فَإِنَّهَا قَالَت أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل بَيتهَا يَوْم فتح مَكَّة فاغتسل وَصلى ثَمَانِي رَكْعَات فَلم أر صَلَاة قطّ أخف مِنْهَا غير أَنه يتم الرُّكُوع وَالسُّجُود) قد ذكرنَا وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا وآدَم ابْن إِيَاس وَعَمْرو بن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء وَأم هانىء بنت أبي طَالب أُخْت عَليّ شقيقته وَاسْمهَا فَاخِتَة ( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) قد ذكرنَا فِي بابُُ من تطوع فِي السّفر هَذَا الْفَصْل وَغير مُسْتَوفى فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة الحَدِيث وَأخرجه بَقِيَّة السِّتَّة قَوْله " وَفِي قَول عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى مَا أَخْبرنِي أحد أَنه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الضُّحَى إِلَّا أم هانىء " دَلِيل على أَنه أَرَادَ بِهِ صَلَاة الضُّحَى الْمَشْهُورَة وَلم يرد بقوله " الضُّحَى " الظَّرْفِيَّة كَمَا احْتمل ذَلِك فِي حَدِيث أنس الَّذِي مضى ذكره وَكَذَلِكَ قَول عبد الله بن حَارِث بن نَوْفَل عِنْد مُسلم " سَأَلت وحرصت على أَن أجد أحدا من النَّاس يُخْبِرنِي أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى سبْحَة الضُّحَى فَلم أجد غير أم هانىء " الحَدِيث على أَن بعض الْعلمَاء كَمَا حكى القَاضِي عِيَاض أنكر أَن يكون فِي حَدِيث أم هانىء إِثْبَات لصَلَاة الضُّحَى قَالَ وَإِنَّمَا هِيَ سنة الْفَتْح يَوْم فتح مَكَّة قَالَ وَقيل إِنَّمَا كَانَت قَضَاء لما شغل عَنهُ تِلْكَ اللَّيْلَة بِالْفَتْح عَن حزبه فِيهَا قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ فَاسد بل الصَّوَاب صِحَة الِاسْتِدْلَال بِهِ فقد ثَبت " عَن أم هانىء أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْفَتْح صلى صَلَاة الضُّحَى ثَمَانِي رَكْعَات يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِهَذَا اللَّفْظ بِإِسْنَاد صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ وَفِيه الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد لِأَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وَعبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل ذكرا أَنَّهُمَا لم يخبرهما أحد بذلك إِلَّا أم هانىء وَهَذَا مَذْهَب أهل السّنة فَلَا يعْتد بِخِلَاف من خَالف ذَلِك قَوْله " دخل بَيتهَا يَوْم فتح مَكَّة فاغتسل " ظَاهره أَن الِاغْتِسَال وَالصَّلَاة كَانَا فِي بَيت أم هانىء بعد دُخُول مَكَّة للتعبير بِالْفَاءِ الْمُقْتَضِيَة للتَّرْتِيب والتعقيب ( فَإِن قلت) روى مَالك فِي موطئِهِ " إِن أم هانىء " ذهبت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَوَجَدته يغْتَسل " الحَدِيث قَالَ عِيَاض وَهَذَا أصح لِأَن نزُول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا كَانَ بِالْأَبْطح وَقد وَقع مُفَسرًا فِي حَدِيث سعيد بن أبي هِنْد عَن أبي مرّة بِمثل حَدِيث مَالك وَفِيه " وَهُوَ فِي قُبَّته بِالْأَبْطح " ( قلت) لَا مَانع أَن يكون صلى بِالْأَبْطح ثَمَانِي رَكْعَات وَصلى فِي بَيتهَا ثَمَانِي رَكْعَات وَأَن يكون اغْتسل مرَّتَيْنِ فَلَعَلَّهُ بعد أَن نزل بِالْأَبْطح دخل بَيتهَا فاغتسل وَصلى وَخرج إِلَى منزله بِالْأَبْطح فاغتسل وَصلى الصَّلَاتَيْنِ صَلَاة الضُّحَى وَالْأُخْرَى إِمَّا شكرا لله تَعَالَى على الْفَتْح أَو استذكارا لما فَاتَهُ من قِيَامه بِاللَّيْلِ فَإِنَّهُ قد صَحَّ أَنه كَانَ إِذا لم يقم من اللَّيْل صلى بِالنَّهَارِ ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة فَلَعَلَّهُ كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَة صلى الْوتر فَقَط ثَلَاثًا ثمَّ صلى بِالنَّهَارِ ثمانيا وَالله تَعَالَى أعلم ( فَإِن قلت) فِي حَدِيث ابْن أبي أوفى الْآتِي ذكره أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى يَوْم الْفَتْح رَكْعَتَيْنِ فَكيف الْجمع بَينه وَبَين حَدِيث أم هانىء ( قلت) من صلى ثمانيا فقد صلى رَكْعَتَيْنِ وَلَعَلَّ ابْن أبي أوفى رأى من صلَاته رَكْعَتَيْنِ فَأخْبر بِمَا شَاهده وأخبرت أم هانىء بِمَا شاهدت.
وَفِي هَذَا الْبابُُ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وهم أنس وَأَبُو هُرَيْرَة ونعيم بن همار وَقيل هَبَّار وَقيل همام وَالصَّحِيح ابْن همار وَأَبُو نعيم وهم فِيهِ.

     وَقَالَ  نعيم بن حَمَّاد ثمَّ رَجَعَ عَنهُ وَأَبُو ذَر وَعَائِشَة وَأَبُو أُمَامَة وَعتبَة بن عبد السّلمِيّ وَابْن أبي أوفى وَأَبُو سعيد وَزيد بن أَرقم وَابْن عَبَّاس وَجَابِر بن عبد الله وَجبير بن مطعم وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وعائذ بن عَمْرو وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَمْرو وَأَبُو مُوسَى وعتبان بن مَالك وَعقبَة بن عَامر وَعلي بن أبي طَالب ومعاذ بن أنس والنواس بن سمْعَان وَأَبُو بكرَة وَأَبُو مرّة الطَّائِفِي.
فَحَدِيث أنس عِنْد التِّرْمِذِيّ أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من صلى الضُّحَى ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة بنى الله لَهُ قصرا من ذهب فِي الْجنَّة " وَأخرجه ابْن مَاجَه.
وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم من رِوَايَة أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ " عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أَوْصَانِي خليلي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِثَلَاث بصيام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر وركعتي الضُّحَى وَأَن أوتر قبل أَن أرقد " وَحَدِيث نعيم بن همار عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي الْكُبْرَى من رِوَايَة كثير بن مرّة " عَن نعيم قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول قَالَ الله عز وَجل يَا ابْن آدم لَا تعجزني من أَربع رَكْعَات فِي أول النَّهَار أكفك آخِره ".
وَحَدِيث أبي ذَر عِنْد مُسلم من رِوَايَة أبي الْأسود الديلمي " عَن أبي ذَر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ يصبح على كل سلامي صَدَقَة " الحَدِيث وَفِي آخِره " ويجزىء من ذَلِك رَكْعَتَانِ يركعهما من الضُّحَى ".
وَحَدِيث عَائِشَة عِنْد مُسلم أَيْضا من حَدِيث معَاذَة أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة " كم كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي صَلَاة الضُّحَى قَالَت أَربع رَكْعَات وَيزِيد مَا شَاءَ " وَحَدِيث أبي أُمَامَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِن الله يَقُول اركع لي أَربع رَكْعَات من أول النَّهَار أكفك آخِره ".
وَحَدِيث عتبَة بن عبد عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن عَامر أَن أَبَا أُمَامَة وَعتبَة بن عبد حَدَّثَاهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " من صلى صَلَاة الصُّبْح فِي جمَاعَة ثمَّ ثَبت حَتَّى يسبح الله سبْحَة الضُّحَى كَانَ لَهُ كَأَجر حَاج ومعتمر " وَحَدِيث ابْن أبي أوفى عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير أَيْضا من رِوَايَة سَلمَة بن رَجَاء " عَن شعثاء الكوفية أَن عبد الله بن أبي أوفى صلى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ قَالَت لَهُ امْرَأَته إِنَّمَا صليتها رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى يَوْم الْفَتْح رَكْعَتَيْنِ " وَحَدِيث أبي سعيد عِنْد التِّرْمِذِيّ وَانْفَرَدَ بِهِ من حَدِيث عَطِيَّة الْعَوْفِيّ " عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نقُول لَا يَدعهَا ويدعها حَتَّى نقُول لَا يُصليهَا ".
وَحَدِيث زيد بن أَرقم عِنْد مُسلم من رِوَايَة الْقَاسِم بن عَوْف الشَّيْبَانِيّ أَن زيد بن أَرقم رأى قوما يصلونَ من الضُّحَى فَقَالَ أما لقد علمُوا أَن الصَّلَاة فِي غير هَذِه السَّاعَة أفضل إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَالَ صَلَاة الْأَوَّابِينَ حِين ترمض الفصال ".
وَحَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة طَاوس عَن ابْن عَبَّاس يرفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " على كل سلامي من بني آدم فِي كل يَوْم صَدَقَة ويجزىء من ذَلِك كُله رَكعَتَا الضُّحَى " وَحَدِيث جَابر بن عبد الله عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة مُحَمَّد بن قيس " عَن جَابر بن عبد الله قَالَ أتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعرض عَلَيْهِ بَعِيرًا لي فرأيته صلى الضُّحَى سِتّ رَكْعَات ".
وَحَدِيث جُبَير بن مطعم عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة نَافِع بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه أَنه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الضُّحَى.
وَحَدِيث حُذَيْفَة عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه من رِوَايَة عَليّ بن عبد الرَّحْمَن " عَن حُذَيْفَة قَالَ خرجت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى حرَّة بني مُعَاوِيَة فصلى الضُّحَى ثَمَانِي رَكْعَات طول فِيهِنَّ ".
وَحَدِيث عَائِذ بن عَمْرو عِنْد أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير فِيهِ حَدثنِي شيخ " عَن عَائِذ بن عَمْرو قَالَ كَانَ فِي المَاء فَتَوَضَّأ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث قَالَ " ثمَّ صلى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الضُّحَى ".
وَحَدِيث عبد الله بن عمر عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة مُجَاهِد عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يَقُول الله ابْن آدم اضمن لي رَكْعَتَيْنِ من أول النَّهَار أكفك آخِره ".
وَحَدِيث عبد الله بن عَمْرو عِنْد أَحْمد من رِوَايَة أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ " قَالَ بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيَّة " الحَدِيث وَفِيه " ثمَّ خرج " أَي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لسبحة الضُّحَى ".
وَحَدِيث أبي مُوسَى عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من صلى الضُّحَى أَرْبعا بني لَهُ بَيت فِي الْجنَّة ".
وَحَدِيث عتْبَان بن مَالك عِنْد أَحْمد من رِوَايَة مَحْمُود بن الرّبيع " عَن عتْبَان بن مَالك أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى فِي بَيته سبْحَة الضُّحَى " وَحَدِيث عقبَة بن عَامر عِنْد أَحْمد وَأبي يعلى فِي مسنديهما من رِوَايَة نعيم بن هَارُون " عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِن الله عز وَجل يَقُول يَا ابْن آدم اكْفِنِي أول النَّهَار بِأَرْبَع رَكْعَات أكفك بِهن آخر يَوْمك ".
حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْد النَّسَائِيّ فِي سنَنه الْكُبْرَى من رِوَايَة عَاصِم بن ضَمرَة " عَن عَليّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُصَلِّي من الضُّحَى ".
وَحَدِيث معَاذ بن أنس من رِوَايَة زبان بن فائد " عَن سهل بن معَاذ بن أنس الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ من قعد فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى ينْصَرف من صَلَاة الصُّبْح حَتَّى يسبح رَكْعَتي الضُّحَى لَا يَقُول إِلَّا خيرا غفرت لَهُ خطاياه وَإِن كَانَت أَكثر من زبد الْبَحْر " وَإِسْنَاده ضَعِيف.
وَحَدِيث النواس بن سمْعَان عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ قَالَ " سَمِعت النواس بن سمْعَان يَقُول سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول قَالَ الله عز وَجل ابْن آدم لَا تعجزني من أَربع رَكْعَات فِي أول النَّهَار أكفك آخِره ".
وَحَدِيث أبي مرّة الطَّائِفِي عِنْد أَحْمد من رِوَايَة مَكْحُول عَن أبي مرّة الطَّائِفِي قَالَ " سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابْن آدم لَا تعجزني من أَربع رَكْعَات من أول النَّهَار أكفك آخِره " وَبَقِي الْكَلَام هَهُنَا فِي فُصُول الأول فِي عدد صَلَاة الضُّحَى وَقد ورد فِيهَا رَكْعَتَانِ وَأَرْبع وست وثمان وَعشر وثنتا عشر فَالْكل مضى فِي الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة غير عشر رَكْعَات قَالَ ابْن مَسْعُود رُوِيَ عَنهُ مَرْفُوعا " من صلى الضُّحَى عشر رَكْعَات بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة " وَلَيْسَ مِنْهَا حَدِيث يرفع صَاحبه وَذَلِكَ أَن من صلى الضُّحَى أَرْبعا جَازَ أَن يكون رَآهُ فِي حَالَة فعله ذَلِك وَرَأى غَيره فِي حَالَة أُخْرَى صلى رَكْعَتَيْنِ وَرَآهُ آخر فِي حَالَة أُخْرَى صلاهَا ثمانيا وسَمعه آخر يحثه على أَن يُصَلِّي سِتا وَآخر يحث على رَكْعَتَيْنِ وَآخر على عشر وَآخر على ثِنْتَيْ عشر فَأخْبر كل وَاحِد مِنْهُم عَمَّا رأى أَو سمع وَمن الدَّلِيل على صِحَة مَا قُلْنَاهُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّار " عَن زيد بن أسلم قَالَ سَمِعت عبد الله بن عَمْرو يَقُول لأبي ذَر أوصني قَالَ سَأَلتنِي عَمَّا سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ من صلى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لم يكْتب من الغافلين وَمن صلى أَرْبعا كتب من العابدين وَمن صلى سِتا لم يلْحقهُ ذَلِك الْيَوْم ذَنْب وَمن صلى ثمانيا كتب من القانتين وَمن صلى ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة.

     وَقَالَ  صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمًا الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يَوْمًا أَرْبعا ثمَّ يَوْمًا سِتا ثمَّ يَوْمًا ثمانيا ثمَّ ترك ( فَإِن قلت) هَل تزاد على ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة ( قلت) مَفْهُوم الْعدَد وَإِن لم يكن حجَّة عِنْد الْجُمْهُور إِلَّا أَنه لم يرد فِي عدد صَلَاة الضُّحَى أَكثر من ذَلِك وَعدم الْوُرُود بِأَكْثَرَ من ذَلِك لَا يسْتَلْزم منع الزِّيَادَة وَقد رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ سَأَلَ رجل الْأسود فَقَالَ كم أُصَلِّي الضُّحَى قَالَ كم شِئْت.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ وَالصَّوَاب أَن يُصَلِّي على غير عدد وَذهب قوم إِلَى أَن يُصَلِّي أَرْبعا لما رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَل تَدْرُونَ مَا وَفِي وفى فِي عمل يَوْمه بِأَرْبَع رَكْعَات الضُّحَى ".

     وَقَالَ  الْحَاكِم صَحِبت جمَاعَة من أَئِمَّة الحَدِيث الْحفاظ الْأَثْبَات فوجدتهم يختارون هَذَا الْعدَد وَيصلونَ هَذِه الصَّلَاة أَرْبعا لتواتر الْأَخْبَار الصَّحِيحَة فِيهِ وَإِلَيْهِ أذهب وَذكر الطَّبَرِيّ أَن سعد بن أبي وَقاص وَأبي سَلمَة كَانَا يصليان الضُّحَى ثمانيا وَكَانَ عَلْقَمَة وَالنَّخَعِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب يختارون الْأَرْبَع وَعَن الضَّحَّاك أَنه كَانَ يخْتَار رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ أَكْثَرهَا ثنتا عشرَة حَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَنهُ وَجزم بِهِ فِي الْمُحَرر وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج وَخَالف ذَلِك فِي شرح الْمُهَذّب فَحكى عَن الْأَكْثَرين أَنه أَكْثَرهَا ثَمَان رَكْعَات.

     وَقَالَ  فِي الرَّوْضَة أفضلهَا ثَمَان وأكثرها ثنتا عشرَة فَفرق بَين الْأَفْضَل وَالْأَكْثَر وَفِيه نظر من حَيْثُ أَن من صلى ثَمَان رَكْعَات فق فعل الْأَفْضَل فكونه يُصَلِّي بعد ذَلِك رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبعا يكون ذَلِك مفضولا وَينْقص من أجره الْمُتَقَدّم وَهَذَا فِي غَايَة الْبعد.
الْفَصْل الثَّانِي فِي أَن صَلَاة الضُّحَى مُسْتَحبَّة وَقيل كَانَت وَاجِبَة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيَردهُ حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسبح سبْحَة الضُّحَى وَقيل كَانَت من خَصَائِصه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ورد بِأَن ذَلِك لم يثبت بِخَبَر صَحِيح.
وَاخْتلف الْعلمَاء هَل الْأَفْضَل الْمُوَاظبَة عَلَيْهَا أَو فعلهَا فِي وَقت وَتركهَا فِي وَقت فَالظَّاهِر الأول لعُمُوم الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة من قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أحب الْعَمَل إِلَى الله تَعَالَى مَا داوم صَاحبه عَلَيْهِ وَإِن قل " وَنَحْو ذَلِك وروى الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " إِن فِي الْجنَّة بابُُا يُقَال لَهُ الضُّحَى فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد أَيْن الَّذين كَانُوا يديمون صَلَاة الضُّحَى هَذَا بابَُُكُمْ فادخلوه برحمة الله " وروى ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يحافظ على صَلَاة الضُّحَى إِلَّا أواب قَالَ وهذي صَلَاة الْأَوَّابِينَ " وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْأَفْضَل أَن لَا يواظب عَلَيْهَا لحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الَّذِي مضى وَحَكَاهُ صَاحب الأكمال عَن جمَاعَة ورد بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يحب الْعَمَل ويتركه مَخَافَة أَن يفْرض على أمته وَقد روى الْبَزَّار من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ لَا يتْرك صَلَاة الضُّحَى فِي سفر وَلَا غَيره لكنه ضَعِيف الْفَصْل الثَّالِث اسْتدلَّ بِحَدِيث أم هانىء على اسْتِحْبابُُ التَّخْفِيف فِي صَلَاة الضُّحَى لقولها " مَا رَأَيْته صلى صَلَاة قطّ أخف مِنْهَا " ورد أَن التَّخْفِيف فِيهَا كَانَ لأجل اشْتِغَاله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بمهمات الْفَتْح من مَجِيئه إِلَى الْمَسْجِد وخطبته وَأمره بقتل من أَمر بقتْله وَقد روى ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه من حَدِيث حُذَيْفَة " أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الضُّحَى ثَمَانِي رَكْعَات طول فِيهِنَّ " الْفَصْل الرَّابِع فِيمَا يقْرَأ فِيهَا روى الْحَاكِم من حَدِيث أبي الْخَيْر عَن عقبَة بن عَامر قَالَ " أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن نصلي الضُّحَى بالشمس وَضُحَاهَا وَالضُّحَى " الْفَصْل الْخَامِس فِي وَقتهَا يدْخل وَقتهَا من أول النَّهَار بِطُلُوع الشَّمْس لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يعجزني من أَربع رَكْعَات من أول النَّهَار " وَحكى النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة أَن وَقت الضُّحَى يدْخل بِطُلُوع الشَّمْس وَلكنه يسْتَحبّ تَأْخِيرهَا إِلَى ارْتِفَاع الشَّمْس وَخَالف ذَلِك فِي شرح الْمُهَذّب وَحكى فِيهِ عَن الْمَاوَرْدِيّ أَن وَقتهَا الْمُخْتَار إِذا مضى ربع النَّهَار وَجزم بِهِ فِي التَّحْقِيق وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث زيد بن أَرقم أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مر بِأَهْل قبَاء وهم يصلونَ الضُّحَى حِين أشرقت الشَّمْس فَقَالَ صَلَاة الْأَوَّابِينَ إِذا رمضت الفصال وَهَذَا يدل على جَوَاز صَلَاة الضُّحَى عِنْد الْإِشْرَاق لِأَنَّهُ لم ينههم عَن ذَلِك وَلَكِن أعلمهم أَن التَّأْخِير إِلَى شدَّة الْحر صَلَاة الْأَوَّابِينَ قَوْله " إِذا رمضت الفصال " هُوَ أَن تحمى الرمضاء وَهِي الرمل فتبرك الفصال من شدَّة حرهَا وإحراقها أخفافها